كورونا والتخلف عن الجماعة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2021-03-05 - 1442/07/21 2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/منزلة صلاة الجماعة. 2/عقوبة التخلف عنها. 3/أعذار التخلف عن صلاة الجماعة. 4/كورونا وصلاة الجماعة. 5/حرص السلف والخلف على صلاة الجماعة.

اقتباس

أَمَّا إِنْ كُنْتَ تَذْهَبُ إِلَى الْأَسْوَاقِ وَالْبُنُوكِ وَالْمَدَارِسِ وَأَمَاكِنِ الْعَمَلِ وَالْمُتَنَزَّهَاتِ، وَتُجِيبُ دَعَوَاتِ الْأَفْرَاحِ وَالْوَلَائِمِ وَالْمُنَاسَبَاتِ... وَتُخَالِطُ الْأَحْبَابَ وَالْأَقَارِبَ وَالزُّمَلَاءَ وَالْبَائِعِينَ وَالْمَارِّينَ... ثُمَّ يُؤَذَّنُ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَا تَأْتِيهَا مُتَعَلِّلًا بِالْخَوْفِ مِنْ "كُورُونَا"! فَأَقُولُ: لَكَ: لَا يَحِلُّ لَكَ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]. أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْمَرْءَ لَيَحْزَنُ وَيَأْسَى أَنْ يَجِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُسَوِّغُ لِنَفْسِهِ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَشُهُودِهَا فِي الْمَسَاجِدِ مُتَعَلِّلًا بِوَبَاءِ "كُورُونَا" وَبِغَيْرِهِ، وَيَتَمَلَّكُنَا الْعَجَبُ كَيْفَ! مَعَ مَا لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مِنْ فَضْلٍ وَمَكَانَةٍ أَنْ يَزْهَدُوا فِيهَا وَيَهْجُرُوا الْمَسَاجِدَ الَّتِي هِيَ بُيُوتُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ.. وَمُتَنَفَّسُ الْمَهْمُومِ وَدَوَاءُ الْمُضْطَهَدِ الْمَكْلُومِ... إِنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ سَلْوَةُ الْقُلُوبِ وَلِقَاءُ الْأَرْوَاحِ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهَا الْمُسْلِمِينَ رَدًّا جَمِيلًا.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنْ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَنْزِلَةً عَظِيمَةً فِي الْإِسْلَامِ، فَهِيَ مِنْ شِعَارِ الْإِسْلَامِ وَشَعَائِرِهِ، وَالْمُتَتَبِّعُ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْمِسُ حِرْصَهُ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهَا إِلَّا مِنْ عُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ فِي أَوَاخِرِ عُمْرِهِ، وَحَتَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ مُهْتَمًّا بِأَمْرِهَا حَرِيصًا عَلَيْهَا، فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأُذِّنَ فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: "إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ".

 

فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ.(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَالرَّاجِحُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَالْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ مُتَضَافِرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَثِيرَةٌ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ)، وَكَذَا قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ بَابًا بِعُنْوَانِ: "بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ"...

 

وَلِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَأْذَنْ لِلْأَعْمَى فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا..؛ لِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاظَبَ عَلَيْهَا حَتَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- أَمَرَ بِهَا جَمَاعَةً؛ كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[الْبَقَرَةِ: 43].

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَتْرُكُ كُلَّ هَذِهِ الْأُجُورِ وَالْفَضَائِلِ وَالْحَسَنَاتِ مَهْمَا حَدَثَ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: "إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَمَنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ مَغْبُونٌ مُعَاقَبٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 

فَأَمَّا عِقَابُهُ فِي الدُّنْيَا فَأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالنِّفَاقِ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ-: وَمَنِ اتَّهَمَهُ؟ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ يَقُولُ: "إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَاتَّهَمَهُ كَذَلِكَ الصَّحَابَةُ؛ يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَالْأَمْرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ هَمَّ أَنْ يُحَرِّقَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ؛ فَهُوَ الْقَائِلُ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ الْعِشَاءَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

يَا عَبْدَ اللَّهِ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُرَخِّصْ فِي تَرْكِهَا حَتَّى لِلْأَعْمَى فَكَيْفَ بِكَ أَيُّهَا الْبَصِيرُ؟! فَقَدْ أَتَى رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَرَخِّصْ لِي لِأُصَلِّيَ فِي بَيْتِي، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَجِبْ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَلَقَدِ اشْتَدَّ زَجْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهُمُ الْجَمَاعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ أَنْ جَعَلَ دِينِنَا يُسْرًا كُلَّهُ، فَقَدْ رَخَّصَ الْإِسْلَامُ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ لِبَعْضِ الْأَعْذَارِ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)، وَمِنْ تِلْكَ الْأَعْذَارِ:

الْمَرَضُ: لِلْقَاعِدَةِ الْقُرْآنِيَّةِ: (وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)[النُّورِ: 61]، وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ، وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا، فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا، فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا، وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَمِنْهَا: حَضْرَةُ الطَّعَامِ: لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: النِّسْيَانُ: قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمِنْهَا: إِرَادَةُ الْخَلَاءِ: لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَوَجَدَ أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ فَلْيَبْدَأْ بِالْخَلَاءِ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

وَمِنْهَا: الْمَطَرُ وَالْبَرْدُ الشَّدِيدَانِ: فَقَدْ كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ، يَقُولُ: "أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

عِبَادَ اللَّهِ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: أَلَيْسَ الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ عُذْرًا مِنْ أَعْذَارِ التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ؟ وَنَقُولُ: نَعَمْ... وَرُبَّمَا تَمَادَى قَائِلًا: فَإِنِّي أَتَخَلَّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِي مِنَ الْإِصَابَةِ بِـ"كُورُونَا".

 

وَنَقُولُ لَهُ: إِنَّمَا يَجُوزُ التَّعَلُّلُ بِـ"كُورُونَا" إِنْ مَنَعَتِ السُّلُطَاتُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَعِنْدَهَا فَعَلَيْكَ أَنْ تُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً أَيْضًا، وَلَكِنْ فِي بَيْتِكَ، وَلَكَ أَجْرُ الْجَمَاعَةِ كَامِلًا -إِنْ شَاءَ اللَّهُ-.

 

أَمَّا إِنْ سَمَحَتِ السُّلُطَاتُ بِهَا وَفَتَحَتِ الْمَسَاجِدَ لَهَا، فَعَلَيْكَ أَنْ تُلَبِّيَ نِدَاءَ الصَّلَاةِ فِي بَيْتِ اللَّهِ مُتَحَرِّزًا بِالْإِجْرَاءَاتِ الِاحْتِرَازِيَّةِ مَا اسْتَطَعْتَ، وَلَا عُذْرَ لَكَ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا... اللَّهُمَّ إِلَّا إِنْ كُنْتَ مُصَابًا بِالْوَبَاءِ وَخَشِيتَ نَقْلَهُ إِلَى غَيْرِكَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَكَ أَنْ تَتَخَلَّفَ... وَكَذَلِكَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّكَ أَنَّكَ تُصَابُ بِالْوَبَاءِ لِضَعْفِ مَنَاعَتِكَ أَوْ لَأَنَّ لَدَيْكَ مَرَضًا مُزْمِنًا -شَفَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ- فَلَكَ كَذَلِكَ أَنْ تَتَخَلَّفَ عَنْهَا بِشَرْطِ: أَنْ تَكُونَ قَابِعًا فِي بَيْتِكَ لَا تُغَادِرُهُ أَبَدًا، وَأَنْ لَا تَخْتَلِطَ بِأُنَاسٍ أَوْ تَسْتَقْبِلَ ضُيُوفًا فِي بَيْتِكَ بِالْمَرَّةِ، وَأَنْ تَتَخَلَّفَ عَنْ كُلِّ تَجَمُّعٍ أَيًّا كَانَ...

 

أَمَّا إِنْ كُنْتَ تَذْهَبُ إِلَى الْأَسْوَاقِ وَالْبُنُوكِ وَالْمَدَارِسِ وَأَمَاكِنِ الْعَمَلِ وَالْمُتَنَزَّهَاتِ، وَتُجِيبُ دَعَوَاتِ الْأَفْرَاحِ وَالْوَلَائِمِ وَالْمُنَاسَبَاتِ... وَتُخَالِطُ الْأَحْبَابَ وَالْأَقَارِبَ وَالزُّمَلَاءَ وَالْبَائِعِينَ وَالْمَارِّينَ... ثُمَّ يُؤَذَّنُ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَا تَأْتِيهَا مُتَعَلِّلًا بِالْخَوْفِ مِنْ "كُورُونَا"! فَأَقُولُ: لَكَ: لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَتَخَلَّفَ عَنِ الْجَمَاعَةِ أَبَدًا؛ فَإِنَّكَ تَتَّخِذُ مِنْ "كُورُونَا" حُجَّةً وَذَرِيعَةً لِتُبَرِّرَ بِهَا تَكَاسُلَكَ عَنِ الطَّاعَةِ وَزُهْدَكَ فِيهَا، وَإِنِّي أُنْذِرُكَ أَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى خَبِيئَةِ قَلْبِكَ، وَأُحَذِّرُكَ بِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "... فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ دَخَلَهَا"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنْ رَأَيْتُمُ الْمُفَرِّطِينَ فِي الْجَمَاعَةِ بِحُجَّةِ "الْكُورُونَا" فَأَبْلِغُوهُمْ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَهَذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: "مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا فَاتَتْنِي تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فِي الْمَسْجِدِ".

 

وَهَذَا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَسْمَعُ الْأَذَانَ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ فَيَقُولُ: خُذُوا بِيَدِي حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقِيلَ: إِنَّكَ عَلِيلٌ! فَقَالَ: أَسْمَعُ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَا أُجِيبُهُ! فَأَخَذُوا بِيَدِهِ فَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فَرَكَعَ رَكْعَةً ثُمَّ مَاتَ.

 

وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ حَسَّانَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ زِفَافِهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَخْرُجُ وَإِنَّمَا بَنَيْتَ بِأَهْلِكَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟ فَقَالَ: "وَاللَّهِ إِنَّ امْرَأَةً تَمْنَعُنِي مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فِي جَمِيعٍ لِامْرَأَةُ سُوءٍ".

 

وَحُضِرَ الْأَعْمَشُ فَبَكَى أَوْلَادُهُ، فَقَالَ لَهُمْ: "لَا تَبْكُوا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا تَرَكْتُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ سِتِّينَ سَنَةً".

 

فَبِمِثْلِ هَؤُلَاءِ فَاقْتَدِ، تَغْتَنِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْحِرْصَ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنِ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

المرفقات

كورونا والتخلف عن الجماعة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات