عناصر الخطبة
1/فطَر اللهُ بني البشر على التفاعل مع بعضهم 2/بعض القواعد العاصمة بإذن الله من الزيغ والخطأ 3/الإخلاص أول خطوة لسلوك طريق الصواب 4/إنكار الذات وعدم احتقار الآخَرين سلوك المتقين 5/العدل والعلم أساسان لكل صواب 6/التعميم آفة المخطئين 7/وجوب الاعتماد على مصادر صحيحة موثوقةاقتباس
كما أنه ينبغي للمرء في تعامُلِه مع الآخَرين أن يعتمد على مصادر صحيحة ثابتة، لا لَبْسَ فيها؛ ليتفادَى اتباعَ الظن، أو الاستناد إلى الإشاعات، أو الانخداع بالإثارة عبرَ وسائل التواصل بشتَّى صُوَرِها، وما تنشره من أخبار أو تعليقات مبنِيَّة -في حالات كثيرة- على الظن والكذب...
الخطبة الأولى:
الحمد لله العزيز العليم، غافِر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطَّوْل، لا إله إلا هو إليه المصير، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الشُّورَى: 12]، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه، أرسَلَه إلى الثَّقَلَينِ الإنس والجن، بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، بلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصَح الأمةَ، وجاهَد في الله حقَّ جهادِه، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آلِ بيتِه الطيبينَ الطاهرينَ، وعلى أزواجه أمهات المؤمنينَ، وعلى أصحابه الغُرِّ الميامينَ، وعلى مَنْ سار على طريقهم، واتَّبَع هُداهُم إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فإن الوصية المبذولة لي ولكم -عبادَ الله- هي تقوى الله -جلَّ شأنُه-، وابتغاء مرضاته، في سرِّكم وعلَنِكم، ونُطقِكم وصمتكم، وغضبكم ورضاكم، ومنشطكم ومكرهكم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
عبادَ اللهِ: إن الله لم يخلق الإنسان في معزل عن بني جنسه، لا يخالطهم أو يتعامل معهم أخذًا وردًّا وبيعًا وشراءً، وحُبًّا وبغضًا ورضًى وغضبًا وإحسانًا ومكافأةً، بل إنَّه من جملة الناس الذين خلقَهم اللهُ وجعَلَهم شعوبًا وقبائلَ ليتعارفوا، يُحِبّ ويكرَه ويأخُذ ويعطي، ويبيع ويشتري، ويُهدي ويُهدَى إليه، ويَردُّ ويُرَدّ عليه وهلم جرًّا... في كل ما هو من طبائع البشر ومعاملاتهم، التي خلقهم الله عليها، غيرَ أن ذلكم كلَّه يستوجِب على المرء في تعامُلِه مع الآخَرين أن يستحضر أُسُسًا وقواعدَ ومعاييرَ ينبغي ألَّا تغيب عن باله، وألَّا تكون في منأًى عن تفكيره وسلوكه؛ لئلَّا يقعَ في الزلل معَهم أو الحيف، أو الاضطراب في تطبيق تلك المعايير تجاهَهم إِنْ هو أَحْسَنَ ذلكم، وإلا وقَع في وحشة بينَه وبينَهم، فتكبُر عليه نفسُه ويضيق قلبُه لِمَا يجب أن يكون متسِعًا له، فلا يَسلَمُ حينئذ من غائلة التنافر والتنابز والشحناء، ولا يمكن أن يحقِّق في نفسه القسطَ والاعتدالَ مع الآخَرين إلَّا بأن يهيئ نفسَه بمجاهدتها في تصحيح نيته بينه وبينَ ربه قبلَ كل شيء، ثم بينَه وبينَ الناس؛ وذلك بتحقيق الإخلاص لله -عَزَّ وَجَلَّ- المقرون بمتابَعة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؛ ليفوز بمحبة الناس له بعد محبة الله، من خلال توفُّر هذين العنصرين؛ عملًا بقوله -تعالى-: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الْمُلْكِ: 2]، قال الفضيل بن عياض: "أَيْ أخلصه وأصوبه"، وقال: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبَل، حتى يكون خالصًا صوابًا"، قال: "والخالص إذا كان لله -عَزَّ وَجَلَّ-، والصواب إذا كان على السُّنَّة".
وباستحضار هذا المعيار -عبادَ الله- يتمُّ للمرء تصفيةُ إخلاصه من الشوائب التي تعكِّر صفوَه؛ كالبحث عن مصلحتِه على حساب غيره، وكذا مكامِن الشهرة الخفيَّة، والإعجاب بالنفس واحتكار الصواب له دونَ غيره، والرغبة في الثناء والذِّكْر، والتماس رضا العامَّة أو الخاصَّة، والتي اصطلح علماءُ النفس المعاصِرون على تسميته "اعتبار الذات"، ومِنْ أهم ما ينفع في هذا المجال هو الرجوع إلى معيار موضوعيٍّ غيرِ ذاتيٍّ، من خلال إجراء محاكَمة منطقية توضِّح مدى النتيجة العملية النافعة لتصرُّفاته مع الآخَرين، ومَنِ استفتى قلبَه خطَم هواه، ومَنِ استحضَر في فكره معنى الناس لم يستأثر بمعنى نفسه.
وبناءً على ذلكم ينبغي للمرء أن يُسَلِّم بأن الآخَرين ليسوا معصومينَ من الخطأ، ولا من الاجتهاد الخاطئ، أو الزَّلَل غير المقصود، بل هم بَشَرٌ مثلُه، يعتريهم ما يعتريه؛ من خطأ وصواب وزَيْن وشَيْن وغضب ورضا؛ فكان لزامًا عليه أن يستحضر في نفسه حقيقةَ أن الخطأ يذوب في بحر الصواب، وأن السيئة تذوب في بحر الحسنات، كما قال الله في كتابه العزيز (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هُودٍ: 114]؛ ولذا فإن النظر في ماهية الخطأ ومدى فداحته وضرره، في مقابل النظر إلى عموم المحاسن التي تستر هذا الخطأَ وتذيبه لَهُوَ سببٌ -دون ريب- في تجاوزه واغتفاره، فالكمال لله وحدَه، والعصمة لرسوله صلى عليه وسلم، وكلُّ الناس خطَّاؤون، وخيرُ الخطَّائين التوابون؛ لذا كان من حق الآخَرين على المرء المسلم أنه إذا وجَّه إليهم لومًا أو نقدًا أو خصومةً لا يكون على صورة تعيير أو تشهير أو شماتة أو انتقائية أو إقصاء، بقطع النظر عن ماهية ذلكم النقد والخصومة ومدى قُربِهما من الصواب أو الخطأ؛ لأنَّ مثلَ هذا الباب لو فُتِحَ على مصراعيه لَادَّعى كلُّ ناقدٍ دعواه، وكلُّ لائمٍ لومَه بما لا طائلَ من ورائه؛ لذا وجَب سدُّ الباب أمامَ نقدِ الحاقدِ ولَمْزِ الحاسدِ، فهُمَا ينظرانِ بعين العداوة والتشفِّي، لا بعين العدل والإنصاف، فيجعلانِ المحاسنَ مساوئَ، والمحامد مكارهَ، ولا حيلةَ حينئذٍ فيمن هذه حاله؛ إذ لا ينفع معه البيان، ولا يقنعه إلا الاعتذارُ عن المحاسن التي يَعُدُّها ذنوبًا، وهذا الصنف من الناس يصعُب علاجُه، بل إن الناس يتَّقونه ويسلكون فجًّا غير فجِّه الذي يسلكُ، فيظلُّ كالقاصية من الغنم، تأكلُّها ذئابُ الفكرِ المنغلقِ، والعقولِ المغلَّفة، عافانا الله وإياكم.
إنه لمن المعلوم -بداهةً- أن العقلاء جميعًا متَّفِقون على أنه لا يمكن أن تكون أطروحات الناس في شئون حياتهم محلًّا لقَبول الآخَرين كافةً، والتسليم بكل ما يقال فيها؛ إذ الأفهام تختلف، وأساليب التعبير ليست سواءً، والأهواء والمشارب ليست على قلب رجل واحد، والممارَسات الميدانية متفاوِتة، والوسائل متنوعة، وأنه لا يمكن -في الوقت نفسه- أن تتَّفِق جميعُ الأفهام على قَبول عقل واحد في التحكيم؛ إذ العقول تختلف أيضًا، وفي حال التسليم جدلًا فعقلُ مَنْ يُلجَأ إليه عند المنازَعة، سيما إذا كان الأمر يتعلَّق بأمور الناس الشرعية، أَيُحَكِّمُونَ عقلَ زيدٍ؟ أم عقلَ عمرٍو؟ أعقلُ رجلٍ أم عقلُ امرأةٍ؟ أعقلُ ثقةٍ ثَبْتٍ أَمْ عقلُ صاحبِ هوى؟ وقد أحسَن ابنُ القيِّم -رحمه الله- إذ قال: "بعقل مَنْ منكم يُوزَن كلامُ اللهِ ورسولِه؟! وأي عقولكم تُجعَل معيارًا له، فما وافَقَه قُبِلَ وأُقِرَّ على ظاهره، وما خالَفَه رُدَّ أو أُوِّلَ أو فُوِّضَ، وأي عقولكم هو إحدى المقدِّمات العشر، التي تتوقَّف إفادةُ كلامِ اللهِ ورسولِه لليقينِ على العلم بعدم معارَضَتِه له"، إلى أن قال: "ولو كان العقل وحدَه كافيًا لَاكتفى به رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فهو أكمل عقول أهل الأرض على الإطلاق، فلو وُزِنَ عقلُه بعقولهم لرَجَح بها كلها، وقد أخبر -سبحانه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قبلَ الوحي لم يكن يدري ما الإيمان، كما لم يكن يدري ما الكتاب، فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)[الشُّورَى: 52]".
ومن خلال ما ذُكِرَ آنِفًا -عبادَ الله- فإنه ينبغي أن تتجه نظرة المرء في حكمه على الآخَرين، وفقَ طريق يجب أن يتوفَّر فيه عنصرانِ أساسانِ؛ هما عنصر العلم وعنصر العدل؛ بمعنى أن يبذل المرء ما في وسعه حالَ كونه شخصًا متَّصِفًا بالعقل السليم، للوصول إلى الحقيقة، ثم الحكم بموجبها في موضوعية وعلمية صحيحة سليمة، مجرَّدة من البواعث الشخصية والعواطف الآنية، ويستحضر في ذلكم عدم التحيز أو الميل، دون مراعاة قائمة الأولويات، أو المصالح والمفاسد، حتى ولو كانت تلك العاطفة نبيلة خيِّرة؛ فإن النُّبْل العاطفي وحدَه لا يكفي، ويكون باعثَه في ذلك هو التماسُ رضا الله قبل كل شيء، حتى لا يزاحمه شيءٌ دونَه؛ عملًا بقول الله نبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ التَمَسَ رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناسَ، ومَنِ التَمَسَ رضا الناس بسخط الله سَخِطَ اللهُ عليه، وأسخَط عليه الناس"(رواه ابن حبان).
وقد ذكَر بعض أهل العلم أن الآيات القرآنية في تقرير عنصُرَيِ العلمِ والعدلِ، وتأكيدِهما تربو على ثلاثمائة آيةٍ، نَوَّعَ اللهُ فيها العِظةَ وفصَّلَها أمرًا ونهيًا، وقصصًا وضربَ أمثال؛ ما يدلُّ على أهمية هذا المنهج، وعلى موقعه بوصفه أساسًا كبيرًا في التعامل مع الآخَرين، والحُكْم على تصرفاتهم؛ ففي تصوُّر عنصر العلم نجد الأمرَ ظاهرًا من خلال قاعدةِ أنَّ الحكمَ على الشيء فرعٌ عن تصوُّرِه؛ وذلك لأجل أن يتوفَّر لدى المرء معرفةُ حكم الشيء، ومعرفة وقوع هذا الحكم؛ ليكون بابًا إلى الصواب، وفي تصوُّر عنصر العدل، يكون المرء على ذُكْر من الأسلوب المتَّبَع في القرآن الكريم؛ كما في قوله -تعالى-: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[الْمَائِدَةِ: 8]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: لا يحملنَّكم بغضُ قومٍ على تركِ العدلِ فيهم، بل استعمِلُوا العدلَ في كل أحد، صديقًا كان أو عدَّوًا"، وقال بعض السلف: "ما عاملتَ مَنْ عصى اللهَ فيكَ بمثلِ أن تطيع الله فيه"، والعدل به قامت السموات والأرض، ويشهد لهذا التفسير قولُ الله -تعالى-: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا)[الْمَائِدَةِ: 2]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "أَيْ: لا يحملنَّكم بغضُ قومٍ قد كانوا صدُّوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام -وذلك عامَ الحديبية- على أن تعتَدُوا في حُكْم الله فيهم، فتقتصُّوا منهم ظلمًا وعدوانًا، بل احكُمُوا بما أمرَكم اللهُ به من العدل في حق كل أحد".
فالعدل إذَنْ -في المنهج الإسلامي عباد الله- ذو معنًى مطلَقٍ، لا تحكُمُه النسبيةُ، فإن المرء لا يكون عادلًا ظالِمًا في آنٍ واحدٍ، فهو إما عادل وإما ظالم؛ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولسائر المسلمينَ والمسلمات، مِنْ كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه وتُوبُوا إليه، إنَّ ربي كان غفورًا رحيمًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعدُ...
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنه ينبغي للمرء في تعامله مع الآخَرين ونظرته إليهم عندَ الاقتضاء، أن يكون على ذُكْر من المنهج المتَّبَع في القرآن الكريم، في عدم التعميم حالَ النقد أو التخطئة، مُلاحِظًا أن التعميم -في كثير من الأحيان- ينافي الإنصافَ ووضعَ الأمور مواضِعَها، والشعارُ في هذا كله هو العدل والقسط، فلا غلوَّ في الإطراء حالَ الرضا، ولا إفراطَ في القَدْح حالَ الشنآنِ والخصومةِ، وقد قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قال الرجلُ: هلَكَ الناسُ فهو أهلَكُهُم"(رواه مسلم)، والمعني أَيْ: هو أشدُّهم هلَاكًا.
قال عليُّ بنُ أبي طالب -رضي الله عنه-: "ألَا أخبركم بالفقيه كلَّ الفقه؟ مَنْ لم يقنِّط الناس من رحمة الله، ولم يُؤمِّنهم من مكر الله، ولم يُرخِّص لهم في معاصي الله، ولم يَدَعِ القرآنَ رغبةً إلى غيره".
ومِقْبَضُ الرَّحى في ذلكم كله هو إحكامُ الهوى عن أن يميل لكفَّة دون أخرى، بمجرَّد الهوى والمزاج؛ ولهذا قال الله -تعالى-: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)[النِّسَاءِ: 135].
كما أنه ينبغي للمرء في تعامُلِه مع الآخَرين أن يعتمد على مصادر صحيحة ثابتة، لا لَبْسَ فيها؛ ليتفادَى اتباعَ الظن، أو الاستناد إلى الإشاعات، أو الانخداع بالإثارة عبرَ وسائل التواصل بشتَّى صُوَرِها، وما تنشره من أخبار أو تعليقات مبنِيَّة -في حالات كثيرة- على الظن والكذب، والخَرْص والجُزاف، والهوى والتحيُّز، والتهييج والإثارة، وكَسْب السَّبْق في الطرح، وجَذْب القُرَّاء والْمُشاهِدِينَ والْمُستَمِعِينَ؛ ولذا فإن المرءَ الحصيفَ يتعامل مع مثل ذلكم بحذرٍ بالغٍ؛ ليسلَم من غوائل تلكم الوسائلِ، وينجوَ من مغبَّتها، ومن المقرَّر -بداهةً- أن السلامة لا يعدلها شيءٌ، بل هي تسعة أعشار العافية.
إذا هيَّأ المرءُ نفسَه لمثل ذلكم أثمَر له تعاملًا حصيفًا تجاهَ نصحه الآخَرين، وإشفاقه عليهم؛ بأن يستهدف هدايتَهم لا إغاظتَهم، وتوجيهَهم لا إثارتَهم، ونصحَهم لا تعييرَهم، والتبيينَ لهم، لا التنفيسَ عن مشاعره الذاتية، وأن تكون غيرتُه للصواب، لا للانتصار للنفس، وأن يعمل في هذا الأمر ما أرشَد الله إليه، من الحكمة وتحرِّي الأسلوب الأجدر بالإقناع والموازَنة، بين المصالح والمفاسد، استنباطًا ممَّا قرَّره علماء السلف؛ من أن الأمر بالخير والنهي عن الشر وسيلة لا غاية، شريطةَ ألَّا تكون مصلحةُ الوسيلةِ مؤديةً إلى مَفسَدةٍ أكبرَ منها، فحينئذ يكون درء المفاسد الراجحة مقدَّمًا على جلب المصالح؛ اهتداءً بقول الله -جل شأنه-: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)[الْأَنْعَامِ: 108].
هذا وصلُّوا -رحمكم الله- على خير البرية، وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله بن عبد المطَّلب، صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمَرَكم الله بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبِّحة بقُدْسِه، وأيَّهَ بكم أيها المؤمنون فقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ، صاحبِ الوجهِ الأنورِ، والجبينِ الأزهرِ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صحابة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، وعبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا، يا ذا الجلال والإكرام.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم