اقتباس
النفوس المؤمنة جبلت على حب بيت الله الحرام، تشتاق إليه على فقرها وعجزها، وتتمنى لو أن الله أكرمها بزيارة بيته لتطفئ هذا الشوق، وقد ذكر صاحب كتاب (صفة الصفوة) فقال: دخل قوم حجاج ومعهم امرأة تقول: أين بيت ربي؟ فيقولون: الساعة ترينه؛ فلما رأوه قالوا: هذا بيت ربك أما ترينه؟ فخرجت تشتد وتقول: بيت ربي!! بيت ربي!!..
الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله أما بعد؛؛؛
فإن النفوس المؤمنة جبلت على حب بيت الله الحرام، تشتاق إليه على فقرها وعجزها، وتتمنى لو أن الله أكرمها بزيارة بيته لتطفئ هذا الشوق، وقد ذكر صاحب كتاب (صفة الصفوة) فقال: دخل قوم حجاج ومعهم امرأة تقول: أين بيت ربي؟ فيقولون: الساعة ترينه؛ فلما رأوه قالوا: هذا بيت ربك أما ترينه؟ فخرجت تشتد وتقول: بيت ربي!! بيت ربي!! حتى وضعت جبهتها على البيت؛ فوالله ما رفعت إلا ميتة... وذكروا أن البرعي في آخر حجة له حمل على جمل فلما قطع الصحراء, وأصبح على بعد أميال من الحرم هب نسيم فحرك شجونه وأشواقه، فقال:
يَا رَاحِلِينَ إِلَى مِنًى بِقِيَادِي *** هَيَّجْتُمُو يَوْمَ الرَّحِيلِ فُؤَادِي
سِرْتُمْ وَسَارَ دَلِيلُكُمْ يَا وَحْشَتِي *** الشَّوْقُ أَقْلَقَنِي وَصَوْتُ الْحَادِي
وَحَرَمْتُمُو جَفْنِي الْمَنَامَ بِبُعْدِكُمْ *** يَا سَاكِنِينَ الْمُنْحَنَى وَالْوَادِي
وَيَلُوحُ لِي مَا بَيْنَ زَمْزَمَ وَالصَّفَا *** عِنْدَ الْمَقَامِ سَمِعْتُ صَوْتَ مُنَادِ
إلى أن قال:
فَإِذَا وَصَلْتُمْ سَالِمِينَ فَبَلِّغُوا مِنِّي *** السَّلامَ أُهَيْلَ ذَاكَ الْوَادِي
قُولُوا لَهُمْ عَبْدُالرَّحِيمِ مُتَيَّمٌ *** وَمُفَارِقُ الأَحْبَابِ وَالأَوْلادِ
صَلَّى عَلَيْكَ اللَّهُ يَا عَلَمَ الْهُدَى *** مَا سَارَ رَكْبٌ أَوْ تَرَنَّمَ حَادِ
قالوا فمات مع آخر القصيدة... ولم يصل ..
لكن من حرم الحج فهذه حجات وحجات، ينالها العبد في يومه وليلته، قد بشرنا بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك:
1. نو الحج خالصا لله:
فالنية الصالحة خير لصاحبها، ومن عجز عن العمل كفته نيته الصالحة، ففي الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"إنَّ بالمدينة لرجالاً ما سِرْتُم مَسِيرًا، ولا قطعْتُم وادِيًا إلاَّ كانوا معكم؛ حَبَسَهُم المَرَضُ" وفي رواية: "إلاَّ شَرَكُوكم في الأجْرِ"، وقد تحدث الله عن البكاين المعذورين في سورة التوبة فقال: ( وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ) [التوبة: 92]، ولبيان ثواب النية الصالحة روى الترمذي عن أَبي كَبْشة عمرو بن سعد الأَنْماري - رضي الله عنه - أنَّه سَمِع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أُحَدِّثُكم حديثًا فاحْفَظوه، قال: إنَّما الدنيا لأربعةِ نَفَرٍ: عَبْد رَزَقَه الله مالاً وعِلمًا، فهو يَتَّقِي فيه رَبَّه، ويَصِل فيه رَحِمَه، ويَعْلَمُ لله فيه حَقًّا، فهذا بأفضَلِ المنازل، وعَبد رَزَقه الله عِلْمًا، ولَمْ يَرْزُقْه مالاً، فهو صادِقُ النِّيَّة، يقول: لَوْ أنَّ لِي مالاً، لَعَمِلتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فهو بنيَّتِه، فأجْرُهما سَوَاءٌ، وَعَبْد رَزَقَه الله مالاً، ولَمْ يرْزُقْه عِلْمًا، فهو يَخْبِط في مَاله بغَير عِلْمٍ، لا يَتَّقِي فيه رَبَّه، ولا يَصِل فيه رَحِمَه، ولا يعْلَم لله فيه حقًّا، فهذا بأَخْبَثِ المنازِل، وعَبْد لَمْ يَرْزُقْه الله مالاً ولا عِلْمًا، فهو يقول: لَوْ أنَّ لِي مالاً، لَعَمِلْتُ فيه بعَمَلِ فُلاَنٍ، فهو بنِيَّتِه، فوِزْرُهما سَوَاءٌ".
فهذه حجة بالنية....
2. حافظ على صلاة الفجر في جماعة وصلّ ركعتي الضحى، فقد صحّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن صلى الفجر في جماعة ثُمَّ جلَس يذكُر الله -عزَّ وجل- حتى تطلُع الشمسُ، ثم قامَ فصلى ركعتين، كُتب له أجْرُ حَجَّة وعُمرة تامَّة، تامَّة، تامَّة" رواه الترمذي وصححه الألباني، وفي رواية عند الطبراني في الكبير:" مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ يَثْبُتُ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ سُبْحَةَ الضُّحَى، كَانَ كَأَجْرِ حَاجٍّ، أَوْ مُعْتَمِرٍ تَامًّا حَجَّتُهُ وَعُمْرَتُهُ".
فاحرص أن يكون لك في هذه الأيام العشر حجة وعمرة من هذا، وما أيسرها على من يسرها الله عليه..
فهذه بفضل الله (10) حجات و(10) عمرات.
3. علّم خيراً في المسجد أو تعلم: فقد صحّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن غدا إلى المسجد لا يريد إلاَّ أن يتعلَّم خيرًا أو يعلمه، كان كأجْرِ حاجٍّ تامًّا حَجَّته" رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني.
فمن كان معلما أو معلما كان في مقدوره أن يحصل على الأقل في هذه الأيام (10) حجات.
4. أداء الصلاة المكتوبة في المسجد؛ ومجرد أداء الصلاة المكتوبة في المسجد يجعل للعبد حجة، فقد صح أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: " مَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فِي الْجَمَاعَةِ، فَهِي كَحَجَّةٍ، وَمَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةِ تَطَوُّعٍ فَهِي كَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ".
وهذا الثواب العظيم يعطي العبد فرصة أن يكون له (50) حجة وما شاء من العمرات.
5. برُّ الوالدين: وهذا باب عظيم ينال العبد منه الخير كل الخير، ويمكنه أن يتحصل على أجر الحاج في كل يوم يمر عليه دون عقوق لأبويه، فقد رُوي عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، قَالَ: «هَلْ بَقِيَ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ؟» قَالَ: أُمِّي، قَالَ: «فَأَبْلِ اللَّهَ فِي بِرِّهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ وَمُجَاهِدٌ، فَإِذَا رَضِيَتْ عَنْكَ أُمُّكَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَبِرَّهَا» ضعفه الألباني.
وهذه حجة سهلة لينة لمن سهلها الله عليه...
6. جهّز حاجا أو اخلفه في أهله: وهذه أخرى للقادرين عليها، أن يجهز مشتاقا للحاج، أو يخلفه في أهله فيشاركه في الأجر، روى ابن خزيمة في صحيحه عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ جَهَّزَ حَاجًّا , أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ» هَذَا حَدِيثُ الصَّنْعَانِيِّ وَلَمْ يَقُلْ عَلِيٌّ: أَوْ جَهَّزَ حَاجًّا" صححه الألباني.
أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.....
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم