كرامة الإنسان عموما والمسلم خصوصا حيا وميتا

عبد الله بن ناصر الزاحم

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ تكريم الله تعالى للإنسان عموما وللمسلمين خصوصا 2/ تشريعاتٌ تكرّم موتى المسلمين 3/ بِدَعٌ وأمورٌ منهيٌّ عنها في الجنائز والعزاء 4/ من أحكام وآداب التعزية

اقتباس

لقد كرم الله ابن آدم على غيره من المخلوقات، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء:70]، وميز المسلم منهم بتكريم على ذلك التكريم..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي شرع لعباده الشرائع ويسّر، وبين لهم الحق من الباطل في كل مسألة وأظهر، أحمده حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ما تعاقبت الأيام والليالي وتوالت الأشهر.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...

 

أما بعد معاشر المسلمين: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

 

عباد الله: لقد كرم الله ابن آدم على غيره من المخلوقات، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء:70]، وميز المسلم منهم بتكريم على ذلك التكريم.

 

من ذلك التكريم أن الله -جل وعلا- جعل على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- حقوقا للمسلم على أخيه المسلم، تؤلف فيما بينهم، وتقوي روابطهم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، وإتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس" رواه البخاري.

 

كما أن الله -عز وجل- جعل حرمة المسلم الميت كحرمته وهو حي، فشرع أمورا تميزه عن غيره من الأموات الآخرين من غير المسلمين.

 

من هذه الأمور تغسيله وتطييبه وتكفينه، ثم الصلاة عليه، ورتب على ذلك أجورا عظيمة.

 

وقد شرع الله الدعاء له، والترحم عليه، ولم يأذن به لغير المسلم، فقد أذن الله للنبي -صلى الله عليه وسلم- بزيارة قبر أمه ولم يأذن له بالدعاء لها.

 

ومنها اتباع جنازته حتى يدفن، ووعد على ذلك بأجر عظيم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أُحُد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط" رواه البخاري.

 

وقد شرعت زيارته، والسلام عليه، والدعاء له، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "...وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا"، يَعْنِي: لَا تَقُولُوا سُوءًا، وفي رواية: "فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً".

 

والمأثور من السلام عند زيارة المقابر قول: "السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ" رواه مسلم.

 

وقد أحدث الناس أمورا في الجنائز ليست من الشرع في شيء، بل هي من أمور الجاهلية التي نهى الشرع عنها، وحذّر منها.

 

من تلك الأمور المنهيّ عنها: نعي الميت، سواء في الصحف أو وسائل الإعلام الأخرى، ويكلف ذلك مبالغ طائلة؛ وهذا من المفاخرة، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والنعيَ! فإن النعي من عمل الجاهلية" رواه الترمذي.

 

وكذلك التسخط والنياحة: فالإسلام يأمر بالصبر والاحتساب والرضا بالقضاء، فعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ"، وَقَالَ "النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ" رواه مسلم.  نسأل الله العافية والسلامة.

 

فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينكم، وعضوا على سنة النبي -رضي الله عنه- بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

 

أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد:28].

 

عباد الله: ومن الأمور المشروعة للمسلمين: تعزية بعضهم عند المصائب، فعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا رسول الله، ما حق جاري علي؟ قال: "إن مرض عدته، وإن مات شيعته، وإن استقرضك أقرضته، وإن عري سترته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته...".

 

وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن عزى أخاه المسلم في مصيبة كساه الله حلة خضراء يُحْبَرُ بها"، قيل: يا رسول الله، ما يُحبر بها؟ قال: "يُغبط بها".

 

وسئل عبد الرزاق عن كيفية التعزية فقال: "بلغني أن الحسين مر بأهل ميت، فوقف عليهم، فقال: أعظم الله أجركم، وغفر لصاحبكم، ثم مضى ولم يقعد".

 

والسنة أن يعمل الجار لجاره أو القريب لقريبه طعاما متواضعا لأهل الميت يكفيهم، لا كلفة فيه ولا تفاخر، يحتسب أجره عند الله؛ لانشغال أهل الميت بما نزل بهم عن صنع الطعام، فقد روى أبو داود وغيره عن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ".

 

أما ما يفعله بعض الناس من صنع ولائم للعزاء تشبه ولائم الأفراح أو أشد، فليس من الشرع في شيء؛ إنما عده أهل العلم من النياحة، فالوليمة التي شرعت عند الزواج وجبة واحدة، أما بعض الناس في العزاء فيجلسون ثلاثة أيام على وجبات فيها من الإسراف ما لا يعلمه إلا الله.

 

فالسنة أن ينصرف الناس لأعمالهم بعد الدفن، وعدم الاجتماع عند أهل الميت، ومن أراد أن يعزي أهل الميت فيعزيهم في أي مكان، سواء أثناء تشييع الجنازة  أو بعدها، أو في الطريق، أو العمل، أو يذهب إلى منزلهم دون اجتماع كما هو شائع عند كثير من الناس.

 

وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن حكم العادات في العزاء، من الولائم، وقراءة القرآن، والأربعينيات، والسنوات، وما شاكل ذلك؟ فقال -رحمه الله-: "هذه العادات لا أصل لها في الشرع المطهر، ولا أساس لها، بل هي من البدع ومن أمر الجاهلية، فإقامة وليمة إذا مات الميت يدعو إليها الجيران والأقارب وغيرهم؛ لأجل العزاء بدعة لا تجوز".

 

وقال: "وإنما المشروع لأهل الميت الصبر والاحتساب، والقول كما قال الصابرون: إنا لله وإنا إليه راجعون، وقد وعدهم الله خيرا كثيرا، فقال -سبحانه-: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)" [البقرة:157].

 

وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين عن حكم اجتماع الناس للعزاء، فقال -رحمه الله-: "اجتماع الناس للعزاء بدعة وليس من عادة السلف، وإن انضاف إلى ذلك صنع الطعام والولائم والاجتماع عليها؛ كان هذا من النياحة، كما كان الصحابة -رضي الله عنهم- يعدون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة".

 

وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: "كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة" رواه ابن ماجة.

 

ومما ابتدعه الناس، وهو مخالف لشرع الله: اجتماع الناس في بيت المتوفى والصمت والسكوت، ولبس ملابس معينة للرجال أو النساء، فهذا من النياحة المنهي عنها.

 

واعلموا -عباد الله- أن التعزية عبادة، فإذا صيغت العبادة على وجه لم يكن معروفا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صارت بدعة.

 

وقد حذر كثير من أهل العلم قديما وحديثا -رحمهم الله- من الاجتماع في بيت الميت أو في غيره للعزاء، وإليك فيما يلي بعض أقوال أهل العلم في التحذير من هذا الاجتماع، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "وأكره المآتم، وهو الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضى فيه من الأثر".

 

وسئل الإمام أحمد بن حنبل  -رحمه الله- عن أولياء الميت يقعدون في المسجد يعزون، فقال: "أما أنا فلا يعجبني، أخشى أن يكون تعظيما للميت -أو قال- للموت".

 

وقال الإمام الشيرازي -رحمه الله-: "ويكره الجلوس للتعزية؛ لأن ذلك محدث، والمحدث بدعة".

 

وقد ألف أهل العلم مؤلفات في آداب التعزية وإيضاح البدع التي وقع الناس فيها يجدر بالمسلم أن يطلع عليها.

 

أسأل الله أن يرزقنا العلم النافع، ويوفقنا للعمل الصالح، وأن يعيذنا من الفتن والبدع والضلالات.

 

عباد الله: صلوا وسلموا على محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك فقال -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

 

المرفقات

الإنسان عموما والمسلم خصوصا حيا وميتا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات