عناصر الخطبة
1/حقيقة الإسلام 2 /المقصود بعلو الإسلام 3 /النفس ودورها في التمكين 4 /أهمية الصلة بالله 5/كيف تكون وليا لله تعالى؟ 6/تطبيق دين الله في الأرض 7/ أهمية نشر الحب بين الناس 8/القوة في الحق 9 /التحذير من تكبيل المعاصي وتثبيطها 10/أهمية الثبات في نصرة الديناقتباس
بداية الطريق تبدأ من النفس، من ذات الإنسان، فلابد أن تكون أنت مسلمًا مؤمنًا، صادقًا في إسلامك وفي إيمانك، لابد وأن ترتبط بالله -سبحانه- ارتباطًا قويا، يجعلك تعتز به، وتستغيث به، وتلجأ إليه، وتطمع في رحمته، وتخشى عذابه. هذا الارتباط بالله، يجعلك تـ...
الخطبة الأولى:
الإسلام يقين في الأفئدة، وزكاة في النفوس، وشرف في الأخلاق، وسمو في المسالك، على نحو ما قال الرسول الكريم: "إِنَّ اللهَ -تعالى- يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُوِر وَأَشرَافَهَا، وَيَكَرهُ سَفْسَافَهَا".
وفي كل شبر من الأرض، وفي كل لحظة من الزمن، نستطيع أن نقدم هذا الإسلام مستقى من الكتاب والسنة، وتطبيقات الراشدة واجتهادات كبار الأئمة وأفهام أولي الألباب.
هذا الإسلام، هذا الدين العظيم، يهمنا جميعًا أن يعلو، وأن ينتصر، وأن يمكن له في الأرض، فكيف يمكن أن يحدث ذلك؟!
لقد بين الله -سبحانه وتعالى- لنا أن بداية الطريق تبدأ من النفس: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: 9- 10].
فبداية الطريق تبدأ من النفس، من ذات الإنسان، فلابد أن تكون أنت مسلمًا مؤمنًا، صادقًا في إسلامك وفي إيمانك، لابد وأن ترتبط بالله -سبحانه- ارتباطًا قويا، يجعلك تعتز به، وتستغيث به، وتلجأ إليه، وتطمع في رحمته، وتخشى عذابه.
هذا الارتباط بالله، يجعلك تعمل بكل أوامره، وتجتنب كل نواهيه، يجعلك تلهج بذكره سبحانه، فيتحرك به لسانك ويتأثر به قلبك.
لا بد أن تعمل ما في وسعك لتكون وليًا من أولياء الله، وهذا الأمر ليس مستحيلًا، فإنك تستطيع أن تكون منهم بسهولة إذا آمنت واتقيت. إذا صدقت بقلبك مع الله -سبحانه وتعالى-، واجتنبت ما حرم الله، وفعلت ما أمرك الله به، فأنت ولي من أولياء الله -تعالى- الذين قال فيهم سبحانه: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) [يونس: 62- 63].
إذا أكلت الحلال، وبعُدت عن الحرام، صرت مقربًا من ربك، مستجاب الدعوة؛ كما جاء في الأثر: "أطِبْ مطعمك تكنْ مستجاب الدعوةِ".
إذا لم تغرك الدنيا، ولم يغرك الشيطان، ولم يفتنك الهوى، ولم تأسرك المرأة، ولم تكن عبدًا للدرهم والدينار، فأنت ولي من أولياء الله -تعالى-.
إذا رفضت الشهوات التي تكبك في النار، وثبت على الحق، وأعليت كلمة الله، ورفعت راية لا إله إلا الله، وتجاوبت مع المؤذن خمس مرات في اليوم والليلة وهو يقول: "الله أكبر، الله أكبر" فأنت ولي من أولياء الله.
والله -تعالى- أعطى أولياءه كل خير، وأبعد عنهم السوء، إلا ما كتبه لهم، وأعطاهم السعادة في الدنيا والآخرة، ويوم تحول المسلمون إلى أولياء الله -تعالى-، أنزل الله عليهم الملائكة، وفتح لهم آفاق الأرض، وجعل الحياة سهلة كلها بين أيديهم، ونصرهم على أعدائهم؛ لأنهم أولياء الله، والله -سبحانه- يقول: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) [محمد: 11].
ثانيًا: إذا أردت نصرة دين الله، فلابد أن تكون ممثلًا لدين الله في الأرض، فإذا رآك الناس، رأوا إنسانا على الحق ثابتًا، رأوا إنسانا في سبيل الله مضحيا، رأوا مسلمًا رحيمًا ودودًا.
رأوا إنسانًا اتصف بما وصف الله به المؤمنين في قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الفرقان: 63-66].
لابد أن يشعر بإسلامك زوجتك، وأن يشعر بإسلامك أولادك، وأن يشعر بإسلامك جيرانك، ولابد أن يشعر بإسلامك عمالك وخدمك، لابد أن يشعر بإسلامك مجتمعك، أما إن كنت ظالمًا في تصرفاتك، مستهترًا في حياتك، تبكي الآخرين، وتظلم الضعفاء، وتزني وتسكر وترتشي، وتغش وتحارب؛ ضد دين الله، ثم تدعي بعد ذلك أنك مسلم تقي، أو مسلم معتدل؛ كما تزعم، وأنك تريد نصرة الإسلام، فهذا كذب وغش ونفاق، وصاحبه خداع مراوغ، يحتاج لأن يعيد حساباته من جديد، وأن يبدأ حياة إيمانية حقيقية، تعتمد على الصدق والوضوح والالتزام بأوامر الإسلام قولًا وعملًا، إذا أراد السعادة في الدنيا والآخرة، وإذا أراد نصرة الإسلام.
ثالثا: إذا أردت نصرة الإسلام يجب أن تنشر الحب بين الناس، نعم لأن الحب قرين للإيمان في قول نبينا محمد: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا".
إن الأمة الإسلامية عانت الكثير من الشقاء، وعانت الكثير من البلاء، بسبب فقدان الحب والعطف، واستبدالهما بالبغض والقسوة.
صحيح أن الإنسان إذا رآكم في المسجد انشرح صدره، وصفت نفسه، وأحس بالسعادة بينكم؛ لأنه يشعر أنه بين إخوانه المؤمنين المتحابين، لكن إذا ما خرج الإنسان من دائرة المسجد، ومن دائرة إخوانه الذين يحبهم ويحبونه، وانطلق في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، وانطلق في الشارع وفي المجتمع، وجد الكره والبغض والنزاع والشقاق، المسلم يحمل السلاح على المسلم، والمسلم يدمر أخاه المسلم، المسلم يحقد ويحسد ويغش أخاه المسلم في عرضه وماله ونفسه -إلا من رحم الله-.
سبحان الله! أين هؤلاء عن قول الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]؟!
أين هم عن قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "والَّذي نفسي بيدِه، لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتَّى تحابُّوا"؟!
نعم "حتى تحابوا" نعم الحب؛ لأن حب المؤمنين يمنع التعالي والاستكبار عليهم، الحب يمنع اللمز والهمز والسخرية بالمسلمين واحتقارهم، الحب يمنع الظلم والغش والاعتداء.
الحب يجعلك مع كل مسلم، تؤثره على نفسك، فإن لم تستطع عاملته بما تحب أن يعاملك به، وهذا هو الإيمان، فقد قال رسول الله: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
إذن لابد من زرع الحب، ازرعه بالكلمة الطيبة، بالابتسامة، بالمساعدة، بالتكافل الاجتماعي، بالعمل الصالح، واشعر في نفسك بأنك تحب كل مسلم ولو كان عاصيا لله، فإن كان عاصيا فأنت تحبه لإسلامه، وتبغض فيه معصيته، وذلك ممكن، جاء في الأثر أن أبا الدرداء مر على رجل قد أصاب ذنبًا، فكانوا يسبونه، فقال: "أرأيتم لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مستخرجيه؟" قالوا: بلى، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، قالوا: أفلا نبغضه؟ قال: "إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي".
رابعا: إذا أردت نصرة الإسلام لابد أن يكون عندك صلابة في الحق، لا تتهاون، ولا تتساهل فيما يمس دين الله، ولا يعني ذلك أن تشتبك مع الناس أو تقاتلهم، إنما لابد من الأمر بالمعروف بالمعروف، والنهي عن المنكر بالمعروف: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [التوبة: 71].
فإذا رأيت مرابيًا أو زانيًا أو تارك صلاة أو مرتكبًا لكبيرة من الكبائر، أو متجرئا على دين الله، فانصحه لله، وقل له: "إنك تحب فيه إسلامه، وتبغض معصيته، وأنه يجب عليه أن يكف عما هو فيه؛ لأن الأمر لا يخصه وحده، بل يخص الأمة كلها، والسفينة تسير بالجميع بالبر والفاجر، ولكن الفاجر يمكن أن يغرقها بمن فيها بسوء تصرفه وعصيانه لربه".
ولقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن كان الرجل يلقى الرجل الذي يقع في المنكر، فيقول له: يا أخي، اتق الله ولا تقع في هذه المعصية، ينصحه أول يوم، ثم بعد ذلك يكونُ أكيله وشريبه وقعيده، يعني يخالفه، ومع ذلك يعيش معه ويرضيه، وهذا من الجرائم الكبرى إذا وقع فيها المسلمون؛ لأن الله يقول: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) [هود: 113].
ونحن للأسف الشديد صرنا نرى في هذا الزمان كثيرا من الناس الذين ركنوا إلى الذين ظلموا، وخرست ألسنتهم عن قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكانت النتيجة أن تجرأ بعض الناس على المجاهرة بالمعاصي، فانتشر التبرج والاختلاط، وكثر الذين يجاهرون بترك الصلاة، وعلى الشوارع والأرصفة، وصار البعض لا يبالي بغضب الله عليه أو رضائه فيما يقول ويسمع ويشاهد، وتجرأ الصغار على الكبار، وصارت أقسام الشرطة تشتكي، ومراكز هيئات الأمر بالمعروف تشتكي، والآباء يشتكون، والمصلحون يصيحون، وبعض الناس على أدبارهم القهقرى، ما السبب؟ السبب أننا تركنا الأمر بالمعروف والتناهي بالحق حتى في منازلنا.
في بعض أسرنا الحبل على الغارب، الأب يصلي والأبناء وقت الصلاة في الشوارع، أو في نوم عميق.
الأم محجبة والبنت متبرجة، والأب الذي هو عمود البيت لا حول له ولا قوة، وكأن الأمر لا يعنيه، وكأن الله لم يخاطبه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
وكأن الله لم يخاطبه بقوله: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[العصر: 1-3].
والتواصي بالحق، يعني: كل واحد يوصي غيره بالحق، وأقرب الناس إلى أن توصيهم بالحق من كانوا في ذمتك، من كانوا في حضانتك، من كانوا تحت رعايتك: زوجتك أبناؤك بناتك إخوتك الذين يعيشون معك، الذين يكونون تحت رئاستك وإدارتك، كل من لك سلطان عليه ينبغي أن توصيه بالحق.
فبالحق قامت السماوات والأرض، والحق ما جاء به الإسلام، كل ما جاء به الإسلام من عقائد وعبادات وأعمال وأخلاق فهو حق، فأوصه بالحق سواء كان يتعلق بالدنيا أو بالدين، بأمر الله أو بأمر الناس، ومن هنا كانت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لذا نقول: يا أخي، إذا لم تستطع أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر خارج بيتك واكتفيت عن ذلك بالإنكار بالقلب، وليس وراء ذلك من الإيمان مقدار حبة من خردل، فانصر دين الله في نفسك وفي بيتك، وتحمل مسؤوليتك في ذلك؛ لعلك تعذر أمام الله غدًا، إذا وقفت أمامه وسألك عن رعيتك التي استرعاك إياها ماذا عملت لها، وفعلت بها، فهل أعددت لذلك جوابًا؟
عن أنس بن مالك قال رسول الله: "إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ: حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ".
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
خامسا: إذا أردت نصرة الإسلام لا تجعل معصيتك تمنعك من نصرة الإسلام؛ لأن بعض الناس قد يقول: أنا عاصي، أنا مذنب، أنا مرتكب لكبيرة ما، فكيف أنصر الإسلام بحالتي هذه؟!
ونقول لكل هؤلاء: سنحدثكم عن الصحابي، عن أبي محجن الثقفي الذي ابتلي بشرب الخمر، ولطالما عوقب عليها حتى إنه في معركة القادسية شرب الخمر، فلما علم قائد جيش المسلمين سعد بن أبي وقاص سجنه وحرمه من دخول المعركة، وعندما بدأت المعركة وسمع أبو محجن صهيل الخيول وصيحات الأبطال كاد أن يجن؛ لأنه كان تواقًا لخدمة الإسلام، فترجى زوجة سعد أن تسمح له بالنزول إلى أرض المعركة، ووعدها بأنه سيرجع إلى السجن إن لم يقتل، فرحمته زوجة سعد وأخلت سبيله، وتعرفون بقية القصة فعندما عرف سعد الحقيقة، أكبر هذه النفس، وهذه الغيرة على دين الله، وقام بنفسه إلى هذا الشارب للخمر يحل قيوده بيديه، ويقول: قم فو الله لا أجلدك في الخمر أبدا، وأبو محجن يقول: وأنا والله لا أشربها أبدا.
إذن لا يخلو الإنسان من معصية، فلو ترك كل أحد العمل للإسلام من أجل معصيته ما قام الدين، ولما عز الإسلام والمسلمون.
والذين يستصعبون العمل لنصرة الدين من أجل معاصيهم هم في الواقع ضحايا لوساوس الشيطان؛ لأنه ما حمل مسلم هم الإسلام، إلا عافاه الله من المعاصي التي يرتكبها، ومن عليه بالتوبة، والله -سبحانه- بشر الذين خلطوا عملًا صالحا وآخر سيئًا واعترفوا بسيئاتهم بالتوبة والمسامحة، فقال: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 102].
سادسا: إذا أردت نصرة الإسلام فعليك بالثبات، عليك بالثبات على الإسلام في زمن المتغيرات، في زمن التشكيك في المرجعيات، والتشكيك في الثوابت والمسلمات، في زمن الغارة على البديهيات والقطعيات والمعلوم من الدين بالضرورة. إزاء ذلك كله فلابد من الثبات على الإسلام، الثبات على الطاعة، الثبات على المبادئ، الثبات على المثل، الثبات على الأخلاق، والثبات أمام الشبهات والشهوات، هذا الثبات هو المطلوب منك اليوم لنصرة الإسلام في نفسك وفي مجتمعك، إن ثباتك على الدين هو أكبر نصر تحققه في هذا الزمن. وما أجمل ما قاله الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- عندما قيل له: يا إمام، عانيت ما عانيت في محنتك، ومع ذلك لم نر نصر الله لك!.
فأجاب الإمام الفقيه بقوله: "إن نصر أعدائنا علينا أن يصدوننا عما نؤمن به -وهذا ما لم يتحقق لهم-، وإن نصر الله لنا أن يثبتنا على ما نؤمن به".
إذن الثبات على الإسلام هو صفة كريمة من صفات المؤمنين، تتحقق لهم عن طريق الاهتداء بهدي القرآن الكريم، وبالإقبال على طاعة الله والاعتصام بحبله وهداه، قال سبحانه: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 102].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].
ومتى امتن الله على عباده بالتثبيت فقد تحقق لهم الثبات، لذلكم علمنا رسولنا أن نكثر من قول هذا الدعاء: "يا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ".
كما أننا نجد كثيرا من الأدعية تركز على معنى الثبات، ومن ذلك دعاء عبد الله بن مسعود: "اللَّهُمّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيمَانًا لاَ يَرْتَدُّ وَنَعِيمًا لاَ يَنْفَدُ".
وقال شداد بن أوس: "كان رسول الله يعلمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ".
إذن، الثبات على دين الله -سبحانه- حتى الممات نصر من الله -سبحانه- للإنسان ونصر للإسلام ككل.
أيها الإخوة المؤمنون: إننا ذاهبون إلى الله، فماذا نحن قائلون له إذا كنا استكنا لذل المعاصي ورضينا بهوانها وعشنا عيشة الشهوة ووقعنا في كثير من الشبهات والشهوات، ثم نريد بعد ذلك أن ننصر دين الله؟! فكيف يمكن ذلك؟! لذا لابد أن نعاهد الله -سبحانه وتعالى- على أن نبدأ انطلاقة جديدة تهذب أنفسنا، وتسعد مجتمعنا، وتعز ديننا، فهل نفعل؟!
نرجو ذلك ونتمناه.
وفق الله الجميع لما يجبه ويرضاه.
اللهم صل على من بلغ البلاغ المبين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم