كلمات جامعات طيبات

صالح بن عبد الله بن حميد

2024-09-06 - 1446/03/03 2024-09-07 - 1446/03/04
عناصر الخطبة
1/جمال الدعوة حينما تكون بالموعظة الحسنة 2/كلمات جامعات طيبات لتحصيل الخيرات

اقتباس

مَنْ تعامَل مع أدواتِ التواصلِ فْليُذَكِّرْ بفريضةٍ، ولْيدُلَّ على سُنَّةٍ، ولينبِّه على خطأٍ، ولْيَنْصَحْ باحتسابٍ، وليحتسبِ الأجرَ والثوابَ، وليحرِصْ على جمعِ الكلمةِ، وإحسانِ الظنِّ، وليُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه، وليظنَّ بأخيه الخيرَ، وليتقِ شرَّ ظنونِ نفسِه...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله مجزل العطاء، واسع الجود، أحمده -سبحانه- وأشكره، وهو بكل لسان محمود، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادة حق ويقين وإقرار، مبرَّأة من الشك والجحود، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه، هم على الدين أعوان، وعلى الحق شهود، والتابعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى اليوم الموعود.

 

أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، ولوذوا بجنابه، فهو غفار الذنوب، ومفرج الكروب، واذكروه كثيرًا؛ فبذكره تطمئن القلوب، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، فنعيهما لا يدوم، واحذروا طول الأمل؛ فالأجل قريب محتوم، واحمدوه على تجدد العافية، وبقاء النعمة، والعافية إذا دامت جهلت، وإذا فقدت عرفت، اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفُجَاءةِ نقمتك؛ (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 231].

 

أيها المسلمون: إنَّ للحق أنوارًا، وللفضيلة جمالًا، والحكمةُ البالغةُ، والموعظةُ الحسنةُ حين تكون في كلماتٍ رصينةٍ، وخطابٍ رفيقٍ تُقْبِل عليها النفوسُ، وتأنَس بها العقولُ؛ فيها حُجَّة ظاهرة، وبرهان جَلِيّ، في رفق وأدب، دالَّةٌ على أنَّ لكل مقام مقالًا، ولكلِّ طبقةٍ خطابًا؛ (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[النَّحْلِ: 125].

 

مَعاشِرَ الإخوةِ: وهذه كلمات جامعات، ممَّا قرَّرَه أهلُ العلم والحكمة، فيها تذكير بما يُلَيِّن القلوبَ، ويُهذِّب النفوسَ، ويردُّ الشاردَ، توجيهات من أجلِ صلاحِ المعاشِ والمعادِ، والفوزِ بالدارينِ وتحصيل السعادتين؛ (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزُّمَرِ: 9]، (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)[الذَّارِيَاتِ: 55].

 

أيها المسلمون: وفي هذه التوجيهات يقول أهل العلم: الاستقامة على الحق تكون في سلوكِ سبيلِ الْهُدَى، وطِيبِ الغذاء، والجِدِّ في تحصيل التقوى، وملازَمةِ الذِّكرِ، ولزومِ الشرعِ، وتعظيمِ حرماتِ المسلمينَ، ومَنِ استقام باطنُه استقامت أمورُه.

 

والخيرُ في خمسِ خصالٍ: لباسِ التقوى، والثقةِ بالله، وكسبِ الحلالِ، وغِنَى النفس، وكفِّ الأذى، وأدوأُ الداءِ خُلُقٌ دنيءٌ، ولسانٌ بذيءٌ.

 

واعلموا -رحمكم الله- أنَّ إمهالَ اللهِ ليس إهمالًا؛ فالعبد مُساءلٌ ومجازًى، ولا يتعظُ إلا أهلُ الخوفِ والخشيةِ؛ (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى)[الْأَعْلَى: 10]، وكفَى بالمرء عِلْمًا أن يخشى الله، وكفى به جهلًا أن يُعجَب بعمله.

 

ولْيَحْذَرِ العبدُ الناصحُ لنفسه من خشوع الظاهر وفُجُور القلب، وليستحِ العبدُ أن يُصلِح ما ظهَر للخَلْق، ولا يُصْلِحُ ما يعلمه الخالقُ -جل وعلا-؛ "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم"، ومَنْ أصلَح سريرتَه أصلَح اللهُ علانيتَه، و"مَنْ سترَ عورةِ أخيه سترَ اللهُ عورتَه، ومَنْ تتبَّع عورةَ أخيه تتبَّع اللهُ عورتَه ثم يفْضَحْه ولو في جوفِ بيتِه".

 

أيها المسلمون: الصدقُ يَهدِي إلى البِرِّ، والبِرُّ يهدي إلى الجنَّةِ، والكذبُ يهدِي إلى الفجورِ، والفجورُ يهدِي إلى النارِ، وصحبةُ الأشرارِ تُورِث سوءَ الظنّ بالأخيار، والحسدُ يُولِّد قلةَ الشفقةِ بالمسلمينَ، وبئس الزادُ إلى المعاد العُدوانُ على العباد.

 

ومِنْ ظُلْمِ العبدِ لنفسِه أَنْ يجدَ لنفسِه عُذرًا في كل شيء، ولا يَعذِر إخوانَه في أي شيء، ولا يعتذر إلا القويُّ، ولا يُسامِح إلا الأشجع، ولا يَنسى إلا الأسعدُ.

 

واعلموا -رحمكم الله- أنَّ الخلق لا يذمُّون العبدَ إلا بمقدار ما جعَل اللهُ في قلوبهم، ومَنْ خاف اللهَ لم يضرَّه أحدٌ، ومَنْ خاف غيرَ الله لم ينفعه أحدٌ، وعلى قدرِ حُبِّ العبدِ لربِّه يُحبِّب إليه خلقَه، وكلما زاد خوفُه من ربِّه ألقى اللهُ مهابتَه في عباده.

 

يا عبدَ اللهِ: قُلِ الصدقَ، والزمِ الحقَّ، واعملِ الصوابَ، وسوف يرضى الناسُ ولو بعدَ حينٍ، وهمُّ الدنيا ظلمةٌ في القلب، وهمُّ الآخرةِ نورٌ في القلب، والغضبُ عقابٌ يُعاقِب به المرءُ نفسَه، والمخطئُ غيرُه، وليعلم عباد الله أن سبب الخلاف بين الناس إمَّا مقصود لم يفهم، أو مفهوم لم يُقصَد.

 

مَعاشِرَ الإخوةِ: ومَنْ تعامَل مع أدواتِ التواصلِ فْليُذَكِّرْ بفريضةٍ، ولْيدُلَّ على سُنَّةٍ، ولينبِّه على خطأٍ، ولْيَنْصَحْ باحتسابٍ، وليحتسبِ الأجرَ والثوابَ، وليحرِصْ على جمعِ الكلمةِ، وإحسانِ الظنِّ، وليُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه، وليظنَّ بأخيه الخيرَ، وليتقِ شرَّ ظنونِ نفسِه.

 

وليحذَرْ أن يكون الناصحُ لنفسِه في هذه الأدوات ممَّن يتجوَّل بدلاءٍ فارغةٍ، ويجعلُ عقلَه مستباحًا لمتطفِّلي هذه الأدواتِ الثرثارينَ بما لا ينفعُ.

 

وبعد، -حفظكم الله-: فيا لَسعادةِ عبدٍ رزقَه اللهُ توبةً تحفظه من الإصرار، وخوفًا يقيه مِنَ التسويف، ورجاءً يَقْصُر عندَه الأملُ، وعَمَر وقتَه بذِكر ربِّه في توحيدٍ خالصٍ وإخلاصٍ صادقٍ، وكلُّ ساقٍ سيُسقى بما سَقَى، ومَنْ ذُكِّرَ فلم ينزجر فهو محرومٌ، ومَنْ دخَل فيما لا يَعنِيه فهو الملومُ، واتقوا يومًا يقول فيه العبد لربه: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)[الْفَجْرِ: 24].

 

نفعني الله وإيَّاكم بهدي كتابه، وبسُنَّة نبيِّه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، من كل ذنب وخطيئة، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الكريم الوهَّاب، يُعطي بفضلِه مَنْ يشاء بغير حساب، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، عليه توكلتُ وإليه متابٌ، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، المتخَذ من أشرف الأنساب، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه أشرف آل وأكرم أصحاب، والتابعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم المعاد.

 

أما بعدُ: فاحرص -حفظك الله- على أن تكونَ ممَّن إذا علم رَفَقَ، وإذا سُئل بَذَلَ، وكُنْ عونًا للمسترشِد، وحليفَ الصدقِ للمستنصِح، ومستودَع البر للمسترفد، قريبَ الرضا، بعيدَ الهمة، الحقُّ مبتغاكَ، والحياءُ سترُكَ، والورعُ سربالُك، في بصائرَ من النور تُبصِرُها، وحقائقَ مِنَ العِلم تأخُذ بها، وإذا زَلَلَتْ فارجِعْ، وإذا أخطأتَ فاعتذر، وإذا أذنبتَ فأَقْلِعْ، وإذا جهلتَ فاسأل، وإذا غضبتَ فأمسِكْ، واعلَمْ أنَّ لكَ الفضلَ ما لم ترَ فضلَكَ، فإذا رأيتَ فضلَكَ فلا فضلَ لكَ.

 

ألا فاتقوا الله -رحمكم الله-، واعلموا أن عليكم حافظين كراما كاتبين، يعلمون ما تفعلون.

 

ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيِّكم محمد رسول الله، فقد أمرَكم بذلك ربُّكم فقال عزَّ قائلًا عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدِكَ ورسولِكَ، نبينا محمد، وعلى آله وعلى أهله أزواجه وذريته، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الأربعة الراشدينَ الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقيةِ الصحابةِ أجمعينَ، والتابعينَ ومَنْ تبعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك، يا أكرم الأكرمين.

 

اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهمَّ أيد بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، خادم الحرمين الشريفين، ووفقه لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك، وأَعْلِ به كلمتَكَ، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى، اللهُمَّ وفقه وولي عهده وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وأعنهم على ما فيه صلاح العباد والبلاد، اللهمَّ وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهُمَّ احفظ إخواننا في فلسطين، اللهُمَّ احفظهم بحفظك، واكلأهم بعنايتك، وأحطهم برعايتك، الله اجبر كسرهم، وفك أسرهم، وأقل عثرتهم، اللهُمَّ اشف مرضاهم، وارحم موتاهم، واقبل شهداء عندك، اللهُمَّ حرر المسجد الأقصى من المحتلين الغاصبين، اللهُمَّ أعل شأنه، وارفع مكانه، ورسخ بنيانه، وثبت أركانه، يا سميع الدعاء.

 

اللهُمَّ انصر جنودنا، المرابطين على حدودنا، اللهُمَّ سدد رأيهم، واشدد أزرهم، وقو عزائمهم، وثبت أقدامهم، واربط على قلوبهم، وانصرهم على من بغى عليهم، اللهُمَّ ارحم شهداءهم، واشف جرحاهم، واحفظهم في أهلهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.

 

اللهُمَّ احفظنا من شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار؛ (رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

المرفقات

كلمات جامعات طيبات.doc

كلمات جامعات طيبات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
13-09-2024

جزا الله شيخنا صالح بن عبدالله بن حميد خير الجزاء ونسأل الله التوفيق والثبات