كبار السن لحياتنا بركة وبهجة

الشيخ وليد بن محمد العباد

2022-01-07 - 1443/06/04 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/من أخلاق الإسلام توقير كبار السن 2/بركة كبار السن في بيوتنا 3/من مظاهر توقير كبار السن

اقتباس

واعرفوا لكبارِ السّنِّ فضلَهم وأسعدوهم، واشبعوا منهم قبلَ أن تفقدوهم؛ فمكانُهم الذي يتركونَه سيبقى خاليًا لا يَسُدُّه غيرُهم، ولن يبقى إلا عَبَقُ رائحتِهم الزّكيّة، وعبيرُ سيرتِهم النّديّة، ومعالمُ مواقفِهِم الجميلة، وأطلالُ ذكرياتِهِم الجليلة...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إنّ الحمدَ للهِ, نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا, من يهده اللهُ فلا مضلَّ له, ومن يضللْ فلا هاديَ له, وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له, وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه, صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا, أمّا بعدُ:

 

عبادَ الله: من الآدابِ العظيمةِ والخصالِ الكريمة التي دعا إليها الشّرعُ ورغّبَ فيها، الإحسانُ إلى كبارِ السِّنّ، ممّن رقَّ عظمُهم, وضعفتْ قوّتُهم, وابيضَّ شعرُهم، فقد جاءَ الحثُّ على إكرامِهم وتقديرِهم ومعرفةِ سابقتِهم، قالَ -صلى اللهُ عليه سلم-: "ليسَ منَّا منْ لمْ يَرحمْ صغيرَنَا, ويُوقِّرْ كبيرَنا".

 

فما أسعدَ من فَسَحَ اللهُ له في الأجل، ووفّقَه لصالحِ العمل! فهم فينا الخيرُ والبركةُ والبهجةُ والأمل، يقولُ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: "خيرُكم من طالَ عمرُه وحَسُنَ عملُه", وقالَ: "البركةُ مع أكابرِكم", وهنيئًا لمن ضمّتْ بيوتُهم من كبارِ السّنّ من يبعثُ فيها السّعادةَ والسّرور؛ فهم نورُ عيونِنا, وتاجُ رؤوسِنا, وبركةُ عيشِنا, وأُنْسُ مجالسِنا, وبهجةُ حياتِنا، فما أجملَ محيّاهم, وما أعذبَ حديثَهم, وما أصدقَ ابتسامتَهم, وما أصفى مشاعرَهم!.

 

فللهِ تلكَ الأرواحُ الطّاهرةُ, والقلوبُ الطيّبةُ, والصّدورُ السليمةُ, والوجوهُ المسفرةُ, والجباهُ النيّرةُ, والأنفاسُ العاطرةُ, والألسنةُ الذّاكرةُ, والنّفوسُ التقيّةُ, والفِطَرُ النقيّةُ، وللهِ بيوتٌ بهم عامرة، ومجالسُ بهم حافلة، يتوافدُ الجميعُ إليهم، ويلتفُّونَ حولَهم ويجلسونَ بين يديهم، يُحبّهم الصّغار، ويألفُهم الكبار، ويستنيرُ الشّبابُ بما لديهم من حِكَمٍ وتجارِبَ غِزَار.

 

فما أعظمَ بركتَهم, وما أطيبَ مُجالستَهم!، فبالقربِ منهم تشعرُ بالطّمأنينة، وتغشاك الرّحمةُ والسّكينة، كم تفيّأْنا بظلالِهم، وكم غمرونا بكرمِهم ونوالِهم!، يستقبلوننا بالتّرحيب، ويتعاهدوننا بالحُبِّ والكرمِ والحفاوةِ والطّيب، كم رفعوا لنا من صادقِ الدّعوات؛ فَفُتّحتْ لنا ببركتِها أبوابُ التوفيقِ والرّزقِ والخيرات، وحُفظنا بها من الأخطارِ والآفات!، فعلينا أنْ نبادلَهم تلك المشاعر، بإظهارِ اهتمامِنا بهم، وحُبِّنا لهم، وحفاوتِنا بهم، وعطفِنا عليهم، وتودُّدِنا إليهم.

 

فكم هم بحاجةٍ إلى من يجالسُهم ويؤانسُهم، ويعيشُ همومَهم ومشاعرَهم، ويخاطبُهم بلغتِهم, ويسمعُ منهم، ويستشيرُهم ويستأذنُهم، ويصبرُ عليهم, ويدعو لهم ويكرمُهم، إنّهم كنزٌ ثمينٌ في دورِكم، فأدّوا زكاتَه بخدمتِهم والإحسانِ إليهم.

 

واحذروا أنْ تخدِشوا كرامتَهم وأحاسيسَهم المُرهَفَة، أشعروهم بأنّه لا فضلَ لكم عليهم، وأنَّ المنّةَ لهم عليكم، اخفضوا لهم الجناح، وأطيبوا معهم الكلام، وأبعدوهم عن الجدالِ والخصام، وتلمّسوا حاجاتِهم وسدُّوها، وأحضروها لهم قبلَ أن يطلبوها، وردّوا لهم بعضَ الجميل.

 

وكافؤُوهم على ما قدّموه من تضحياتٍ ولو بالقليل، فقد أدَّوْا ما عليهم وبقيَ ما لهم، قالَ -عليه الصلاةُ والسّلام-: "إنّ من إجلاِل اللهِ إكرامَ ذي الشّيبةِ المسلم", ويزدادُ شرفُهم ويَعظمُ حقُّهم إنْ كانوا من الوالدينِ وذوي القربى وأهلِ العلمِ والفضلِ والإنفاق، فالمبالغةُ في إكرامِهم من تعاليمِ الدِّينِ ومكارمِ الأخلاق.

 

وقد توالتْ رعايةُ المسلمينَ لحقوقِ كبارِ السّنِّ على مرِّ العصور، حتى عصرِنا الحاضر، حيثُ أَوْلتْها حكومتُنا الرّشيدةُ عنايةً كبيرةً تَكْفُلُ لهم الحياةَ الكريمة.

 

فاتّقوا اللهَ -رحمكم الله-, واعرفوا لكبارِ السّنِّ فضلَهم وأسعدوهم، واشبعوا منهم قبلَ أن تفقدوهم؛ فمكانُهم الذي يتركونَه سيبقى خاليًا لا يَسُدُّه غيرُهم، ولن يبقى إلا عَبَقُ رائحتِهم الزّكيّة، وعبيرُ سيرتِهم النّديّة، ومعالمُ مواقفِهِم الجميلة، وأطلالُ ذكرياتِهِم الجليلة، التي تذكِّرُنا بهم في كلِّ مكان، واللهُ المستعان.

 

أعوذُ باللهِ من الشّيطانِ الرّجيم: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الروم: 54].

 

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه؛ إنّه هو الغفورُ الرحيم

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ:

 

عبادَ الله: اتّقوا اللهَ حقَّ التّقوى؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

اللهمّ احفظْ كبارَ السّنِّ فينا وأسعدْهم، اللهمّ تولَّ أمرَهم وأعِنَّا على برِّهم والإحسانِ إليهم، وباركْ لهم في أعمارِهم وأسماعِهم وأبصارِهم وقوَّتِهم، وأصلحْ لهم عملَهم وذرّيّتَهم، اللهمّ اشْفهم ومتّعْهم بالصّحةِ والعافية، واكتبْ لهم الحياةَ الطيّبةَ وطولَ العمرِ وحُسنَ الخاتمة، يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.

 

عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، ويقولُ -عليه الصلاةُ والسلام-: "من صلّى عليّ صلاةً؛ صلى اللهُ عليه بها عشْرًا", اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ, وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين.

 

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

 

المرفقات

كبار السن لحياتنا بركة وبهجة.doc

كبار السن لحياتنا بركة وبهجة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات