في تربية الأولاد

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أهمية تعليم النفس والأهل الخير وتأديبها عليه 2/ أهمية تربية الأولاد 3/ عناية الإسلام بالتربية المبكرة 4/ مفاهيم خاطئة في التربية 5/ عظم مسؤولية الآباء في تربية أولادهم 6/ منافع الولد الصالح

اقتباس

إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حملكم بهذا الحديث مسؤولية أولادكم وأمركم بتربيتهم على أداء الصلوات. علموهم كيف يتطهرون وكيف يصلون، واسلكوا معهم مسلك التدرج بهم حسب سنانهم وتحملهم أولاً بالأمر في سن السابعة، ثم بالضرب في سن العاشرة. كما أمركم أن تباعدوهم عن أسباب الفساد الخلقي، فتفرقوا بينهم في مراقدهم؛ فلا ينام بعضهم إلى جانب بعض خشية الوقوع في المحذور. فصرتم مسؤولين عنهم حتى في مراقدهم. كما أنكم مسؤولون عنهم في حال يقظتهم

 

 

 
الحمد لله الذي يمن على من يشاء بالأولاد. ويجعلهم فتنة يتبين بها الشاكر الذي يقوم بحقهم ويصونهم عن الفساد. والمهمل الذي يضيعهم ويتهاون بمسئوليتهم، فيكونون عليه نقمة وحسرة في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الحكمة البالغة والحجة القائمة على العباد. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. حمّل الآباء مسؤولية أولادهم فقال: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ) [التحريم:6]

روى ابن جرير عن ابن عباس قال في معنى الآية: اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله، ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فذلكم وقايتهم من النار. وعن علي قال في معناها: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم. فالآية تدل على أنه مطلوب من الإنسان أن يعمل بما يبعده ويبعد أهله من النار.

عباد الله: إن مهمة الأولاد مهمة عظيمة يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها ويعدوا العدة لمواجهتها، خصوصاً في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت غربة الدين، وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السباع الضارية، إن غفل عنها أكلتها الذئاب.

إن عناية الإسلام بتربية الأولاد واستصلاحهم تبدوا واضحة في وقت مبكر حيث يشرع للرجل أن يختار الزوجة الصالحة ذات الدين والأخلاق الفاضلة؛ لأنها بمنزلة التربة التي تلقى فيها البذور، ولأنها إذا كانت صالحة صارت عوناً للأب على تربية الأولاد، كما أنه يشرع للزوج عند اتصاله بزوجته أن يدعو فيقول: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. فإذا رزق مولوداً استحب له أن يؤذن في أذنه اليمنى، ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى، كما وردت بذلك أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في سنن أبي داود والترمذي وغيرها.

والحكمة في ذلك -والله أعلم- ليكون أول ما يسمع المولود كلمات الأذان المتضمنة لكبرياء الله وعظمته والشهادة، وليهرب الشيطان من كلمات الأذان. تكون دعوة المولود إلى دين الإسلام سابقة على دعوة الشيطان. ويختار الأب لولده الاسم الحسن، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحسين الأسماء.

ثم يختنه بإزالة القلفة؛ لما في إزالتها من التحسين والتنظيف. والختان من أظهر الشعائر التي يفرق بها بين المسلم والنصراني، وهو من خصال الفطرة.

ويعق عنه بأن يذبح عن الذكر شاتين وعن الجارية شاة. والحكمة في ذلك أنها قربان يتقرب بها إلى الله عن المولود في أول خروجه إلى الدنيا، وهي أيضاً فدية يفدى بها المولود، كما فدى الله إسماعيل بالكبش. كل ذلك مما يدل على الاعتناء بالمولود.

عباد الله: كما أن للأب حقاً على ولده فللولد حق على أبيه؛ قال بعض العلماء: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده. وقد قال الله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) وقال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اعدلوا بين أولادكم" فوصية الله للآباء بالأولاد سابقة على وصية الأولاد بآبائهم.

فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة. وأكثر الأولاد إنما جاءهم الفساد بسبب إهمال الآباء، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينفعوا أنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً. عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً.

فالطفل ينشأ على ما عوده المربي؛ فيجب على وليه أن يجنبه مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء، ويجنبه الخيانة والكذب والكسل والبطالة والدعة والراحة؛ فإن الكسل والبطالة لهما عواقب سوء ومغبّة وندم، وللتعب والجد عواقب حميدة. ويجنبه الشهوات الضارة؛ فإن تمكينه منها يفسده فساداً يصعب إصلاحه. فبعض الآباء يغدق على ولده العطاء، ويمده بالمال الذي يتمكن به من شهواته. ويزعم أنه يكرمه بذلك وهو قد أهانه ويزعم أنه قد رحمه، وهو قد ظلمه.

وكذلك يجب على الوالد أن يمنع ولده من قرناء السوء ومخالطة أهل الفساد. وبعض الآباء يشتري لولده سيارة أو دراجة يستخدمها الولد لأغراض سيئة ويتمكن بها من الوصول إلى المجامع الفاسدة وإن كانت بعيدة. وعلاوة على ذلك يؤذي بها الجيران، وقد تكون سبباً لوقوع الحوادث التي تذهب بحياته أو حياة غيره.

وبعض الناس لا يربي ولده إلا التربية الحيوانية فيأتي له بالطعام والشراب والكسوة، ويترك تربيته على الدين والأخلاق الفاضلة؛ فلا يعلمه ما ينفعه ولا يهتم بأمر دينه فلا ينفذ أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه حيث يقول: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع".

أيها الآباء: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حملكم بهذا الحديث مسؤولية أولادكم وأمركم بتربيتهم على أداء الصلوات. علموهم كيف يتطهرون وكيف يصلون، واسلكوا معهم مسلك التدرج بهم حسب سنانهم وتحملهم أولاً بالأمر في سن السابعة، ثم بالضرب في سن العاشرة. كما أمركم أن تباعدوهم عن أسباب الفساد الخلقي، فتفرقوا بينهم في مراقدهم؛ فلا ينام بعضهم إلى جانب بعض خشية الوقوع في المحذور. فصرتم مسؤولين عنهم حتى في مراقدهم. كما أنكم مسؤولون عنهم في حال يقظتهم.

كذلكم -أيها الآباء- أنتم مسؤولون عن توجيه أولادكم الوجهة الصالحة فلا تتركوهم يقرؤون من الكتب والجرائد والمجلات ما هب ودب؛ فإن كثير منها السهم القاتل؛ فأرشدوهم إلى قراءة الكتب النافعة والمجلات المفيدة ووفروها لهم، وإذا كنتم لا تعرفون المفيد منها فاسألوا أهل العلم واطلبوا منهم أن يختاروا لكم المفيد النافع ووفروه لأولادكم.

أيها الآباء: ادعوا الله أن يصلح أولادكم. كما دعا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) وقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات:100] وقال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [ابراهيم :40]  وقال هو وإسماعيل: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة: 128] وكما دعا زكريا عليه السلام حيث قال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران:38] هذه دعوات الأنبياء لأولادهم فاقتدوا بهم في ذلك.

أيها الآباء: إن الولد الصالح ينفع والده حياً وميتاً؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له".

إن الأولاد إما أن يكونوا نعمة على والديهم أو نقمة. ولذلك أسباب أهمها التربية. كما أن الوالد قد يكون سبباً لسعادة الولد أو شقاوته. قال تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [الكهف:82]

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" فليكن ذلك منكم على بال.

أيها الآباء: إنكم تحرصون أشد الحرص على ذهاب أولادكم للمدارس بدافع الطمع الدنيوي، ولا ترضون بتخلفهم عنها يوماً واحداً؛ فما بالكم لا تهتمون بحضورهم في المساجد وهو خير وأبقى؟ إن حضورهم في المساجد يفيدهم آداباً حسنة وأخلاقاً فاضلة ومحبة للخير وبعداً عن الشر.

حضورهم في المساجد ينشئهم على الطاعة ومخالطة الصالحين وفيه مصالح كثيرة فلم لا تهتمون به. لماذا تتركون أولادكم في أوقات الصلوات يجوبون الشوارع أو يختفون في البيوت ولا يقيمون للصلاة وزناً. هل كانت المدرسة أهم عندكم من المسجد؟ هل كانت الدراسة أعظم من الصلاة؟ هل الدنيا أحب إليكم من الآخرة؟ (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [التوبة:38] فاتقوا الله أيها المؤمنون لعلكم تعلمون.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: بسم الله الرحمن الرحيم. (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ)... الآيات.

 

 

 

 

 

المرفقات

1126

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات