كيف تقضي دينك عنك

راشد بن مفرح الشهري

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: المعاملات
عناصر الخطبة
1/ خطورة الدين 2/جملة من الحلول للتخلص من الديون 3/توجيهات لمجابهة الديون 4/التحذير من إغراءات البنوك 5/القناعة حصن من الديون

اقتباس

لا تشتري كل ما تشتهي, ولا يكن وجود المال بيدك مدعاة للشراء دوماً, واحرص على الشراء نقداً لا دينا, فإن الاستدانة طريق للتهاون في الاستزادة. واقتصد في أسفارك وهاتفك وكهربائك ومائك ونفقاتك, وطعام الواحد يكفي الاثنين, والاثنين يكفي الأربعة. عليك بالقناعة فإنها بوابة للتحصن من الديون...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله شرح قلوب العارفين بنور هدايته,  وزينها بالإيمان وألهمها من حكمته, أحمده حمد عارف لعظمته مقر بوحدانيته. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, خاضعاً لربوبيته مؤمناً بأسمائه وصفاته وألوهيته. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, المخصوص بإظهار ملَته, ودوام شريعته, إلى آخر الدهر ونهايته, صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الكرام وصحابته, وعلى التابعين لهم إلى اليوم الدين بإحياء سنته.  

 

اتقوا الله فإن تقوا الله عليها المعوَّل, وعليكم بما كان عليه سلف الأمة والصدر الأول, (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:  في خطبة مضت تحدثت عن الدين وخطر الدين, وأسباب الدين, وتهاون الأمة في الدين, فيكفي من الدين خطراً أن الشهيد لا يغفر له, ويكفي من الدين خطراً أن رسول الأمة لم يصل على صاحبه, ويكفي من الدين خطراً أنه همٌّ بالليل وذل بالنهار, ولو لم يكن في الدين إلا أنه منذر بالحبس والسجن, تُحبس عن الهواء الطلق وتتقيد بالحرية؛ تُمنع من أولادك وتبعد عن زوجك وأهلك وأصدقائك.

 

عباد الله: في هذه الخطبة إليكم بعض الحلول لقضاء الديون, إلا أن هذه الحلول مربوطة بمدى قناعتك وثاقب بصيرتك وجميل حرصك, فقناعتك ومداومتك سببان لنجاتك من مغبة الديون.

 

فإليك جملة من الحلول للتخلص من الديون من كتاب الله تارة, ومن سنة رسوله تارة,  ومن رحم معاناة المدينين, وأهل الخبرة تارة أخرى, ولكنها رسالة لمن ألقى السمع وهو شهيد,  ولكنها رسالة لمن أراد وعزم وتوكل ونوى أن يقضي دينه, ليست لمن تهاون وفرط وتواكل, وربما نوى إتلاف أموال الناس ليتلفه الله.

 

عباد الله: إن لم يكن نية صادقة وعزم متين؛ فستبقى في الديون وحمأة الاستدانة. الجأوا إلى كتاب الله وقراءته, فهو بركة عليك وعلى رزقك وأهلك وذويك, وتأمل قول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً) [الطلاق: 2، 3].

 

وداوم على قول الحق -جل وعلا-: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [آل عمران: 26، 27], وقول الله: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) [الشورى: 19], وقوله: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 58], (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87], (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10، 12] داوم على هذه الآيات, وكتاب الله تعالى كله خير وبركة.

 

ومن جوالب الرزق الكبار الدعاء ولكن بشرط (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [الأعراف: 55], وكان من أدعية رسولنا -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد النوم يقول: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخَرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَاغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ" [أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي].

 

ومن الدعاء: "اللهم أكفني بحلالك عن حرامك وأغنيني بفضلك عمن سواك", روى الترمذي أَتَى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتِي فَأَعِنِّي. فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَنَانِيرَ لادَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: قُلْ: "اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ" [رواه الترمذي وحسنه الألباني].

 

وروى الطبراني في معجمه عن أنس عن رسول الله أنه قال لمعاذ: "يَا مُعَاذُ، أَلَا أُعَلِّمُكَ دُعَاءً تَدْعُو بِهِ؟ فَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِنَ الدِّينِ مِثْلُ جَبَلِ صَبِرٍ أَدَّاهُ اللهُ عَنْكَ - وَصَبِرٌ جَبَلٌ بِالْيَمَنِ - فَادْعُ بِهِ يَا مُعَاذُ قُلِ: اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكِ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، وتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُمَا، وتَمْنَعُ مَنْ تَشَاءُ، ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِيني بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ" [أخرجه الطبراني].

 

انظروا إلى هذه الأدعية العظيمة فمن دعا الله بها يسر أمره وقضى دينه. ومن أدعية الكرب, والدَّين كرب "لا إله إلا الله العظيم الحليم, لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض لا إله إلا الله رب العرش الكريم". وعن أنس قال كان -صلى الله عليه وسلم- إذا أكربه أمر يقول: "ياحي يا قيوم برحمتك استغيث" وقال: "أليذوا بياذا الجلال والإكرام".

 

ومن الأدعية مارواه أبو سعيد الخدري دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ: "يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ؟" قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟" قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ" قَالَ: فَقُلْتُ ذَلِكَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي" [رواه أبوداؤد].

 

ومن المأثور في الدعاء: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام, يا عظيم يا حليم يا عليم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم حاجتي, فأقض لي سؤلي يا أرحم الراحمين وأرحمني رحمة من عندك تلم بها شعثي وتقضي بها ديني وتصلح بها شأني كله, اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله وإن كان في الأرض فأخرجه وإن كان بعيداً فقربه وإن كان قريباً فيسره وإن كان قليلاً فكثره وإن كان كثيراً فبارك لي فيه. اللهم إني أسألك باسمك العظيم الوتر الأجل الأعز الأعظم الأحد الصمد أن ترزقنا رزقاً حلالاً طيباً واسعاً من غير كد, وأن تستجيب دعواتنا من غير رد, ونعوذ بك اللهم من الفقر والدين, وأدفعهما اللهم عنا وعن أهلينا برحمتك ياأرحم الرحمين"

 

عبدالله: بعد لجوءك إلى الله تعالى يجب عليك أن تتبعها بمبدء العمل "اعقلها وتوكل", فإذا أردت الخروج من شبح الديون فخذ بالأسباب, وهذه خطوات خذها بعين الاعتبار, فمنها:

 

وازن بين دخلك الشهري وبين مصروفاتك, فإن زاد الصرف فلا بد من كسب آخر حلال, فكن ذلك المستهلك الذكي الموازن.

 

ومنها: لا تطع نفسك في كثرة التسوق وشراء كل الرغبات, واقتصد  فما عال من الاقتصاد وفي الحديث: "الِاقْتِصَادُ فِي النَّفَقَةِ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ، وَالتَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَحُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ". وعليك بالتوفير فإنه طريق السداد والوفاء.

 

ومنها: حال حصولك على أي مكافأة أو استحصال دين؛ فاجعله سدداً لدين آخر فوراً دون تأخير, وإلا ذهب هباءاً منثوراً.

 

ومنها: أن تغير حالك مع الله, فالمعصية طريق للفقر, والطاعة سبيل للغنى, (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 53]. فأين أنت من المحافظة على الصلاة في وقتها والبر والصلة والإحسان؟, وإياك والسخرية بأهل الديون فإن ذلك سبب للوقوع فيها لا النجاة منها, واكتشف بنفسك العلاقة الوثيقة بين فتح أبواب الرزق وبين صلاة الفجر والصدقة وصلة الرحم.

 

ومنها: أن أول الطريق خطوة ومن سار على الدرب وصل. حول حلمك إلى حقيقة اجعل عزمك على قضاء دينك خيالاً تراه كل يوم, وتذكر قول رسولك الكريم في وعد من الرب الحليم الرحيم "مَن أخَذَ أموالَ الناسِ يُريدُ أداءَها؛ أدَّى اللهُ عنهُ، ومَن أخَذَ يُريدُ إِتلافَها؛ أتلَفَهُ الله". [رواه البخاري]

 

يامن نوى قضاء الدين: إن الله معك إن الله معك, وكفى به حسيبا ووكيلاً. عن عبدالله بن جعفر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه, ما لم يكن فيما يكره الله" [رواه ابن ماجة وصححه الألباني]. وفي رواية: "من أخذ دينا وهو يريد أن يؤديه أعانه الله".

 

أبدأ ولو بالقليل القليل, ومتى عجزت فإياك وتجاهل الغرماء وأصحاب الديون ومماطلتهم, أو تجاهلهم أو التخلف عن الوعد معهم, أو عدم حضور طلباتهم ومجالس محاكمتهم؛ فإن هذا يوغر صدورهم ويرفع مستوى الحقد لديهم.

 

وعليك بالصدقة فإنها طريق عظيم للبركة, حدثني غير واحد من المقتدرين: أنه ما تصدق بصدقه إلا وجد أضعافها تباعاً. هذا أحمد رجل تحمل بالديون وأورثته الهموم, له أسرة صغيرة, لكن سرعان ما تبدد راتبه مما حمله على الاستدانة, ودارت رحى الزمن فأذاقته الديون الويل والمشاكل, فعلى الرغم من سعادته البيتية إلا أن طرق أصحاب الديون لبابه أقلقه وأقض مضجعه, في إحدى مناسبات العائلة رآه رجل شارد الذهن, أقبل عليه وكان ذا خلق رفيع, فسأله عن أحواله عندها تشجع أحمد وقص عليه القصص, وأنه في ضنك وهموم لسبب الديون, أطرق ملياً ثم ابتسم وكان لسان حاله.

 

لا خيل عندك تهديا ولا مال *** فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

 

لا أملك مالاً يقضي دينك ولكني أملك لك نصيحة إن عملت بها بارك الله حالك ومالك؟ قال أحمد: وماهي؟ قال: أن تتصدق من راتبك بشيء ولو يسيراً لوجه الله تعالى يطرح البركة فيه. ثم استأذنه وذهب, ظل أحمد يفكر صدقة وراتبي لا يكفيني!!, ثم تأمل وقال: إن مرتبي ذاهب ذاهب؛ فلمَ لا أجرب قول صاحبي.

 

أعقد العزم وأسر الأمر عن الجميع حتى عن زوجته, بادر وتصدق, وماهي إلا ثلاثة أشهر حتى يسر الله حاله, وكان له علاوة يطالب بها من سنوات تيسرت, ثم أصبح يتوفر له من ماله اليسير, استمر يتصدق واستمرت بركة الخالق الكريم له في حاله وماله.

 

عبدالله: شواهد الصدقة كثيرة فكم من بلاء ردته الصدقة, وكم من علل شفيت من الصدقة, وكم من سجين يسر الله أمره بالصدقة, وكم فقراء اغتنوا من الصدقة, ولم يبق إلا أنت فالأمر إليك.

 

واعلم -رحمك الله- أن ماتنفقه على أمك أو أبيك أو ذوي رحمك سبيل عظيم للبركة ومدر للخيرات عليك فالله الله.

 

وإياك ثم إياك وإغراءات البنوك المهلكة, فالقرض والتورق ثم قرض إضافي ثم تكميلهاً إعلانات وإغراءات ظاهرها فيه الرحمة وباطنها النكبة, متى انجرفت وراء تسهيلات البنوك؛ بقيت في حمأة الديون وحفرتها ما لم يكن ذلك ضرورة أو حاجة ملحة؟.

 

أخي في الله: تذكر أسفارك وتنزهائك وإسرافك وجميل لباسك وعدم اقتصادك, بل أصحابك وزملاءك, بل أهلك وذويك وأولادكم, كلهم لن يغنوا عنك شيئاً عندما تكون محبوس الحرية فاقد الإرادة.

 

إذن فأوان البدء لا يفوتك, أين عزمك, أين إصرارك؟ أيقظ فقط عملاق الطاقة من داخلك, أين الدافع الداخلي القوي؟. يقول أحد المفكرين المسلمين: "الدوافع الداخلية هي النور الذي يشع من أنفسنا, هي المارد النائم بداخلنا في انتظار أن نوقظه".

 

كلما دعتك نفسك للاستدانة فتذكر منن الرجال, وقل لنفسك:

 

لنقل الصخر من قُلل الجبال *** أحب إلي من منن الرجال

يقول الناس كسب فيه عـــار *** وكل العار في ذلِّ السؤال

 

لا تشتري كل ما تشتهي, ولا يكن وجود المال بيدك مدعاة للشراء دوماً, واحرص على الشراء نقداً لا دينا, فإن الاستدانة طريق للتهاون في الاستزادة. واقتصد في أسفارك وهاتفك وكهربائك ومائك ونفقاتك, وطعام الواحد يكفي الاثنين, والاثنين يكفي الأربعة. عليك بالقناعة فإنها بوابة للتحصن من الديون, اقنع بحالك وسيارتك وملبسك وكل ما قسم الله لك.

 

رأيت القناعة رأس الغنى *** فصرت بأذيالها ممتســك

فلا ذا يراني على بابــــه *** ولا ذا يراني به منهمـــك

فصرت غنياً بلا درهـــم *** أمر على الناس شبه الملك

 

وإياك والمثل الدارج: "انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" فإنه مثل المسرفين والمبذرين.

 

إذا ماكنت ذا قلب قنوع *** فأنت ومالك الدنيا سواء.

 

عبدالله: هل قررت قضاء دينك؟!! اعلم أن العزيمة والإصرار طريق الناجحين والعظماء, كم من فقير بسيط تحول بالعزيمة والإصرار إلى ناجح كبير, كم من يتيم ولد بلا مال تحول إلى رجل أعمال, كم من كفيف صعب الحركة أصبح يقود شركات ومؤسسات. نعم؛ إنها العزيمة والإصرار والتوكل على مسبب الأسباب.

 

توكل على الرحمن في الأمر كله *** ولا ترغبن في العجز يوماً عن الطلب

ألم تر أن الله قال لمريـــــــــم *** وهزي إليك الجذع يســـــاقط الرطب

ولو شاء أن تجنيه من غير هزه *** جنته ولكن كل رزق له ســــــــبب

 

اللهم اقض عنا الديون وأكفنا هم الهموم يا علام الغيوب.

 

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ, وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

 

 

المرفقات

تقضي دينك عنك

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات