كلمة تقولها

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله..

أما بعد: أيها المسلمون: كلمةٌ تقولُها..

كلمةٌ تقولُها: تستصغرها وقد لا تدرك أهميتها ولا تفقه معناها، وهي وإن كانت حروفاً تقل أو تكثر، وربما كانت جملة أو مجموعة من الكلمات، فإن المتكلم بها قد يخسر دنياه وآخرته، وربما خسر ماله، وربما خسر أهله وخسر نفسه!

كلمةٌ تقولُها: تُشعل الحروب، وتَدفع الكروب، وتُميت أو تُحيي القلوب،  تُدخل النار، وتُدخل الجنة، وتُخرج من النار، وتُخرج من الجنة!

كلمةٌ تقولُها: تُقال جهاداً، وتُترك عناداً، تُعبّر عن مستودعات الضمائر، وتُخبر بمكنونات السرائر، توجب للمرء السعادة، وتوقعه في الشقاوة، وتُكِبُّ الناس على مناخرهم في جهنم.

كلمةٌ تقولُها: يُدخل المرء في الإسلام، كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله". (أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-). فها هي الكلمة الطيبة، تَعصم دم المرء وماله وعرضه.

وبهذه الكلمة يَنجو المرء من النار، ويَدخل الجنة قولاً واحداً، وإن عذب في النار  فلا يخلد فيها، فمن شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل، أخرجاه من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-. ومن كان آخر كلامه في الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة.

هي كلمةُ التقوى التي جعلها الخليل عليه السلام في عقبه، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ، إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الزخرف: 26- 28].

وألزم الله تعالى بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- وصحبه -رضي الله عنهم-، أحوج ما كانوا إليها، (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [الفتح: 26].

ولما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبدالله بن أمية بن المغيرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي طالب: "يا عم قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله".

كلمةٌ تقولُها: تُصان الأعراض، وتَحفظ الأنساب، ويُفرِّق بين الحلال والحرام، إذ يستحل الرجل فرج المرأة بكلمة، بدونها تكون العلاقة حراماً وزناً وفجورا، توجب الحد، وتُضيّع النسب، وتهتك العرض، وتجلب العار. قال عليه الصلاة والسلام في عرفة: "فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله". (الحديث أخرجه مسلم).

كلمةٌ تقولُها: تحيا القلوب وتسعد، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].

كلمةٌ تقولُها: يُكتب للمرء رضوان الله –تعالى-، أو يقع عليه سخطه عياذا بالله، كما ثبت من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم". (أخرجه البخاري).

وعند مالك في الموطأ: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله –تعالى- ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه".

أيها المسلمون: لما كان هذا شأن الكلمة يُرضي الله ويُسخطه، كانت وصية حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- لنا كافية جامعة، فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". (متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-).

قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: "وهذا الحديث صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم". ا هـ.

ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى -رضي الله عنه-: حين سأله يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده" (متفق عليه).

وحين سأله سفيان بن عبد الله -رضي الله عنه-: ما أخوف ما تخاف علي؟  فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: "هذا" (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح).

وضمن عليه الصلاة والسلام الجنة لمن ضمن له لسانه وفرجه فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة". (متفق عليه).

وجماع ذلك كله في حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ قال: "سألت عن أمر عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله -تعالى- عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل" ثم تلا: تتجافى جنوبهم عن المضاجع، حتى بلغ يعملون. ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟" قلت: بلى يا رسول الله! قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد" ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه، قال: "كف عليك هذا!" قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك! وهل يَكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم". (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح).

فتأمل يا رعاك الله كيف أخذ اللسان بكل ما سبق.

يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى-: "لا حج ولا جهاد أشد من حبس اللسان، وليس أحد أشد غماً ممن سُجن لسانه".

وعن الحسن بن صالح -رحمه الله تعالى- قال: "فتشت الورع فلم أجده في شيء أقل من اللسان".

فلا تعجب أخي المسلم إذا علمت أنه إذا أصبح ابن آدم قالت الأعضاء كلها للسان: "اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا" (رواه الترمذي من حديث أبي سعيد).

فيا لله كم تبلغ قيمة اللسان عند الحصيف من بني الإنسان، كم تعني عنده منّة الله -تعالى- على عبده موسى عليه السلام بكلامه، (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) [النساء: 164]، وكم هي قيمة الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم عليه السلام فأتمهنّ؟ (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) [النساء: 125].

أفلا سألت نفسك لم قال الكافرون: (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت: 26]، أما تفكرت في جلستك الآن أمامي وأنت تسمع خطبة الجمعة تصغي، لا تمس حصاة ولا تفكر بشيء سوى ما تسمع؟ إنه تأثير الكلمة ومفعولها، فكلام الله، وكلام رسوله، هدى وشفاء، ورحمة ونور، والعمل بهما صلاح وهداية وعز، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 26].

كلمةٌ تقولُها: تحمل سحراً تأخذ بمجامع القلوب، فيهزها هزاً يزلزل كيانها، ويقوض أركانها، فلا تقاوم العمل بما دعتها إليه، خيراً كان أو شراً. وفي الحديث: "إن من البيان لسحرا". وفي الآية: (وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) [النساء: 63].

أيها المسلمون: إن الكلمة لما حازت من الأهمية ما سمعتم سُجّلَت على المرء، وأُحصيت عدّا، (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]. فكل ما ينطق به المرء مدون ومسطور، (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر: 52- 53]، ويَستنطق الله -تعالى- يوم القيامة أعضاء الإنسان لتتكلم وتشهد عليه بما جنته يداه، (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنْ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت: 24].

فيا مسلم، يا عبد الله، اتق الله في نفسك، وأمسك عليك لسانك، ولا تظننّ أن كلامك سيطير في الهواء، ويغدو كالهباء، كلا، بل ستدان به، وستحاسب عليه، وستلقى أثره ولو بعد حين. وتأمل كيف ضحك المنافقون من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله -تعالى- فيهم: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 66]. وقال عز من قائل: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ) [التوبة: 74].

وكفّر الله -تعالى- من قال: (إن الله هو المسيح ابن مريم)، ومن قال: (إن الله ثالث ثلاثة)، ومن قال: (اتخذ الله ولدًا)، (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) [يونس: 17].

فترجمة ما في القلب نطق اللسان، وتصديق اللسان فعل الجوارح والأركان، فإن أردت السلامة ورُمت النجاة فقل: آمنت بالله ثم استقم. (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [النساء: 9].

فاتقوا الله عباد الله وقولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما.

بارك الله..

الخطبة الثانية:

الحمد لله، خلق الإنسان علمه البيان. أحمده سبحانه وأشكره على ما منّ به علينا من نعمة الإسلام والقرآن. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير الخليقة من إنس وجان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما بقي في الأرض إسلام وإيمان، وسلم تسليما.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في سركم وعلانيتكم، واعلموا أن الكلام الذي تقولون أو تكتبون محفوظ عليكم، وستوفون أجره كاملا غير منقوص، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

أيها المسلمون: إن مما عابه الله -تعالى- على اليهود عليهم لعنة الله، تحريفهم الكلم عن مواضعه، في غير ما آية من كتابه الكريم، كقوله جل وعلا: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) [النساء: 46]، وواسى نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ) [المائدة: 41].

وإن في هذه الأمة من يحرّف الكلم عن مواضعه، لأمر ما في نفسه، فأُحذرهم ونفسي من مغبة هذا الفعل، وشؤم عاقبته، يوم تبلى السرائر، وتنشر الدواوين، فيا من أخذ قلمه ليكتب في صحيفة، أو أمسك لوحة المفاتيح ليسطر في منتدى، أو استلم مكبراً ليتفوه بكلمات عبر الأثير، أو في المسجد، أو بأي وسيلة أخرى، قف، وتأمل، وانظر في عاقبة ما ستقول، أيجمع أم يفرق، أيُحسن أم يسيء، أيشعل القلوب حقدًا وحسدًا، أم يملؤها محبة وألفة، فعلى تلك الكلمات تبنى الدول، وتقام الأسر، ويجتمع الناس ويفترقون، وليكن نصب عينيك قولُ مولاك: (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [الزخرف: 19].

نعم والله لتسألن عما كنتم تعملون، لم كتبت هذا؟ لم قلت هذا؟ ألله؟ أفي الله؟ فحضّر جوابك، واقرأ بنفسك كتابك، واعلم أن الذي ينفعك ويسرك هو الكلمة الطيبة، والعمل الصالح، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر: 10]، فلو استترت خلف شاشة جهازك، واستعرت لك اسماً غير اسمك، وبلداً غير بلدك، وظننت أنك لن تُعرف، فإنك لن تكون بمأمن عمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولن تستطيع أن تستتر عن الملكين، يُحصيان ويكتبان، وغداً بين يدي العليم سينشران، ويقال لك اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، وتأمل لفظ كتابك، فأنت من كتبه، بما عملت وبما قلت، وإنما كتب الملكان ما أمليت عليهما فكن على حذر.

وصدق القائل:

يموت الفتى من عثرة بلسانه     *** وليس يموت المرء من عثرة الرَّجِل

فعثرته من فيه ترمي برأسه *** وعثرته بالرجل تبرى على مهل

وقد قيل: "الخير كله في ثلاث: السكوت والكلام والنظر، فطوبى لمن كان سكوته فكرة، وكلامه حكمة، ونظره عبرة".

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "اللسان ميزان، أطاشه الجهل، وأرجحه العقل".

وقال بعض العارفين: "اعقل لسانك إلا عن حق توضحه، أو باطل تدحضه، أو حكمة تنشرها، أو نعمة تذكرها".

اللهم..