كيف نقوي صلتنا بالله الكريم الأكرم؟

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ كثرة إحسان الله إلى خلقه 2/ الافتقار إلى الله لبّ العبودية 3/ كرم الله وسعة عطائه لعباده 4/ الثقة واليقين برب العالمين 5/ أهمية اللجوء إلى الله سبحانه في جميع الأحوال.

اقتباس

الله ربُّنا (كُلََّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) يَغفرُ ذَنباً، ويُفرّجُ كَرباً، ويَرفعُ قَوماً، ويَضعُ آخرين ويَشفي مريضاً وينصرُ مَظلُومين، ويَقصِم جَبّارين، يُقيلُ عَثرةً، ويَسترُ عورةً، ويؤمِّنُ روَعة.. هو الواحدُ الأحدُ، الفردُ الصمدُ، لم يَلد ولم يُولد ولم يكن له كفُواً أحد.. خلق فسوى، وقدّر فهدى يَبسطُ الرزقَ ويَغدقُ العطاءَ ويُرسلُ النِعم، فالقُ الحَبِ والنوى، الأَولُ ليسَ...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله خلقنا ورزقنا وهدانا للإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له الكريم المنان، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله سيد الأنام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأعلام وسلم تسليماً.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الإنسان مع عَنَت الحياة ومصاعبها والفتن وتنوعها يَبحثُ عمّا يُقويِّه ويساعده لمواجهةِ أَعباءِ الحياةِ ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيمِ بالصلة بهِ واللجوءِ إليهِ -عزَّ في علاه- فلنسبِّح الله دوماً ونتّصلُ به!!

 

يا من ترى قلبي ويسمعُ نبضَه *** أنت العليم بلوعتي وشجوني

يا حيُّ يا قيّوم هبْني رحمةً *** واحفظ عليَّ مع الكرامة ديني

 

إخوتي .. الله ربُّنا (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29]، يَغفرُ ذَنباً، ويُفرّجُ كَرباً، ويَرفعُ قَوماً، ويَضعُ آخرين ويَشفي مريضاً وينصرُ مَظلُومين، ويَقصِم جَبّارين، يُقيلُ عَثرةً، ويَسترُ عورةً، ويؤمِّنُ روَعة.. هو الواحدُ الأحدُ، الفردُ الصمدُ، لم يَلد ولم يُولد ولم يكن له كفُواً أحد.. خلق فسوى، وقدّر فهدى يَبسطُ الرزقَ ويَغدقُ العطاءَ ويُرسلُ النِعم، فالقُ الحَبِ والنوى.

 

الأَولُ ليسَ قَبلهُ شيءٌ، وهو الآخرُ ليسَ بعده شيءٌ، والظَاهِرُ فَليسَ فوقهُ شيءٌ، وهو الباطنُ فليسَ دونهُ شيءٌ حبيبُ الطائعينَ، وأَمانُ الخائِفينَ، يُحبُ التوابينَ ويُحبُ المتطهرين وهو التَوابُ الرحيمُ، ذو الفَضلِ العَظِيمِ.

 

ابتلى إِبراهيمَ بكلماتٍ، وسَمع نداءَ يُونسَ في الظُلُمَاتِ، أَزالَ الكَربَ عن أَيوبَ، وسَخَّر الريحَ لسليمانَ، وفَلقَ البَحرَ لموسى، ورفع إليهِ عيسى، وشقَ القَمر لمحمدٍ عليه السلام ونَجَّى هُوداً وأَهلكَ قومه، وجَعلَ النارَ بَرداً وسَلاماً على إبراهيم، وفدى إِسماعيلَ بذبحٍ عظيم، وجَعلَ عيِسى وأُمه آيةً للعالمين.

 

إنه الله.. إنه الله -جَلَّ جَلالُه-، أَغرق فرعونَ وقومه، ونجّاه ببدنهِ ليكونَ لمن خلفهُ آيةً، وخَسفَ بقارونَ وبدارهِ الأرضَ (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [القصص: 82]، ونجّى يوسفَ من غَياهبِ الجبِ، ومن كيد النساء وجَعلهُ على خزائِن الأرض.

 

إذا أَجدبتِ الأَرضُ، وماتَ الزرعُ، وغَارَ الماءُ، واشتدَ البلاءُ. خَرجَ المستغيثونَ بالشيوخِ الرُّكَعِ، والأَطفَالِ الرُّضَعِ، فاستسقوا.. يا اللهُ…يا الله، فَيُنزِلُ المطر، ويرتوي الناسُ والأرض (وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج: 5].

 

إذا حَلَّ الهمُ والغمُ.. واشتدَ الكربُ وضاقت السبل وعظم الخطب نادى المنادي: يا الله "لا إلهَ إلا الله العظيمُ الحليم، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إِلا الله ربُّ السماواتِ وربِ الأَرضِ وربِ العرشِ الكريم"..

 

فيفرج الهم وينفس الكرب (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 88]، (وَمَا بِكُم مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَُّمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) [النحل: 53]. إِذا اشْتَدّ المرضُ بالمريضِ، وضَعُفَ جِسمهُ وقَلّت حيلته.. وعَجِزَ الطبيب والمُداوي. انطرحَ المريضُ واتَجهَ العَليلُ إلى العَليِّ الجليلِّ ونادى.. يا الله.. سُمعَ الدعاءَ فزالَ الداءُ ودَبّ الشفاء (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83- 84].

 

والسفينة في البحر اللُّجيِّ تهب عليها الزوابع وتلعب بها الأمواج.. توشك على الغرق بركابها فتتجه الأصواتُ لله فجاء عطفه وأشرق ضياؤه.. (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) [الأنعام: 63- 64].

 

إذا حلَّ بالعالِم مُعضلةٌ، وأَشكلت عَليهِ مَسألةٌ، وعَزَّ عليهِ الجوابُ، نادى: يا معلمَ إبراهيم علَّمني  يا مفهم سليمان فهمني "اللَّهمَ ربَّ جبرائِيل وميكَائِيلَ وإِسرافيل فَاطرَ السماواتِ والأَرضِ عالم الغيبِ والشهادةِ أَنَتَ تَحكُمُ بين عِبادِكَ فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلفَ فيهِ من الحقِ بإِذنكَ، إنَكَ تَهدي من تَشاءَ إلى صراطٍ مستقيم".

 

إذا ضاقت بالدعاةِ الدروبُ، وادلهمت الخطوبُ، وطالَ الطريقُ واتُهموا لجأوا إلى رُكنٍ شديدٍ.. ونادوا يا الله.. فَجَاءَ الفرجُ ونُفِّسَ الكَربُ وفُرِّجَ الهم (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام: 110]، فهو تعالى الملاذُ في الشدةِ، والأَنيسُ في الوحشة، والنصير في القلة.. يتجهُ له بطلب الصبر والرضا المكروب.. والخلف والعوض من كل مفقود (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة: 156].

 

ويتجهُ إليهِ المظلومُ أملاً بيوم قريبٍ ينتصرُ فيهِ على ظالمه، فليسَ بين دعوةِ المظلومِ وبين اللهِ حِجاب.. العقيم يسأله الذريّة (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) [مريم: 4-6].

 

 كلُّ هؤلاء عباد الله يسألون الله آملين الجواب، وما ذلك على الله بعزيز فأَيُّ سَكينةٍ يَشعرُ بِها المؤُمنُ حِينَ يَلجأُ لربِّه في ساعةِ العُسرة ويومَ الشدةِ ويتصل به فيدعوهُ بما دعا به صلى الله عليه وسلم.. "اللهم ربِّ السماواتِ السَبعِ، وربِّ العرشِ العظيمِ، ربُنا وربُّ كُلِّ شيءٍ، فَالقِ الحبِّ والنوى، مُنزلِ التوراةِ والإنجيلِ والقرآنِ، أَعوذُ بِكَ من شرِ كُلُّ دابةٍ أَنت آخذ بناصيتها، أَنت الأولُ فَليسَ قبلكَ شيءٌ، وأَنتَ الباطنُ فَليسَ دونَكَ شيءٌ، اقض عنا الدينَ و أَغنني من الفَقرِ" فهو سُلوةُ الطائِعينَ ومَلاذُ الهاربينَ وملَجأُ الخائفينَ.

 

من عَلّقَ نفسهُ بغَيرِ اللهِ فَرجاؤُهُ خَائِبٌ، (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس: 61].

 

أَيُّها الأَحبة: قد يُعطى الإِنسانُ أَموالاً.. وجاهاً وعيالاً.. قد يحفُّ به الخدم ويحيط به الجند وتحرسه الجيوش وترضخ له الناس. وتذل له الرؤوس ولكنه مع ذلك كله فقيرٌ إلى الله، محتاجٌ إلى مولاه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر: 15].

 

 فلذةُ الحياةِ، ومتعتُها، وحَلاوةُ العُمرِ، وراحةُ النفسِ في شعورٍ الإنسانِ بفقرهِ إلى الواحدِ الديان وصلته به ولجوئه إليه.. إذا غُرسَ في القِلبِ هذا الشعور، ونَقشِ في الفؤادِ فهو بدايةُ الغِنى، وانطلاقةُ الرضا في أَن يعيشَ فَقيراً إلى اللهِ، وهذهِ حقيقةُ العبوديةِ وخُلاصةِ التقوى، فالمرءُ في صلاتِه، ودُعَائِه، وسائر عباداتِه يخضع لله ويستسلم له ويتذللُّ بين يديه مُخبتاً وليس ذلك لأحدٍ إلا الله.. ولا يعني ذلك أن يترك المرءُ عمارةَ الدنيا وطلبَ الرزق فقد يكونُ المرءُ من أَكثر الناسِ مَالاً عِيالاً وأَعظمهُم ثَروة، ومع ذلكَ هو عابدٌ من العُبّاد شديدُ الافتقارِ للعزيزِ الجبارِ

يا من يرى ما في الضمير ويسمعُ *** أنت المُعَدُّ لكل ما يتوقعُ

يا من يرجى للشدائد كلها *** يا من إليه المشتكى والمفزع

يا من خزائن رزقه في قول كن *** امنن فإن الخيرَ عندك أجمعُ

ما لي سوى قرعي لبابك حيلةٌ *** فلئن رُدِدتُ فأيّ بابٍ أقرعُ

 

إن الفقرَ إلى الله –تعالى- هو الغِنى والعِزةُ في الدنيا والآخرةِ.. يَزدادُ بِه المرءُ رفعةً وعزّاً وفضلاً لأنه يستغني باللهِ جَلَّ وعلا؟ فهل يكونُ فَقيراً من كان اللهُ معه واللهُ ناصرهُ واللهُ معينهُ واللهُ حافظهُ.. فضعوا حَاجَاتكِم عباد الله دائماً بين يدي الله.. التجأوا إليه واتصلوا به على الدوام واعتمدوا عليهِ فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه. ومن علّقَ حاجاته بالمخلوقين وُكل إليهم وصار ضعيفاً مشركاً بالله ..

 

أيها المؤمنون: إذا كانت هذه عظمة الله وقدرته وجبروته ونصرته للظالم فإنك تتساءل ألا يشعر الظالم والمتسلّط على عباد الله بضعفه مقارنةً بانتقام الله الواحد الأحد الحامي لدينه وشريعته والناصر للمظلوم ومسألتِه.. والله لن يُضّيع عباده (مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ) فأَين َالولي من دونِه جلَّ وعلا؟ وأَينَ الشفيعُ؟ وأَين النصيرُ؟ وهو سبحانهُ المسيطرُ على العرشِ والسماواتِ والأَرضِ وما بينهما أفلا تذكرون؟ إن تَذكر هذهِ الحقيقةِ يَردُ القَلب إلى الافتقار إلى الله.. واللجوءِ إليهِ وحدهُ دون سواه..

 

لقد امتلأ القرآن بذكر فضل الله وضمِّنت كثيراً من الآيات بصفاته وأسمائه تعظيماً لشأنه ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- دوماً يُعلنُ افتقارهُ إلى اللهِ وشِدةَ حاجتِه إليهِ وعَدمَ غِناهُ عَن فَضلِهِ أَو لُطفِهِ ولو لطُرِفةِ عين.. يدعوهُ أن لا يَكله إلى نفسهِ، يَلجَأَ إليهِ في السَراءِ والضَراءِ و يَنطَرِحُ بينَ يَديه في النعماءِ والبأساءِ ونحن جميعاً بالله وفي الله ومع الله بالإيمان والتقوى ودوام النعم..

 

نسأل الله من فضله (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [يوسف: 86].

 

 أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:

 

أَيُّها المسلمونَ: الله جَلَّ جَلالُه، من تَقربَ إليهِ شِبراً تَقربَ إِليهِ ذِراعاً، ومن تَقرّبُ إليهِ ذِراعاً تقربَ إليهِ باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، فالباب مفتوح ولكن من يلج؟ والمجال مفسوح ولكن من يُقبل؟ فمن أَقبلَ إليهِ تَلقاهُ من بعيدٍ، ومن أَعرضَ عَنه، ناداهُ من قريب، ومن تَركَ من أَجلهِ أَعطاهُ فوقَ ومن أَرادَ رضاهُ، أَرادَ ما يُريد، ومن تصرفَ بِحولهِ وقوتِه، أَلان لهُ الحديد.

 

أَهلُ ذِكرهِ هم أَهلُ مجالسَته، وأَهلُ شُكرهِ هم أَهلُ زيادتِه، وأَهلُ طاعتِهِ هُم أَهلُ كَرامته، وأَهلُ مَعصيتهِ لا يقنطهم من رحمتهِ إن تابوا إليهِ فَهو حَبيبُهم، وإِن لم يتوبوا فرحيمٌ بِهم، يَبتليِّهم بالمصَائبِ كفّارة، الحسنةُ عندهُ بِعشرِ أَمثالها إلى سَبعمِائِة ضَعف، إلى أَضعافٍ كثيرةٍ، والسيئةُ عندهُ بواحدةٍ، فإن نَدمَ عَليها واستغفرَ، غَفرها له، يَشكر اليَسير من العملِ، ويَغفر الكثيرِ من الزللِ. اللهم لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك

 

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة *** فلقد علمتُ بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن *** فبمن يلوذ ويستجير المجرم

أدعوك رب كما أمرت تضرعاً *** فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

مالي إليك وسيلة إلا الرجا*** وجميل عفوك ثم إني مسلم

 

أَيُّها الأحبةِ: إِنْ في القلبِ شَعثاً لا يَلمُهُ إلا الإقبالُ على اللهِ، وفيهِ وحَشةٌ لا يُزيلُها إلا الأُنس به في خلوتِه، وفيهِ حزنٌ لا يُذهبه إلا السُرورُ بِمعرفتِهِ وصِدقِ مُعاملَتِه، وفيهِ قَلقٌ لا يَسكنُهُ إلا الاجتماعُ عليهِ والفرارُ مِنهُ إليهِ، وفيهِ نِيرانُ حسراتٍ لا يُطفِئُها إلا الرضى بأَمرهِ ونِهيهِ وقَضائِه ومُعانَقةِ الصبرِ على ذلك إِلى لقائهِ، وفيهِ فاقةٌ لا يَسدها إلا مَحبتهُ والإنابةُ إليهِ ودوامِ ذِكرهِ وصدقِ الإخلاصِ له.

 

سُبحانهُ ما أَعظمهُ وأَرحمهُ، سبقت رَحمتهُ غَضبهَ، وسَبقَ عَفُوهُ عقُوبتَه، لا أحدٌ أَصبر على أَذى خَلقهِ مِنه.. فَسبحانِه من خالق عظيم، جواد كريم، الكرم صفة من صفاته، والجود من أعظم سماته، والعطاء من أجل هباته، فمن أعظم منه جوداً؟ الخلائق له عاصون وهو لهم مراقب، يكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوه، ويتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا، يجود بالفضل على العاصي، ويتفضل على المسيء، من ذا الذي دعاه فلم يستجب له؟! أم من ذا الذي سأله فلم يعطه؟! أم من ذا الذي أناخ ببابه فنحَّاه؟! فهو ذو الفضل ومنه الفضل، وهو الجواد ومنه الجود، وهو الكريم سبحانه ومنه الكرم.

 

يا من ألوذ به فيما أؤمله *** ومن أعوذ به مما أحاذره

لا يجبر الناس عظما أنت كاسره *** ولا يهيضون عظما أنت جابره

 

نسأل الله تعالى أن يبصرنا بحالنا وأن يلهمنا رشدنا.. وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.. وأن يمن علينا برحمته ومغفرته ورضوانه إنه ولي ذلك والقادر عليه..

 

اللَّهُمَّ نسألك فَرَجَكَ القَرِيبَ العاجل لإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ فِي سوريا، وبورما، وفلسطين...

 

 

المرفقات

نقوي صلتنا بالله الكريم الأكرم؟

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات