الشيخ محمد صديق
بعد مضي عام من الهجرة وفي العام الثاني للهجرة، تكون معركة بدر الكبرى؛ وينكل الله بعتاة قريش الذين كانوا يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه وينزلون بهم اشد ألوان الأذى والعذاب وينزل الله النصر، ويمكن الله العبيد الضعفاء من السادة المتجبرين. فهذا عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يمكنه الله من رأس الطاغية أبي جهل، وهذا بلال بن رباح - رضي الله عنه - يمكنه من الطاغية أمية بن خلف، وهو الذي كان يذيقه ألوان العذاب، ويُلقى السبعة نفر من عتاة قريش الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في القليب قليب بدر، وهذا من أعظم الإعزاز والتمكين للمؤمنين، والإذلال والتنكيل للطغاة الكافرين وأشد عليهم من صاعقة عاد وثمود.
سنة الله في المستهزئين بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:
رجل من النصارى:
قال أسباط، عن السُّدِّي، في قوله: ﴿ وَاذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: 85].
قال: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي: "أشهد أن محمداً رسول الله" قال: حُرّق الكاذب! فدخلت خادمة ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام، فسقطت شرارة فأحرقت البيت، فاحترق هو وأهله. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم[1].
لفيظ الأرض:
عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رجلٌ نصرانياً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانياً فكان يقول ما يدري محمدٌ إلا ما كتبت له. فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه[2].
قتيل الكلب:
قال العلامة ابن حجر في كتابه النفيس الدرر الكامنة: كان النصارى ينشرون دعاتهم بين قبائل المغول طمعاً في تنصيرهم وقد مهد لهم الطاغية هولاكو سبيل الدعوة بسبب زوجته الصليبية ظفر خاتون. وذات مرة توجه جماعة من كبار النصارى لحضور حفل مغولي كبير عقد بسبب تنصر أحد الأمراء، فأخذ واحد من دعاة النصارى في شتم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هناك كلب صيد مربوط، فلما بدأ الصليبي الحاقد في سب النبي صلى الله عليه وسلم، زمجر الكلب وهاج، ثم وثب على الصليبي وخمشه بشدة، وخلصوه منه بعد جهد. فقال بعض الحاضرين: هذا بكلامك في حق محمد صلى الله عليه وسلم.
فقال الصليبي: كلا بل هذا الكلب عزيز النفس، فلما رآني أشير بيدي ظن أني أريد أن أضربه. ثم عاد لسب النبي صلى الله عليه وسلم وأقذع في السب، عندها قطع الكلب رباطه ووثب على عنق الصليبي وقلع زوره في الحال فمات الصليبي من فوره، فعندها أسلم أربعون ألفا من المغول[3].
من تجارب المسلمين في عصر الإمام ابن تيمية فيمن سب الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال الإمام ابن تيمية: ونظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة: كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر [أو] أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله والوقيعة في عِرْضِه، تعجلنا فتحه وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يُفتح المكان عَنْوَة, ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوه فيه. وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك، ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده، وتارة بأيدي عباده المؤمنين[4].
فهؤلاء أهل حصن يقعون في النبي صلى الله عليه وسلم فيفتح الله ذلك الحصن، فما بالنا إذا وقعت أمة فيه صلى الله عليه وسلم، اعلموا أن هذه الأمة (أوربا) سوف يفتحها الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تغزون الروم فيفتحها الله ثم تغزون الدجال فيفتحه الله"[5].
[1] تفسير ابن كثير
[2] رواه البخاري (3384).
[3] الدرر الكامنة جزء 3 صفحة 202.
[4] الصارم المسلول على شاتم الرسول.
[5] صحيح مسلم كتاب الفتن (5161).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم