كيف يحفظ الأمن؟

ناصر بن محمد الأحمد

2015-02-14 - 1436/04/25
عناصر الخطبة
1/أهمية الأمن في حياة الفرد والمجتمع 2/خطورة الانفلات الأمني 3/لماذا الحديث عن الأمن؟ 4/وسائل حفظ الأمن

اقتباس

إذا عم الأمن البلاد، وألقى بظله على الناس، أمن الناس على دينهم، وأمن الناس على أنفسهم، وأمن الناس على عقولهم، وأمنوا على أموالهم وأعراضهم ومحارمهم، ولو كتب الله الأمن على أهل بلد من البلاد، سار الناس ليلاً ونهاراً لا يخشون إلا الله. وفي رحاب الأمن وظله تـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد:

 

إن من أعظم نعم الله -عز وجل- على بني الإنسان بعد نعمة الدين والإسلام، هو نعمة الأمن والاستقرار.

 

إن حاجة الإنسان للأمن والاطمئنان، كحاجة الطعام والشراب والعافية للأبدان، كيف لا وقد جاء الأمن في القرآن والسنة، مقروناً بالطعام، الذي لا حياة للإنسان ولا بقاء له بدونه، وقد امتن الله به على عباده، وأمرهم أن يشكروا هذه النعم، بإخلاص العبادة له، فقال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)[قريش: 3- 4].

 

وقال تعالى، في الوعد بحسن الجزاء وعظيم المثوبة للمؤمنين: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)[الأنعام: 82].

 

إذا عم الأمن البلاد، وألقى بظله على الناس، أمن الناس على دينهم، وأمن الناس على أنفسهم، وأمن الناس على عقولهم، وأمنوا على أموالهم وأعراضهم ومحارمهم، ولو كتب الله الأمن على أهل بلد من البلاد، سار الناس ليلاً ونهاراً لا يخشون إلا الله.

 

وفي رحاب الأمن وظله تعم الطمأنينة النفوس، ويسودها الهدوء، وتعمها السعادة، قال عليه الصلاة والسلام: "من أصبح آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".

 

إذا اجتمع الإسلام والقوت للفتى *** وكان صحيحاً جسمه وهو في آمن

فقد ملك الدنيا جميعاً وحازها *** وحق عليه الشكر لله ذي المن

 

وكذلك العكس -أيها الإخوة- فإذا سلب الله بعزته وقدرته وحكمته، لو سلب الأمن من بلد ما، فتصور كيف يكون حال أهله؟ لو خرج ابنك إلى الشارع لا تأمن عليه، لو ذهبت بنتك إلى المدرسة خشيت إلا ترجع إليك؟ لو ذهبت أنت إلى العمل، جلست على مقعد العمل قلقاً على نسائك ومحارمك في المنزل، إضافة إلى سرقات البيوت، وسرقة السيارات، وقطاع الطرق في السفر، وغيرها كثير؟ كم من البلاد الآن عاقبهم الله -جل وعلا- بنزع الأمن من بلادهم، فعاش أهلها في خوف وذعر، في قلق واضطراب، ليل نهار، لا يهنئون بطعام، ولا يتلذذون بشراب، ولا يرتاحون بمنام، كل ينتظر حتفه بين لحظة وأخرى، عم بلادهم الفوضى، وانتشر الإجرام، لا ضبط ولا أمن، فنسأل الله -عز وجل- أن يرحمنا برحمته، وأن لا يوصلنا إلى هذه النهاية.

 

أيها المسلمون -عباد الله-: إن الله -عز وجل- سنّ سنناً في كونه، وحدّ حدوداً في شرعه، من خالفها أو تجاوزها، فلا يلومنّ بعد ذلك إلا نفسه.

 

ومن ذلك أنه سبحانه وتعالى جعل هناك حدود، وأمر عباده بحفظ أشياء، لو ضيعوها ولم يحفظوها كان عقابهم سلب الأمن منهم، فلننبه على بعض منها، فإذا كنا واقعين فيها، نتدارك ذلك بتوبة نصوح، قبل أن يحل بنا ما حل بغيرنا، وإن لم نكن واقعين بها -فالحمد لله- ولنحذرها، ونتوقاها.

 

أيها الأحبة: لا أخفيكم سراً إذا قلت لكم بأن الذي دفعني إلى التحدث في هذا الموضوع ما سمعت وسمعتم ما يحصل في الآونة الأخيرة، من كثرة السطو على المنازل، وكثرة السرقة من المحلات التجارية وكسرها ليلاً، بل وسرقة السيارات.

 

في خلال الأسبوع الماضي لوحده أكثر من ثلاث بيوت ممن حولنا، كُسرت وسُرقت، إذاً كم يكون إحصائية الأسبوع الماضي لوحده، على مستوى المدينة، ثم ما حولنا من المدن ثم على مستوى المنطقة، إلى أن نصل إلى مستوى البلاد أتصور أنها أرقام مذهلة مروعة.

 

حقاً إن هذا الموضوع يزعج، وإذا لم يوضع له حد ونهاية، فإن العواقب لا تحمد عقباها، ليس بعد ضياع الأمن شيء.

 

الإنسان يمكن أن يعيش وهو يعاني الفقر الجوع العطش، لكن لا يعيش مع الفوضى والقلاقل والاضطرابات.

 

إذاً، لابد أن يسعى كل منا لتحقيق الأمن، ودفع أسباب نزعه، منها ما هو واجب الفرد، ومنها ما هو واجب المجتمع، ومنها ما هو واجب الدولة.

 

وإليكم -أيها الأحبة- وسائل حفظ الأمن فمما يجب حفظه، لكي يحفظنا الله -عز وجل- بأمنه أن نحفظ ونحافظ على ما شرعه تعالى من إقامة الحدود على المجرمين، التي فيها زجر للناس.

 

فالله -سبحانه وتعالى- قد شرع لنا وأمرنا بأن نقيم حدوده المنصوص عليها في كتابه، أو في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك لكي ينزجر الناس عن الجرأة على المعاصي، التي نهى الله –تعالى- عنها، ولكي يستقر حال المجتمع، ولكي يأمن الناس على أموالهم وأعراضهم، فلو أمن السارق بأن يده لا تقطع، وأمن الزاني بأنه سوف لا يرجم، وأمن شارب المسكر بأنه لا يجلد، وأمن المرابي والغاش والمزوّر بأنه لا يعزر، ماذا تتوقعون أن يكون حال ذلك المجتمع، هل يسوده أمن؟.

 

لا، والله، وإذا أقيم حدٌ، فعلي ضعيف، أو على من لا يد عنده، عند فلانٍ أو فلان، يمر الأشهر تلو الأشهر في طول البلاد ولا نسمع ولا نرى حدوداً تقام، فهل يدل هذا على التزام الناس كلهم بشرع الله، وأن المجتمع قد خلا من الفواحش والمنكرات، لا نتصور ذلك، ونحن نرى ونسمع كل يوم ما يشيب له الرضيع من الأهوال والمزعجات، من تفسخ الناس وانحلالهم وارتكابهم لأفظع الجرائم، إلا من رحم الله.

 

لقد لعن الله أقواماً، كان إذا سرق فيهم القوى تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، ولهذا لمّا جاء ذلك الصحابي يستشفع في المرأة التي سرقت، لكي لا يقيم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليها الحد، قال عليه الصلاة والسلام: "والله لو سرقت فاطمة بنت محمد، لقطع محمدٌ يدها".

 

إقامة حدود الله -عز وجل-، كانت تسير الضعينة من شرق البلاد إلى غربها، لا تخشى إلا الله، والذئب على غنمها.

 

لكن عندما صار المسلمون يعطلون إقامة حدود الله -عز وجل-، ولا يأبهون بها، بل ويستبدلونها بتشريعات من عقولهم العفنة في كثير من الأحيان، وفي كثير من البلاد، عاقبهم الله سبحانه، بنزع الأمن منهم.

 

إن إقامة حدود الله، يخيف الناس، ويردعهم، فيثبت بذلك أركان المجتمع، أما أن يسرق ذاك الألوف المؤلفة، ثم يترك، ويبلع الآخر بالملايين، ولا يعرض أصلاً على حكم الله، والثالث يرتكب الزنا والفواحش والذين حوله يعلمون عنه، والناس تتناقل أخباره، وروائح جرمه ومنكراته وشقته بلغت كل مكان، ولا يقام عليه حد، والرابع سكيّر عربيد، بل قد جعل من بيته مصنعاً للخمر، ثم يتستر عليه ويُسكت عنه.

 

أسألكم بالله من أين يُنزل الله أمنه؟ وكيف تريدون بعد ذلك أن يرحمنا الله بأمنه، ويكلنا برعايته، إذا ضيعنا حدوده؟.

 

إذا أمن الناس العقوبة، استشرى فيهم الجريمة والفوضى، قال الله -تعالى-: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[البقرة: 229].

 

أيها المسلمون: ومما يجب علينا حفظه، لو أردنا حفظ الأمن علينا: أن نحفظ العقول، أن نحفظ عقول المسلمين مما يفسدها، ويضر بها، سواء كانت مفسدات مادية أو مفسدات معنوية.

 

يجب حفظ عقول الناس من كل مسكر، ومن كل مخدر.

 

وكذلك المحافظة على عقول الناس من التصورات الفاسدة، والأفكار المنحرفة، عقول الناس لو أصابها العطب، وأصابها الخدر، ماذا يكون النتيجة؟

 

النتيجة، إقبال الناس على الشهوات، وانتشار المعاصي، مما يقل وازع الخوف من الله عند الناس، فيفعل كل شخص ما يريد، فيترتب عليه الفوضى، وقلة الأمن.

 

أيها المسلمون: إن المحافظة على عقول الناس من أهم أسباب حفظ الأمن؛ لأن الناس لو استقامت عقولهم صاروا يفكرون فيما ينفعهم، ويبتعدون عما يضرهم، لو استقامت عقول الناس، لاستقامت حياتهم؛ لأنهم سوف يبحثون عما يرضي الله فيفعلونه، ويتعرفون عما يغضب الله فيبتعدون عنه.

 

إذاً، هناك علاقة كبيرة بين المحافظة على عقول الناس، وبين استقرار الأمن عندهم.

 

أيها المسلمون: ماذا تتوقعون من مجتمع أهمل عقول الناس، بل سعى إلى إفسادها وتخريبها، مادياً ومعنوياً، لم يحكم الرقابة والضبط، عمّا يفسد عقول الناس مادياً، كذلك لم يحكم الرقابة والضبط عما يفسد عقول الناس معنوياً، فإذا أتيت إلى إعلامه، هالك ما ترى فيه، سواءً كان إعلاماً مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً، جميع أنواع المخالفات الشرعية، من غناءٍ محرم، وصور عارية، وأخلاق رديئة، وكلمات فاضحة وأفكار علمانية، وحداثة حقيرة تافهة كل هذا وغيره ماسك على عقول الناس فأفسدها، ولم يدع لها لحظة واحدة تفكر في دينها، أو تفكر في عاقبتها، أو حتى تفكر فيما ينفعها في دنياها، فصار أغلب الناس إلا من رحم الله يعيش في خواءٍ فكري، وفراغ عقلي، لو جاءه الحظر يعلم عنه، ولو سلبت خبراته ما علم عنه، بل لو استبدل حالة من أمن إلى فوض وجريمة، لربط هذا بالحضارة المعاصرة.

 

فاتقوا الله -أيها المسلمون- حافظوا على هذه النعمة، نعمة العقل، لا تفسدوها بتصورات وأخلاق دخيلة على دين الإسلام، حافظوا على عقولكم من كل ما يضرها في دينها ودنياها، وحافظوا على عقول أبنائكم ذكوراً وإناثاً، خصوصاً من هذا الخطر الجديد الذي دهم علينا بيوتنا -البث المباشر- زبالة الغرب، ونتنه وسمومه، يجلس أمامه الرجال والنساء، الصغار والكبار على أنه مسلسلات أو مسرحيات أو نحوها، وهي في حقيقتها دعوة إلى النصرانية، أو دعوة إلى اللادينية، إضافة إلى ما فيها من نشر وبث الأخلاق السيئة، والعادات الرذيلة التي يمجها صاحب الفطرة السليمة.

 

كيف نريد من شبابنا بعد ذلك أن لا يسرق؟! فأين الأمن في الأوطان؟ والغرب مد وجه كل قواه علينا، هو يقصد التغريب، ونحن تلقيناه على أنه ترفيه وتسلية؟.

 

إن الأمن لا يمكن أن يحصل إلا في ظل شريعة الله حكماً وتحاكماً، مع المحافظة على العقول وفق منهج الله، ولو فرطنا في تحكيم كتاب الله، فبطن الأرض خير لنا من ظاهرها: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2 – 3].

 

بارك الله لي...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: لا أمن في الأوطان، إلا بحفظ الدين، ومما أمرنا الله بحفظه، حفظ الأنساب، فحرم الله الزنا، قال الله -تعالى-: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)[الإسراء: 32].

 

وقال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)[النــور: 2].

 

فكما أن الله حرم الزنا حرم جل وعز وسائله، من النظر المحرم أو الكلام المحرم، والسماع المحرم.

 

فإذا أردنا أن يحفظ الله علينا الأمن، علينا أن نمنع كل وسيلة تُؤدى إلى الزنا، أو إلى أسبابه، أو حتى مقدماته، وإن التساهل في مثل هذه الأمور شرها عظيم، وعاقبتها معروفة، والناظر بعين البصيرة إلى مجتمعات المسلمين اليوم، يرى تسيباً واضحاً في هذا المجال، شباب تائه على وجهه، حائر في أمره، يُسر له كل سبل الفاحشة والرذيلة، لا وازع ديني يمنعه، ولا نظام صارم يردعه، بل إن أنظمة بعض الدول الإسلامية تشجع على الزنا، وتدافع عنه، وتسن له القوانين والأنظمة، والدول الأخرى أسباب الانحراف فيها ميسورة، اختلاط في كل مكان، وتعري في كل ناحية، ثم لا نريد أن يقع الناس في الشهوات المحرمة، هذا لا يمكن أبداً.

 

فخلاصة القول: أن نمنع كل وسيلة تؤدي إلى الزنا، لو أردنا أن يحفظ الله علينا أمن بلادنا، أما أن يبقى الفساد على ما هو عليه وكل يوم في ازدياد، وأن يبقى تبرج النساء في الشوارع والأسواق والشواطئ على ما هو عليه، وكل يوم في ازدياد، وأن يترك دعاة التغريب والعلمنة ينشرون فسادهم وانحلالهم، وكل يوم في ازدياد وتمكين، فإذا بقيت هذه الأمور على ما هي عليه فلا شك بأن هذا من أقوى أسباب نزع البركة والخير والأمن من البلاد.

 

فنسأل الله -عز وجل-أن يوفقنا إلى نشر كل خير وفضيلة، ومنع كل شرر ورذيلة.

 

اللهم آمنا في أوطاننا...

 

اللهم ولعلينا خيارنا...

 

اللهم اغننا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

 

 

 

 

المرفقات

يحفظ الأمن؟

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات