قصة الطفيل بن عمرو وما فيها من الفوائد

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/الاعتزاز بالسلف الصالح 2/قصة إسلام الطفيل بن عمرو 3/بعض الفوائد والأحكام المستفادة من قصة الطفيل بن عمرو

اقتباس

أيها الناس: كل يفخر بسلفه، ونحن -معاشر المسلمين- نفخر بسلفنا أيما فخر، كيف لا وهم مصابيح الدجى، وسُرُج الظلام، ولهم المفاخر العظام التي لا تجارى على مر الدهور والأعوام. عباد الله: سنأخذ قصة من قصص السيرة من قصص أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، التي فيها العبر والفوائد لكل معتبر؛ إنها قصة رجل طلب الحق فوفق له، وأسلم على يديه خلق كثير، ولو لم يكن فيهم إلا أبو هريرة لكفى، إنها قصة ال...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

 

إن الحمد لله نحمده...

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: كل يفخر بسلفه، ونحن -معاشر المسلمين- نفخر بسلفنا أيما فخر، كيف لا وهم مصابيح الدجى، وسُرُج الظلام، ولهم المفاخر العظام التي لا تجارى على مر الدهور والأعوام.

 

عباد الله: سنأخذ قصة من قصص السيرة من قصص أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، التي فيها العبر والفوائد لكل معتبر؛ إنها قصة رجل طلب الحق فوفق له، وأسلم على يديه خلق كثير، ولو لم يكن فيهم إلا أبو هريرة لكفى، إنها قصة الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي.

 

ولنستمع لابن إسحاق، وهو يروي لنا قصة إسلامه؛ روى ابن إسحاق عن عثمان بن الحويرث عن صالح بن كيسان: "أن الطفيل بن عمرو قال: "كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي، فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش، فقالوا: إنك امرؤ شاعر سيد، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا، فإنه فرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وابنه، فوالله ما زالوا يحدثوني شأنه، وينهوني أن أسمع منه، حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني، قال: فعمدت إلى أذني فحشوتها كرسفا، ثم غدوت إلى المسجد، فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائما في المسجد، فقمت قريبا منه، وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فقلت: في نفسي والله إن هذا للعجز، وإني امرؤ ثبت ما تخفى علي الأمور حسنها وقبيحها، والله لاتسمعن منه، فإن كان أمره رشدا أخذت منه، وإلا اجتنبته، فنزعت الكرسفة، فلم أسمع قط كلاما أحسن من كلام يتكلم به.

 

فقلت: يا سبحان الله ما سمعت كاليوم لفظا أحسن، ولا أجمل منه، فلما انصرف تبعته فدخلت معه بيته، فقلت: يا محمد إن قومك جاءوني، فقالوا لي كذا وكذا فأخبرته بما قالوا، وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، فاعرض علي دينك، فعرض علي الاسلام، فأسلمت، ثم قلت: إني أرجع إلى دوس وأنا فيهم مطاع، وأدعوهم إلى الاسلام، لعل الله أن يهديهم، فادع الله أن يجعل لي آية، قال: "اللهم اجعل له آية تعينه".

 

فخرجت حتى أشرفت على ثنية قومي، وأبي هناك شيخ كبير، وامرأتي وولدي، فلما علوت الثنية، وضع الله بين عيني نورا كالشهاب يتراءاه الحاضر في ظلمة الليل، وأنا منهبط من الثنية، فقلت: اللهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم، فتحول فوقع في رأس سوطي، فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم، وإنه على رأس سوطي؛ كأنه قنديل معلق.

 

قال: فأتاني أبي، فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني، قال: وما ذاك؟ قلت: إني أسلمت واتبعت دين محمد، فقال: أي بني ديني دينك، وكذلك أمي، فأسلما، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبت علي، وتعاصت، ثم قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: غلب على دوس الزنى والربا، فادع عليهم.

 

فقال: "اللهم اهد دوسا" ثم رجعت إليهم، وهاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقمت بين ظهرانيهم أدعوهم إلى الإسلام، حتى استجاب منهم من استجاب، وسبقتني بدر وأحد والخندق، ثم قدمت بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس، فكنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى فتح مكة، فقلت: يا رسول الله ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه، قال: أجل، فخرجت إليه، فأتيت فجعلت أوقد عليه النار، ثم قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقمت معه حتى قبض.

 

ثم خرجت إلى بعث مسيلمة ومعي ابني عمرو، حتى إذا كنت ببعض الطريق رأيت رؤيا، رأيت كأن رأسي حلق، وخرج من فمي طائر، وكأن امرأة أدخلتني في فرجها، وكأن ابني يطلبني طلبا حثيثا، فحيل بيني وبينه، فحدثت بها قومي، فقالوا: خيرا، فقلت: أما أنا فقد أولتها: أما حلق رأسي فقطعه، وأما الطائر فروحي، والمرأة الأرض أدفن فيها، فقد روعت أن أقتل شهيدا، وأما طلب ابني إياي فما أراه إلا سيعذر في طلب الشهادة، ولا أراه يلحق في سفره هذا! قال: "فقتل الطفيل يوم اليمامة، وجرح ابنه ثم قتل يوم اليرموك بعد" أ. هـ رواية ابن إسحاق -رحمه الله-].

 

وما أعظمها من قصة، نأتي على فوائدها، وأحكامها في الخطبة الثانية -بمشيئة الله-.

 

اللهم ارزقنا الاستقامة على دينك، حتى نلقاك.

 

أقول قولي هذا...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين...

 

أما بعد:

 

فيا معاشر المسلمين: لقد سمعنا قصة الطفيل بن عمرو -رضي الله عنه-، ولنتطرق لبعض ما فيها من الفوائد:

 

فمن ذلك: أن الله إذا قدر شيئا كان، ولو حرص المسلم على الصد عنه، فانظر كيف هرب الطفيل من السماع من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى وضع القطن في أذنه، ومع ذلك أسمعه الله لما أراد له الهداية.

 

وفيها: بيان خطر أصدقاء السوء، وأنهم يجرون المرء إلى الضلال، ويصدونه عن الحق، ويلبّسونه له.

 

وفيها: أن المرء العاقل ينبغي أن يستعمل عقله في معرفة الصواب من الخطأ، وأن لا يعتمد على أحكام الناس على الآخرين، بل هو الذي ينظر ويحكم، إن كان ممن آتاه الله عقلا وبصيرة في التمييز بين الحق والباطل، فنحن نرى البعض من الناس يتكلم في بعض المسلمين بلا علم إلا التقليد الأعمى لمن نقل له الحكم، وما أعظمها من مصيبة، وما أكثر حرمانها للناس الخير والهداية، فلا تعتقد في أخيك المسلم إلا الخير، ومتى ما بلغك عنه سوء فلا تحقق الظن، حتى ترى بعينك، أو يعترف لك، أو أن يكون النقد من أهل العلم الكبار لسوء في الشخص، وما عدا ذلك فاخرج إلى الناس وأنت أبيض القلب، نقي السريرة.

 

وفيها: أن القرآن عليه النور وبسماعه تحصل الهداية، فكم أسلم من كافر فقط عند سماع القرآن، ولكن لا بد أن يكون عارفا لمعانيه، فبعدها لا بد أن يأسر القرآن قلبه، ويقوده للحق كما حصل للطفيل بن عمرو -رضي الله عنه-، وقد حصلت لعدة من الصحابة كما حصل لأبي سفيان ومن معه ممن كانوا يتخفون بالليل وهم بمكة، ويأتون ليسمعوا قراءة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

 

وفيها: أن المسلم يجب أن يحب الخير للناس كلهم خصوصا أقاربه فهم أولى من حرص على نفعهم، وانظر إلى الطفيل لما أسلم استأذن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يذهب ويدعو قومه للإسلام.

 

وفيها: إثبات كرامات الأولياء، حيث إن ما حصل للطفيل من خروج النور في عصاه كرامة له من الله.

 

والكرامة، هي: خرق العادة لبعض عباد الله المؤمنين، لمنزلتهم عند الله، ليبين صدقهم، أو ينجيهم من خطر حل بهم.

 

وأما إن حصلت للعصاة، أو الدجالين، فهي شعوذة ودجل.

 

وفي القصة من الفوائد والأحكام: أن الداعية يجب عليه أن يصبر على المدعوين، وأن ينظر إليهم بنظرة الرحمة، فإن الطفيل رجع بعد أن أبت عليه قبيلته، ولم يسلم منهم إلا القليل، رجع إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وطلب منه أن يدعو عليهم، ولكن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بحكمته ورحمته وشفقته بالناس دعا لهم؛ ليتعلم بذلك الدعاة أن الصبر واجب في الدعوة، وأن لا يستعجل المسلم الثمرة، وأن يدعو للمدعوين، فإن الدعاء من أكبر وسائل الإعانة على قبول الدعوة.

 

وفيها: أن عاقبة الصبر حميدة، فانظر إلى الطفيل لما عصت عليه قبيلته، وصبر عليها، أسلمت كلها تقريبا، وجاؤوا طائعين.

 

وفيها: بركة دعاء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حيث قال: "اللهم اهد دوسا وأت بهم" فاستجاب الله دعائه.

 

وفيها: المثابرة على الخير حتى الممات، فها هو الطفيل -رضي الله عنه- يتأخر عن الهجرة إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، حتى السنة السابعة ليدعو قومه، ثم جاء بهم، ولزم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى توفي، ثم لزم الجهاد حتى قتل في حرب المرتدين.

 

وفيها: أن الأصنام يجب هدمها، ولا يجوز إقرارها؛ كما فعل الطفيل مع ذي الكفين، وكما فعل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لما فتح مكة، وقد كان حول الكعبة ستون وثلاثمائة صنم، فأزالها كلهَا، وأرسل خالد بن الوليد لهدم صنم العزى، وأرسل المغيرة بن شعبة إلى صنم ثقيف فهدمه.

 

وفيها من الأحكام: أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة، وأن لها تأويلا يصدق إذا أصابه العبد، وأن الرؤيا تكون صريحة مرة، وتكون رموزا مرة أخرى، كما في رؤيا الطفيل، حيث رمز لقطع رأسه بالحلق، وعن روحه بالطائر، وعن الأرض بالمرأة وفرجها القبر.

 

والرؤى لا يعلق عليها أحكاما، بل هي تسر المؤمن ولا تغره، وتحث المقصر ولا تقنطه، فالرؤيا الصالحة تكون من المبشرات، أو المحذرات.

 

اللهم آمنا في دورنا وأوطاننا، واحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

 

اللهم وفقنا لهداك...

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات...

 

اللهم أنج المستضعفين...

 

سبحان ربك رب العزة...

 

 

 

 

المرفقات

الطفيل بن عمرو وما فيها من الفوائد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات