عناصر الخطبة
1/حديث أم سليم وأبو طلحة 2/من عبر الحديثاقتباس
قصةٌ مليئةٌ بالعبرِ، ومن عِبرِها: أن أمَ سليمٍ قدوةٌ حسنةٌ للنساءِ؛ فإنها امرأةٌ بألفِ امرأةٍ، في الصبرِ عندَ البلاءِ، وجمالِ العشرةِ مع الزوجِ، وحسنِ التربيةِ للأولادِ، ويكفِيها شرفًا أن ولدَها...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الكريمِ الجَوادِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا أندادَ، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُهُ ورسولهُ، الهاديْ إلى سبيلِ الرشادِ، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ، إلى يومِ المعادِ.
أما بعدُ: إنها قصةُ امرأةٍ بألفِ امرأةٍ، قصةٌ كلها عَجَبٌ. فاستمِعُوا واعتَبِرُوا:
قَالَ مَالِكٌ أَبُو أَنَسٍ لاِمْرَأَتِهِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَهِىَ أُمُّ أَنَسٍ: أَرَى هَذَا الرَّجُلَ -يَعْنِي- النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَرِّمُ الْخَمْرَ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الشَّامَ فَهَلَكَ هُنَالِكَ. فَمَاتَ مُشْرِكًا. وَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ يَخْطُبُها، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مَسْلَمَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي، وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَإِنِّى لاَ أُرِيدُ صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ، أُرِيدُ مِنْكَ الإِسْلاَمَ، قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالَتْ: يَا أَنَسُ: قُمْ. فَانْطَلِقْ مَعَ عَمِّكَ. قَالَ أَنَسُ: فَقَامَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَاتِقِي، حَتَّى إِذَا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعَ كَلامَهُ، فَقَالَ: جَاءَكُمْ أَبُو طَلْحَةَ غُرَّةُ الإِسْلاَمِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. فَسَلَّمَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، فَزَوَّجَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الإِسْلامِ، فَمَا سَمِعُوا بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ. وكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَأْتِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُصَلِّي مَعَهُ صَلاَةَ الْغَدَاةِ، وَيَكُونُ مَعَهُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَيَجِيءُ فَيَقِيلُ وَيَأْكُلُ، فَإِذَا صَلَّى الظُّهْرَ تَهَيَّأَ وَذَهَبَ، فَلَمْ يَجِئْ إِلَى صَلاَةِ الْعَتَمَةِ. فَحَمَلَتْ، وَوَلَدَتْ لَهُ غُلامًا، وَكَانَ يُحِبُّهُ أَبُو طَلْحَةَ حُبًّا شَدِيدًا إِذْ مَرِضَ الصَّبِىُّ وَتَضَعْضَعَ أَبُو طَلْحَةَ لِمَرَضِهِ، فَمَاتَ الصَّبِيُّ فِي الْمَخْدَعِ فَسَجَّتْهُ ثُمَّ قَالَتْ لِأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: كَيْفَ الغُلاَمُ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ مُنْذُ اشْتَكَى أَسْكَنَ مِنْهُ السَّاعَةَ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ. وَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً، فَأَكَلَ وَشَرِبَ، ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ وَتَطَيَّبَتْ، فَوَقَعَ بِهَا، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا، قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَتْ: فَإِنَّ ابْنَكَ كَانَ عَارِيَةً مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَإِنَّ اللهَ –تَعَالَى- قَدْ قَبَضَهُ فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ، فَحَمِدَ اللهَ وَاسْتَرْجَعَ وغَضِبَ، وَقَالَ: تَرَكْتِنِي حَتَّى تَلَطَّخْتُ، ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي؟! ثم قَالَ: لَا جَرَمَ لَا تَغْلِبِيني عَنِ الصَّبْرِ اللَّيْلَةَ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ فَصَلَّى مَعَه الفَجْرَ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْهُمَا، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا. فَحَمَلَتْ، فَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ وَهِيَ مَعَهُ، فَدَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ، فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ، وَانْطَلَقَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: إِذَا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأْتُونِي بِالصَّبِيِّ. فقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ، يَا رَبِّ إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ، وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ، وَقَدِ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى، فقَالَت أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا أَبَا طَلْحَةَ مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ، انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ لاِبْنِهَا أَنَسٍ: لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَسِمُ إِبِلاً وَغَنَمًا، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَلْقَى مَا فِي يَدِهِ فَتَنَاوَلَ الصَّبِىَّ، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، وَدَعَا بِتَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ، فَلَاكَهَا فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَتْ، ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِيِّ الصَّبِيِّ، فَجَعَلَ يُحَنِّكُه، فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ. فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ. فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ شَابٌّ أَفْضَلَ مِنْهُ. وقد رزقهما الله بعد هذا الشابِ تِسْعَةَ أَوْلاَدٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ القُرْآنَ -أي: حفِظُوه كاملاً- كل هذا بفضل دعائه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينما قال: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا"(رواه البخاري ومسلم).
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ هادِينا، والصلاةُ والسلامُ على داعِينا.
أما بعدُ: فإنها قصةٌ مليئةٌ بالعبرِ، ومن عِبرِها: أن أمَ سليمٍ قدوةٌ حسنةٌ للنساءِ؛ فإنها امرأةٌ بألفِ امرأةٍ، في الصبرِ عندَ البلاءِ، وجمالِ العشرةِ مع الزوجِ، وحسنِ التربيةِ للأولادِ، ويكفِيها شرفًا أن ولدَها أنسُ بنُ مالكٍ هو خادمُ الرسولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ويكفِيها فخرًا أنها هيَ سببُ إسلامِ زوجِها. وأعجَبُ مواقِفِها كيفَ تجملتْ لزوجِها وقد تحملتْ المصيبةَ في أَوجِها؟!
ومن العَبرِ في القصةِ: أن اللهَ يعوضُ الصابرينَ على البلاءِ خيرًا، فيا من فُجِعَ بولدِه، فسبقَه للدارِ الآخرةِ، فصبَرَ ورضِيَ وحمِدَ ربَه: أبشرْ بالعِوَضِ في الدنيا والآخرةِ من الذي يقولُ: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر:10].
فاللهم يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ)[الأعراف:126] واكشف كروبَنا، ويسرْ درُوبَنا، وفرجْ همومَنا، واقضِ ديونَنا.
اللَّهُمَّ إِنّا عَائِذون بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا.
اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
اللَّهُمَّ قَاتِلْ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ. اللهم احفظْنا ودينَنا وبلادَنا وأمنَنا وحدودَنا وجنودَنا، وقادَتَنا.
اللهم وفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.
نستغفرُ اللهَ الحيَ القيومَ ونتوبُ إليه. اللهم اسقنا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطينَ. اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم