قضايا الشباب (8) الشباب والصلاة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-02-02 - 1443/07/01 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/"إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتا" فكونوا على العهد أيها الشباب 2/كيف اعتنى الإسلام بصلاة الجماعة؟ فما عذرك أيها الشاب؟ 3/بين يدي من تقف أيها الشاب؟ 4/كيف تطمئن في صلاتك أيها الشاب؟

اقتباس

فَمَاذَا يَقُولُ ذَاكَ الشَّابُّ الْمُبْصِرُ الصَّحِيحُ الَّذِي يَسْمَعُ النِّدَاءَ صَبَاحَ مَسَاءَ، يَفْصِلُهُ عَنِ الْمَسْجِدِ خُطُوَاتٌ يَسِيرَةٌ، وَهُوَ يَتَعَذَّرُ بِأَعْذَارٍ وَاهِيَةٍ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ عُذْرٌ -وَاللَّهِ-، وَلَكِنَّهُ الْحِرْمَانُ وَفَوَاتُ التَّوْفِيقِ!...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي لَيْلَةٍ أَفَاضَ اللَّهُ مِنْ رَحَمَاتِهِ وَبَرَكَاتِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، أَرْسَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهَا أَمِينَ السَّمَاءِ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِيَصْطَحِبَ أَمِينَ الْأَرْضِ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رِحْلَةٍ أَرْضِيَّةٍ سَمَاوِيَّةٍ سُمِّيَتْ بِرِحْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، وَفِي جُزْئِهَا السَّمَاوِيِّ عُرِجَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى حَيْثُ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ؛ خَمْسٌ بِأَجْرِ خَمْسِينَ، فَكُلُّ الْفَرَائِضِ فُرِضَتْ بِالْأَرْضِ إِلَّا الصَّلَاةُ، فُرِضَتْ فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ الْفَرَائِضِ فُرِضَتْ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ إِلَّا الصَّلَاةَ؛ فَفَرَضَهَا الرَّبُّ الْجَلِيلُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِنَفْسِهِ.

 

وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ بِالصَّلَاةِ حَمَلَتْ رَسَائِلَ إِلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ الْفَلَاحَ وَالسَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَتَحْقِيقَ مَرْضَاةِ رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ؛ لِيُدْرِكَ مَنْزِلَةَ الصَّلَاةِ وَيَعْرِفَ مَكَانَتَهَا؛ فَيَبْذُلَ لِإِقَامَتِهَا شَبَابَهُ وَعُمُرَهُ وَيُقِيمَ أَرْكَانَهَا، وَشُرُوطَهَا، وَخُضُوعَهَا، وَخُشُوعَهَا.

 

وَمَا أَحْوَجَنَا الْيَوْمَ إِلَى إِعَادَةِ النَّظَرِ فِي أَحْوَالِنَا مَعَهَا، لَا سِيَّمَا شَبَابُنَا الْيَوْمَ الَّذِينَ نَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ ضَيَّعُوا أَوْقَاتَهَا، وَقَصَّرُوا فِي وَاجِبَاتِهَا، وَأَهْمَلُوا سُنَنَهَا، وَجَهِلُوا الْمَقَاصِدَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي شُرِعَتِ الصَّلَاةُ لِتَحْقِيقِهَا.

 

وَمَنْ يَتَأَمَّلْ فِي حَالِ كَثِيرٍ مِنْ شَبَابِ الْأُمَّةِ الْيَوْمَ مَعَ الصَّلَاةِ فَبَيْنَ مَنْ يُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِهَا، وَبَيْنَ مَنْ يَنَامُ عَنْهَا، وَبَيْنَ مَنْ يَجْعَلُهَا آخِرَ اهْتِمَامَاتِهِ فَيُصَلِّيهَا بِدُونِ طُمَأْنِينَةٍ، وَرُبَّمَا لَمْ يُحْسِنِ التَّطَهُّرَ قَبْلَ شُهُودِهَا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

 

وَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا -أَيُّهَا الْكِرَامُ- أَنْ نَحُثَّ شَبَابَنَا عَلَى الْعِنَايَةِ بِالصَّلَاةِ؛ لِيُدَاوِمُوا عَلَى أَدَائِهَا فِي وَقْتِهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النِّسَاءِ: 103].

 

وَإِذَا مَا أَدْرَكَ شَبَابُنَا غَايَةَ الصَّلَاةِ وَمَقَاصِدَهَا وَاظَبُوا عَلَى إِقَامَتِهَا، وَحَرَصُوا عَلَى إِتْقَانِهَا، وَالْقِيَامِ بِخُشُوعِهَا، وَأَرْكَانِهَا، وَوَاجِبَاتِهَا.

 

أَيُّهَا الشَّبَابُ: لَقَدْ حَثَّنَا دِينُ الْإِسْلَامِ وَحَضَّنَا عَلَى أَنْ نُؤَدِّيَ الصَّلَوَاتِ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسَاجِدِ، فَقَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[الْبَقَرَةِ: 43]، وَيَرْوِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقُ بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَفِي وُضُوحٍ وَجَلَاءٍ يَرْوِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَيْضًا أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى أَتَى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَجِبْ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَكَمَا لَمْ يُرَخِّصِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْأَعْمَى فِي تَرْكِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَعْذِرِ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ فِي أَشَدِّ لَحَظَاتِ الْجَهْدِ وَالْخَوْفِ وَالشِّدَّةِ أَنْ يَتْرُكُوهَا: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ)[النِّسَاءِ: 102]، وَتُسَمَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ.

 

فَمَاذَا يَقُولُ ذَاكَ الشَّابُّ الْمُبْصِرُ الصَّحِيحُ الَّذِي يَسْمَعُ النِّدَاءَ صَبَاحَ مَسَاءَ، يَفْصِلُهُ عَنِ الْمَسْجِدِ خُطُوَاتٌ يَسِيرَةٌ، وَهُوَ يَتَعَذَّرُ بِأَعْذَارٍ وَاهِيَةٍ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ عُذْرٌ -وَاللَّهِ-، وَلَكِنَّهُ الْحِرْمَانُ وَفَوَاتُ التَّوْفِيقِ! وَكَفَى قَوْلَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ، إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

أَتَدْرِي -أَيُّهَا الشَّابُّ- مَنِ الَّذِي يُنَادِيكَ؟ أَتَدْرِي إِذَا وَقَفْتَ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ تَقِفُ؟ إِنَّكَ تَقِفُ بَيْنَ يَدَيِ الْجَلِيلِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، مَلِكِ الْمُلُوكِ وَمَالِكِ الْمُلْكِ، فَإِذَا وَقَفْتَ فِي صَلَاتِكَ فَقِفْ فِي خُشُوعٍ وَخُضُوعٍ وَإِخْبَاتٍ، وَدَعْ شَوَاغِلَكَ وَدُنْيَاكَ خَلْفَ ظَهْرِكَ، وَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ عَلَى آخِرَتِكَ، تَمَامًا كَمَا أَمَرَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ: "إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

بَلْ أَمَرَ الْجَلِيلُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِذَلِكَ قَائِلًا: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[الْبَقَرَةِ: 238]، يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ مُفَسِّرًا: "أَيْ: خَاشِعِينَ ذَلِيلِينَ مُسْتَكِينِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ"، وَيُقَرِّرُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَائِلًا: "الطُّمَأْنِينَةُ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ، وَتَارِكُهَا مُسِيءٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ".

 

وَاعْلَمْ أَنَّ أَجْرَكَ فِي صَلَاتِكَ عَلَى قَدْرِ خُشُوعِكَ فِيهَا، فَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَلَعَلَّهُ أَلَّا يَكُونَ لَهُ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا عُشْرُهَا، أَوْ تُسُعُهَا، أَوْ ثُمُنُهَا، أَوْ سُبُعَهَا، حَتَّى انْتَهَى إِلَى آخِرِ الْعَدَدِ"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَلَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ الَّذِي نَقَرَهَا بِلَا طُمَأْنِينَةٍ وَلَا خُشُوعٍ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

إِذَا مَا وَقَفْتُ أُؤَدِّي الصَّلَاةْ *** وَعَيْتُ الْوُجُودَ وَعِشْتُ الْحَيَاةْ

وَنَاجَيْتُ رَبِّي الْعَلِيَّ الْقَدِيرْ *** لِيَسْلُكَنِي فِي صِرَاطِ الْهُدَاةْ

 

فَهَذِهِ الصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ، وَهَذَا الْخُشُوعُ رُوحُهَا؛ فَإِنْ خَلَتِ الصَّلَاةُ مِنَ الْخُشُوعِ، كَانَتْ جَسَدًا بِغَيْرِ رُوحٍ!

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

مَعَاشِرَ الشَّبَابِ: لَكَأَنِّي بِكُمْ تَتَسَاءَلُونَ: وَكَيْفَ نَخْشَعُ وَنَطْمَئِنُّ فِي صَلَاتِنَا؟ وَأُجِيبُ: لِذَلِكَ وَسَائِلُ عَدِيدَةٌ؛ مِنْهَا:

 

اسْتِحْضَارُ عِظَمِ أَجْرِ الْخَاشِعِينَ الْمُطْمَئِنِّينَ: فَالْفَلَاحُ كُلُّهُ لَهُمْ، يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 1-2]، يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ: "عَلَّقَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- الْفَلَاحَ بِخُشُوعِ الْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ، فَمَنْ فَاتَهُ خُشُوعُ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْفَلَاحِ".

 

وَمِنْهَا: حُسْنُ الِاسْتِعْدَادِ لِلصَّلَاةِ: كَإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ: فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ..."(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَكَأَخْذِ الزِّينَةِ: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الْأَعْرَافِ: 31].

 

وَمِنْهَا: تَذَكُّرُ الْمَوْتِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اذْكُرِ الْمَوْتَ فِي صَلَاتِكَ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا ذَكَرَ الْمَوْتَ فِي صَلَاتِهِ لَحَرِيٌّ أَنْ يُحْسِنَ صَلَاتَهُ، وَصَلِّ صَلَاةَ رَجُلٍ لَا يَظُنُّ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً غَيْرَهَا"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

خُشُوعِي لِرَبِّي لَا لِسِوَاهُ *** فَلَسْتُ أَسِيرُ بِغَيْرِ هُدَاهُ

وَيَخْشَعُ غَيْرِي لِعَبْدٍ ضَعِيفٍ *** وَيَعْبُدُ غَيْرِي ضَلَالًا هَوَاهُ

 

أَيُّهَا الشَّبَابُ: اغْتَنِمُوا شَبَابَكُمْ قَبْلَ هَرَمِكُمْ؛ كَمَا وَصَّاكُمْ بِذَلِكَ نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ" وَذَكَرَ مِنْهَا: "وَشَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا تَغْتَنِمُونَ فِيهِ فَتْرَةَ الشَّبَابِ الْمُحَافَظَةَ عَلَى عِمَادِ الدِّينِ وَقُرَّةِ عَيْنِ الْمُقِيمِينَ؛ فَحَافِظُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ وَأَقْبِلُوا إِلَى بُيُوتِ رَبِّكُمْ؛ فَهِيَ الْمَحَاضِنُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي تُكْسِبُ صَاحِبَهَا الْخَيْرَ وَالصَّلَاحَ وَالسَّعَادَةَ وَالْفَلَاحَ، فَفِيهَا تَزْدَادُونَ قُرْبًا مِنْ خَالِقِكُمْ، وَتُدْرِكُونَ الْغَايَةَ مِنْ وُجُودِكُمْ، وَفِيهَا الرِّبَاطُ الَّذِي يَرْبُطُكُمْ بِدِينِكُمْ وَخَالِقِكُمْ وَتَسْعَدُونَ فِي دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ.

 

فَاللَّهُمَّ رُدَّ شَبَابَ أُمَّتِنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

قضايا الشباب (8) الشباب والصلاة.pdf

قضايا الشباب (8) الشباب والصلاة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات