قصة القتال في الإسلام

محمد الغزالي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الإسلام دين فطري لا يحتاج للقوة ليدخل العقول 2/ كل الرسل قرروا حرية الاعتقاد 3/ القرآن الكريم يقرر حرية الاعتقاد 4/ قتال الذين يقفون عقبة في وصول الحق للناس 5/ محاولة السفهاء من الجهلاء تأويل وتمييع آيات القتال

اقتباس

لكن الإسلام لا يحتاج إلى العنف، إنما يحتاج إلى فاهم له، وإلى سامع لا غش في قلبه، ولا هوى في ضميره، فإذا تيسر هذا وذاك فما يحتاج الإسلام بتة إلى العنف؛ بل نقول أكثر من ذلك: إن رسالات السماء التي بدأت مسيرتها على الأرض ما لجأت إلى العنف في إقرار العبودية لله الواحد، وفى حشد الناس على صراطه المستقيم؛ منذ الرسالة الكبيرة- رسالة نوح عليه الصلاة والسلام- استبعد الإكراه طريقا إلى تعليم الناس أو إدخالهم في دين الله ..

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.

أما بعد: فإذا كان هناك دين يحتاج إلى العنف كي يفرض تعاليمه على الناس فليس هذا الدين هو الإسلام؛ وإذا كان هناك مذهب يستغل التفوق المادي أو القدرة العسكرية على فرض مبادئه ونشرها في المشارق والمغارب فإن هذا المذهب لن يكون الإسلام؛ إن الإسلام دين أساسه عقلي فطري، يجد طريقه ميسرا إلى القلوب، ممهدا إلى أولى الألباب.

التوحيد لا يحتاج الى عصا تلهب الجلود كي يقتنع الناس به، العبادات السمحة، والأخلاق الزاكية، والمعاملات العادلة، والشرائع الضابطة لأفضل المثل، وأشرف التقاليد، ذلك كله ما يحتاج إلا إلى دعوة هادئة لا قناع مجرد. ربما يحتاج التفكير الذي يرفضه العقل، أو المذهب الذي يأباه الطبع، وتكرهه الفطرة، ربما احتاج هذا وذاك إلى العنف لينتشر.

لكن الإسلام لا يحتاج إلى العنف، إنما يحتاج إلى فاهم له، وإلى سامع لا غش في قلبه، ولا هوى في ضميره، فإذا تيسر هذا وذاك فما يحتاج الإسلام بتة إلى العنف؛ بل نقول أكثر من ذلك: إن رسالات السماء التي بدأت مسيرتها على الأرض ما لجأت إلى العنف في إقرار العبودية لله الواحد، وفى حشد الناس على صراطه المستقيم؛ منذ الرسالة الكبيرة- رسالة نوح عليه الصلاة والسلام- استبعد الإكراه طريقا إلى تعليم الناس أو إدخالهم في دين الله.

وفى ذلك يقول الله -عز وجل- على لسان نوح: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) [هود:28]، هذا التساؤل الذي جاء على لسان نوح- عليه السلام- ظل يتنقل بين القرون جيلا بعد جيل، وعصرا بعد عصر، حتى وصل إلى الرسالة الخاتمة، ففي سورة يونس يقول الله لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس:99].

اعتمد الدين في شرح مفهومه وبلوغ غايته على دعاة لهم لب ناضج، وقلب سليم، واحتاجت البيئة إلى أن تخلو من السدود العائقة، والطواغيت المستبدة. عندما يكون صوت العقل لا حجاب أمامه ولا عائق، فإن الإسلام ينتشر وينتصر. وعندما نتدبر آيات الدعوة التي شرحت وظيفة الرسالة نجد هذا المعنى هو القائم، يقول الله تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ) [الطور:29]، ويقول له: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) [ق:45]، ويقول له: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ) [الغاشية:21-24].

"إلا" هنا- كما يقول علماء اللغة- استثناء منقطع، أو استدراك واستئناف لكلام جديد بمعنى "لكن"؛ لكن (من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر)، ويقول الله (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) [الأنعام:104]، ويقول الله: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:29]، ويقول الله: (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [يونس:41]، هذه الآيات كلها من القرآن الكريم الذي نزل بمكة المكرمة.

وقد قلنا: إن ما يطلبه الإسلام داعية يحسن فهم ما يقول، وعرضه على الناس العرض اللبق الواعي اللطيف، ثم ناس قلوبهم سليمة، وبيئة خالية من الطواغيت التي تعترض سير الحق كما تعترض الجنادل مسيرة الأنهار. فهل وَجَدَ الحق السبيل ميسرة أمامه لينتشر؟ هذا تساؤل ينظر إليه من خلال الواقع، لا من خلال الخيال، فإن الذي حدث- فعلا- أن ناسا كثيرين ضاقوا بكلام المرسلين: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم:13]. هذا وضع غريب، أنت تنير الطريق فيجيء من يريد كسر المصباح ويقول لك: ابق معنا في الظلام! عندما مشى الإسلام في طريقه يعرض نفسه على الناس وجد في هذا الطريق من يقول له: اسكت، لا تتكلم!.

خطتنا في العرض كانت واضحة، نحن نقول لغيرنا: عندنا دين صحيح لا زيف فيه، صادق لا كذب فيه، واضح لا غموض فيه، خير لا شر فيه، نعرضه عليك، فإن قبلته قبلته. فإن قال: قبلت؛ فهو أخونا. وإن قال: رفضت. قلنا له: من حقك؛ لكن لنا معك موقف. ما هو؟ تدعنا نشرح الحق لغيرك. فإذا قال: ادعوا مَن تريدون، فأنا لا أصدكم. قلنا له: لا صلة لنا بك. أما إذا قال لنا: لن أدعكم تشرحون الحق لغيركم، ولن أدع غيركم يستمع إليكم، وإذا استمع وقبل فتنتُهُ ونكَّلْتُ بِهِ. هنا ما بد من أن أشتبك معه، وأن أصفي حسابي معه بالدم، وما يلومني أحد. هذا هو خط سير الإسلام، والأساس الأول للقتال الذي دار بعد ذلك.

نشرح مرة أخرى: أكان موقف أعداء الإسلام منه موقفا محايدا أو سلبيا؟ ننظر فنجد أن أعداء الإسلام وصفهم القرآن فكشف خباياهم بطريقة كان فيها واصفا للواقع وحده، يقول -جل شأنه-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120]، لكن أنا لن أتبع لا ملة اليهود ولا ملة النصارى، إذا لن نرضى عنك أبدا، ليكن؛ ما أحتاج إلى رضاكم، ولا أسعى إلى طلبه، ولكني أطلب العدالة في المعاملة، بيني وبينكم العدالة، أنا إذا عاملتكم فعلى أساس ما علمني الله: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ، وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ، وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ، اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ، لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ، اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى:15].

فإذا قالوا: لا، ومشى الأمر في طريق آخر يصفه القران فيقول: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:217]، فما الحل؟ إذا كنت سأسير في طريق انتشر فيها لصوص العقيدة ليقولوا: لن ندعك تمر بالتوحيد أبدا، لن ندعك تمر بهذا القرآن أبدا؟.

لابد إذا من أن أتسلح، وأن أضع كل ما أمكن من أسباب المقاومة في يدي ويد من معي، وأن أورث أولادي هذه المقاومة إلى آخر الدهر. هل أوصف بأنني عنيف؟ أنا ما لجأت للعنف أبدا، إنما ألجأني الآخرون إليه، مَن سالمني فأنا معه، كما قال الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة:8-9]، هذا هو الإسلام.

أنا أريد أن أمشي في طريقي وأبقى مستجمعا أمرين: الأمر الأول: الجهاز العاقل الواعي الذي يعرض الدعوة بقدرة عقلية على أولى الألباب في كل زمان ومكان. هذا الجهاز لابد منه؛ لأنه أساسي الذي أقوم عليه، هذا الجهاز -جهاز الدعوة- الذي يدرس العالم كله وما يسوده من فلسفات، وما ينتشر فيه من أفكار، ويكون الجهاز قديرا على قياس مسافات القرب والبعد من العقيدة التي أدعو إليها، والشريعة التي أحتكم بها، هذا جهاز لابد من استبقائه وتنميته وتغذيته علميا بما يعينه على أداء رسالته؛ والأمر الثاني هو أنه لابد من جهاز آخر يقوم على المقاومة المسلحة لعوامل الفتنة التي تآمرت قوى العالم الشريرة على أن تعترضني بها. أحب أن أكون واقعيا وأنا أنظر إلى التاريخ وأواجه الآخرين الآن.

إن من أسباب فرحة النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعاهدة "الحديبية" مع أن في نصوص المعاهدة ما يشير ظاهره إلى أن فيه حيفا على المسلمين، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان فرحا بالمعاهدة، مستريحا إليها، لماذا؟ لأنه انتزع من أعدائه الاعتراف به، كان الدين معتبرا خارجا على القانون، وكان أتباعه معتبرين ضد السلطة القائمة والأوضاع القائمة، فلما ظفر بهذا الاعتراف قبل المعاهدة على ما بها.

فماذا يصنع المسلمون إذا كانت قوى العالم الكثيرة لا تريد الاعتراف بهم؟ قد يقول بعض الناس: ومن قال لك إن العالم لا يريد أن يعترف بك؟. والجواب: التاريخ قال لي هذا، ويشاء الله- وأنا رجل مسلم، وعالم من علماء الدين- كنت أذاكر في "الأزهر" دار الحرب، ودار الإسلام، فكان بعض الناس يتساءل: لماذا نسمى بقية العالم دار حرب؟ قلت له: أظن المعاملة جاءت بالمثل. قال: كيف؟ قلت له: هناك أمور لا يمكن أن تحل داخليا، إنما تحل دوليا. قال مرة أخرى: كيف؟ قلت له: ديننا يتشوف إلى الجزية - كما يقول علماء الفقه- وله في هذا كلام لا يقال الآن، لكن هل يستطيع أن يصدر أمرا داخليا في أرض الإسلام: أن كل أسير يُحرر؟ كيف؟ إذا كان أسراي سيُباعون في أسواق الرقيق، فهل تبلغ بي الغفلة أن أحرر الأسرى تحت يدي وأترك أبنائي يُباعون في العالم كله؟ المعاملة بالمثل -هنا- أساس، ومعنى هذا أن أقول لهم: إن شئتم حررنا الأسرى جميعا، أما أن أحرر أنا وحدي فلا. فإذا قرر العالم منع الاسترقاق فأنا أول من يمضي! كذلك الاعتراف بي، إذا أبوا أن يعترفوا بي، فكيف أعترف بهم؟.

قلت: هذا من باب الاجتهاد وأنا طالب صغير، لكن قرأت فيما بعد ما أثبتُّه في كتاب صدر لي من خمس وعشرين سنة، وما أثبته يعطى فكرة عن الوضع العالمي للمسلمين، النقول التي أقرؤها عليكم الآن من كتاب ألفه الدكتور "محمد حافظ غانم" وقد كان -فيما أعلم- وزيرا للتعليم العالي، وكان أيضا رئيسا -يوما ما- لمجلس الأمة، والكتاب مقرر على طلاب "معهد الدراسات العربية العالمية" بجامعة الدول العربية.

يقول المؤلف تحت عنوان: "العائلة الدولية كانت تستبعد دار الإسلام من حظيرتها": ومنذ نشأة القانون الدولي الحديث كان من المقطوع به اعتبار الإسلام خارج نطاق العلاقات الدولية، وعدم الاعتراف بتمتع الشعوب الإسلامية بالحقوق التي يقررها هذا القانون، وعلى هذا الأساس لم يكن الفقهاء الأوربيون راغبين في اعتبار الدولة العثمانية جزءا من الجماعة الدولية... فـ "جروسيوس" أبو القانون الدولي قال بوجوب عدم معاملة الشعوب غير المسيحية على قدم المساواة مع الشعوب المسيحية، ومع أنه يرى القانون الطبيعي يجيز عقد معاهدات مع أعداء الدين المسيحي إلا أنه نادى بتكتل الأمراء ضد أعداء العقيدة.

و"جنتيلس" هاجم "فرنسو الأول" ملك فرنسا لعقده معاهدة مع السلطان سليمان العثماني في سنة 1535. مع أن هذه المعاهدات أقامت سلاما بين الدولتين مدة حياة الملكين. وأعفت الرعايا الفرنسيين من دفع الجزية التي كانت مقررة على غير المسلمين إذا ما أقاموا في دار الإسلام، ومنحتهم امتيازات دينية وقضائية، وذلك على أساس أن هذه المعاهدة تقيم تعاونا بين ملك مسيحي وبين غير المؤمنين.

بل لقد ذهب فقهاء آخرون إلى أنه من الممكن إقامة سلام دائم في أوربا على أساس تكتيل الدول المسيحية ضد العثمانيين. أنا نقلت من هذا الكتاب نحو ثلاث صفحات من موقف القانون الدولي ضد الإسلام، واعتبار الإسلام خارجا على القانون، واعتبار المسلمين لا يعاملون بالقانون الدولي.

هذا في القرن التاسع عشر، ثم جاء القرن العشرين وأنشئت هيئة الأمم، ولم تر هيئة الأمم حرجا من أن تطرد عرب فلسطين المسلمين من أرضهم لتعطى هذه الأرض عصابات اليهود التي استقدمت من هنا ومن هناك، ويبدو -إلى الآن- أن المسلمين يعاملون معاملة الجنس الأسود في جنوب أفريقيا، فهم يعتبرون المسلمين من الدرجة الثانية، أو إن سمح لهم ببقاء فبقاؤهم في حدود معينة.

بداهة ما نرضى لأنفسنا، وما يرضى عاقل لنفسه أن يحيا على هذا النحو، بل لابد أن ندرك الحقائق كاملة، وأن نتعاون في رد العدوان وكسر حدته، والنجاة بديننا من عبث هذه المؤامرات، قانونية كانت أو غير قانونية.

لذلك كان الإسلام في تعاليمه جامعا بين الأمرين: إن أعطينا حق الحياة والكرامة والحديث إلى غيرنا أعطينا غيرنا هذا الحق، وإن ضن علينا بحق الحياة والكرامة والعيش وفق ديننا فإننا نضن على الآخرين بهذا الحق، وما يلومنا أحد على هذا، أما الأساس الأول الذي يقوم عليه الدين فهو أن ينشر بغير إكراه.

بعض المستشرقين أو المبشرين قال: إن الآيات التي تضمنت حرية المعتقد والتي قالت للآخرين: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون:6]، كانت في مكة، فلما شعر المسلمون بقوتهم، وتماسك السيف بأيديهم، وأسسوا بالهجرة دولة لهم، قرروا أن يعاملوا الآخرين معاملة فيها غبن، وأن ينسوا ما كان من حرية المعتقد، و يلجؤوا للقتال.

هل هذا الكلام حق؟ هل القرآن الذي نزل في المدينة يخالف القرآن الذي نزل في مكة من هذه الناحية؟ الجواب: لا؛ لأن أول سورة نزلت في المدينة سورة البقرة، وسورة البقرة تضمنت ثلاثة مواضع وهى تتحدث عن أتباع الأديان الأخرى، منها الآية العظيمة التي لا يعرف لها نظير في مكان آخر من أرض الله، وهى قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:256].

ومنها قوله تعالى لأهل الكتاب: (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) [البقرة:139]، ومنها قوله تعالى وهو يتناول موقف اليهود منا: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:109]، بل إن آخر ما نزل في القتال وشرائعه ما ختمت به سورة التوبة: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [البقرة:128-129].

قصة الجهاد في الإسلام قصة مشرفة للمسلمين، وقصة القتال في الإسلام قصة مشرفة للتاريخ الإسلامي، والقضية ليس فيها ما يريب، ولاما يحتاج إلى تدخل التافهين ليعبثوا بتعاليم الإسلام.

وقع في يدى كتاب عليه أسماء بعض الدكاترة الذين يشتغلون بالطب، مكتوب في هذا الكتاب: "حتمية تأويل آيات القتال في القرآن" سبحان الله! قلت في نفسى: كيف تؤول آيات القتال؟ وبدأت أقرأ فإذا بالدكاترة العباقرة ذكروا نصين كنماذج لهذا التأويل الذي لابد منه في القرآن الكريم، النص الأول: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) قال الدكاترة العباقرة: إن المقصود بالقتل هنا قتل الشهوات والأهواء.

هذه الكلمة ليست مستقلة وإنما هي جزء من الآية الرابعة في سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- أو سورة القتال كما تسمى في كثير من المصاحف، هذا الجزء من الآية الرابعة يفهم بداهة مرتبطا بها، ما هي هذه الآية الرابعة؟ الآية الرابعة هى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:4]. يقول الدكاترة- الذين كتبوا الكتاب: إن الآية لا صلة لها من قرب ولا من بعد بالقتال الذي تسفك فيه الدماء! ألا شاهت الوجوه!.

الآية تقول: عندما تلاقون المعتدين الصادين عن سبيل الله، الضانين عليكم بحق الحياة، اضربوا أعناقهم، وقيدوا أسراهم، وأثخنوا في الأرض حتى ترهبوا عدو الله وعدوكم؛ هذا كله يُهْدَرُ ويُقال: إن الآية في حرب الشهوات؟! أيُّ شهوات؟ حرب الشهوات والأهواء لها آيات أخرى: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [ص:26]، (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الروم:29].

أما أن تجيء لكلمة هي جزء من آية قتالٍ ساخنٍ دمويٍّ، أساسه أنك تريد إنقاذ عقيدتك ممن يبغى سرقتها، وإنقاذ كرامتك ممن يبغى استباحها، وإنقاذ يومك وغدك ممن يريد التطويح بهما في مهاوى الفناء فتجيء لتقول: هذا القتال في حرب الأهواء؟!.

النص الثاني الذي نقله الدكاترة العباقرة في كتابهم هو قوله جل شأنه: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) [التوبة:12]، قال الدكاترة العباقرة: إن المقصود بالقتال هنا الجدل، والمحاورات العقلية، ونقد الأدلة! أي كلام هذا؟.

الآية من سورة التوبة، وسورة التوبة بدأت بإلغاء المعاهدات التي عبث بها أعداء الله، وقالت للمسلمين ارفضوا هؤلاء: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة:11-15].

هل هذا القتال قتال أدلة خطابية أو إقناع عقلي؟ أم القتال هنا جاء لأناس انتضوا أسلحتهم لضرْبِنا، وما بد من أن نكسر السلاح في أيديهم، وأن نذيقهم وبال ما قدموا هم لأنفسهم؟!.

الكلام الذي قاله هؤلاء الدكاترة خطير، فبعد صفحات قرأت تفسيرا لحديث نبوي معروف وهو حديث: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" يقول الدكاترة العباقرة: معنى الحديث: مَن رأى منكم منكرا في نفسه هو فليغيره بيده! وفى المجتمع؟ لا. سبحان الله! أدركت أن هذا الكلام ليس وراءه عقل علمي، ولا فقه إسلامي، ولا شرف نفسي؛ بل هو كلام لحراسة الفساد في بعض المجتمعات، أو لخدمة الاستعمار العالمي الذي استباح الدم الإسلامي في كل مكان.

وقد حدث أن الاستعمار الإنكليزي لما وجد الجهاد الإسلامي يعكر صفوه، ويعترض طريقه، استعان برجل اسمه "ميرزا غلام أحمد" -زعيم القاديانية- فأبطل الجهاد، وأبطل الحج، حتى لا يتجمع المسلمون لا تجمعا مدنيا، ولا تجمعا عسكريا، وحتى ينتشر الضلال في الأرض دون أن ينتصب له مؤمنون أشداء يوقفون ضلاله، وينكسون رايته. ولكن القاديانية فضح الله صاحبها، وفضح أتباعه، وعرفوا بأنهم أعداء للإسلام، وعوملوا في حكومة باكستان الحالية على أنهم أقلية دينية مقطوعة الصلة بالإسلام.

فهل ينتهي التخريف القادياني في الهند ليبدأ بعض الدكاترة -ومنهم أناس في كلية الطب في جامعة القاهرة- التخريف في "مصر"، ولا فقه لهم في دين الله، ويتحدثون في شرح الإسلام وقضاياه على نحو طائش أحمق، لا يمكن أن يعترف به، ولا يمكن أن يتحدث عنه بهذا الأسلوب إلا خصوم لدين الله؟!.

والواقع أن هذا الكلام يجب أن توضع أمامه علامات استفهام كثيرة ليعرف لحساب من يقال؟ مَن وراء هذه الأراجيف؟.

بقى شيء وحيد يمكن أن نشرحه؛ لأنه بحاجة -فعلا- إلى شرح، وربما كان ظاهر الحديث المروي سببا في أن يحدث تساؤل ينبغي أن نجيب عنه. روى البخاري ومسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منى نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله".

ظاهر هذا الحديث يخدع، يخدع مَن؟ يخدع من لا ثقافة إسلامية له؛ لأنه سيفهم من هذا الحديث أن صاحب الرسالة -صلى الله عليه وسلم- مأمور بشن غارة على العالم كله حتى يقول الناس: لا إله إلا الله، وتنتهي الغارة عندما يقولون: لا إله إلا الله!!.

هل هذا هو معنى الحديث؟ هذا كذب لا أصل له، والسبب في هذه الخدعة التي فهمت من ظاهر الحديث كلمة "الناس" في قوله: "أمرت أن أقاتل الناس"، فقد فهمها كثيرون على أن المقصود بالناس البشر عموما، وهذا غير صحيح.

أول ما نذكره في تكذيب هذا الفهم أن العلماء أجمعوا على أن كلمة "الناس" في الحديث لا تشمل أهل الكتاب، لماذا؟ قالوا: لأن سورة التوبة تحدثت عن المعتدين من أهل الكتاب الذين لا يعرفون حلالا ولا حراما في معاملتهم للمسلمين، تحدثت عن قتالهم، وجعلت الغاية منه محددة: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة:29]، فكانت الغاية من قتالهم ليست أن يقولوا لا إله إلا الله وإنما أن يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. فلا صلة للحديث المروي لا باليهود ولا بالنصارى.

هل يتناول المشركين كلهم؟ لا. فإن عمر بن الخطاب ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟! فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لَسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"، إذا هؤلاء أيضا ليسوا في الحديث.

ما المقصود من الحديث إذا؟ كلمة "الناس" هنا -قال العلماء-: إنها عام مخصوص، وقد وردت كلمة "الناس" في القرآن عموما يراد به خصوص في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173]. (الذين قال لهم الناس) الناس هنا: بعض المنافقين، (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) الناس هنا: بعض المشركين. إذا فالناس في الآية ليس المقصود بها عموم البشر.

آية أخرى هي قوله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) [النصر:1-2]؛ ما الناس الذين دخلوا؟ أهل القارات؟ لا. هم عرب الجزيرة.

كلمة "الناس" في الحديث تفسير لكلمة "الناس" في قوله تعالى: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله)، الناس هنا: هم الذين خانوا الأمانات، ولعبوا بالمعاهدات، وعبثوا بالمواثيق التي أخذت عليهم؛ أما الذين بيننا وبينهم ميثاق فقد استثنوا من هذا القتال كله: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة:4]، المهم أن الحديث ليس على ظاهره، والحديث صحيح السند، ولكن يحتاج المعنى إلى فقه الفقهاء.

يجيء واحد صعلوك فيقول: الحديث كذب لأنه عدوان على الناس! كيف كذبت الحديث؟ الحديث صحيح، لكن له معنى؛ لكنه قلة الفقه، وسوء الأدب! نسأل الله العافية.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله (الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) [الشورى:25-26].

وأشهد أن لا إله إلا الله، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله، إمام الأنبياء وسيد المصلحين. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.

أيها الإخوة: في الحقيقة أننا نحتاج في هذا العصر إلى شيء من التأمل والتؤدة ونحن نواجه المكايد والمؤامرات التي توجه للإسلام وأهله.

ذلك أن هناك جهَلة متدينين، لكن فيهم بلاهة، وهناك أعداء، وفيهم خبث ودهاء، والإسلام بين نارين من هؤلاء وأولئك. ورَدَ حديث يقول: "إنا أمة أمية لا تكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا" يعنى مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين.

ما معنى الحديث؟ العرب في جاهليتهم كانوا أمة أمية، ما يعرفون الحساب الفلكي، ولا تشيع الكتابة بينهم، كانوا كالإبل الهائمة في الصحراء، حتى جاء الإسلام فنقلهم بثقافته: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [يونس:5]. فانتقل العرب -بداهة- إلى أمة مثقفة، لها معارف خصبة، ولها حضارة رائعة.

فالذي يفهم من حديث: "إنا أمة أمية" أن الأمية شرف، وأننا نسحب الطلبة من الكليات، ونفر بهم إلى الجبال فهذه غباوة ما يمكن أن يقول بها عاقل، ولا يصنعها إلا البُله.

يجيء آخر فيقول: الحديث كذب. لا! الحديث صحيح، لكن فهمكم أنتم له هو الكذب، فيفهم الحديث كذبا ثم يكذب الحديث، وتفتح ثغرة في جدار الثقافة الإسلامية، لأنه عندما يجئ العيال والصعاليك ويكذبون البخاري ومسلما وكتب السنة فماذا يبقى في الإسلام؟.

القرآن سيؤول على هذا النحو الذي شرحته لكم، ويضيع الدين كله. إن الله عز وجل لم يخلق الناس متساوين، لا في كفايتهم ولا في مواهبهم، ولم يقل -جل شأنه- للناس إذا جهلوا: أسألوا الجهَلة أمثالكم، ولكنه قال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل:43، الأنبياء:7]، وأمتنا محتاجة إلى جماعات كثيرة، كثيرة جدا من أهل الذكر يشرحون للناس دينهم، ويعرفونهم معاشهم ومعادهم.

"اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر".

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10].

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].

 

 

 

 

 

المرفقات

القتال في الإسلام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات