كيف تحذر غضب الله (4) قتل النفس

محمد بن إبراهيم النعيم

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/تعظيم الإسلام للدماء المعصومة وسده كل السبل المؤدية إليها 2/ظاهرة قتل الإنسان نفسه والتحذير من ذلك 3/بعض صور قتل النفس بغير حق والتحذير من ذلك

اقتباس

لقد عظم الإسلام شأن الدماء واعتبر سفكها من أكبر الكبائر، ومن عظمها عند الله -عز وجل- أن أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء؛ ولذلك حذر الشرع من الوقوع في هذه الجريمة، وأغلق كل السبل المفضية إليها، وقد تضافرت الأحاديث النبوية في التحذير من سفك الدماء أو من أي عمل يفضي إلى ذلك..

الخطبة الأولى:

 

لقد أخبرنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- عن العديد من الأقوال والأعمال التي توقع في غضب الله -عز وجل- وبين لنا سبل اتقائها، فمتى ما حل بالعبد غضب الله فقد هوى، قال تعالى: (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)[طه: 81-82].

 

كنت معكم في سلسلة موضوعات تتعلق باتقاء غضب الله -عز وجل-، ولا يزال في الموضوع بقية، فمن الأعمال التي توقع العبد في غضب الله -عز وجل عياذا بالله-: قتل النفس بغير حق، قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء: 93].

 

لقد عظم الإسلام شأن الدماء واعتبر سفكها من أكبر الكبائر، ومن عظمها عند الله -عز وجل-: أن أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء؛ ولذلك حذر الشرع من الوقوع في هذه الجريمة، وأغلق كل السبل المفضية إليها، وقد تضافرت الأحاديث النبوية في التحذير من سفك الدماء أو من أي عمل يفضي إلى ذلك؛ منها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزعُ في يده (أي يجذب يده) فيقع في حفرة من النار"، وقال في حديث آخر: "من أشار على أخيه بالسلاح لعنته الملائكة حتى ينتهي ولو كان أخاه من أبيه وأمه".

 

فانظروا -رحمكم الله- أن مجرد الإشارة بحديدة على المسلم ولو مزحا يعد حراما فكيف بمن يقتل مسلما!

لقد استهان كثير من الناس بأمر القتل، خصوصا قتل المسلم، وما علموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق"، وقال أيضا: "لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لكبهم الله -عز وجل- في النار"، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: "من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله (أي سُر وفرح) لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا"، وفي الصحيحين من حديث جرير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ويحكم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما".

 

وعندما مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمجلس قوم وهم يتعاطون السيف مصلتا بأيديهم فقال لهم: "أما زجرت عن هذا؟ أما زجرتكم عن هذا" ثم قال: لا يعطين أحدكم أخاه السيف مصلتا حتى يضعه في غمده".

 

كل ذلك خوفا أن يقع ضرر على إنسان دون قصد؛ كما قال: "كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا"(رواه أبوداود).

 

ولذلك فليحذر أولئك الشباب الذين يتهورون في قيادتهم لسياراتهم ويعرضوا أنفسهم وغيرهم لخطر الموت والقتل، فإن إثم ذلك عظيم.

 

أيها الإخوة في الله: ومن الظواهر السيئة التي انتشرت في المجتمعات المسلمة: قتل الإنسان نفسه لأي سبب كان، فكثيرا ما نسمع بين آونة وأخرى في الجرائد المحلية عن جريمة انتحار لرجل أو امرأة، أو طالب أو طالبة، أمور لم نكن نسمعها في السابق، فهل يريد ذلك المنتحر الراحة من الحياة؟ ولماذا نسي العذاب الذي ينتظره يوم القيامة؟

 

إن من أغبى الناس الذي يظن أنه بانتحاره سيتخلص من همومه ويرتاح من الدنيا، وما علم المسكين ماذا ينتظره من عذاب أليم يوم القيامة؟

 

فكم من أسير رمته الحياة *** يرى أنها قيدته فانتــحر؟

يريد السعادة في موته *** ولا يدري ماذا وراء القدر؟

 

لقد توعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قتل نفسه بالمكوث الطويل في نار جهنم، ففي الصحيح أنّه صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل نفسَه بشيء في الدّنيا عُذِّب به يومَ القيامة" أي: يكون عذابُه بذلك النّوع الذي أزهَق به نفسَه، وقال: "الذي يطعَن نفسَه يطعنها في نار جهنّم، والذي يقتحِمها" أي: النار "يقتحمها يومَ القيامة، والذي يخنق نفسَه يخنقها في النار يوم القيامة"، وفي الصحيح أيضًا أنّه قال: "من تردّى من جبل فقتل نفسَه فهو في نار جهنّم يتردّى فيها خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا، ومن احتسَى سُمًّا فقتل نفسَه، فسمُّه في يده يحتسيه في نارِ جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسَه بحديدةٍ فحديدته في يدِه يجأ بها بطنَه يوم القيامة في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا".

 

ولا نفهم من هذا -أيها الإخوة- أن المنتحر سيخلد في النار، إلا من فعل ذلك مستحلا، فإن مذهب أهل السنة والجماعة أن مرتكب الكبيرة إن لم يتب منها أو مات مصرا عليها لكنه مات موحدا فلن يخلد في النار، وذلك لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[النساء: 48].

 

نسأل الله -عز وجل- أن يحفظ علينا عقولنا، وأن يعصمنا من الزلل، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا محاربته واجتنابه.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن من صفات عباد الرحمن: احترامهم النفس البشرية وعدم إهدار دمها إلا بالحق، قال تبارك وتعالى: (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)[الفرقان: 68].

وقد اعتبر الإسلام قتل النفس من أعظم الكبائر بعد الشرك بالله التي توبقُ صاحبها في النار.

وقد سمعنا العديد من الأحاديث التي تحذر من الوقوع في هذه الكبيرة النكراء، وإن قتل النفس يعادله في الإثم أمور كثيرة لا يفطن لها كثير من الناس، والتي منها: الرضا والاستهانة وعدم السخط على ما يفعل بالمسلمين من قتل ظلما وعدوانا في كثير من بلاد العالم، حتى رخص الدم المسلم في أوساط المسلمين فضلا على الكافرين؛ في حين أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- روى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:  "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم".

 

ومن صور قتل النفس: تكفير المسلم أو لعنه، فإن لعن المؤمن أو تكفيره بلا حق كقتله، فقد روى ثابت بن الضحاك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حلف بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم، ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله".

 

ومن صور قتل النفس: هجر المسلم لعام كامل، فإنه من هجر أخاه سنة كاملة دون عذر شرعي فهو كسفك دمه، حيث روى أبو خراش السلمي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه"، فالسعيد من يأتي يوم القيامة ولم يصب دما حراما، ويصدق ذلك ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لن يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما".

 

فنسأل الله -تعالى- بمنه وفضله أن لا يبتلينا بذلك، وأن يقبضنا إليه ونحن في عافية من ذلك.

 

أيها الإخوة: لا يزال هناك من الأعمال والأقوال التي توقع صاحبها في غضب الله -نعوذ بالله منها-، وسنحاول ذكرها في خطب قادمة -بإذن الله-.

 

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات.

 

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

 

اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداء الدين.

 

اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته…

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 147].

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

 

المرفقات

كيف تحذر غضب الله (4) قتل النفس

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات