عناصر الخطبة
1/ مفاهيم الناس عن الإجازة 2/ قيمة الوقت في حياة المسلم 3/ أحوال الناس في الإجازة 4/ منكرات الأفراح 5/ وسائل لتحقيق السعادة في الإجازةاقتباس
حديثي إليكم هذا اليوم: "كيف نحقق السعادة في هذه الإجازة"، نعم، السعادة التي يبحث عنها كل إنسان في هذه الدنيا، والكل بحاجة إلى إجازة سعيدة، ترفع عنه الهموم والأحزان والمصائب، ولكنها -وللأسف- قد تتحول عند البعض إلى إجازةٍ شقيةٍ، تملؤها الأحزان، وتغزوها الآلام، وتبعاتها لا تنتهي بنهاية الحياة، بل تكون في الآخرة، حيثُ الجزاءُ والعقاب والحساب والعذاب، وهذا يحصل...
الحمد لله العلي القدير، ذو اللطف والتدبير، الحمد لله كاشف الهم والبأس، خالق الجن والناس، ومحصي الأعمال والأقوال والأنفاس؛ الحمد لله على جزيل إنعامه وإفضاله، وأشكره على جزيل إحسانه ونواله؛ الحمد لله مسدي النعماء، كاشف الضراء؛ الحمد لله على كل نعمة أنعم بها علينا، وعلى كل بليّة صرفها عنا.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلى الله وسلم عليه ما هطلت الأمطار، وعلى آله وأصحابه ومن سار على منهاجه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-، فلا سعادة ولا صلاح ولا نجاح ولا فلاح إلا بالتقوى؛ كما أوصيكم بحمد الله وشكره على آلائه ونعمائه عليكم، فكم خصكم به من نعمة، وأزال عنكم من نقمة، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38].
عباد الله: حديثي إليكم هذا اليوم: "كيف نحقق السعادة في هذه الإجازة"، نعم، السعادة التي يبحث عنها كل إنسان في هذه الدنيا، والكل بحاجة إلى إجازة سعيدة، ترفع عنه الهموم والأحزان والمصائب، ولكنها -وللأسف- قد تتحول عند البعض إلى إجازةٍ شقيةٍ، تملؤها الأحزان، وتغزوها الآلام، وتبعاتها لا تنتهي بنهاية الحياة، بل تكون في الآخرة، حيثُ الجزاءُ والعقاب والحساب والعذاب، وهذا يحصل عندما تكون هذه الإجازة سبيلاً لمعصية الله -جل وعلا-.
وبعض الناس يعتقد أن الإجازة هي إجازة لكثيرٍ من الأعمال، والبعض الآخر -وللأسف!- يظنها فرصة لفعل ما يحلو له من الذنوب والمحرمات، والبعض الآخر يجدها فرصة للتفلت من كل زمام، وهذا يكون عند كثيرٍ من الشباب والفتيات، وحجتهم أننا نريد إجازة سعيدة؛ لذا كثيرٌ من الناس يبحث عن السعادة في مواطن الشقاء، ويلتمسون الراحة في أماكن العناء، كمن يشرب من البحر ليروى، أو يحتضن الثلج ليدفأ، يتداوى بالتي كانت هي الداء!.
ولكن العاقل الكيّس الفطن يبحث عن السعادة في هذه الإجازة باستغلال وقته وعمره فيما يقربه من مولاه.
عباد الله: هناك وقفة لا بد أن نقفها جميعاً هنا، قبل أن نقفها هناك (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج:4]، وهي أن العمر مادة الحياة، فكيف أمضينا أعمارنا وحياتنا وأوقاتنا؟ وفيما قضيناها؟.
إن حياة المسلم محسوبة، وأنفاسه معدودة، والمسلم الحق يدرك دوماً عِظم الوقت، وعِظم المهمة التي خُلِق من أجلها، وهي عبادة الله، وعمارة الكون، وخلافة الأرض، وهداية الخلق إلى الحق.
واسمعوا لقصة هذا الشاب، يقول: كنت شاباً غافلاً عن الله، غارقاً في المعاصي والآثام، فلما أراد الله لي الهداية، قدّر عليّ حادثاً أعادني إلى رشدي وصوابي.
يقول: في يومٍ من الأيام، وبعد أن قضينا إياماً جميلة في نزهةٍ عائليةٍ في مدينة الدمام، انطلقت بسيارتي على الطريق السريع بين الدمام والرياض، ومعي أهلي وإخوتي، وبدلاً من دعاء السفر استفزني الشيطان لسماع صوته.
إحدى أخواتي كانت صالحة مؤمنة تقية، طلبت مني أن أُسكِت صوت الباطل وأستمع إلى صوت الحق، ولكن استحوذ عليّ الشيطان، وأخذتني العزة بالإثم، فرفضت طلبها، وأخذنا نسخر منها.
وفجأة؛ انفجرت إحدى عجلات السيارة بقدرٍ من الله -تعالى- الذي يعلم السر وأخفى، وكانت السرعة شديدة، فهوت بنا السيارة في منحدرٍ جانبي، وأصبحنا في حالٍ لا يعلمها إلا الله.
خرجنا سالمين، ما عدا أختي التقية الصالحة الصابرة، فقد لفظت أنفاسها تحت الركام، نعم! ماتت! واختارها الله إلى جواره، اسأل الله أن يرفع مكانها ومنزلتها، وأن تكون في عداد الشهداء.
أما أنا فانكشف لي الغطاء، وبانت لي الحقيقة، وعلمت أن الله -جل وعلا- قد أراد بي خيراً، وكتب لي عمراً جديداً، لأبدأ حياةً جديدة ملؤُها الإيمان والصلاح والاستقامة، يقول -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
أخي المبارك: اعلم أن رأس مالك في هذه الحياة دقائق وأيام، فاجعلها طاعة ً للملك العلام، ولا تجعلها ندامةً عليك يوم لقاء الملك السلام...
فكم في هذه الإجازة من أُسرٍ وشباب وفتيات وعوائل، ضيعوا أعمارهم في الجلسات والاستراحات والمحرمات والموبقات، فخسروا دنياهم وأخراهم، يقول -تعالى-: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف:103].
ومن أحوال الناس في الإجازه أحوالهم في الأفراح، وما يصحب ذلك من المنكرات.
إن كثيرا من أفراحنا تقضى في اللهو واللعب والرقص، وغيرها من المحرمات، وكان الأجدر أن تعمر بذكر الله -تعالى-، حتى يبارك الله -تعالى- للمتزوج وزوجته، ولكن واقع أفراحنا أنها مليئة بالمنكرات، وخصوصا في جانب النساء.
ومن هذه المنكرات: التساهل في الصلاة جماعة، في حفلات الزواج ترى الناس يصلون والبعض الآخر جالس هنا وهناك، وكأن الصلاة لم تفرض عليه.
ومن المنكرات في الأفراح الإسراف في الطعام والشراب، وهذا من التبذير الذي قال الله فيه: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء:26-27].
ومن المنكرات في الأفراح لبس غير الكاسي من الثياب بالنسبة للنساء، حتى إن الداخل لأسواقنا ليرى ألبسةً عجيبةً يستنكرها العقلاء فضلاً عن ذوي الإيمان، ثيابٌ رقيقة وأخرى عارية وكذا القصيرة والمفتوحة، والضيقة التي تصف حجم الأعضاء.
يا سبحان الله! أين هنّ مما جاء عند مسلم، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما قط"، وذكر: "نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها".
يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: لابسةُ "البنطلون" تدخل في هذا الوعيد.
ومن المنكرات في الأفراح التصوير: وهذا حرام بلا شك، ولا يرضى عاقل أن تُلتقط صورة لمحارمه ونسائه بكاميرات الفيديو أو الجوالات الحديثةـ، وما أكثر القصص التي سمعناها عن التصوير في قصور الأفراح التي تبكي العين وتمزق الفؤاد!.
ومنها إحياء ليلة الزفاف بالغناء الماجن، والكلمات الساقطة المصاحبة للآلات المحرمة، فالغناء يورث النفاق، وهو بريد الزنا.
عباد الله: إليكم بعض الوسائل التي تحقق السعادة في هذه الإجازة: من هذه الوسائل القرآن الكريم حفظاً ومراجعةً وتدبراً وتأملاً، من خلال المشاركة في الدورات القرآنية هنا وهناك، والتي يقوم عليها مجموعة من الأخيار، نحسبهم والله حسيبهم.
وما أعظم هذا العمل! كيف لا يكون عظيماً والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خيرُكم من تعلَّم القرآن وعلمه"؟ ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أشراف أمتي حملة القرآن"، فاحرص -بارك الله فيك- على تسجيل أولادك في هذه الحلقات والدورات.
ومنها طلب العلم؛ فبالعلم يعبد الإنسان ربه على بصيرة، وبالعلم تتهذب الأخلاق، وبالعلم تزول الأحقاد، وبالعلم تتآلف القلوب، وصاحب العلم قدوه في عبادته، وسمته، ولباسه، وجميع شؤونه، وهو كالغيث أينما حل نفع، في بيته وفي مسجده وفي مجتمعه.
ويمكن تحقيق ذلك بالالتحاق بالدورات العلمية التي تقام سنويا في المحافظة، ومنها الاطلاع على كتب العلماء في العلوم الشرعية، ومنها القراءة والاطلاع في مؤلفات السلف، ومنها حضور المحاضرات وسماع الأشرطة، ومنها المسابقات الثقافية، والبحوث العلمية النافعة.
أقول ما تسمعون؛ وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب فاستغفروه، انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد: عباد الله: كذلك من الوسائل المفيدة لإجازة سعيدة: الأعمال الدعوية الأخرى، مثل مساعدة المحتاجين، وتقديم المعاونة والمساعدة لهم، وإرشاد الغافلين بتوزيع الأشرطة النافعة، وحضور المحاضرات والخطب.
ومن الوسائل المفيدة لإجازة سعيدة المراكز الصيفية، وهي من أنفع البرامج الصيفية للشباب، ومن فوائدها حفظ أوقات الشباب من الضياع والوقوع في المخالفات والمعاصي، وتوفير الخير، والإصلاح والتربية، كما أنها تعلم الشباب بعض المهارات الفنية والعلمية والثقافية، مثل الحاسب الآلي وغيره، وهي تعرف الشباب على الصحبة الصالحة.
ومن الوسائل المفيدة لإجازة سعيدة الرحلات التربوية والترفيهية التي تعود بالفائدة، مثل الرحلة إلى مكة لأداء العمرة، والرحلة إلى المدينة لزيارة المسجد النبوي والصلاة فيه، مع ما يصحب هذه الرحلات من برامج نافعة، ومسابقات مفيدة.
ومن تلك الوسائل التزود من العبادات في الإجازة، من صيام، وذكر لله -تعالى-، وصدقة، وطاعة، وبر بالوالدين، وغيرها.
ومنها البرامج الأسرية؛ فعلى ولي الأمر عمل جدول للأسرة، للأبناء والبنات والزوجة وغيرهم، يحتوي على القراءة من كتاب كل يوم، أو عمل مسابقات منزلية، أو درس اسبوعي يقام في المنزل.
ومنها زيارة المرضى الذين يرقدون على الأسرة البيضاء، وكذلك زيارة الأرحام والأقارب، وتعويد الأبناء على ذلك، واصطحاب بعض الهدايا، لأنها ترقق القلوب، وتزيد المحبة والألفة.
إلى غير ذلك من البرامج النافعة التي لا يتسع المقام لذكرها.
نسأل الله أن يجعل أعراسنا أفراحاً ولا يجعلها أتراحاً، اللهم احفظ نساءنا وبناتنا ونساء المسلمين من التبرج والسفور، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، واحفظهم من الفتن، ما ظهر منا وما بطن...
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام علـيه، فقال -تعالى- (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم أصلح شبابنا وشباب المسلمين، واحفظهم من الفتن، اللهم وارزقهم التوفيق والنجاح والصلاح في الدنيا والآخرة.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم