قطرات لدعم الجمعيات

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/حرمان من اقتصر على نوع من أنواع الطاعات 2/ تنوع العبادات في الإسلام وشمولها 3/ إحصاء الأعمال كلها غير ممكن 4/ تفاضل الأعمال بحسب متعلقاتها 5/ تقاعس المسلمين عن خدمة ديننا وتزايد جهود الكفار في خدمة دينهم 6/ إحصائيات فيما يبذله الكفار لخدمة دينهم 7/ اهتمام المسلمين في خدمة دنياهم أكثر من خدمة دينهم 8/ الدعوة إلى الإنفاق في سبيل الله وخدمة الدين
اهداف الخطبة
الترغيب في الإنفاق في خدمة الدين / تقريع الناس لسرعتهم في خدمة دنياهم
عنوان فرعي أول
نظرة فاحصة
عنوان فرعي ثاني
أعداد مخيفة
عنوان فرعي ثالث
كنقطة في بحر

اقتباس

جمعِيَّاتٌ كَثِيرَةٌ وَمِيزَانِيَّاتٌ ضَخمَةٌ، وَأَموَالٌ طَائِلَةٌ وَجُهُودٌ مُضَاعَفَةٌ، يَبذُلُهَا أُولَئِكَ الكَفَرَةُ لِلتَّنصِيرِ وَصَدِّ النَّاسِ عَن سَبِيلِ اللهِ، فَتَعَالَوا بِنَا لِنَنظُرَ بَعدَ ذَلِكَ في أَنفُسِنَا وَمَاذَا قَدَّمنَا؟ كَم جمعِيَّةً لَدِينَا وَكَم مُؤَسَّسَةً؟ إِنَّ الإِحصَائِيَّاتِ لَتُظهِرُ فَارِقًا عَجِيبًا، يَتَبَيِّنُ مِن خِلالِهِ أَنَّنَا لم نُقَدِّمْ شَيئًا في مُقَابِلِ ذَلِكُمُ السَّيلِ الجَارِفِ

 

 

 

 

 

 

أَمَّا بَعدُ،

فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة 119].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، حِينَمَا يَحصُرُ المُسلِمُ نَفسَهُ في نَوعٍ مِنَ العِبَادَةِ فَيَقتَصِرُ عَلَيهِ وَلا يَتَجَاوَزُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ حِرمَانٌ لها مِن خَيرٍ عَظِيمٍ وَفَضلٍ كَبِيرٍ، وَحَيلُولَةٌ بَينَهَا وَبَينَ أُجُورٍ مُضَاعَفَةٍ وَحَسَنَاتٍ مُتَكَاثِرَةٍ، كَانَ بِإِمكَانِهِ زِيَادَةُ إِيمَانِهِ بها وَرَفعُ دَرَجَاتِهِ بِسَبَبِهَا.

 

وَلَقَد جَاءَتِ العِبَادَاتُ في الإِسلام مُتَنَوِّعَةً وَشَامِلَةً؛ لِيَأخُذَ المُسلِمُ مِن كُلِّ خَيرٍ بِطَرَفٍ، وَلِيَجتَهِدَ فِيمَا يُنَاسِبُ حَالَهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَن صَلاةِ تَطَوُّعٍ لم يَعجِزْ عَن صِيَامٍ، وَإِنْ لم يَتَطَوَّعْ بِصِيَامٍ أَجزَلَ الصَّدَقَةَ وَأَطعَمَ الطَّعَامَ، وَحِينًا يَجِدُ نَفسَهُ تَائِقَةً لِقِرَاءَةِ القُرآنِ فَيَقرَؤُهُ، وَسَاعَةً يَجِدُ مِنهَا خِفَّةً لِلذِّكرِ فَيُكثِرُ مِنهُ، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ.

وَإِحصَاءُ الأَعمَالِ كُلِّهَا غَيرُ مُمكِنٍ، وَلَن يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " اِستَقِيمُوا وَلَن تُحصُوا " وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- " لِيَتَكَلَّفْ أَحَدُكُم مِنَ العَمَلِ مَا يُطِيقُ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَعَالى- لا يَمَلُّ حَتى تَمَلُّوا، وَقَارِبُوا وَسَدِّدُوا " وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُم لَن تُطِيقُوا أَو لَن تَفعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرتُم بِهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبشِرُوا ".

 

هَكَذَا -أَيَُّهَا المُسلِمُونَ- تَتَّسِعُ مَجَالاتُ العِبَادَةِ وَتَتَعَدَّدُ صُوَرُهَا، وَيَصعُبُ استِيعَابُهَا وَحَصرُهَا، لَكِنَّ المُوَفَّقَ يَأخُذُ بما يُطِيقُ وَيُنوِّعُ مَا استَطَاعَ، وَلا يَترُكُ سَبِيلاً يُقَرِّبُهُ مِن رَبِّهِ وَتَتَحَقَّقُ فِيهِ عُبُودِيَّتُهُ لَهُ إِلاَّ سَلَكَهُ، فَبَينَمَا تَرَاهُ مُصَلِّيًّا إِذْ رَأَيتَهُ ذَاكِرًا أَو قَارِئًا، أَو مُعَلِّمًا أَو مُتَعَلِّمًا أَو مُجَاهِدًا، أَو آمِرًا بِالمَعرُوفِ نَاهِيًا عَنِ المُنكَرِ، أَو مُسَاعِدًا لِلضَّعِيفِ أَو مُغِيثًا لِلمَلهُوفِ، فَهُوَ مَعَ المُصَلِّينَ مُصَلٍّ وَمَعَ المُتَصَدِّقِينَ مُتَصَدِّقٌ، وَمَعَ الغُزَاةِ غَازٍ، وَمَعَ المُتَعَلِّمِينَ مُتَعَلِّمٌ، يَتَنَقَّلُ في مَنَازِلِ العُبُودِيَّةِ مِن مَنزِلَةٍ إِلى أُخرَى، وَيَتَتَبَّعُ رِضَا اللهِ وَيَطلُبُهُ مَظَانَّهُ، يَرجُو أَن يُوَافِقَ عَمَلاً يُخلِصُ فِيهِ لِرَبِّهِ، فَيَنَالَ بِهِ رَحمَتَهُ وَيَكسِبَ بِسَبَبِهِ رِضَاهُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَإِذَا كَانَتِ الأَعمَالُ تَتَفَاضَلُ فَيَكُونُ بَعضُهَا أَفضَلَ مِن بَعضٍ، بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ أَوِ الأَشخَاصِ، أَو بِتَفَاضُلِ مَا في القُلُوبِ مِنَ الإِيمَانِ وَالمَحَبَّةِ وَالتَّعظِيمِ وَالإِجلالِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يُعلَمَ أَنَّهُ كُلَّمَا دَعَتِ الحَاجَةُ إِلى عَمَلٍ وَصَارَ نَفعُهُ مُتَعَدِّيًا لِلآخَرِينَ عَامًّا لِلأُمَّةِ، كَانَ ذَلِكَ مِن أَسبَابِ تَفضِيلِهِ عَلَى غَيرِهِ مِنَ الأَعمَالِ القَاصِرِ نَفعُهَا عَلَى العَامِلِ وَحدَهُ.

 

وَإِنَّ نَظرَةً فَاحِصَةً إِلى عَالَمِنَا اليَومَ وَمَا يَجرِي فِيهِ مِن أَحدَاثٍ، وَضَعفِ حَالِ المُسلِمِينَ وَتَقَاعُسِهِم عَنِ العَمَلِ لِدِينِهِم، في الوَقتِ الَّذِي تَتَزَايَدُ جُهُودُ الكُفَّارِ لِحَربِ الدِّينِ الحَقِّ وَنَشرِ أَديَانِهِمُ المُحَرَّفَةِ البَاطِلَةِ، وَيُكَثِّفُونَ فِيهِ البَذلَ لِبَثِّ أَفكَارِهِمُ الفَاسِدَةِ المُفسِدَةِ، أَقُولُ إِنَّ مَن يَنظُرُ إِلى هَذَا الوَاقِعِ لَيَجزِمُ أَنَّ في الإِنفَاقِ عَلَى مَشرُوعَاتِ الخَيرِ وَدَعمِ مُؤَسَّسَاتِ الدَّعوَةِ وَرِعَايَةِ الجَمعِيَّاتِ الخَيرِيَّةِ أُجُورًا عَظِيمَةً لِمَن وُفِّقَ إِلَيهِ، بَلْ إِنَّهُ لَو قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى المُسلِمِ اليَومَ وُجُوبًا عَينِيًّا أَن يَبذُلَ مَا في وُسعِهِ وَيَدعَمَ بما يَقدِرُ عَلَيهِ، فَإِنَّهُ لَن يَبتَعِدَ عَنِ الحَقِّ كَثِيرًا، فَقَد قَالَ -سُبحَانَهُ- في بَعضِ المَرَاحِلِ الَّتي مَرَّت بها الأُمَّةُ: (اِنفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم في سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ) [التوبة: 41] فَلَم يَعذُرْ مِنهُم أَحَدًا، بَل أَوجَبَ عَلَيهِمُ النَّفِيرَ جمِيعًا، وَأَلزَمَهُم بِالجِهَادِ بِأَنفُسِهِم وَأَموَالِهِم.

وَلِكَي يَزدَادَ الأَمرُ وُضُوحًا وَيَتَجَلَّى وَتَظهَرَ أَهمِيَّتُهُ، فَجَدِيرٌ بِنَا أَن نُعَرِّجَ عَلَى بَعضِ الإِحصَائِيَّاتِ لِمَا يَبذُلُهُ الكُفَّارُ مِن جُهُودٍ وَمَا يُنفِقُونَهُ مِن أَموَالٍ لِحَربِ الدِّينِ وَنَشرِ الإِفسَادِ في العَالَمِينَ، لَعَلَّهَا أَن تُوقِدَ فِينَا هِمَمًا خمَدَت، أَو تُحيِيَ قُلُوبًا مَاتَت، أَو تُحَرِّكَ دَوَافِعَ سَكَنَت، فَنَبذُلَ لِدِينِنَا وَنُعذِرَ أَمَامَ رَبِّنَا.

 

ذَكَرَ بَعضُ البَاحِثِينَ أَنَّ مِيزَانِيَّةَ جَمعِيَّاتِ التَّنصِيرِ لِعَامِ (1999م) أَيْ قَبلَ عَشرِ سَنَوَاتٍ، قَد فَاقَت مِئَتي مِليَارِ دُولارٍ، نَعَمْ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- مِيزَانِيَّةُ التَّنصِيرِ قَبلَ عَشرِ سَنَوَاتٍ تَجَاوَزَت مِئَتي مِليَارِ دُولارٍ، لَيسَت أَلفًا وَلا مِئةَ أَلفٍ وَلا مِليُونًا، بَل مِئَتَا أَلفِ مِليُونٍ.

 

وَذَكَرَ بَعضُ البَاحِثِينَ طِبقًا لإِحصَائِيَّاتِ عَامِ (2006م) أَيْ قَبلَ سَنَتَينِ أَنَّ عَدَدَ الجَمعِيَّاتِ الخَيرِيَّةِ في أَمرِيكَا بَلَغَ (1,400,000) جمعِيَّةٍ، يَتَجَاوَزُ دَخلُهَا (295) مِليَارِ دُولارٍ، وَأَمَّا في بِرِيطَانيَا فَقَد بَلَغَت جمعِيَّاتُهُم أَكثَرَ مِن (190,000) جمعِيَّةٍ مُسَجَّلَةٍ لَدَى المُفَوَّضِيَّةِ الخَيرِيَّةِ، يَتَجَاوَزُ دَخلُهَا (40) مِليَارِ جُنَيهٍ إِستَرلِينيٍّ، وَأَمَّا عَدَدُ المُنَصِّرِينَ المُتَفَرِّغِينَ فَقَد بَلَغَ (5,151,000) وَبلَغَ عَدَدُ المَجَلاَّتِ التَّنصِيرِيَّةِ (33,700) مَجَلَّةٍ، وَعَدَدُ مَحَطَّاتِ الإِذَاعَةِ وَالتِّليفِزيُونِ التَّنصِيرِيَّةِ (3,770) مَحَطَّةً، وَقَد رُصِدَت مِيزَانِيَّةٌ لِلتَّنصِيرِ حَتى عَامِ (2025م) بمَبلَغِ (870) مِليَارِ دُولارٍ وَيُتَوَقَّعُ أَن يَصِلَ عَدَدُ المُنَصِّرِينَ إِذْ ذَاكَ إِلى (7) مَلايِينَ مُنَصِّرٍ..!

 

إِنَّهَا لأَعدَادٌ مُخِيفَةٌ حَقًّا، جمعِيَّاتٌ كَثِيرَةٌ وَمِيزَانِيَّاتٌ ضَخمَةٌ، وَأَموَالٌ طَائِلَةٌ وَجُهُودٌ مُضَاعَفَةٌ، يَبذُلُهَا أُولَئِكَ الكَفَرَةُ لِلتَّنصِيرِ وَصَدِّ النَّاسِ عَن سَبِيلِ اللهِ، فَتَعَالَوا بِنَا لِنَنظُرَ بَعدَ ذَلِكَ في أَنفُسِنَا وَمَاذَا قَدَّمنَا؟ كَم جمعِيَّةً لَدِينَا وَكَم مُؤَسَّسَةً؟ إِنَّ الإِحصَائِيَّاتِ لَتُظهِرُ فَارِقًا عَجِيبًا، يَتَبَيِّنُ مِن خِلالِهِ أَنَّنَا لم نُقَدِّمْ شَيئًا في مُقَابِلِ ذَلِكُمُ السَّيلِ الجَارِفِ، فَعَدَدُ جمعِيَّاتِنَا لا يَتَجَاوَزُ خمسَ مِئَةِ جمعِيَّةٍ خَيرِيَّةٍ، بَينَمَا لا تَصِلُ مُؤَسَّسَاتُنَا الخَيرِيَّةِ إِلى خمسَةَ عَشَرَ، وَجمعِيَّاتُ التَّحفِيظِ لم تَصِلْ إِلى مِئَةٍ وَخمسِينَ، وَأَمَّا مَكَاتِبُ الدَّعوَةِ وَتَوعِيَةِ الجَالِيَاتِ فَإِنَّ عَدَدَهَا لم يَصِلِ المِئَةَ، وَفي الحِينِ الَّذي تَرجَمَ النَّصَارَى إِنجِيلَهُمُ المُحَرَّفَ إِلى مَا يَصِلُ إِلى أَلفَي لُغَةٍ في العَالمِ، وَطَبَعُوا مِنهَا في الفَترَةِ الأَخِيرَةِ مَا يَزِيدُ عَلَى (300) مِليُونِ نُسخَةٍ، فَإِنَّ تَرجَمَاتِ القُرآنِ لم تَتَعَدَّ خمسًا وَأَربَعِينَ لُغَةً عَالمِيَّةً، بَينَمَا لم يَزِدْ مجمُوعُ مَا طُبِعَ في العَالمِ مِن تَرجَمَاتِهِ في العَامِ المَاضِي عَلَى مِليُونِ نُسخَةٍ فَقَطْ..!

 

وَلا نَقُولُ هَذَا الكَلامَ تَقلِيلاً مِن شَأنِ جمعِيَّاتِنَا الخَيرِيَّةِ، أو استِضعَافًا لِمُؤَسَّسَاتِنَا الإِغَاثِيَّةِ وَمَكَاتِبِنَا الدَّعَوِيَّةِ، أَو تَهوِينًا مِنَ الأَعمَالِ القَائِمَةِ وَالبَرَامِجِ المُنَظَّمَةِ، أَو تَخذِيلاً لِلمُخلِصِينَ مِن عُلَمَائِنَا وَدُعَاتِنَا وَالمُحسِنِينَ مِن تُجَّارِنَا، وَلَكِنْ لِنُثبِتَ أَن جُهُودَنَا رُغمَ أَنَّا عَلَى الحَقِّ المُبِينِ لا تَعدُو أَن تَكُونَ كَنُقطَةٍ في بَحرِ مَا يَبذُلُ أُولَئِكَ مَعَ أَنَّهُم عَلَى ضَلالٍ وَبَاطِلٍ، وَمَعَ قِلَّةِ مَا نَبذُلُهُ وَضَعفِ مَا نُقَدِّمُهُ، إِلاَّ أَنَّهُ أَقَضَّ مَضَاجِعَهُم وَأَقلَقَهُم وَأَفزَعَهُم، فَكَيفَ لَو تَضَاعَفَ عَدَدُ مُؤَسَّسَاتِنَا وَضُوعِفَ دَعمُهَا؟ كَيفَ لَوِ ازدَادَ عَدَدُ العَامِلِينَ فِيهَا، إِنَّهَا سَتُحدِثُ أَثَرًا لَيسَ بِالهَيِّنِ.

 

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ-، وَجُودُوا في سَبِيلِ اللهِ وَلا تَبخَلُوا، وَأَنفِقُوا ممَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَأَخَّرُوا، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الإِلَهُ الحَقُّ وَالإِسلامُ هُوَ الدِّينُ الحَقُّ، وَسَيَنتَشِرُ وَيَظهَرُ رُغمَ أُنُوفِ هَؤُلاءِ المُبطِلِينَ، وَاللهُ هُوَ الَّذِي وَعَدَ بِخُذلانِهِم فَقَالَ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَموَالَهُم لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيهِم حَسرَةً ثُمَّ يُغلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحشَرُونَ) [الأنفال: 36]، لَكِنَّ المَسأَلَةَ فِينَا نَحنُ، نَحنُ الَّذِينَ يَجِبُ أَن نَنصُرَ دِينَ اللهِ وَنُنفِقَ مِن أَجلِهِ الغَاليَ وَالنَّفِيسَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم. وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم. ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم) [محمد: 7-9] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ. وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَن يُؤَخِّرَ اللهُ نَفسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ) [المنافقون: 9- 11],

 

 

الخطبة الثانية:

 

أَمَّا بَعدُ،

فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّهُ لَغَبنٌ وَخَسَارَةٌ، أَن يَجعَلَ المَرءُ لِكُلِّ شَيءٍ في دُنيَاهُ نَصِيبًا ممَّا يُنفِقُُهُ، ثم لا يَنظُرَ بَعدُ فِيمَا قَدَّمَ لآخِرَتِهِ، إِنَّكَ لَتَجِدُ كَثِيرِينَ مِنَّا وَلِلأَسَفِ الشَّدِيدِ، لأَكلِهِم وَشُربِهِم نَصِيبُ الأَسَدِ مِن رَوَاتِبِهِم، وَلِلكَمَالِيَّاتِ وَالثَّانَوِيَّاتِ وَالرَّفَاهِيَةِ نَصِيبٌ، فَهَذَا مَبَلَغٌ لِسَدَادِ تَكَالِيفِ الجَوَّالِ، وَذَاكَ لِلسَّفَرِ وَالتَّنَزُّهِ، وَثَالِثٌ لِشِرَاءِ السَّيَّارَةِ الفَخمَةِ، وَمَبَالِغُ أُخرَى لإِظهَارِ النَّفسِ بِمَظهَرٍ فَوقَ قَدرِهَا، وَتَبدِيدٌ لِلنِّعَمِ في غَيرِ مَرضَاةِ اللهِ، ثم لا يُفَكِّرُ أَحَدُنَا يَومًا أَن يَجعَلَ مِن رَاتِبِهِ مِئةَ رِيَالٍ أَو مِئَتَينِ أَو أَقَلَّ أَو أَكثَرَ، لِدَعمِ الأَعمَالِ الخَيرِيَّةِ أَو تَشجِيعِ البَرَامِجِ الدَّعَوِيَّةِ، أَو دَفعِ مَسِيرَةِ الحَلَقَاتِ القُرآنِيَّةِ وَالدُّورِ النِّسَائِيَّةِ..!

 

فَيَا أُمَّةَ الإِسلامِ، اُبذُلُوا وَابذُلُوا، وَلا تَتَكَاثُرُوا مَا قَدَّمتُم؛ فَإِنَّ (مَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأَبقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ) [الشورى: 36]، (هَا أَنتُم هَؤُلاءِ تُدعَونَ لِتُنفِقُوا في سَبِيلِ اللهِ فَمِنكُم مَن يَبخَلُ وَمَن يَبخَلْ فَإِنَّمَا يَبخَلُ عَن نَفسِهِ وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوا يَستَبدِلْ قَومًا غَيرَكُم ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمثَالَكُم) [محمد: 38].

 

إِنَّهُ لَجَمِيلٌ بِالمُسلِمِ أَن يَستَقطِعَ مِن رَاتِبِهِ في كُلِّ شَهرٍ مَبلَغًا يَستَمِرُّ وَلا يَضُرُّهُ،، وَإِنّهُ لَوِ استَقطَعَ شَخصٌ مِئَةَ رِيَالٍ في كُلِّ شَهرٍ مَثَلاً، فَإِنَّ مَجمُوعَ مَا سَيُنفِقُهُ في سَنَةٍ لَن يَتَجَاوَزَ تَكَالِيفَ وَلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مِن تِلكَ الوَلائِمِ الَّتي قَد يُقِيمُهَا في الشَّهرِ مَرَّةً أَو مَرَّتَينِ أَو أَكثَرَ، وَقَد لا يَكُونُ مُبتَغِيًا بها وَجهَ اللهِ، فَتُذهِبُ مَالَهُ وَلا يَحصُلُ لَهُ مِنهَا أَجرٌ وَلا مَثُوبَةٌ (فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيرًا لأَنفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ. إِن تُقرِضُوا اللهَ قَرضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ. عَالِمُ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [التغابن: 16-18].
 

 

 

 

 

المرفقات

562

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات