قصة يوسف -عليه السلام- (1)

ناصر بن محمد الأحمد

2015-01-01 - 1436/03/10
التصنيفات: شخصيات مؤثرة
عناصر الخطبة
1/قصة يوسف-عليه السلام- وبعض الدروس المستفادة منها 2/تحريم الاختلاط وبعض أضراره 3/بعض أضرار السائقين والخادمات 4/سعير الشهوة

اقتباس

تبدأ قصة يوسف -عليه السلام- بأنه رأى في منامه أحد عشر كوكباً، والشمس والقمر قد سجدوا له خاضعين، فلما أصبح قص على أبيه عجيب ما رأى، فأدرك أبوه يعقوب -عليه السلام- من هذه الرؤيا أن ابنه سيكون له شأن عند الله وعند الناس؛ لكنه خشى عليه من...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

نقضي معكم دقائق هذه الجمعة مع قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- نأخذ فيها العبرة والعظة؛ كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[يوسف: 11].

 

تبدأ قصة يوسف -عليه السلام- بأنه رأى في منامه أحد عشر كوكباً، والشمس والقمر قد سجدوا له خاضعين، فلما أصبح قص على أبيه عجيب ما رأى، فأدرك أبوه يعقوب -عليه السلام- من هذه الرؤيا أن ابنه سيكون له شأن عند الله وعند الناس؛ لكنه خشى عليه من حسد إخوانه، فأوصاه بأن لا يقص خبره على إخوته: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ)[يوسف: 4-7].

 

رأى أبناء يعقوب من إيثار ومحبة أبيهم ليوسف وأخيه الشقيق -بنيامين- ما لم يكن لواحد منهم فغاظهم ذلك وصاروا يحقدون على أخيهم.

 

فأضمروا له الشر، وائتمروا فيما بينهم على الخلاص منه، وظنوا أنهم بهذا العمل، يستأثرون بحب والدهم، ثم يتوبون بعد ذلك من عملهم هذا، ويكونون قوماً صالحين، فيقبل الله توبتهم: (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)[يوسف: 8-9].

 

ولنا وقفة -أيها الإخوة- مع أولئك الآباء الذين يفضلون بعض أبنائهم على بعض، وهذا أمر إضافة إلى أنه لا يجوز، فإنه يوقع العداوة والبغضاء بينهم، يحقد بعضهم على بعض، بل ربما يصل إلى قتل بعضهم البعض، كل هذا بسبب إساءة هذا الوالد في تربيتهم، وعدم الإنصاف في المعاملة بينهم.

 

نعم -أيها الإخوة- إن الحب القلبي لا يملكه أحد، فهو قد يحب أحد أولاده أكثر من البقية؛ لكن هذا الحب مادام أنه قلبي فلا بد أن يبقى في القلب، ولا يظهر على السلوك في المعاملة، فيعطيه أكثر من إخوانه على مرأى ومسمع منهم، ولنا في هذه القصة عبرة.

 

أيها المسلمون: أشار بعد ذلك أحد الأخوة بعدم قتل يوسف، بل يلقوه بعيداً عن العيون، في أغوار بئر، فلعل قافلة تلتقطه منه، وتحمله معها، وبذلك يتحقق لهم غرضهم من إقصائه عن أبيه، وينجون من إثم القتل، وعلى هذا استقر رأيهم، ذهبوا إلى أبيهم وراحوا يحتالون لأخذ يوسف معهم، فقالوا له: يا أبانا ما الذي رابك منا حتى تبعد يوسف عنا، ونحن نحبه ونشفق عليه، أرسله معنا إلى المراعي غداً ليلعب ويمرح، ويتمتع بالأكل والشرب معنا، وإننا لحريصون عليه، حرصنا على أنفسنا؟!

 

فأجابهم يعقوب -عليه السلام-: بأنه يحزنه أن يبتعد عن يوسف، ويخاف أن يأكله الذئب، وهم في غفلة عنه، قال الله -تعالى-: (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ)[يوسف: 10-14].

 

أذن يعقوب -عليه السلام- لأولاده باصطحاب يوسف معهم، وعندما خرجوا به نفذوا مخططهم، فألقوه في البئر، رجع إخوة يوسف في المساء يظهرون الحزن، ويرفعون أصواتهم بالبكاء، فقالوا: يا أبانا ذهبنا نستبق في الرمي والجري وتركنا يوسف عند متاعنا ليحرسه فأكله الذئب، ونحن بعيدون عنه، وإنا نعلم بأنك لن تصدّقنا لاتهامك إيانا بأننا نكرهه، وأخرجوا له قميص يوسف، وقد تلوث بالدم؛ لكن فراسة الأب كشفت له كذبهم، حيث أن القميص لم يكن ممزقاً، ولا يمكن للذئب أن يأكله مع عدم تمزيق قميصه.

 

وسبحان الله! كم في هذا الحادث من إشارة إلى أن أية جريمة مهما أحكم الإنسان ضبطها فإنه لا بد أن تفوته بعض جوانبها تكون سبباً لكشفها إما عاجلاً أو آجلاً، قال تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ * قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)[يوسف: 15-18].

 

أيها الإخوة: بعد ذلك مرت قافلة أمام البئر، بلطف الله -عز وجل- ورحمته، وكانت قاصدة مصر، فذهب أحدهم ليأتي لهم بالماء من البئر، فلما أدلى دلوه تعلق به يوسف حتى خرج من البئر، فلما أدلى دلوه تعلق به يوسف حتى خرج من البئر، فرح به الرجل فرحاً شديداً، وأتى به إلى رفقائه، وأخفوه بين أمتعتهم التي يرغبون في بيعها، باعوه بعد ذلك -أيها الإخوة- في مصر، بدراهم قليلة للتخلص منه، خشية أن يدركهم أهله، وكان الذي اشتراه وزير الملك، فأرسله إلى بيته، وأوصى زوجته الإحسان إليه.

 

فصار ليوسف بعد ذلك مقاماً كريماً في منزل وزير الملك، وألهمعليه السلامتفسير الرؤى، واقرأوا معي -أيها الإخوة- هذه الآيات: (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[يوسف: 19-22].

 

أيها المسلمون: تعرض يوسف -عليه السلام- لفتنة عظيمة جداً، وهو في بيت وزير الملك، وذلك لما منه الله تعالى عليه بالجمال، وذلك أن امرأة العزيز رأت بعين الأنثى جمال يوسف، فخفق قلبها، واضطرمت مشاعرها، لبثت وقتاً تتردد في إظهار شعورها نحو يوسف إلى أن غلب الحب عواطفها، واستحوذ الضعف الطبيعي على مشاعرها، فانتهزت فرصة وجوده في بيتها يوماً، وأخذت تغريه بنفسها ليبادلها الحب، فعرضت عليه محاسنها ومفاتنها، بعد أن غلقت الأبواب، وقالت له: أقبل عليّ فقد هيأت لك نفسي، والله إنها لفتنة لا يقوى على تحملها وتجاوزها إلا من وفقه الله -عز وجل-، ولهذا كان من السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: "إني أخاف الله".

 

فنفر منها يوسف نفرة المستنكر لهذا الأمر، ولكن الله أعمى قلبها فلم تبال بما قال، وأصرت أن تخالطه، ونازعته نفسه إليها، لولا رحمة الله -عز وجل- بعبده، فرأى نور الحق فاستضاء به، فلم يطاوع ميل النفس، وامتنع عن المعصية، وهكذا صرف الله عنه سوء الزنا والخيانة؛ لأنه من عباد الله الذين أخلصوا له.

 

أسرع يوسف -عليه السلام- إلى الباب يريد الإفلات منها، وأسرعت وراءه لتحول دون خروجه، وجذبت قميصه من الخلف لتمنعه من الخروج، فتمزق، لكنه تمكن من الخروج.

 

وفي هذه الحال وجدا عند الباب زوجها، فبادرته باتهام يوسف بمحاولة اغتصابها، وحرضته على سجنه؛ لكن يوسف -عليه السلام- دفع التهمة عن نفسه قائلاً: بأنها هي التي حاولت أن تخون زوجها، وأنه امتنع عن الاستجابة لها، وبينما هما يتبادلان الاتهام حضر الجدال قريب لها، فحكم قائلاً: إن كان قميصه شق من أمام فقد صدقت، وإن كان قميصه شق من خلف فهذا يعني أنه كان يحاول الفرار، فقد كذبت في قولها، وهو من الصادقين، فلما رأى الزوج أن قميصه شق من خلف علم صدقهعليه السلام، وتبين له كيد زوجته؛ لكنه رغب في ستر الفضيحة، فقال ليوسف: تناسى ما جرى لك واكتمه، وقال لامرأته: استغفري الله لذنبك وتوبي، إنك كنت من الآثمين.

 

وفي هذا يقول الله -تعالى-: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ)[يوسف: 23-29].

 

بارك الله لي...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

تتمة لقصة هذا النبي الكريم، يوسف -عليه السلام-، انتشر خبر الحادثة التي وقعت في بيت الملك إلى جماعة من نساء المدينة، وتناقلنه في مجتمعاتهن، قائلات: بأن امرأة العزيز أغرت خادمها، وراودته عن نفسه ليطيعها فيما تريده منه، وقد خالط حبه شغاف قلبها، وصل هذا إلى سمع امرأة العزيز، فقررت أن تريهن يوسف -عليه السلام-، ليلتمسن لها العذر، فاستضافتهن يوماً، وبعد أن استقر المقام بالدعوات، أمرت جواريها بإعداد الطعام، وأعطت كل واحدة سكيناً لتقطع بها، جرياً على العادة من وضع السكاكين على المائدة لقطع اللحم والفاكهة، وفي هذه الأثناء أمرت يوسف أن يخرج إليهن فكان صدقه لهن، إذ بهرهن جماله الرائع، فجرحن أيديهن من فرط الدهشة والذهول.

 

ولما رأت امرأة العزيز أن النساء شاركنها في إعجابها به، حينئذٍ باحت لهن بمكنون فؤادها قائلة: هذا هو الفتى الذي تلومونني في حبه، هذا هو الفتى الذي حاولت إغراءه فامتنع، وأُقسم لكنّ إن لم يفعل ما آمره ليعاقبن بالسجن ليكون من الأذلاء، لكن يوسف -عليه السلام- لم يلن، فلجأ إلى ربه مناجياً، بأنه يفضل السجن على معصيته.

 

ثم دعا ربه أن يصرف عنه شر مكرهن، فاستجاب الله دعائه، فصرف عنه المعصية، إنه وحده السميع لدعوات الملتجئين، قال تعالى: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ)[يوسف: 30-33].

 

أيها المسلمون: نود أن نقف معكم وقفة مع هذه الحادثة، وهو ما أرادت أن تحصل عليه امرأة العزيز، من نبي الله يوسف، وأرادت أن توقعه في الزنا: أن في هذا الحدث -أيها الإخوة- صورة لغواية المرأة للرجل، ودأبها المتواصل المستمر للحصول على مبتغاها، فالمرأة ذلك المخلوق الضعيف، ولكنها بفتنتها وإغرائها للرجل، تصبح ذلك القوي الذي لا يقهر، فالذي نريد ونود أن نسأل أنفسنا ما هي الأسباب التي أدت إلى غواية امرأة العزيز ليوسف -عليه السلام-؟ ما لذي حملها في أن تلاحقه في جنبات القصر؟ وهو يود الفرار منها؟ خوفاً من الله -عز وجل-، حتى مزقت قميصه.

 

إنه سبب واحد -أيها الإخوة- ولا سبب غيره، ألا هو: الاختلاط والخلوة، إن اختلاطها معه ووجوده المستمر في القصر بجانبها، من الدواعي التي أدت إلى إضرام شعلة الحب في قلبها، ولهذا كانت تتعرض له بالإغراء.

 

إن انفراد الرجل الأجنبي، بالمرأة الأجنبية بعيداً عن رقابة الأهل والمجتمع، يؤدي إلى أضرار لا تحمد عقباها، ويؤثر التأثير السيء على مستقبل الرجل والمرأة، ولهذا حذر الإسلام من الخلوة، وحرمه أشد التحريم، لما يترتب عليه من النتائج السيئة، فلا أدري -يا عباد الله- بعد هذه الوقفة هل يفيق من غفلتهم من أدخلوا بيوتهم من الرجال والنساء الأجانب تحت اسم السائق والخادمة؟

 

إن السائق -أخي المسلم- رجل أجنبي.

 

إن الخادمة -أخي المسلم- امرأة أجنبية، لا يحل لك النظر إليها، ولا الخلوة بها.

 

إن ذلك وإن كان سائقاً فهو رجل فيه شهوة، كما في باقي الرجال، وإن تلك المرأة وإن كانت خادمة فهي كبقية النساء، تفتن وتغري، وتحركها وتقودها شهوتها في حالات ضعفها.

 

كم تسمعون -يا عباد الله- كل يوم من المشاكل الأخلاقية التي تقع من الخدم والسائقين، فهل يتعظ أولئك الذين لا يغارون على أهليهم؟ ويجعل زوجته أو أحد بناته تذهب مع السائق لوحدها؟ هل يتعظ مما نقرأ ونسمع كل يوم ذلك الذي أدخل هذه المرأة الأجنبية بحجة أنها خادمة في بيته؟ وله من الأولاد من هم في سن المراهقة؟ ينظرون إليها وهي تذهب وتجيء في أركان البيت؟ وربما شوهدت مستلقية أو نائمة مما يزيد في الإغراء والفتنة.

 

فاتقوا الله -أيها المسلمون- لا تعرضوا أهليكم للهلاك، لا تعرضوا أولادكم للفساد، تجنبوا أسباب الشر والفتنة.

 

والله -يا عباد الله- إن الشهوة إذا تحركت في جسم الإنسان، فإنها لا تعرف خادماً ولا سائقاً، لا تعرف سيداً أو مسوداً كم خضع وركع أمام شهوة الجنس عظماء التاريخ، من رؤساء وقواد جيوش؟ كم كُشفت أسرار دول عن طريق الشهوة؟ كم سمعنا بفضائح كبار الشخصيات في شتى دول العالم، بسبب إغراء امرأة له؟.

 

فاتقوا الله -أيها المسلمون-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم:6].

 

فها هي امرأة العزيز، امرأة وزير الملك، تذل نفسها تحت ضغط الجنس، عند فتىً يعمل عندها، وهي سيدته، وها هو نبي من أنبياء الله، يتعرض لفتنة صعبة جداً، سعارها الشهوة الجنسية؛ لكن رحمة الله -عز وجل- هي حفظت هذا النبي الكريم، يوسف -عليه السلام-.

 

فنسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يجنبنا وإياكم وجميع المسلمين وأولادنا وبناتنا، من الوقوع في الفواحش والمنكرات.

 

اللهم إنا نسألك رحمة تهدي...

 

 

المرفقات

-عليه السلام- (1)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات