عناصر الخطبة
1/ وصف الجاهلية وما عليه أهلها من الضلال المبين 2/ هداية الناس إلى الصراط المستقيم 3/ عظم دين الإسلام 4/ حكم التشبه بالكفار 5/ من علامات الساعة حصول التشبه باليهود والنصارى 6/ نماذج من التشبه بالكفاراقتباس
تسألونه أن يهديكم للتمسك بهذا الدين، وأن يحميكم من الانحراف عنه إلى دين الكفار في عقائدهم وعوائدهم المحرمة، وفي صفاتهم وأخلاقهم، ولكن بعض المسلمين -أو كثيراً منهم- يقول هذا الدعاء بلسانه من غير استحضار لمعناه ومن غير التزام لمدلوله. ولذلك يحصل عنده من النقص في دينه والأخذ في دين المغضوب عليهم والضالين الشيء الكثير؛ تقليداً لهم وتشبهاً بهم
الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة التي أجلها نعمة الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته العظام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه بدين الإسلام إلى جميع الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام وسلم، صلاة وتسليماً كثيراً مستمرين على الدوام.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروا نعمته عليكم حيث يقول لكم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) [المائدة:3] هذا الإسلام الذي تضمن سعادة الدنيا والآخرة لمن تمسك به، ولا يعرف قدر هذا الإسلام إلا من عرف دين الجاهلية قديماً وحديثاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اعلم أن الله سبحانه وتعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الخلق وقد مقت أهلَ الكتاب ماتوا -أو أكثرهم- قبل مبعثه، والناس إذ ذاك أحد رجلين؛ إما كتابي معتصم بكتاب؛ إما مبدل، وإما منسوخ، أو بدين دارس؛ بعضه مجهول وبعضه متروك، وإما أمّي؛ من عربي وعجمي مقبل على عبادة ما استحسنه وظن أنه ينفعه؛ من نجم أو وثن أو قبر أو تمثال أو غير ذلك، والناس في جاهلية جهلاء؛ من مقالات يظنونها علماً وهي جهل، وأعمال يحسبونها صلاحاً وهي فساد، وغاية البارع منهم؛ علماً وعملاً أن يحصل قليلاً من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين مشوب بأهواء المبدلين والمبتدعين، وقد اشتبه عليهم حقه بباطله. أو يشتغل بعمل قليل من مشروع وأكثره مبتدع ولا يكاد يؤثر في صلاحه إلا قليلاً".
هذا الذي ذكره شيخ الإسلام من وصف الجاهلية وما عليه أهلها من الضلال المبين. ولا يزال هذا الوصف -وأسوأ منه- ملازماً لكل من لم يؤمن بهذا الدين؛ فالكفار اليوم يتخبطون في ضلالات غليظة، وجهالات شنيعة، وضياع مستمر في العقائد والأخلاق والمعاملات.
ثم قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فهدى الله الناس ببركة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من البينات والهدى، هداية جلت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين به عموماً، ولأولي العلم منهم خصوصاً؛ من العلم النافع والعمل الصالح والأخلاق العظيمة، والسنن المستقيمة، ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علماً وعملاً الخالصة من كل شوب إلى الحكمة التي بعث بها - لتفاوتت تفاوتاً يمنع معرفة قدر النسبة بينها، فلله الحمد كما يحب ربنا ويرضى".
أيها المسلمون: إن دين الإسلام الذي بُعث به محمد صلى الله عليه وسلم هو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وما سواه من الأديان بعد مجيئه فهو دين المغضوب عليهم والضالين، وقد فرض الله عليكم في كل ركعة من صلاتكم أن تسألوه أن يهديكم لهذا الصراط المستقيم، ويجنبكم صراط المغضوب عليهم والضالين.
تسألونه أن يهديكم للتمسك بهذا الدين، وأن يحميكم من الانحراف عنه إلى دين الكفار في عقائدهم وعوائدهم المحرمة، وفي صفاتهم وأخلاقهم، ولكن بعض المسلمين -أو كثيراً منهم- يقول هذا الدعاء بلسانه من غير استحضار لمعناه ومن غير التزام لمدلوله. ولذلك يحصل عنده من النقص في دينه والأخذ في دين المغضوب عليهم والضالين الشيء الكثير؛ تقليداً لهم وتشبهاً بهم، وقد حرم الله ورسوله التشبه بالكفار؛ قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:19] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومع أن الله قد حذرنا سبيلهم فقضاؤه نافذ بما أخبر به رسوله مما سبق في علمه حيث قال فيما أخرجاه في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"، قلنا: يا رسول الله -اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟".
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع". فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ قال: "ومن الناس إلا أولئك؟". فأخبر أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى -وهم أهل الكتاب- ومضاهاة لفارس والروم -وهم الأعاجم-، فقد كان صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بهؤلاء، وليس هذا إخباراً عن جميع الأمة بل قد تواتر عنه أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة" كما أن هذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم عن حصول التشبه في هذه الأمة إنما هو إخبار بمعنى النهي والتحذير عن الوقوع فيه.
أيها المسلمون: إن دين الإسلام هو دين الكمال والتمسك به وهو العز، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8] وقال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر:10] وإذا كان الأمر كذلك؛ فما بال أقوام يلتمسون العزة بغير الإسلام؛ فيقلدون الكفار في عقائدهم وأخلاقهم وعوائدهم الذميمة.
لقد كان الكفار يغلون في الأموات من الأنبياء الصالحين ويبنون على قبورهم المساجد والقباب، فكان في هذه الأمة من يفعل ذلك ويلجأ إلى الأضرحة؛ لقضاء حاجاته وتفريج كرباته، وأشادوا عليها المباني والمساجد والمشاهد الشركية؛ تشبهاً بالكفار.
لقد كان الكفار يعملون أعياداً بدعية؛ كأعياد الموالد والأفراح، فكان في هذه الأمة من يعمل مثل هذه الموالد البدعية؛ كالمولد النبوي، ومواليد العظماء، وما يسمونه بالأعوام أو بالأيام؛ كيوم الأم ويوم الطفل أو عام الطفل، وما يسمونه بالأسابيع؛ كأسبوع النظافة وأسبوع المساجد وأسبوع الشجرة.
إن ديننا -ولله الحمد- يأمرنا ببر الوالدين دائماً في حياتهما وبعد موتهما لا في يوم معين فقط. وديننا يأمرنا بالنظافة وتنظيف المساجد دائماً لا في أسبوع معين، وديننا يأمرنا بغرس الأشجار والزراعة دائماً في أوقاتها المناسبة لا في أسبوع معين فقط. فلم هذا التقليد الأعمى والتشبه الممقوت.
لقد آل الأمر ببعض الناس إلى أن حملهم التشبه بالكفار على مخالفة الفطرة وسنّة الأنبياء فحلقوا لحاهم ووفروا شواربهم وشوهوا خلقتهم؛ تمشياً مع التقليد الأعمى ومخالفة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "جزو الشوارب وأرخوا اللحى وخالفوا المجوس" رواه مسلم، وفي الصحيحين: "خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب".
ولقد آل الأمر ببعض المسلمين إلى أن هجروا أسماء آبائهم وأمهاتهم وقبائلهم وسموا أولادهم بأسماء غريبة، فتركوا التسمي بمحمد وعبد الرحمن وعلي وإبراهيم وفاطمة ورقية، وعائشة - مثلاً إلى التسمي بأسماء غريبة على أسرتهم وبلادهم، لا لشيء إلا محبة للتقليد الأعمى ومخالفة للأسماء المعتادة، ولو كانت أحسن، وربما بعد فترة وجيزة تتغير بسبب ذلك أسماء الأسر كلياً، وتنقطع صلة الأحفاد بالأجداد لتغير الأسماء فلا يعرف بعضهم بعضاً. إن الذي حمل هؤلاء استجلاب هذه الأسماء إنما هو ضعف الشخصية، وعدم الثقة بماضيهم واعتقاد الكمال في غيرهم.
لقد آل الأمر ببعض الناس في مناسبة الزواج إلى أن يأتي بأمور منكرة في أثناء الحفلات فيأتي بالمطربين وآلات اللهو والمصورين، وأغرب من ذلك أنه قد يظهر بنته أو موليته العروس أمام الحفل بلباس غير عادي يسمونه التشريعة، وربما يكون غير ساتر. ويترك المصور يصورها على هذه الحال السيئة -محرمات ترتكب، ومنكرات تفعل لا لشيء إلا للتقليد الأعمى والتشبه بمن لا دين لهم ولا خلق.
فاتقوا الله -عباد الله- وتمسكوا بدينكم وأخلاقكم وعاداتكم الطيبة، ولا تنحدروا مع التقليد والتشبه الممقوت (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) [البقرة:61] قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن الله أعزنا بهذا الدين فمهما ابتغينا العز من غيره أذلنا الله".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ) [الزخرف:43]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم