قنوات الرذيلة

مقبل بن حمد المقبل

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: الفكر والثقافة
عناصر الخطبة
1/ خطر القنوات الفضائية الهدَّامة 2/ عرض لدراسة تبين خطورة قناة إم بي سي ونظيراتها 3/ بعض أدواء المجتمع الناتجة عن السيل الفضائي 4/ واجبنا في محاربة ومقاطعة تلك القنوات 5/ التغريب باحتفاء تلك القنوات بأعياد الكفار

اقتباس

ثمة وسائل معاصرة فرضت مكانتها في المجتمع، وتعلق بها الكثيرون، خاصة من النساء والأطفال، حتى أصبحت زادًا لا بد منه، وسائلُ اخترقت بيوتَنا وعقولَنا بكل تدرج واحترافية حتى سَقَتْنا من سمها ونحن لا نشعر؛ فشوّهت الأفكار والمعتقدات، وروَّجت للعقائد الفاسدة، وأجَّجت الشهوات، وفرَّقت الأسر والبيوت، وأغرقتنا بالمعازف والأغاني والميوعة، والأفلام الهابطة، و"التقليعات" البغيضة، وأضعفت ..

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، فطرنا على الإسلام، وبصّرنا طريق الحق، وجنّبنا طرق الظلام، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره من الخطايا والآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدوس السلام، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله المبعوث رحمة للأنام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله ربكم، واعملوا لآخرتكم؛ فإن الدنيا إلى فناء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].

إخوة الإسلام: ثمة وسائل معاصرة فرضت مكانتها في المجتمع، وتعلّق بها الكثيرون، خاصة من النساء والأطفال، حتى أصبحت زادًا لا بد منه، وسائلُ اخترقت بيوتَنا وعقولَنا بكل تدرج واحترافية حتى سَقَتْنا من سمها ونحن لا نشعر؛ فشوّهت الأفكار والمعتقدات، وروَّجت للعقائد الفاسدة، وأجَّجت الشهوات، وفرَّقت الأسر والبيوت، وأغرقتنا بالمعازف والأغاني والميوعة، والأفلام الهابطة، و"التقليعات" البغيضة، وأضعفت عقيدةَ الولاء والبراء في النفوس.

إنها تلكم القنوات الفضائية العابثة المنحطة التي تمثّل نسبة كبرى مما يبث عبر الفضاء، والتي يروّج لها الشيطان، ويصد كثيرًا من الناس في مقابل ذلك عن القنوات الهادفة المثمرة.

عباد الله: لقد أصبح التلفاز بقنواته الضخمة صديقَ المجالس في البيوت والاستراحات والمكاتب، وأصبح مُشغلاً للأطفال، يقطع عبثَهم غالبًا؛ لكنه يعبث فيهم من جهة أخرى.

ولن أدخلَ في تفاصيل ما يبثُّ، فإن المقام يطول، ولن ألقيَ الأمر تنظيرًا مجردًا عن الدليل؛ بل سأقف وإياكم اليوم مع دراسة أكاديمية تبيّن خطر قناةٍ عربية مُلاكها سعوديون، ولكنها ما زالت تتمادى في غيها حتى فاض الكيل بانحرافاتها وخبثها وجرأتها على المشايخ وطلبة العلم، بل كانت عميلاً صهيونيًا في قضايا الأمة، فقد ظهر انحيازُها المكشوف في قضية غزة، وقضية مصر، وقبلها العراق، وغيرها. إنها قناة الـ"إم بي سي"، ومثل ذلك يقال عن "روتانا" و"الأوربت" وغيرهما.

عباد الله: إن باقة الإم بي سي بكافة قنواتها والتي ابتدأت البثَّ قبل أكثرَ من عشرين سنة بقناةٍ واحدة ثم تطورت حتى بلغت ستَّ قنوات موجَّهة، إن لهذه القنوات أبعادًا خبيثة كشف بعضَها أحد الفضلاء الأكاديميين في دراسة رصينة مؤصلة قبل خمسة أعوام منشورةٍ في الشبكة العنكبوتية، خلص منها إلى نتائج أختصرُ بعضها فيما يلي، معرضًا عن ذكر النِّسَب والأرقام.

فمنها أن هذه القنوات -خاصة التي تعنى بالأفلام الغربية- لها أبعاد سياسية أمريكية تهدف إلى صهر ثقافة المسلمين في الثقافة الغربية، وتلميع المجتمعات الأمريكية، ونشر قيمها في المجتمعات المسلمة. وكيف لا تكون كذلك وهي قنوات أمريكة الصنع والمنشأ؟!

ومن نتائج الدراسة: أن هذه القنوات تدعو للحرية والتفلّت عن القيم والاعتقادات الدينية، انطلاقًا من تسليط الضوء على مجتمع يغلب عليه الانحلال الخلقي، ويظهر فيه تعاطي الخمرِ والنوادي الليلة، والعري والعهر وإثارة الشهوات الكامنة، ونشر الفاحشة، والدعوة الصريحة للزنا واللواط والسحاق.

فكيف سيكون حال الشباب والفتيات وهم يشاهدون كلَّ طرق الإغراء، وبنقاء واضح، ودبلجة سخيفة؟! وصدق الله: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور:19].

ومن نتائج الدراسة: احتواء هذه القنوات على عدد من الانحرافات العقدية التي تهدم التوحيدَ أو تشكك فيه، ومن أبرز ذلك: تقديسُ الصليب واللجوءُ له في أحلك الظروف، وإظهارُ كنائسِ النصارى وشعائرِهم بلا غضاضة. يقول الباحث: "فالدعوة للنصرانية دعوةٌ خفية تبثها هذه القنوات، وهي أخطر من الفضائيات التنصيرية التي توجِّه خطابها بشكل مباشر". اهـ.

لقد قرّبت الكفار إلى القلوب، وفي الحديث: "المرء مع من أحب".

كما أنها تسهّل أمر السحر والكهانة، فهي دمار للعقيدة والخلق.

أما قناتُها الثالثة المخصصة للأطفال ففيها من الشرك والإلحاد والانحلال ما يستدعي تحريمَها بلا شك من قِبل أهل العلم، وقد صرح بذلك جمعٌ منهم، يقول المنجد -حفظه الله-: "إن مَن يترك أطفاله يشاهدون برامجها يعد آثمًا وخائنًا لرعيته".

عباد الله: لقد أورَثَتْ هذه القناة ونظيراتُها في النفوس ثقلاً في الطاعات، وجُرأة على المعاصي والمحرمات، ولقد تمرّد بسببها الشباب والفتيات على دينهم ومجتمعهم ووالديهم، لقد ساعدَتْ على تكوين العصابات؛ للاعتداء والإجرام، وتعليم السرقة والاحتيال، والاختلاس والتزوير، وغيرِ ذلك من أدواء المجتمع التي تكاثرت بعد ذلك السيل الفضائي المهلك.

لقد أفسحت هذه القنوات المجالَ لملوَّثي الأفكار من علمانيين وليبراليين وغيرهم من الرموز الكاذبة من أهل الفن وأدعياء الثقافة، فصارت تُجري معهم المقابلات لنشر سمومهم وبث أمانيهم من التغريب وتحرير المرأة واختلاطها بالرجال، وغيرِ ذلك من الأطماع التي ستتكسر بإذن الله على دروع الفضيلة ودعاتها الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.

أسأل الله أن يرد كيد الكائدين في نحورهم، وأن يعلي الحق وأهله، وينصر الفضيلة ودعاتَها، إنه سميع مجيب.

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله..

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين...

إخوة الإسلام: بعدما سمعنا شيئًا من مخازي هذه القنوات البئيسة، ونظيراتهُا على خطاها، أيليق بنا أن نتركها تسرح وتمرح في بيوتنا لِـ"تؤمْرِكَ" أفكارنا، وتغرّب سلوكَنا، وتعبثَ بأمننا الفكري، واستقرارنا السياسي؟!

إن الواجب علينا حربُها بإلغائها من قائمة قنواتنا، والاقتصار على القنوات الهادفة الخالية من المحاذير الشرعية.

بل إن الواجب علينا أن نحارب من يدعمُها من الشركات التي تعلن فيها؛ إرضاءً لله -جل وعلا-، وانتصارًا للعقيدة والأخلاق: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2].

وهناك حملة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة هذه القناة والمعلنين فيها، وأنا أدعو إلى الانضمام إلى هذه الحملة نصرةً للحق، وقمعًا للباطل وأهله.

عباد الله: ينبغي أن ننتصر على أهوائنا، وأن نقدّم نصرةَ الدين ونصحَ الرعية على رغبات زوجاتنا وبناتنا وأولادنا، فالمتوقَّع الممانعةُ من حذف تلك القنوات، ولكن الحزم في مثل هذه الأمور مطلوب، فأن تُغضب أهلَ بيتك في سبيل إرضاء الله خيرٌ من العكس، ومن صدق في نيته فسيجد في النهاية رضًا وقناعةً وطمأنينة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]، وفي الحديث: "ما من راعٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".

عباد الله: ومن أظهر صور التغريب في تلك القنوات في هذه الأيام مشاركتُها النصارى في أعيادهم المحرمة كالكريسماس ورأس السنة ونحوها، فإنهم يهنئون ويباركون وينقلون الاحتفالات التي جعلت جهلاء بني قومي يحذون حذوهم ويسيرون في ركابهم، والمشاركة في هذه الأعياد -بأية صورة- حرام باتفاق أهل العلم.

فلننتصر للعقيدة والشرف والفضيلة، ولنهزم الهوى والشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، ومن قدّم لله شيئًا غيرة لدينه وأخلاقه ومجتمعه فليبشر بمكافأة الجواد الكريم: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].

هذا؛ وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله...
 

 

 

 

المرفقات

الرذيلة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات