قصة بداية التراويح

الشيخ راشد بن عبدالرحمن البداح

2025-03-14 - 1446/09/14 2025-03-24 - 1446/09/24
التصنيفات: رمضان الصلاة
عناصر الخطبة
1/التراويح من أبرز معالم رمضان 2/صلاة التراويح في عهد النبي 3/صلاة التراويح في عهد أبي بكر وعمر 4/شكر لربات البيوت على ما يقمن به 5/نصيحة لمن يتهاون في الصلاة

اقتباس

انظرُوا إلى صِدقِ وصفِ عليِ بنِ أبي طالبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وتجرُّدِهِ، فقد خَرَجَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ‌وَالْقَنَادِيلُ ‌تُزْهِرُ، وَكِتَابُ اللَّهِ يُتْلَى فِي الْمَسَاجِدِ، فَقَالَ: "نَوَّرَ اللَّهُ لَكَ -يَا عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ- فِي قَبْرِكَ، كَمَا نَوَّرْتَ مَسَاجِدَ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ"...

الخُطْبَةُ الأُولَى:  

 

الْحمد لِلَّهِ، نَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ، مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ الله ورسوله فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، أما بعدُ:

 

معاشرَ الصائمينَ: إن من أبرزِ معالمِ رمضانَ هذه الصلاةَ الجليلةَ، التي تُقامُ جماعةً في المساجدِ، ألا وهيَ صلاةُ التراويحِ، وهيَ داخلةٌ في قيامِ رمضانَ، وأجرُها مغفرةُ سالِفِ الذنوبِ، قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

 

ولبدايةِ صلاةِ التراويحِ قصةٌ جميلةٌ، فإليكمُ القصةَ كاملةً: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ؛ رحمةً بنا خشيةَ أن تُفرَضَ علينا، وفِي إحدَى السنواتِ منْ رَمَضَانَ اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ، ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً، فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ، "فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ"، ورَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَحَصَبُوا الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مُغْضَبًا، فَقَالَ: "مَا زَالَ بِكُم الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ؛ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ، فَصَلُّوا -أَيُّهَا النَّاسُ- فِي بُيُوتِكُمْ؛ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ"(متفق عليه).

 

وفي سَنةٍ أخرَى لَمْ يَقُمْ بِهم شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ، فَقَامَ بهم، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بهم، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بهم، فَقَالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ"(سنن أبى داود وصححه الترمذي)، اللهُ أكبرُ! ما أعظمَ فضلَ اللهِ علينا! نصلي التراويحَ نصفَ ساعةٍ أو ساعةً، وهيَ تُعادلُ عندَ الكريمِ الأكرمِ قيامَ ثِنتَي عشرةَ ساعةً.

 

"فَتُوُفِّيَ رسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ"(البخاري)، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِى بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ، ثم خَرَجَ عُمَرُ وهو خليفةُ المسلمينَ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ؛ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: "إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَثُمَّ جَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنْ يَقُومَ لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، فكان أُبيٌ يُصلي بالرجالِ، وكانَ ابنُ أبي حَثْمةَ يُصلي بالنساءِ، وكانَ أُبَيٌّ يَقْرَأُ بِهِمْ خَمْسَ آيَاتٍ وَسِتَّ آيَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، ‌وَيُرَوِّحُهُمْ قَدْرَ مَا يَتَوَضَّأُ الْمُتَوَضِّئُ وَيَقْضِي حَاجَتَهُ"(قيام رمضان للمروزي).

 

أرأيتم -أيُها الإخوةُ- ذلكَ الفضلَ العظيمَ الذي اختصَّ اللهُ بهِ الفاروقَ عمرَ بنَ الخطابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، حتى صارَ سببًا في تجديدِ هذهِ السُّنةِ التي أولُ من فَعَلَها رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولِعُمَرَ أجرُ إحيائِها.

 

ولأجلِ هذا انظرُوا إلى صِدقِ وصفِ عليِ بنِ أبي طالبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وتجرُّدِهِ، فقد خَرَجَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ‌وَالْقَنَادِيلُ ‌تُزْهِرُ، وَكِتَابُ اللَّهِ يُتْلَى فِي الْمَسَاجِدِ، فَقَالَ: "نَوَّرَ اللَّهُ لَكَ -يَا عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ- فِي قَبْرِكَ، كَمَا نَوَّرْتَ مَسَاجِدَ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ"(قيام رمضان للمروزي).

 

فللهِ ما أصفَى هذهِ القلوبَ! وللهِ ما أفسدَ دينَ مَن يُعادِي أحدًا منهم!.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على شهرِ التقوَى، والصلاةُ والسلامُ على النبيِ الأتقَى.

 

أما بعدُ: فلابدَّ من شُكرِ أولاءِ المحتسِباتِ في بيوتِهن، اللاتي يفوتُهن التراويحُ كثيراً، إما لحيضٍ أو نفاسٍ، أو لمرابطةٍ مع أطفالِها لئلا يُزعجُوا أهلَ المسجدِ.

 

فشكرًا للأمهاتِ والزوجاتِ اللاتي تردَّدْنَ شهرًا كاملاً على مَطابِخِهِنَّ لإعدادِ فطورٍ وسُحورٍ، ففاتَهُنَّ التراويحُ في المساجدِ، بل ربما انقطعنَ عن تلاواتٍ وصلواتٍ لتفطيرِ أهلِهنَّ، فهنيئًا لهُنَّ بأجورِ "مَنْ فَطّرَ صَائمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ".

 

وشُكراً لمن عَوَّدُوا صبيانَهم، ليَصُفُّوا أقدامَهم في صلاةِ التراويحِ حتى ينصرفَ الإمامُ، فنِعمتِ التربيةُ ونِعمَ المربونَ.

 

أيُها الشبابُ والموظفونَ: إنَّ أفضلَ الأعمالِ أداءُ ما افترضَ اللهُ، وفي الحديثِ القدسيِّ: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ"، وإن أَولَى ما نحرِصُ عليهِ بقيةَ الشهرِ وكلَّ الدهرِ أن نُحافظَ على ذلكَ العمودِ ألا يتأثرَ أو يسقطَ، أتدرونَ ما العمودُ؟ إنه الصلاةُ، لاسيما صلاةَ الظهرِ جماعةً بالمسجدِ، وصلاةَ الجمعةِ، فيا عَجبًا لمن يحرصُ على سُننِ الصيامِ والتراويحِ، وأما صلاتُهُ ففي مَهَبِّ الريحِ! ألم يعلمُوا أن صلاةَ فرضٍ واحدةٍ جماعةً بالمسجدِ أعظمُ من تراويحِ شهرٍ كاملٍ؟!.

 

فاللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللهم وآمِنْ أوطانَنا، واحفظْ جنودَنا، واجمعْ على الهُدَى شؤونَنا، واقضِ ديونَنا، وحسِّنْ أخلاقَنا، وطيِّبْ أرزاقَنا، اللهم وفقْ إمامَنا ووليَ عهدِه لهداكَ، واجعلْ عملهُمَا في رضاكَ.

 

اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

قصة بداية التراويح.doc

قصة بداية التراويح.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات