قضايا الأمة في منابر الدعوة

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات: مقالات

اقتباس

وعند الأعداء من مشاريع الإفساد والاستعمار والاحتلال الشيء الكثير إن لم يقف أحد في وجوههم، ويرد عدوانهم؛ حتى يقتنعوا أن بلدان المسلمين ليست لقمة سائغة يبتلعونها بسهولة ويسر.
و لقد بان في هذه النوازل المعاصرة الكثيرة عجز السياسيين والجيوش الرسمية عن رد العدوان، وحفظ البلدان من الأعداء فهم بين عميل...

  [email protected]

 

  

لأهل العلم والدعوة منزلة عند الله تعالى ليست لغيرهم، ولهم في قلوب الناس مكانة لا يبلغها سواهم، فهم المبلغون عن الله عز وجل دينه، وهم الأمناء على عقائد الناس وعباداتهم وأخلاقهم، فالناس يئوبون إليهم في المسائل والمشكلات التي تحل بهم، ويراجعونهم في الأزمات والنوازل التي تنزل بأمتهم؛ ليتعاملوا معها تعاملا صحيحا؛ ولأن الله تعالى أمرهم بذلك في قوله سبحانه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ] {النساء:59} وقال عز وجل [وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ] {النساء:83} وعلماء الأمة هم من ولاة أمرها كما نص على ذلك المفسرون، وقال تعالى [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:43}.

وهذه المكانة العظيمة للعلماء والدعاة عند الله تعالى وفي قلوب الخلق تجعل واجب البيان والإيضاح وهداية الناس للحق عليهم أكبر من غيرهم؛ فإن الله تعالى لما خاطب أمة بني إسرائيل في القرآن نعتهم بالكتاب الذي أُعطوه فكان خطابا لأحبارهم وعلمائهم فقال تعالى [يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] {آل عمران:71} وقال سبحانه [وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ] {آل عمران:187} .

وقد كان للعلماء والدعاة جهد كبير في النوازل التي نزلت بأمة الإسلام، فهم يقومون بمهمتهم في شحذ الهمم وتوعية الناس وتربيتهم إذا تقاعس القادة والسلاطين عن القيام بواجبهم؛ فعلماء العراق والشام ومصر هبوا أيام الغزو التتري لتقوية عزائم الناس على رد عدوان التتر، وبرز آنذاك صوت العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى، ومواقفه مع قطز والظاهر بيبرس وغيرهما كثيرة، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مع الخليفة المستكفي والناصر قلاوون، وهكذا القاضي بن شداد مع صلاح الدين أيام الحروب الصليبية، وخطب ابن نباتة أحيت في الناس روح الجهاد، ورد العدوان الصليبي على الشام ومصر، وفقهاء الأندلس والمغرب كانوا سببا في اجتياز ابن تاشفين إليها حين حرضوه على ذلك لإنقاذها من السقوط في أيدي الصليبيين، فكانت موقعة الزلاقة العظيمة التي كانت سببا في تأخر سقوط الأندلس في أيدي النصارى مئتي سنة، وكان صلاح الدين رحمه الله تعالى يحرص في معاركه أن يبدأ بها عقب الزوال يوم الجمعة تحريا لدعاء الخطباء على المنابر للمجاهدين بالنصر والتأييد، وروى الأصمعي قال:«لما صاف قتيبة بن مسلم للترك وهاله أمرهم سأل عن محمد بن واسع فقيل: هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه يبصبص بأصبعه نحو السماء، قال: تلك الأصبع أحب إلي من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير»(1)

والملاحظ أنه كلما قويت اللحمة بين العلماء الربانيين والسلاطين توج ذلك بالنصر والظفر، ورد عدوان المعتدين كما حصل ذلك في كبريات المعارك الإسلامية الخالدة مثل: عين جالوت وحطين والزلاقة، وكلما استأثر السلاطين بسلطتهم، واستبدوا برأيهم، وأدنوا المفسدين، وأبعدوا العلماء الربانيين كان الخذلان والهزيمة والتخبط، كما كان اجتياح الصليبيين لبيت المقدس والشام وقت الحكم العبيدي الباطني الذي قتل حكامه العلماء الربانيين ونكلوا بهم، وقربوا المفسدين من أهل بدعتهم، وكذلك سقطت الدولة العباسية تحت أقدام التتر لما أُقصي العلماء وقُرب المفسدون الخونة كابن العلقمي وأشباهه.

وفي واقعنا المعاصر نزلت بالأمة نوازل كثيرة، واجتاح الأعداء عددا من ديارهم، بدءا من فلسطين قبل ستين سنة، فأفغانستان مرتين، مرة من الروس وأخرى من الأمريكان، والشيشان مرتين من الروس، والبوسنة والهرسك وكوسوفا من الصرب، والصومال مرتين، مرة من الأمريكان ومرة من الأثيوبيين، والعراق مرتين من الأمريكان وحلفائهم.

وعند الأعداء من مشاريع الإفساد والاستعمار والاحتلال الشيء الكثير إن لم يقف أحد في وجوههم، ويرد عدوانهم؛ حتى يقتنعوا أن بلدان المسلمين ليست لقمة سائغة يبتلعونها بسهولة ويسر.

و لقد بان في هذه النوازل المعاصرة الكثيرة عجز السياسيين والجيوش الرسمية عن رد العدوان، وحفظ البلدان من الأعداء فهم بين عميل متآمر، وبين ضعيف عاجز، إضافة إلى أنهم قد كُبلوا بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية الجائرة التي قضت على فرائض الجهاد والنصرة والأخوة في الدين ونجدة المسلمين.

ويبقى الأمل بعد الله تعالى في أهل العلم والدعوة؛ لأنهم متحررون من ربقة تلك المعاهدات، ولديهم فرص أكبر للمناورة والتخلص من الضغوط الحكومية عن طريق الاستفادة من الانفتاح والدعوة إلى شعارات حرية الرأي وقبول الآخر ونحوها، فإنها وإن كانت شعارات انتقائية ممن ينادون بها إلا أن فيها فرصة للعلماء والدعاة أن يقولوا قولهم، ويبينوا للأمة ما يجب عليهم في نوازلهم، ويسعوا في إحياء الناس، ويوجهوهم إلى قضاياهم الحقيقية، ويستنهضوا هممهم، ويشحذوا عزائمهم؛ ليكونوا أنصارا للحق وأهله، حربا على الباطل وجنده.

وسائل العلماء والدعاة:

ما من نازلة تنزل بالناس إلا ويتناولها السياسيون والمفكرون والإعلاميون والصحفيون، كل منهم على حسب مشربه وهواه، وما رسم له من سياسات لا يخرج عنها، ومهمة العلماء والدعاة هي الاستفادة من الوسائل المتاحة لبيان الحق، ونصرة الإخوان الذين حلت بهم النازلة بكل ما يمكن من الوسائل الممكنة المتاحة، ومن ذلك:

1- إصدار البيانات والفتاوى الفردية والجماعية التي تتضمن وصف النازلة، وبيان حقيقة العدو التي قررها القرآن الكريم، وأنها عداوة دينية، وبيان حكم من أعان الأعداء على المسلمين وظاهرهم واتخذهم أولياء من دون المؤمنين، حتى يرتدع المجرمون عن جرمهم، ويعرفوا حكم شريعة الله تعالى فيهم.
وتشمل تلك البيانات الدعوة إلى التضامن مع المسلمين الذين حلت بهم النازلة ومواساتهم ونصيحتهم، ودعوة المسلمين إلى نصرتهم ماديا ومعنويا، ومقاطعة المعتدين عليهم سياسيا واقتصاديا.

2- المشاركات الإعلامية في القنوات الفضائية والإذاعية، وقد لوحظ في نازلة غزة كثرة المشاركات من العلماء والدعاة في الفضائيات، وهذه المشاركات المشكورة ألهبت عواطف المسلمين تجاه إخوانهم، وأحرجت الممالئين للأعداء وفضحتهم، وكان هذا الغضب الشعبي العارم سببا في التنفيس عن الشعوب المسلمة لتقول كلمتها، وتعلن تضامنها مع أهل غزة، ولم تستطع الحكومات المتواطئة مع العدوان ردَّ الناس عن إظهار غضبهم أو تخفيفه.

3- كتابة المقالات في الصحف والمجلات وخاصة الإسلامية؛ لأنها مقصد المهتمين بقضايا المسلمين، ومن المستحسن أن تقصد المجلات الإسلامية التنويع في المقالات؛ لتشمل جميع الجوانب المتعلقة بالنازلة:

أ- فيكون فيها مقالات تأصيلية في وصف النازلة فقهيا، وما يتعلق بها من أحكام شريعة لكافة شرائح الناس المختلفة من قادة وصناع قرار، إلى تجار وأغنياء، إلى العامة، وبيان الواجب الشرعي على كل فئة من هؤلاء؛ لإقامة الحجة، وفتح أبواب النصرة، وقطع عذر المعتذرين والمخلفين.

ب- ومنها مقالات سياسية، تحلل النازلة سياسيا، وتبين مواقف أطراف النازلة وخططهم ومرادهم، وما يتوقع أن تئول إليه أحداث النازلة وتداعياتها، مع محاولة حساب الأرباح والخسائر المادية والمعنوية منها.

ت- ومنها مقالات تثبيتية وعظية، تذكر فيها أسباب الهزيمة والفشل لاجتنابها، وأسباب النصر لإتيانها، وتبث روح الحماسة والحمية في الأمة.

4- إلقاء الكلمات في المساجد والمدارس ومجمعات الناس، وتكون مركزة ومفيدة.

5- تخصيص خطب الجمعة للنازلة.

6- اللوحات الحائطية في المساجد والمدارس والأسواق وغيرها.

7- المشاركة في اللقاءات الخاصة كالصالونات الأدبية أو ما يسمى بالأحديات والاثنينيات ونحوها، وكذلك الاستفادة من دوريات الأسر والحارات والزملاء وغيرها؛ لإثارة موضوع النازلة، وبيان ما ينفع الناس فيها.

الأمور التي يمكن طرقها في النوازل:

أولا: ما يتعلق بالنازلة، وذلك يكون بما يلي:

1- وصفها وصفا دقيقا بعيدا عن التهويل والتهوين؛ فمن شأن التهويل أن يفقد العالم أو الداعية مصداقيته، ويعرف عند الناس بأنه يبالغ، والتهوين فيه غمط للإخوان، وهو نوع من التخذيل، وما خرج به بعض الناس في أحداث غزة من التخذيل والإرجاف والتخلي عن إخوانهم بحجة أن حماس هي المتسببة في ذلك هو من التخذيل والإرجاف، وصاحبه إما حاقد ممالئ للعدو، وإما جاهل بالسياسة الشرعية والسياسة المعاصرة، وحقه أن يسكت لجهله.
والخلل في توصيف النازلة وحجمها وأسبابها سببه الجهل في الغالب والعلم الجزئي بها؛ وعلاج ذلك أن يقرأ المتحدث عن النازلة كثيرا، ويكون ما يقرأ لمتخصصين حتى يتصورها، ولا سيما في هذا الزمن الذي يشاهد الناس فيه تحليلات السياسيين والإعلاميين عبر الفضائيات، فلا يحسن بالعالم أو الداعية أن يكون أقل عمقا في فهم القضية منهم، وهو محل ثقة الناس وموضع طمأنينتهم، وعليه أن يعزز تلك الثقة في نفوسهم باطلاعه وقراءته.

2- بيان واجب الناس تجاه إخوانهم الذي نزلت بهم النازلة؛ فإن كثيرا من العلماء والدعاة والخطباء يؤثرون في الناس تأثيرا كبيرا في وصف النازلة، وبيان ما حلّ بإخوانهم من المصيبة، ولكنهم يضعفون عن التماس خطوات عملية لنصرتهم والوقوف معهم ماديا ومعنويا، مع أن تفعيل الناس للنصرة هو الثمرة المرجوة من عرض النازلة عليهم؛ ليقوموا بواجب النصرة، ويقفوا مع إخوانهم في محنتهم.

ثانيا: ما يمكن أن تستثمر فيه النازلة:

من المستقر عند المسلم أن الله عز وجل لا يقدر شرا محضا، وما من نازلة تنزل بالمسلمين، ولا كارثة تحل بهم إلا وفيها من الخير الكثير ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وهذا العدوان الذي تكرر من الكفار في العقود الأخيرة كان من أهم أسباب هذه الصحوة المباركة ونمائها وقوتها، وعدم قدرة أعداء الداخل والخارج على احتوائها بله القضاء عليها.

وإذا كان المنافقون والشهوانيون يستغلون أحداث العنف والتفجير التي حصلت من بعض أبناء المسلمين للطعن في الإسلام وعلمائه ودعاته ومناهجه وأحكامه، وتجفيف منابعه بالنيل من مؤسسات الإغاثة والدعوة، والعمل الخيري التطوعي والقضاء والحسبة وحلقات تحفيظ القرآن ومنابر الدعوة وغيرها، ومحاولة تأليب الرأي العالمي على الإسلام وأهله، وتحريض الحكام على العلماء والدعاة والمصلحين؛ فإنه يجب على أهل العلم والدعوة استغلال تلك النوازل التي يعتدي فيها الكفار على المؤمنين لنسف ما يبنيه المنافقون من مناهجهم المنحرفة، وإيدلوجياتهم الضيقة التي يريدون فرضها على الناس بالكذب والتزوير والإرهاب، والتي تتضمن نقل الناس من دينهم إلى الشهوات والأهواء، وإذابة الولاء والبراء، وتكريس مفاهيم التعايش السلمي والآخر وحوار الأديان وغيرها من الشعارات المثالية الزائفة المخادعة.

ومما يمكن أن يركز العلماء والدعاة عليه في مثل هذه النوازل لنسف مشاريع المنافقين وتصديعها ما يلي:

أولاً: التأكيد على رابطة الدين التي حصر الله تعالى الأخوة فيها بقوله سبحانه [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] {الحجرات:10} وجاءت نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم تؤكد هذا المعنى العظيم منها:

1- حديث النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» وفي رواية:«الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إن اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ»(2).

2- حديث سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ الْمُؤْمِنَ من أَهْلِ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لأَهْلِ الإِيمَانِ كما يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا في الرَّأْسِ»(3)

3- حديث عَبْدَ الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:«الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ»(4)

4-حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «... وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَحْقِرُهُ»(5)

5- حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا»(6)

6- حديث عَمْرِو بن شُعَيْبٍ عن أبيه عن جَدِّهِ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عليهم أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ على من سِوَاهُمْ»(7)
فتذكير العالم والداعية بهذه النصوص في تلك الأزمات يحيي في الناس حميتهم لدينهم، ونصرتهم لإخوانهم، ويقطع الطريق على المنافقين الذين يريدون حصر الولاء والبراء في الوطن بعيدا عن الدين، ويدعون إلى عدم الاهتمام بالمسلمين زاعمين أن ذلك أضر بمصالحنا، وجر علينا ويلات كثيرة.

ثانيا: بيان عداوة الكافرين للمؤمنين التي وردت في كثير من الآيات القرآنية مثل قول الله تعالى [إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ] {الممتحنة:2} وقوله تعالى [إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا] {الكهف:20} وقوله سبحانه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ] {آل عمران:149} وقوله عز وجل[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ] {الممتحنة:1} وقوله جل جلاله [وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ] {الأنفال:73}
وفي أهل الكتاب خاصة قال الله تعالى [وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ] {البقرة:109} وقال سبحانه [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ] {آل عمران:100} وقال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ] {المائدة:51}
وفي المنافقين خاصة قال الله تعالى [وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ] {آل عمران:118} وقال سبحانه [وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ] {آل عمران:119} وقال تعالى[إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا] {آل عمران:120} وقال سبحانه [وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ] {النساء:89} وقال عز وجل[هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ] {المنافقون:4}
وقد أراد المنافقون إلغاء هذه العداوة الأبدية التي بينها ربنا جل جلاله في كتابه العزيز، وحاولوا صرف الناس عنها إلى ما اخترعه الكفار لهم من شعارات التعايش السلمي وتقارب الأديان وتلاقي الحضارات والحوار والتفاهم وغيرها من الشعارات الخادعة المخدرة الكاذبة التي لا يركن إليها إلا الجهلة والضعفاء، والتي يكذبها تاريخ طويل، وواقع أليم من العداء والتآمر والدماء والأشلاء التي لم تكن استباحة غزة أولها ولن تكون آخرها.

ثالثا: كشف حقيقة المنافقين، واستغلال النازلة في تعريتهم، وإفشال مشاريعهم الاستسلامية التي تورد الأمة الذل والمهانة والتبعية؛ فإن ما يفعله الكفار بالمسلمين من العداوة والأذى يثبت كذب المنافقين وتدليسهم على المسلمين حين زعموا أنه يمكن التعايش السلمي مع اليهود والنصارى والمشركين، وأن عصر العلم والحضارة - وهو عصر الجهل بدين الله تعالى- سيقضي على الإيدلوجيات التي يجعلون منها دين الإسلام، مدَّعين أن المشكلة هي في مقررات ديننا التي تعادي الآخرين، بينما نحن نرى أن أعداء الإسلام من اليهود والنصارى هم الذين يغزون بلاد المسلمين، ويقاتلونهم على دينهم لإخراجهم منه، ويؤذونهم في ربهم جل جلاله، وفي نبيهم صلى الله عليه وسلم، وفي قرآنهم، وينطلقون في ذلك من رؤى توراتية إنجيلية، وأهداف استعمارية تآزر فيها الدينيون مع العلمانيين في البلاد الغربية، وأكبر دليل على كف المسلمين عنهم، واعتداؤهم هم على المسلمين أننا لا نرى في الأرض موقعا واحدا فيه جهاد طلب، بل كل البلدان الإسلامية الملتهبة جهاد أهلها جهاد دفع، ولكن الأعداء يريدون تركيع الأمة لإلغاء جهاد الدفع كما ألغوا جهاد الطلب؛ ليكون المسلمون لقمة سائغة لهم.

إن من أعظم التزوير لدين الله تعالى، وإن من لبس الحق بالباطل الذي هو من خصال أهل الكتاب وقد نهوا عنه في قول الله تعالى [وَلَا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] {البقرة:42} ما وقع من بعض أهل العلم والدعوة الذين لبسوا على الناس فجعلوا شروط جهاد الطلب شروطا لا بد من توافرها في جهاد هذا العصر مع أنه لا يوجد في الأرض جهاد طلب، وأخفوا عن الناس أنها شروط جهاد الطلب؛ لينقدح في ذهن من يقرأ لهم، أو يستمع إليهم أنها شروط للجهاد عموما.

ومثله أيضا ما فعله بعضهم من استدعاء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في حوار أهل الكتاب، وتنزيلها على الحوارات الرسمية في هذا العصر التي وِجْهَتُها وحقيقتها مجاملة الكفار بالإقرار بدينهم، وتصحيح مذهبهم، واستجداء رضاهم عن المسلمين، مع أن نصوص الحوار والمجادلة إنما جاءت في حوار المشركين عامة -وأهل الكتاب خاصة- لبيان الحق الذي هو دين الإسلام، ودعوتهم إليه، وليس للإقرار بباطلهم، والاعتراف به، ومساواته بالحق، ولست أعلم أن حوارا رسميا في الأرض في الزمن المعاصر كان هذا هدفه!

الرابع: الدعوة إلى ترك المعاصي؛ فإن الضغط الإعلامي العلماني على الناس لإفسادهم ومحاصرتهم بالشهوات، وتسويغها بالشبهات والفتاوى الفضائية المرخصة لكثير من المحرمات، كل ذلك قلل من التزام كثير من الناس بدينهم، وزين لهم الدنيا وشهواتها المباحة والمحرمة، وقد ظهر ذلك في تقليعات الشباب في قصات شعورهم ولباسهم، وفي تساهل النساء بحجابهن، وانتشار ظاهرة السفور والتبرج، وهذه النوازل التي تصيب الأمة هي هزات توقظ الناس من رقدتهم، وتنبههم من غفلتهم، وتعيدهم إلى ربهم؛ نصرة لإخوانهم، وخوفا من أن يصيبهم ما أصاب غيرهم، وأهل الفساد الفكري والأخلاقي يحاولون صرف الناس عن هذه الفوائد العظيمة للنوازل بتفسيرها تفسيرات مادية، كتفسيرهم للكوارث الكونية بأسباب جيولوجية وفلكية، وتفسير الحروب بأسباب سياسية واقتصادية، ويستميتون في إقصاء الدين عن أي تفسير ولو كان هو الحق والواقع، فواجب العلماء والدعاة في النوازل هو التركيز على كون الطاعة سببا لكل خير، وأن البلاء ينزل بسبب الذنوب، وأنه يرفع بالتوبة؛ ذلك أن الناس في النوازل يقبلون على المساجد، وتقبل قلوبهم على ما يقوله أهل العلم لهم؛ لثقتهم بهم.

الخامس: الرد على الشبهات؛ فما من نازلة تنزل بالمسلمين على أيدي أعدائهم إلا وينبري أناس مخذلون مرجفون يجلدون الضحية ويعتذرون للجلاد، أو يقللون من شأن الضحية، ويبرزون عيوبه وربما اخترعوا عيوبا له ليست موجودة؛ ليعتذروا لخذلانهم وخذلان دولهم، وليتخلوا عن مسئولياتهم تجاه إخوانهم، وليسوغوا ذلك للناس بمسوغات يرون أنها صحيحة، وقد تكرر ذلك كثيرا منهم؛ ففي حرب أفغانستان مع الروس اعتذروا بأن الأفغان أصحاب بدع وضلالات، وفي حرب الشيشان مع الروس تعللوا بأن الشيشان أخطئوا لما استقلوا عن روسيا، وفي افتراس الصرب للبوسنة وكوسوفا جلدوا الضحية بأنهم لا يعرفون الإسلام، ولا يلتزمون أحكامه، كما هو ظاهر من حال رجالهم ونسائهم، وفي العراق جعلوا بريمر النصراني وحلفاءه من الرافضة والعلمانيين أولياء لأمر المسلمين، وجعلوا من حاولوا دفع العدوان خوارج وإرهابيين، وفي فلسطين سمحوا لأنفسهم بخذلان إخوانهم بحجة أن حماس إخوانية أو لأنها مدت يدها لإيران حين أحجمت دول أهل السنة عن دعمها وتأييدها بسبب الضغوط الصهيونية والأمريكية، بل بعض دول أهل السنة كمصر تآمر عليها، وكان فعل ساستها بأهل غزة أشد وأنكى من فعل اليهود بهم؛ لأن الحصار المحكم الذي خنق أهل غزة وقتلهم على مدى سنتين نفذته السلطات المصرية بامتياز.

وهذه الشبهات المتعددة يخترعها ويبثها في نوازل المسلمين فئتان من الناس:

الفئة الأولى: أناس حاقدون على الإسلام وأهله، لا يرون موطنا من مواطن العزة والإباء إلا استكثروه على الأمة، وحاولوا قتله في مهده بالتخذيل والإرجاف، وصرف الناس عنه، والطعن في أهله، والتقليل من شأنهم، والاعتذار للأعداء الجلادين، وهذا شأن الليبراليين المتصهينين في صحفهم وفضائياتهم، ولما رمى صحفي رأس طاغوت العصر بحذائه قالوا: هذا يمثل ثقافة الأحذية التي تدل على العجز والفشل، وجعلوه عملا منحطا وغير لائق، ولو قتله بسلاح لقالوا إرهابي مجرم لا بد من قتله.

وإذا أطلق الفلسطينيون صواريخهم على اليهود سموها صواريخ الكراتين والتنك، وجعلوها أعمالا صبيانية عبثية، وإن نكئوا في العدو بقتل مباشر أو تفجير ضخم عدوه إرهابا وإجراما. فلا التعبير الرمزي عن رفض العدوان يرضيهم، ولا النكاية في العدو الصائل الغاشم ترضيهم بل تسوؤهم جدا، فماذا يفعل الضحايا إذن سوى الاستسلام الذي يريده منهم هؤلاء الصهاينة والمارينز العرب؟!

الفئة الثانية: مجموعة من الحمقى المغفلين الذين يظنون أنهم على علم ودراية، ويظهرون غيرة على العقيدة، وهم من أجهل الناس وأحمقهم، فيقفون في صف الأعداء من حيث يشعرون أو لا يشعرون، ويتمندل بهم أصحاب الفئة الأولى لتحقيق مآربهم، فيظهرون صوتهم في فضائياتهم وصحفهم، حتى إذا قضوا غرضهم منهم في تحريف الدين، وتخذيل المسلمين رموهم كما يرمى المتاع المستعمل، ولو أدرك ابن الجوزي رحمه الله تعالى هذا الزمن لربما بلغ كتابه في الحمقى والمغفلين عشر مجلدات.

وواجب على أهل العلم والدعوة أن يذبوا عن إخوانهم المستباحين من قبل الأعداء، وأن يردوا شبهات المفسدين التي قد تفت في عضد الناس، وتؤثر فيهم، وتقعدهم عن نصرة إخوانهم، والوقوف معهم في نوازلهم.
[فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا] {النساء:84}

السبت 14/1/1430هـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) سير أعلام النبلاء 6/121
(2) رواه البخاري (5665 ) ومسلم واللفظ له في الروايتين(2580).
(3) رواه أحمد 5/340 والطبراني في الكبير (5743).
(4) رواه البخاري (2310) ومسلم (2580).
(5) رواه مسلم (2564 ).
(6) رواه البخاري (2552 ) ومسلم (2584 ).
(7) واه أبو داود (2751).
 

 

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات