عناصر الخطبة
1/ استمرار الصراع بين الحق والباطل 2/ سُنّة التدافع بين الشر 3/ صور الصراع بين الكفر والإسلام 4/ فضائل الجهاد في سبيل الله 5/ أنواع السيف في القرآن 6/ بطلان دعوى السلام العالمياقتباس
كلما وُجد حق، ووجد باطل، فلا بد أن يوجد بينهما صراع، قضية أن يتفق الحق مع الباطل، وأن يعيش ويتعاون الحق مع الباطل، هذا مستحيل، بل هو مخالف لسُنّة الله الجارية في كونه، وفي كتاب الله عز وجل.. ومن جملة هذه الصراعات، ومن جملة هذه المدافعات، والتي لا يمكن أن تتفق بحال من الأحوال ..
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون: إن الصراع بين الحق والباطل سُنة جارية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إن سنة التدافع بين الشر، خلقه الله عز وجل وأوجده. ولا يمكن بأى حال من الأحوال، القضاء على هذه السنة الكونية القدرية، يقول الله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251]، ويقول سبحانه: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40]، ويقول جل وعلا: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة: 217]، ويقول سبحانه: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) [الأنبياء: 18]، ويقول عز وجل في الحديث القدسى لنبيه صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: "إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك".
أيها الإخوة المؤمنون: كلما وُجد حق، ووجد باطل، فلا بد أن يوجد بينهما صراع، قضية أن يتفق الحق مع الباطل، وأن يعيش ويتعاون الحق مع الباطل، هذا مستحيل، بل هو مخالف لسُنّة الله الجارية في كونه، وفي كتاب الله عز وجل.
ومن جملة هذه الصراعات، ومن جملة هذه المدافعات، والتي لا يمكن أن تتفق بحال من الأحوال: الصراع بين المسلمين والكفار فكلما وُجد إسلام ووجد كفر، فلا بد للصراع بينهما ولابد للتدافع بينهما.
إن هذا الصراع بين الإسلام وبين الكفر بجميع أشكاله وصورة، سواء كان كفر اليهود، أو كفر النصارى، أو كفر الشيوعيين الملحدين، أو كفر الصليبية الحمراء، أو كفر العلمانيين والمنافقين. أو غيرها من أنواع وأصناف الكفر.
فأقول بأن هذا الصراع أيضاً له أشكال وأنواع، بحسب ظروف وزمان ومكان الصراع الذي وجدا فيه. فقد يكون صراع الكفر والإسلام في مجال الفكر والتنظير. بأن يشكك الكفار مثلاً في بعض عقائد المسلمين وأحكامهم الشرعية، عن طريق تأليف الكتب أو المحاضرات أو الكتابات في الصحف والمجلات، فيقوم من علماء المسلمين وطلبة العلم، والمفكرين، بالرد عليهم، وتوضيح زيف أقوالهم. فهذا نوع من الصراع وقد يصل إلى القمة. وذلك بأن تحصل المواجهة العسكرية. بين جنود الإسلام وجنود الكفار، وهو الذي يسمى في ديننا الجهاد في سبيل الله.
إن هذه الكلمة، كلمة الجهاد، يعرف الكفار معناها جيداً، وإنها والله لتقضّ مضاجعهم. الكفار يرضون بأي لون من ألوان الصراع معهم إلا صراع الجهاد في سبيل الله. والله أنهم ليعلمون جيداً، أن الأمة المسلمة لو انتفضت من ركامها، وقامت من سباتها والذي أيقظها هو الجهاد، يعلمون أنه لا تقوم لهم قائمة، ولن يقدروا ولن يستطيعوا المواجهة. ولما كان الجهاد قائماً في سبيل الله كانت لهذه الأمة عزّها وشرفها ومكانتها، إن العالم كله كان يهاب السلطان المسلم، لو تحركت جيوشه مجاهدة في سبيل الله. وما رسالة هارون الرشيد قبل قليل إلى كلب الروم، إلا نموذج واحد من تلك النماذج الكثيرة في تاريخ المسلمين.
أيها المسلمون: ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى، كلاماً نفيساً في تفسيره عن الجهاد، وكيف كانت أحوال الأمم حولنا، عندما كان الجهاد قائماً، وكيف كانت عزة المسلمين عندما كانوا يجابهون ويواجهون الكفار. أقرأ عليكم كلامه بطوله رحمه الله لأنه كلام مهم. قال عند تفسير قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 123] قال رحمه الله – أمر الله تعالى المؤمنين، أن يقاتلوا الكفار أولاً فأول – الأقرب فالأقرب، إلى حوزة الإسلام، ولهذا بدأ صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب. فلما فرغ منهم. وفتح الله عليه مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة وهجر وخيبر وحضرموت وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجًا شرع في قتال أهل الكتاب فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب، وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام؛ لكونهم أهل الكتاب فبلغ تبوك، ثم رجع لأجل جهد الناس وجدب البلاد وضيق الحال وكان ذلك سنة تسع من هجرته عليه السلام ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجته، حجة الوداع ثم عاجلته المنيه صلوات الله عليه وسلامه عليه بعد الحجة، بأحد وثمانين يوماً، فاختاره الله لما عنده.
وقام بالأمر وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر رضي الله عنه، وقد مال الدين ميلة كاد أن ينجفل فثبته الله تعالى به، فوحد القواعد وثبّت الدعائم ورد شارد الدين وهو راغم ورد أهل الردة إلى الإسلام وأخذ الزكاة ممن منعها من الطعام وبين الحق جهله، وأدى عن الرسول ما حمله ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية الى الروم عبدة الصلبان وإلى الفرس عبدة النيران. ففتح الله ببركة سفارته البلاد وأرغم أنف كسرى وقيصر ومن أطاعها من العباد وأنفق كنوزها في سبيل أكله كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم.
وكان تمام الأمر على يدي وصيه من بعده وولي عهده الفاروق الأواب، شهيد المحراب، أبي حفص عمر بن الخطاب، فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين، واستولى على الممالك شرقا وغربا وحملت إليه خزائن الأموال من سائر الأقاليم بعدًا أو قربًا، ففرقها على الوجه الشرعى والسبيل المرضي.
ثم لما مات شهيدًا وقد عاش حميدًا، أجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار على خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، شهيد الدار، فكسا الإسلام رياسة حلة سابغة، وأمدت في سائر الأقاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة، وظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها وعلت كلمة الله وظهر دينه وبلغت الأمة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها، فكلما علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم، ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار؛ امتثالاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 123].
فهكذا يا عباد الله كانت أمة الإسلام. وهكذا كان المسلمون، يؤتى لهم بخزائن الدنيا كل ذلك لما كانوا مسلمين حقًّا، وكانوا يقاتلون الكفار جهادًا في سبيل الله أما هذه الأيام، أما حال الأمة الإسلامية اليوم، وواقعها المر، بعد أن تركت الجهاد، وتركت مقاتله الكفار، وصارت تتعاهد معهم، مجاهدات صلح واتفاقيات نعوذ بالله من الخذلان صار حال الأمة كما يصفها ذلك الشاعر فيقول:
أحل الكفر بالإسلام ضيمًا *** يطول به على الدين النحيب
فحق ضائع وجما مباح *** وسيف قاطع ودم حبيب
وكم من مسلم أضحى سليباً *** ومسلمة لها حرم سليب
وكم من مسجد جعلوه ديرا *** على محرابه نصب الصليب
دم الخنزير لهم فيه خروف *** وتحريق المساجد فيه طيب
أمور لو تأملهن طفل *** لطفل في عوارضه المشيب
أتسبى المسلمات بكل ثغر *** وعيش المسلمين إذا يطيب
أما لله والإسلام حق *** يدافع عنه شبان وشيب
فقل لذوى الكرامة حيث كانوا *** أجيبوا الله ويحكم أجيبوا
فنسأل الله عز وجل أن يقيّض لهذه الأمة، أمثال هارون الرشيد، ويخاطب نقفورهم الآن، بقوله يا ابن الكافرة، ولا يخشى في الله لومة لائم. لكن
أين الرشيد وقد طاف الغمام به *** فحين جاوز بغدادًا تحداه
ماضٍ تعيش على أنقاضه أمم *** وتستمد القوى من وحي ذكراه
بالله سل خلف بمر الروم عن عرب *** بالأمس كانوا هنا اليوم قد تاهوا
وإن تراءت لك الحمراء عن كثب *** فساءل الصرح أين العز والجاه؟
وانزل دمشق وساءل صخر مسجدها *** عمن بناه لعل الصخر ينعاه
هاذى معالم فرس كل واحدة *** منهن قامت خطيبا فاغرا فاه
إنى لأشعر إذ أغشى معالمهم *** كأنني راهب يغشى مصلاه
والله يعلم ما قلبت سيرتهم *** يوما وأخطأ دمع العين مجراه
بارك ...
الخطبة الثانية:
الحمد..
أما بعد: عباد الله إن قتال المسلمين للكفار أصل في دين الإسلام. لا يمكن أن يتغير بتغير الزمان وبناء عليه، فإن ما نسمعه هذه الأيام، عبر وسائل الإعلام المختلفة من مقروئة ومرئية ومسموعة، بما يسمى السلام العالمي، أو التعايش السلمي، أو الوفاق الدولي، أو غيرها من المصطلحات. بأنها مصطلحات طاغوتية تخالف شريعة رب العالمين. لا يمكن أن يوجد شيء في الإسلام اسمه التعايش السلمي مع الكفار مع إنها دعوى تكاد تصم الآذان بضجيجها في هذا الزمان الكفار لنا معهم حالات ثلاث معروفة مضبوطة في ديننا، إما أن يسلموا، فيكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا. أو يبقوا على دينهم، ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
وهذا قال بعض أهل العلم بأنه خاص بأهل الكتاب أما الكفار فإما الإسلام، أو الثالثة وهو السيف فابن رجب رحمه الله تعالى، والذي يظهر أن في القرآن أربعة سيوف: سيف على المشركين حتى يسلموا أو يؤسروا، فإما منًّا بعد وإما فداء، وسيف على المنافقين وهو سيف الزنادقة وقد أمر الله بجهادهم والإغلاظ عليهم في سورة براءة وسورة التحريم وآخر سورة الأحزاب وسيف على أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وسيف على أهل البغي وهو المذكور في سورة الحجرات.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى عن تفسيره لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التحريم: 9] عن علي بن أبي طالب قال: بعث رسول صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف سيف للمشركين، فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين، وسيف للكفار أهل الكتاب (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29]. وسيف للمنافقين، (جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التحريم: 9] ، وسيف للبغاة (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) [الحجرات: 9].
أيها الإخوة: دعوى السلام العالمي، دعوى لا أصل له في دين الإسلام، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون سلامًا عالميًّا مع الكفار، لا يمكن أن يصل ما يسمونه بالتعاش السلمي مع الكفار أبداً فكل معاهدة أو اتفاقية مبنية على هذا الأصل الطاغوتي. فهو باطل ومنقوض في شريعة الله عز وجل. وإنما حالنا وتعاملنا مع الكفار إلى قيام الساعة قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 123].
نسأل الله عز وجل أن يقيم عَلَم الجهاد، وأن ينشر رحمته على العباد، وأن يقمع أهل الشرك والكفر والزيع والعناد، اللهم إنا نجعلك في نحر كل كافر وطاغوت.. اللهم. .. .. .. .. .
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم