قبيل رحيل الحبيب

الشيخ شايع بن محمد الغبيشي

2024-04-05 - 1445/09/26 2024-04-06 - 1445/09/27
التصنيفات: رمضان الزكاة
عناصر الخطبة
1/تلذذ القلب بلقاء محبوبه 2/رمضان يرحل والأعمال بالخواتيم 3/هدايات دعاء سؤال الله العفو 4/الحث على الاجتهاد في آخر أيان رمضان 5/التذكير بزكاة الفطر وبيان بعض أحكامها

اقتباس

التوسل باسم الله -تعالى- "العفو" من أعظم أسباب الفوز بعفوه -سبحانه-؛ فهو العفوُّ الذي يحب العفو والستر، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها، ويستر العيوب ولا يحب الجهر بها، يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

الظفر بالمحبوب واللقاء به هو غاية المنى، وكلما طال اللقاء زادت الأشواق إليه واستبد الوله بصاحبه، وليل المحبين هو أشرف أزمانهم؛ ففيه تطيب المنادمة والمسامرة، ولا يعكر صفو هذه المتعة إلا خوف الفراق، وقديماً قال الأول:

وَما في الأَرضِ أَشقى مِن مُحِبٍّ *** وَإِن وَجَدَ الهَوى حُلوَ المَذاقِ

تَــراهُ باكِياً في كُـــلِّ وَقـــتٍ *** مَخـــافَةَ فُرقَــــةٍ أَو لِاِشـــتِيــاقِ

فَيَبكي إِن نَأى شَوقاً إِلَيهِم*** وَيَبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ

فَتَسخنُ عَينُهُ عِندَ التَنائي *** وَتَسخنُ عَينُهُ عِندَ التَلاقي

 

هذا في محبوب الدنيا فكيف بمحبوب يصل القلوب بسر سعادتها في الدنيا والآخرة؟! كيف بمحبوب جاء يحمل إلينا الرحمة والبركات والعفو والمسرات والطمع في الجنة؟! كيف بمحبوب سلب قلوب الأتقياء والأصفياء فاستبشروا به وبشروا؟! نقول ذلك ونحن في آخر أيام الشهر وكأنما هو طيفٌ كان لقاؤه حلم جميل:

فاليوم آذن بالرحيل حبيبنا *** وتنصفت أيام عشر أواخره

يا صاح بادر باغتنام ختامه *** فسفينه قد أسرعت بمواخره

 

نعم ما زالت الفرصة قائمة فالأعمال بالخواتيم، وعلينا أن نغتم ما بقي من شهرنا، ومن أعظم ما ينبغي الحرص عليه اللهج بما علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- حين قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي"(رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

وفي هذا الدعاء هدايات منها:

أولاً: أن طلب العفو في هذه الليلة تأكيد لمكانة هذه الليلة المباركة التي يكثر فيها الله العفو عن العباد، فإنها من أعظم فرص العفو.

وهو العفو وعفوه وسع الورى *** لولاه غار الأرض بالسكان

 

ثانياً: أن التوسل باسم الله -تعالى- "العفو" من أعظم أسباب الفوز بعفوه -سبحانه-؛ فهو العفوُّ الذي يحب العفو والستر، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها، ويستر العيوب ولا يحب الجهر بها، يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا، ويفتح واسع رحمته فضلاً وإنعامًا، فيطمع العبد في عظيم عفوه.

 

لك الحمد حقق ما نرجيه إننا *** لفيض من الغفران جئنا نؤمل

وأنت تحب العفو عن كل مذنب *** قريب من الداعي لشكواه تقبل

أتيناك بالأوزار نرجو خلاصنا *** فأثقالها كم أرهقت كيف تُحمل

أتيناك نبغي فيض عفوٍ فهب لنا *** من الفيض قطرٌ بالمسرات يشمل

 

ثالثاً: في هذا الدعاء الاعتراف بالتقصير في حق الله -جل وعلا-، والضراعة إليه بطلب العفو والصفح وإظهار الفقر والحاجة إليه -سبحانه-، فهذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا سيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بذنبي وأبوء لك بنعمتك علي؛ فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، فكن مفتقراٌ إلى ربك تنل عظيم هباته، تذكر دعاء موسى -عليه السلام-: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[القصص: 24]، فقير إلى عفوك، فقير إلى رحمتك، فقير إلى عتق رقبتي من النار، فقير إلى رزقك، فقير إلى هداية قلبي وصلاح ذريتي، قلها عبد الله: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ). 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: ومن هدايات دعاء عائشة -رضي الله عنها-:

رابعاً: في الدعاء حسن الظن بالله في قوله: "عفو تحب العفو"، استشعار بأن الله كثير العفو، بل يحب العفو عن عباده، فيحسن المسلم ظنه بالله -تعالى-، ويقوى طمعه في عظيم عفوه؛ فينعم قلب المؤمن بالرجاء، كيف لا وهو يذكر قول ربه -جلا وعلا-: "أنا عند ظن عبدي بي، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً"(رواه الطبراني بسند صحيح).

 

وما أجمل توسل زكريا -عليه السلام- إلى ربه بقوله: (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا)[مريم: 4]؛ أي: ولم أعهد منك يا رب إلَّا الإجابة في الدُّعاء، ولم ترُدَّني قطُّ فيما سألتُك، فلا تقطع عادتك، ولا تمنع جميلك، وكما لم أشقَ بدعائي فيما مضى، فأنا على ثقة أني لن أشقى به في ما بقي، فلنطمع -عباد الله- في عفو الله ورحمته ومغفرته، ولنحسن الظن بربنا -جل وعلا-، ولنعمر قلوبنا بحبه -سبحانه-.

 

عباد الله: علينا أن نستغل ما بقي من أيام هذا الشهر فالأعمال بالخواتيم، ونحن نعيش أشرف الليالي والأيام، فكل الغبن أن نفرط فيها، قال ابن القيم -رحمه الله-: "والله -سبحانه- يعاقب من فتح له باباً من الخير فلم ينتهزه، بأن يحول بين قلبه وإرادته، فلا يمكنه بعدُ من إرادته عقوبةً له"، كونوا من أهل القيام والتهجد الذكر والدعاء والقرآن، اعمروا هذه الأوقات الشريفة فإنها قد لا تعود عليكم، فكم فقدنا من قريب وحبيب.

 

ويشرع لنا -عباد الله- في ختام شهرنا زكاة الفطر، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ"(رواه أبو داود).

 

يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن ينفق عليهم من الزوجات والأقارب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها هم؛ لأنهم المخاطبون بها أصلاً، مقدارها صاع من طعام بصاع النبي -صلى الله عليه وسلم- لحديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- صَاعًا مِنْ طَعَامٍ"(رواه البخاري)، تخرج من غالب قوت البلد وهي من الأرز 3 كيلو تقريباً، ومن الدقيق اثنين كيلو وربع تقريباً، ولا بد أن تكون من النوع الجيد؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

 

وأما وقت إخراجها فيستحب صباح يوم العيد قبل الصلاة، فأن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ"(البخاري)، ووقت الجواز قبل العيد بيوم أو يومين، فعن نافع قال: "كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير، حتى أنه كان يعطي عن بنيّ، وكان يعطيها الذين يقبلونها، وكان يُعطون قبل الفطر بيوم أو بيومين"(رواه البخاري).

 

عباد الله: علينا أن نلح على الله -عز وجل- بالقبول ونحن في ختام شهرنا، أسأل الله أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وذكرنا ودعاءنا وقرآننا، إنه قريب مجيب.

 

 

 

المرفقات

قبيل رحيل الحبيب.doc

قبيل رحيل الحبيب.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات