كيف يعالج الخطيب مشاكل الأمة؟

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

إن الناظر في المجتمعات المسلمة اليوم يجد أنها تزخر بألوان من المشكلات المتنوعة وكلها من العيار الثقيل، فمنها المشكلات العقدية كالحكم بغير ما أنزل الله، وعبادة القبور والنذر لأصحابها، ومنها المشكلات الاجتماعية كغلاء المهور والعنوسة وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام، ومنها المشكلات الأخلاقية مثل التحرش والسباب والعلاقات المحرمة، ومنها المشكلات الاقتصادية كالرشوة وضياع الأمانة والمحسوبية، ومنها المشكلات المتعلقة بقضايا الأمة العامة كتفشي الظلم والمنكرات العامة وغير ذلك، ومنها المشكلات النفسية كمشكلات القلق...

 

 

 

والخطيب الماهر المخلص كالطبيب الحاذق، فهو لا يقف فقط على علاج ظواهر المرض وعوارضه، بل يتغلغل في أصل الداء وأسبابه حتى يضع العلاج الناجع الذي يقطع دابر المرض -بإذن الله-، والخطيب إذا انعزل عن مشاكل أمته وأمراض مجتمعه، وحبس نفسه في مكتبه وسط أوراقه وكتبه، فإن كلاماته تكون مثل الدمى لا روح فيها ولا حياة، لا تدخل قلبا ولا تغير نفسا، ولا تقيم حقا، ولا تقمع باطلا، لذلك كان على الخطيب واجب الوقوف على مشاكل أمته، والمساعدة في حلها والتصدي لها حتى يكون بحق امتدادا لوظيفة خير البشر. ويجب التنبيه على الخطباء مراعاة الضوابط العامة للمشاركة في علاج أزمات الأمة.

 

الضوابط العامة في علاج مشاكل الأمة

 

أولا: أنه يجب على الخطيبِ أن تكون معالجَتَه للمشكلات على المنبر منضبطة بالضوابط الشرعية المعلومة في إنكار المنكر ومن ذلك:

 

 1ـ الإخلاص لله -عز وجل-.

 

 2 ـ مراعاة المصالح والمفاسد.

‌ 3 ـ العلم بأن ما يريد النهي عنه منكر أو ما يريد الأمر به معروف.

 

‌  4 ـ المعالجة للأمر بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

ثانياً: أن يتوجه إلى الناس بما يستطيعون القيام به، فلا يخاطب العوام بما يخرج عن قدرتهم، أو بمنكر ليسواهم القائمين عليه، أو يخاطبهم عن المنكر العام الذي فعله غيرهم من الجهة التي تدخل تحت قدرتهم فإن الناس من يتكلم عن منكر من المنكرات ولا يذكر ما يمكن للناس عمله تجاه ذلك المنكر فيؤجج مشاعرهم فيقفون موقف المحتار الذي لا يدري ما يعمل، وقد يصير بعض الناس إلى أعمال غير شرعية في تغيير ذلك المنكر.

 

ثالثاً: ألا يركز الخطيب على الجانب السلبي فقط من علاج الأزمات، وهو جانب الإنكار فقط، بل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإن مشكلات الناس إما ترك لمعروف أو فعل لمنكر، بل مع فشو المنكرات لا بد أن يكون ثمة ألوانا من المعروف مهجورة، وأنواعا من الخيرات مهملة، كما قال أهل العلم: "إذا هجرت السنن، ظهرت البدع"، والعكس، وأن الناس لو شغلوا بأعمال الخير والمشاريع الخيرية النافعة لم يكن عندهم فضل وقت لغيرها. فالمعالجات للوقائع الحادثة تنقسم إلى قسمين:

 

1ـ معالجة المنكرات، ولاسيما ما كان منها قريب العهد، وهو حديث الناس، ويراعى في معالجة هذه المنكرات أكبرها ضرراً وأسوأها أثرًا، وعند تحذير الناس من ذلك المنكر يدلل على حرمته وخطره من القرآن والسنة، ويحصر أضراره ومساوِئه في جميع الجوانب، ويحض على تركه والنوبة منه، مبينا الموقف من ذلك المنكر وسبل معالجته.

 

2ـ الحض على أعمال صالحة ومشاريع نافعة ويذكر أدلة فضل تلك الأعمال وما في القرآن والسنة من بيان أجر عاملها ومزايا هذا العمل ونتائجه وخطورة تَركه والإعراض عنه، وأن هذا الإعراض من مشكلات الأمة الحادثة التي يجب علاجها.

 

رابعاً: ألا يركز الخطيب على لون من ألوان المشكلات، فإن ا لمجتمع فيه مشكلات كثيرة تحتاج إلى علاج، وبعضها إذا عولج ستتم معالجة مشكلات كثيرة، لذلك فإن من الأفضل التركيز على أمهات المشاكل ورؤوس الأزمات، والتي بحلها ستنحل معها مشكلات كثيرة فرعية، وقد تكون هناك مشكلة متعبة لأناس كثر وهم يبحثون عن علاجها، والخطباء أو بعضهم عنها غافلون. ومن ذلك مثلاً: أن خطيبا خطب عن القلق وطرق دفعه ومعالجته إذا وقع فوقعت الخطبة موقعاً عظيما من الناس وطلب صورتَها ليقرأها طوائف كثيرة منهم، وذلك لأنهم يعانون من المشكلة، والقلق حقيقته عرض مشكلات أخرى، والساعي في علاج نفسه من القلق علاجًا شرعيًا سيعالج تلك المشكلات.

 

خامساً: أن صلاة الجمعة صلاة يشهدها جماعات من الناس مختلفة المشارب متنوعة من كل وجه، فمنها البر والفاجر والصالح والفاسق، وضعيف النفس والجاهل، فعلى خطيب الجمعة عند الحديث عن المنكرات والمعاصي ألا يوغل في وصف تلك المنكرات، وبيان أماكنها وطريقة أهل الشر، فإن ذلك الوصف مدعاة إلى عكس كما أراده الخطيب. فالخطيب الحاذق يصون جانب المنبر ومقام الخطبة من الخوض في تفاصيل مؤلمة ومقززة عن المنكرات والمعاصي، فالإشارة تغني عن العبارة، وفي الاقتصار على الألفاظ الشرعية في بيان المنكرات غنية عن الخوض في مصطلحات الناس الجديدة، إلا أن يكون لا مناص من ذكر هذه المصطلحات، مثل" التفحيط " مثلاً هكذا.

 

سادساً: أن الكلام عن حدث من الأحداث أو منكر من المنكرات العامة قد يعالج بطريق يسبب ضرراً أكبر كأن يتحدث الإنسان عن ذلك المنكر والقائمين عليه، ويصف أحوالهم وأعمالهم، فيركز على الذوات والأشخاص أكثر من المنكر نفسه، فينسى المستمعون أصل الأزمة والمشكلة ويتعلقون بالاسم، الشخص والهيئة، بينما يمكن أن يعالج الموضوع بطريقة حكيمة كأن يتحدث الخطيب عن موضوع مناسب لما وقع، يفهم الناس عن طريقه الموقف الشرعي الرشيد من القضية.

 

وأذكر مثلين على ذلك:

 

الأول: في بلد مسلم كرم رجل لا يستحق التكريم لأمور أعظمها أنه غير مسلم، وأنه لم يفعل شيئاً يستحق التكريم، فضج أحدُ الخطباء يخطب وأوغل في ذكر ما جرى من تكريم للرجل بما هو ليس من أهله. ولكن خطيبا خطب خطبة عن موازين رفع الناس وخفضهم، ولم يتطرق للحدث، ولكن الظرف الزماني ساعد الناس على الفهم، وأصل الرجل الموضوع تأصيلاً شرعياً لا يقتصر على مجرد ما وقع ولكنه يشمله ويشمل نظائره من الأحداث.

 

الثاني: تحدث في بلد تجاوزات بسبب فرح بأمر كفوز فريق أو نحو ذلك، فتصدر الجهات الرسمية بيانات ويتكلم بعض الخطباء عن ما حدث ولكن الأفضل من ذلك بالنسبة للخطيبِ أن يضع للناس موازين شرعية في الفرح والسرور ومتى يكون ذلك وبم يكون؟، والذين يفعلون ذلك يجعلون للمنبر حرمة ومكانة مع أ نهم قد أعذروا إلى الله ببيان الحكم.

 

 

سابعاً: اتباع الضوابط الشرعية في النصح والنقد، فإن الناس تقع منهم أخطاء، ويقع بعضهم في منكرات يراها الخطيب، فينصح عن طريق المنبر ويبين الحق، وهنا يجب أن ينبه إلى جملة ضوابط حتى يؤدى النصح ثمرته ولا المنصوح إلى التمادي على الخطأ فمن تلك الضوابط:

 

الضابط الأول: الإخلاص لله -عز وجل- وأن يكون هدف الناصح الإصلاح فالنية أصل جميع الأعمال، وبحسبها يكون ثواب الناصح يقول ا? (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) [البينة: 5]، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى". ويكون قدوة الخطيب الداعية إلى الله في ذلك الأنبياء والرسل الذين كانوا مخلصين؛ فدعوتهم للإصلاح كما، قال شعيب -عليه الصلاة والسلام- فيما حكاه ا? عنه (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) وعلى الخطيب أن يجاهد نفسه بإصلاح النية، لأن في النصح العلني ما فيه من أغراض النفس، والموفق من وفق للتجرد ? عز وجل.

 

الضابط الثاني: ألا يجرح ذوات الأشخاص ولا يفتري عليهم فيذكر خبرًا غير صادق نقله من أفواه الناس، وهذا الضابط أثر من آثار الضابط السابق فإن من صلحت نيته لم يجرح أحدًا من الخلق، بل هدفه الإصلاح. وغالب حال النبي -صلى الله عليه وسلم- في توجيه النصح قوله: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا".  

 

الضابط الثالث: البعد عن تصيد الأخطاء أو الإلزام بلوازم الأقوال والأفعال أو محاولة لي النصوص لتكون وسائل إدانة للمنصوحين.

 

الضابط الرابع: أن يكون الناصح لطيفاً في نصحه مبتعدًا عما يثير في المنصوح العناد أو التمادي على الباطل، وأن يهتدي بهدي سيد المرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يوجه وينصح في الخطب فيقول في نصحه: "ما بال أقوام"، وقد ورد عنه هذا كثيرًا فمن ذلك قول عائشة -رضى الله عنها-: " صنع النبي-صلى الله عليه وسلم- شيئاً ترخص فيه وتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يتترهون عن الشيء أصنعه فوالله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية " دون تسميتهم .  

 

الضابط الخامس: أن يكون عالما بما ينصح به: فلا ينصح عن فعل أمر هو غير متأكد من حرمته ولا ينصح بفعل أمر هو غير متأكد من مشروعيته. ويفيد علمه بما ينصح فيه إقامة الحجج والبراهين وإقناع الناس بما يريد؛ لأن كلامه إذا لم يكن مقنعًا ربما كان فتنة للآخرين، بل ربما كان في قلوب بعض المنصوحين من الشبهة ما يمنعهم من قبول النصحية إلا إذا كانت بأسلوب مقنع وحجة ظاهرة.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات