كن رجلا من هؤلاء

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-11-27 - 1444/05/03
التصنيفات:

 

أبو شعبة السنبادي

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن معايير الرجولة تختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، فكثيرٌ من الناس ينظرون إلى الرجولة - في عصرنا - نظرةً خاطئة؛ فمنهم مَن يعتبر الرجولة هى قطع الطرق، ومنهم مَن يعتبر الرجولة التدخين، ومنهم مَن يعتبر الرجولة إيقاع الفتيات في المحرَّمات، وهناك مَن يعتبر الرجولة هى جمع المال، وغير ذلك، لكن مَن هم الرجال؟ الرجال هم الذين سمَّاهم الله - عز وجل - رجالاً، وهم الذين في نظر ربِّهم رجال؛ فكن واحدًا من هؤلاء.

 

الصنف الأول: عمَّار المساجد:

قال - تعالى -: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النور: 36 - 38].

 

وقال - تعالى -: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108].

 

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجلٌ قلبه معلَّق بالمساجد...)).

 

هؤلاء هم الرجال؛ لأنهم تركوا تجارتهم، وأموالهم، وأبناءهم، وآثروا نداء ربِّهم - عز وجل - ولمَّا كان هؤلاء رجالاً حقًّا؛ أعدَّ الله لهم من الجزاء ما لا يُحصِيه عادٌّ.

 

جزاء عمَّار المساجد:

• شهادة الله لهم بالإيمان؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].

 

• نُزُل في الجنة؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن غدا إلى المسجدِ وراح، أعدَّ الله له نُزُلَه من الجنة كلما غدا أو راح))[1].

 

• فرحُ الله بهم؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يوطن الرجلُ المساجدَ للصلاة والذكر، إلا تَبَشْبَشَ الله به كما يتبشبشُ أهل الغائب بغائبهم إذا قَدِم))[2].

 

• تدعو لهم الملائكة بالرحمة؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الملائكة تصلِّي على أحدِكم ما دام في مجلسه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يُحدِثْ، وأحدكم في صلاةٍ ما كانت الصلاةُ تحبسه))[3].

 

• جيران الله؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني؟ أين جيراني؟ قال: فتقول الملائكة: ربنا، ومَن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمَّار المساجد؟))[4].

 

• الملائكة جلساؤهم؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن للمساجدِ أوتادًا، الملائكةُ جلساؤهم، إن غابُوا يفتقدُونهم، وإنمَرِضُوا عادُوهم، وإن كانُوا في حاجة أعانُوهم))، وقال: ((جليسُ المسجدِ على ثلاثِ خصالٍ: أخٍ مستفادٍ، أو كلمة حكمةٍ، أو رحمةٍ مُنتَظرة))[5].

 

فضل بنائها:

قال النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن بَنَى لله مسجدًا، ولو كمَفْحَصِ قَطَاةٍ لبَيضِها، بَنَى الله لهبيتًا في الجنة))[6].

 

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((سبع يَجرِي للعبد أجرُهن وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علمًا، أو كَرَى نهرًا، أو حفربئرًا، أو غَرَس نخلاً، أو بَنَى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته))[7].

 

هذا حال عمَّار المساجد:

• قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتَى به يُهَادَى بين الرجلين حتى يُقَام في الصف"[8].

 

• قيل لعبدالرحمن السلمي لما حضرتْه الوفاةُ وهو في المسجد: "لو تحوَّلت إلى الفراش؛ فإنه أوثر وأوطأ، قال: حدَّثني فلان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يزال العبدُ في صلاةٍ ما كان في مصلاَّه ينتظر الصلاة))، وإني أريد أن أموت في مسجدي".

 

• رجل في غيبوبة كلما جاء موعد الصلاة سَمِعوه يؤذِّن، ثم يذهب في غيبوبته مرة أخرى.

 

الصنف الثاني: المجاهدون:

قال الله - تعالى -: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].

 

مشهد أنس بن النضر:

عن أنس قال: عمي أنس بن النضر سمِّيتُ به، لم يشهد بدرًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبُر عليه، فقال: أول مشهدٍ شَهِده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غبتُعنه، أمَا والله، لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بعدُ، ليريَنَّ الله ما أصنع، قال: فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحُد من العام القابل، فاستقبله سعدُبن معاذ، فقال: يا أبا عمرو، أين؟ قال: واهًا لريح الجنة، أجدها دون أُحُد، فقاتَل حتى قُتِل، فوُجِد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، فقالت: عمتي الرُّبَيِّع بنت النضر: فما عرفتُ أخي إلا ببنانه.

 

مشهد عبدالله بن جابر:

عن جابر- رضي الله عنه - قال: لما حَضَر أُحُدٌ، دعاني أبي من الليل، فقال:"ما أراني إلا مقتولاً في أول مَن يقتل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإني لا أتركُبعدي أعزَّ عليَّ منك، غيرَ نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن عليَّ دينًا فاقضِ، واستوصِ بأخواتك خيرًا، فأصبحنا فكان أولَ قتيلٍ، ودفن معه آخر في قبر، ثم لم تطبْ نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجتُه بعد ستة أشهر، فإذا هو كيومِ وضعتُه هُنَيَّةً غير أذنه"[9].

 

عن جابر بن عبدالله قال: أُصِيب أبي يومأُحُد، فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وجعلوا ينهونني، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينهاني، قال: وجعلت فاطمة بنت عمروتبكيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تبكيه، أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تُظلُّه بأجنحتها حتى رفعتموه))[10].

 

مشهد عبدالله بن جحش:

روى البغوي من طريق إسحاق بن سعد بن أبي وقاص، قال: حدثني أبي أن عبدالله بن جحش قال لهيوم أُحُد: ألا تأتي فندعوَ؟! قال: فخَلَونا في ناحية، فدعا سعد، فقال: يا رب، إذالقينا القوم غدًا، فلقِّني رجلاً شديدًا حَرْده، أقاتله فيك، ثم ارزقني الظفرَعليه حتى أقتله، وآخُذ سَلبه، قال: فأمَّنَ عبدالله بن جحش، ثم قال عبدالله: اللهم ارزقني رجلاً شديدًا حرده، أقاتله فيك حتى يأخذني، فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتُك، قلت: هذا فيك، وفي رسولك، فتقول: صدقتَ، قال سعد: فكانت دعوةعبدالله خيرًا من دعوتي، فلقد رأيتُه آخر النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلَّق فيخيط.

 

كان يقال له: المجدَّع في الله، وكان سيفه انقطع يوم أُحُد، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عرجونًا، فصار في يده سيفًا، فكان يسمى العرجون.

 

الصنف الثالث: الصادعون بالحق والآمرون به:

قال - تعالى -: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر: 28].

 

قال - تعالى -: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [يس: 20 - 21].

 

عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((سيِّد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبدالمطلب، ورجل قام إلى إمام جائر، فنهاه وأمره، فقتَلَه))[11].

 

مشهد سحرة فرعون:

هؤلاء لما عَرَفوا الحق لم يُذْعِنوا إلى غيره، بل قالوها صراحة في وجه الطاغية: ﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 73]، فلما هدَّدهم وتوعَّدهم بالعذاب والموت، لم يصرفْهم ذلك عن الحق؛ لأنهم رجال عَرَفوا الحق فاتبعوه، فقالوا: ﴿ لَا ضَيْرَ ﴾ [الشعراء: 50]، وقالوا: ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾ [طه: 72]؛ لأنه يستوي عندنا الموت والحياة من أجل الله - عز وجل.

[1] متفق عليه.

[2] أخرجه أحمد (2/328، 453)، وابن ماجه (800)، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع (5604).

[3] مسلم 649، ورواه البخاري مختصرًا 445.

[4] السلسلة الصحيحة 2728.

[5] رواه أحمد 9424، 9425، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم 3401.

[6] مسند أحمد 2157.

[7] رواه البزار، وأبو نعيم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 3602.

[8] مسلم 654.

[9] البخاري 1271.

[10] مسلم 2471.

[11] رواه الطبراني في الأوسط 4709، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 3675.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات