قضايا الشباب (4) الشباب والشهوات

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-02-02 - 1443/07/01 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/داء الشهوات من أخطر أمراض العصر على الشباب 2/حرص دعاة الرذيلة على إفساد الشباب ووسائلهم 3/آثار سقوط الشباب في وحل الشهوات وسبل حمايتهم 4/نماذج من عفاف الشباب ومدافعة نيران الشهوات 5/ثواب مجاهدة النفس عن محبوباتها وتزيين الشياطين.

اقتباس

وَلَا سَبِيلَ إِلَى حِمَايَةِ الشَّبَابِ مِنْ تِلْكَ الْمَوَارِدِ الْآسِنَةِ الْمُهْلِكَةِ إِلَّا بِإِعَادَتِهِمْ إِلَى حَظِيرَةِ الدِّينِ؛ فَهُوَ الَّذِي يَعْصِمُهُمْ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ؛ فَيَعُودُوا لِيَحْتَضِنَهُمُ الْمَسْجِدُ وَأَهْلُهُ وَلِيُرَبِّيَهُمُ الْقُرْآنُ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: مَا إِنْ يَقِفِ الْفَتَى عَلَى أَعْتَابِ الشَّبَابِ إِلَّا وَتَفُورُ فِي جَسَدِهِ بَرَاكِينُ الشَّهْوَةِ وَتَتَأَجَّجُ؛ فَمِنَ الشَّبَابِ مَنْ يَتَسَامَى فَوْقَهَا وَيَتَطَهَّرُ مِمَّا تَجُرُّهُ مِنْ أَدْرَانٍ حَتَّى يَكُونَ خَيْرًا مِنْ بَعْضِ الْمَلَائِكَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَسْلِمُ لَهَا وَيَنْغَرِسُ فِي أَوْحَالِهَا فَمَا تَزَالُ تَنْحَطُّ بِهِ حَتَّى يُؤَاخِيَ الشَّيَاطِينَ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ-، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاوِمُ تَارَةً وَيَتَرَدَّى أُخْرَى، فَهُوَ لِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَالَيْنِ.

 

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَا غَرَابَةَ إِذَا قُلْنَا؛ إِنَّ دَاءَ الشَّهَوَاتِ هُوَ مِنْ أَخْطَرِ أَمْرَاضِ الْعَصْرِ عَلَى الشَّبَابِ، خَاصَّةً وَقَدْ زَيَّنَهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِلنَّاسِ ابْتِلَاءً لَهُمْ؛ (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)[التَّوْبَةِ: 14]، وَإِنَّ أَشَدَّ الشَّهَوَاتِ عَلَى الشَّبَابِ هِيَ فِتْنَةُ النِّسَاءِ.

 

وَكَمْ مِنْ فَتًى كَانَ مُتَعَبِّدًا تَقِيًّا بَيْنَ الْمَسَاجِدِ وَالْقُرْآنِ، ثُمَّ لَمَّا ثَارَتْ فِي جَسَدِهِ الشَّهَوَاتُ تَبَدَّلَ حَالُهُ وَتَغَيَّرَ، لِذَا فَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الشَّهَوَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ مُجْتَمِعَةً، ثُمَّ خَصَّ مِنْهَا شَهْوَةَ النِّسَاءِ؛ لِمَا لَهَا مِنْ خَطَرٍ عَظِيمٍ فَقَالَ: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَقَدْ يَتَعَفَّفُ الشَّابُّ عَنْ مَالٍ حَرَامٍ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، أَوْ عَنْ فِتْنَةِ مَنْصِبٍ أَوْ جَاهٍ، لَكِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ مُجَابَهَةَ نَظْرَةٍ مُغْرِيَةٍ، أَوْ كَلِمَةٍ مُطْمِعَةٍ مِنْ فَتَاةٍ، فَمَا أَصْدَقَ قَوْلَ رَسُولِنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَإِطَاعَةُ الشَّابِّ لِشَهَوَاتِهِ كَفِيلَةٌ أَنْ تُسْقِطَهُ فِي مُسْتَنْقَعٍ نَتِنٍ قَدْ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ أَبَدًا!

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَلَمَّا أَدْرَكَ دُعَاةُ الرَّذِيلَةِ مَا لِلشَّهَوَاتِ مِنْ خُطُورَةٍ فِي إِفْسَادِ الشَّبَابِ رَكَّزُوا جُهُودَهُمْ عَلَى تَوْجِيهِهَا صَوْبَ شَبَابِنَا وَتَذْلِيلِ سُبُلِ وُصُولِهِمْ إِلَيْهَا، وَقَدْ قَامُوا بِذَلِكَ فِي خُطُوَاتٍ مَدْرُوسَةٍ مُنَظَّمَةٍ؛ فَبِدَايَةً: مَلَئُوا وَسَائِلَ الْإِعْلَامِ وَالشَّبَكَةَ الْعَنْكَبُوتِيَّةَ بِمَا يُؤَجِّجُ الرَّغَبَاتِ وَيُثِيرُ الْغَرَائِزَ وَيُطْلِقُهَا شَبِقَةً مَسْعُورَةً تَبْحَثُ عَنِ النَّيْلِ مِنْ أَيِّ فَرِيسَةٍ! فَوَيْلٌ لَهُمْ مِنْ وَعِيدِ اللَّهِ -تَعَالَى- الْقَائِلِ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)[النُّورِ: 19].

 

ثُمَّ كَانَتِ الْخُطْوَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ سَوَّغُوا الِاخْتِلَاطَ الْمُسْتَهْتِرَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فِي الْمَدَارِسِ وَالْجَامِعَاتِ وَالنَّوَادِي.. وَقَامَ عَبِيدُ الْغَرْبِ مِنْ بَيْنِنَا يُرَوِّجُونَ لِذَلِكَ بِاسْمِ الْمَدَنِيَّةِ وَالتَّحَرُّرِ! وَتَنَاسَوْا أَنَّ الْقُرْآنَ قَالَ لِأَطْهَرِ رِجَالِ الْأَرْضِ؛ وَهُمُ الصَّحَابَةُ، فِي شَأْنِ أَطْهَرِ نِسَاءِ الْأَرْضِ؛ وَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ؛ (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الْأَحْزَابِ: 53]، فَمَا بَالُكَ بِمَنْ دُونَهُمْ!

 

كَمَا خَدَعُوهُمْ بِالْمَوْضَاتِ وَالْعُرْيِ، وَمَجَّدُوا الرَّاقِصِينَ وَالْمُطْرِبِينَ وَرَفَعُوهُمْ لِيَجْعَلُوا مِنْهُمْ قُدْوَةً لِلشَّبَابِ وَمَثَلًا أَعْلَى...

 

ثُمَّ انْتَقَلُوا لِلْخُطْوَةِ الثَّالِثَةِ؛ وَهِيَ رَمْيُ كُلِّ شَابٍّ مُتَدَيِّنٍ وَكُلِّ فَتَاةٍ مُحْتَشِمَةٍ بِالرَّجْعِيَّةِ وَالتَّخَلُّفِ عَنْ رَكْبِ التَّقَدُّمِ وَالْحَضَارَةِ! مُنَادِينَ بِنَبْذِهِمْ وَإِقْصَائِهِمْ مِنْ كُلِّ الْمَجَالَاتِ، لِسَانُ حَالِهِمْ؛ (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)[النَّمْلِ: 56]؛ فَجَرِيمَتُهُمْ هِيَ نِقَاؤُهُمْ وَطَهَارَتُهُمْ!

 

ثُمَّ تَمَادَى دُعَاةُ الرَّذِيلَةِ يَحِيكُونَ الْخُطَطَ فِي خُبْثٍ وَمَكْرٍ وَدَهَاءٍ لِيُغْرِقُوا شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ فِي حَمْأَةِ الشَّهَوَاتِ وَأَتُّونِ النَّزَوَاتِ مَا اسْتَطَاعُوا؛ حَتَّى يَأْمَنُوا أَنْ تَقُومَ لَهُمْ قَوْمَةٌ تُؤَرِّقُهُمْ وَتَقُضُّ مَضَاجِعَهُمْ.

 

وَلَا رَيْبَ -أَيُّهَا الْكِرَامُ- أَنَّ لِسُقُوطِ الشَّبَابِ فِي وَحَلِ الشَّهَوَاتِ الْآثَارَ الْوَخِيمَةَ وَالنَّتَائِجَ الْأَلِيمَةَ؛ وَمِنْ تِلْكَ الْآثَارِ:

 

دِنَاءَةُ هِمَّتِهِمْ وَانْشِغَالُهُمْ بِالسَّفَاسِفِ: فَتَرَاهُمْ بَيْنَ مُبَارَاةٍ وَتِلْفَازٍ وَتَسَكُّعٍ فِي الطُّرُقَاتِ وَتَتَبُّعٍ لِلْفَتَيَاتِ، وَاسْتِجَابَةٍ لِلنَّزَوَاتِ وَالشَّهَوَاتِ.. مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

شَبَابٌ قُنَّعٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ *** وَبُورِكَ فِي الشَّبَابِ الطَّامِحِينَ

 

وَمِنْهَا: الْإِضْرَارُ بِمُسْتَقْبَلِ الْأُمَّةِ؛ فَالشَّبَابُ هُمْ سَاعِدُ الْأُمَّةِ الَّذِي تُحَقِّقُ بِهِ آمَالَهَا، فَإِذَا خَارَ هَذَا السَّاعِدُ وَهَوَى فَمَنْ يُقِيمُ لِلْأُمَّةِ حَضَارَتَهَا وَيُعِيدُ لَهَا مَجْدَهَا وَوَحْدَتَهَا الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[الْأَنْبِيَاءِ: 92].

 

وَلَا سَبِيلَ إِلَى حِمَايَةِ الشَّبَابِ مِنْ تِلْكَ الْمَوَارِدِ الْآسِنَةِ الْمُهْلِكَةِ؛ إِلَّا بِتَحْصِينِهِمْ بِالسُّبُلِ النَّافِعَةِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ:

إِعَادَتِهِمْ إِلَى حَظِيرَةِ الدِّينِ فَهُوَ الَّذِي يَعْصِمُهُمْ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ؛ فَيَعُودُوا لِيَحْتَضِنَهُمُ الْمَسْجِدُ وَأَهْلُهُ وَلِيُرَبِّيَهُمُ الْقُرْآنُ.

لَا يُصْنَعُ الْأَبْطَالُ إِلَّا *** فِي مَسَاجِدِنَا الْفِسَاحْ

فِي رَوْضَةِ الْقُرْآنِ فِي *** ظِلِّ الْأَحَادِيثِ الصّحَاحْ

نَشْءٌ بِغَيْرِ عَقِيدَةٍ *** وَرَقٌ تُذَرِّيهِ الرّيَاحْ

 

وَمِنَ السُّبُلِ كَذَلِكَ: قَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الشَّهْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَالسُّبُلِ الْمُفْضِيَةِ إِلَيْهَا؛ كَمَا عَلَّمَنَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)؛ فَإِمَّا الزَّوَاجُ وَإِمَّا الصِّيَامُ، وَحَبَّذَا لَوِ اجْتَمَعَ لِلشَّابِّ كِلَاهُمَا.

 

وَمِنْهَا: مَلْءُ أَوْقَاتِ الشَّبَابِ بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أُسَرِهِمْ وَمُجْتَمَعَاتِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ وَأُمَّتِهِمْ بِالنَّفْعِ؛ مِنْ تَعَلُّمِ الْمُفِيدِ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛ وَالْحَذَرِ مِنْ تَسْلِيمِهِمْ لِلْفَرَاغِ الْقَاتِلِ وَسِهَامِ دُعَاةِ الْبَاطِلِ؛ وَرَحِمَ اللَّهُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ حَيْثُ قَالَ: "نَفْسُكَ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْحَقِّ شَغَلَتْكَ بِالْبَاطِلِ".

 

وَصَدَقَ الشَّاعِرُ حِينَ قَالَ:

إِنَّ الشَّبَابَ وَالْفَرَاغَ وَالْجِدَةْ *** مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيُّ مَفْسَدَةْ

 

عِبَادَ اللَّهِ: بِرَغْمِ هَذَا الْأَتُّونِ الْمُتَأَجِّجِ لِلشَّهَوَاتِ؛ فَهُنَاكَ شَبَابٌ أَعِفَّةٌ نَجَوْا مِنْهُ وَانْتَصَرُوا عَلَيْهِ؛ فَكَأَنَّا نَرَاهُمْ فِي ظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ "وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَأَوَّلُ هَؤُلَاءِ نَبِيُّ اللَّهِ يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ)[يُوسُفَ: 23].

 

وَثَانِيهِمْ: مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-،- فَإِنَّهُ "كَانَ رَجُلًا يَحْمِلُ الْأَسْرَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمُ الْمَدِينَةَ، قَالَ: وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا: عَنَاقُ، وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ، وَإِنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلًا مِنْ أُسَارَى مَكَّةَ يَحْمِلُهُ، قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، قَالَ: فَجَاءَتْ عَنَاقُ فَأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي بِجَنْبِ الْحَائِطِ فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْنِي، فَقَالَتْ: مَرْثَدٌ؟ فَقُلْتُ: مَرْثَدٌ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا عَنَاقُ، حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا، قَالَتْ: يَا أَهْلَ الْخِيَامِ، هَذَا الرَّجُلُ يَحْمِلُ أَسْرَاكُمْ، قَالَ: فَتَبِعَنِي ثَمَانِيَةٌ.."(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)؛ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْقَتْلِ؛ لِئَلَّا يُقَارِفَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ -تَعَالَى-.

 

وَهَذَانِ شَابٌّ وَفَتَاةٌ تَعَفَّفَا عَنْ مُطَاوَعَةِ الشَّهْوَةِ الْحَرَامِ وَخَافَا مَقَامَ رَبِّهِمَا، يَنْقُلُ إِلَيْنَا ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- قِصَّتَهُمَا فَيَقُولُ: "كَانَ بِالْكُوفَةِ فَتًى جَمِيلُ الْوَجْهِ، شَدِيدُ التَّعَبُّدِ وَالِاجْتِهَادِ، فَنَظَرَ إِلَى جَارِيَةٍ جَمِيلَةٍ فَهَوِيَهَا وَهَامَ بِهَا عَقْلُهُ، وَنَزَلَ بِالْجَارِيَةِ مَا نَزَلَ بِهِ، فَأَرْسَلَ يَخْطُبُهَا مِنْ أَبِيهَا فَأَبَى، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمَا مَا يُقَاسِيَانِهِ مِنْ أَلَمِ الْهَوَى أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ الْجَارِيَةُ: إِنْ شِئْتَ زُرْتُكَ وَإِنْ شِئْتَ سَهَّلْتُ لَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي، فَرَفَضَ وَقَالَ: أَخَافُ نَارًا لَا يَخْبُو سَعِيرُهَا، فَلَمَّا بَلَغَهَا قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا مِنْ أَحَدٍ، ثُمَّ انْخَلَعَتْ مِنَ الدُّنْيَا وَجَعَلَتْ تَتَعَبَّدُ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَذُوبُ وَتَنْحَلُ حُبًّا لِلْفَتَى وَشَوْقًا إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ".

كَمْ قَدْ ظَفِرْتُ بِمَنْ أَهْوَى فَيَمْنَعُنِي *** مِنْهُ الْحَيَاءُ وَخَوْفُ اللَّهِ وَالْحَذَرُ

 

وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ الشَّبَابُ قَدْ قَاوَمُوا شَهْوَةَ الْفَرْجِ وَانْتَصَرُوا، فَإِنَّ هُنَاكَ شَبَابًا آخَرِينَ قَدْ قَاوَمُوا شَهْوَةَ الْبَطْنِ وَشَهْوَةَ الْمَالِ وَانْتَصَرُوا عَلَيْهِمَا أَيْضًا، تُحَدِّثُنَا عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فَتَقُولُ: "كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَفِي عَصْرِنَا هَذَا وَفِي كُلِّ عَصْرٍ لَنْ تَعْدَمَ شَبَابًا انْتَصَرُوا عَلَى شَهَوَاتِهِمْ وَقَامُوا فَوْقَ رُفَاتِهَا أَبْطَالًا.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

مَعَاشِرَ الشَّبَابِ: إِنَّ فِي عِصْيَانِ هَوَى النَّفْسِ وَمُخَالَفَةِ مَا يُمْلِيهِ الشَّيْطَانُ النَّجَاةَ وَالْفَلَاحَ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ أَمْرٍ؛ فَمَنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَخَالَفَ هَوَاهُ وَانْتَزَعَ نَفْسَهُ مِنْ مَشَاغِلِ دُنْيَاهُ كَانَ ثَوَابُهُ الْجَنَّةَ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَمَنْ أَتَاهَا فِي الظَّلَامِ كَانَ جَزَاؤُهُ النُّورَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: "بَشِّرِ الْمُشَائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَمَنْ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ إِلَى نَفْسِهَا فَعَفَّ عَنْهَا أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ" وَذَكَرَ مِنْهُمْ: "وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ".

 

وَمَا أَحْوَجَنَا -أَيُّهَا الشَّبَابُ- إِلَى التَّأَمُّلِ فِي وَعْدِ اللَّهِ لِمَنْ خَالَفَ نَفْسَهُ وَشَهْوَتَهُ وَهَوَاهُ؛ (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النَّازِعَاتِ: 40-41]؛ فَمَا أَعْظَمَهُ جَزَاءً وَمَا أَكْرَمَهُ مِنْ عَطَاءٍ.

 

وَرِسَالَةُ الْخِتَامِ لِشَبَابِنَا الْكِرَامِ: زَكُّوا نُفُوسَكُمْ بِالتَّسَامِي عَنِ الْحَرَامِ، وَاحْذَرُوا دُعَاةَ الْفَوَاحِشِ وَالْغَرَامِ، تَرْتَقُوا فِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ، وَلْيَكُنْ لِسَانُ حَالِنَا:

مَا إِنْ دَعَانِي الْهَوَى لِفَاحِشَةٍ *** إِلَّا عَصَاهُ الْحَيَاءُ وَالْكَرَمُ

فَلَا إِلَى مُحَرَّمٍ مَدَدْتُ يَدِي *** وَلَا مَشَتْ بِي لِرِيبَةٍ قَدَمُ

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

قضايا الشباب (4) الشباب والشهوات.pdf

قضايا الشباب (4) الشباب والشهوات.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات