في بيان أسباب الفلاح

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ أصناف الناس في نظرتهم للسعادة 2/ حقيقة الفلاح 3/ التأخر من المسلمين وليس من الإسلام 4/ من أسباب الفلاح 5/ ميزان القيامة ميزان الفلاح والخسران .

اقتباس

.. فالكفار وبعض المسلمين الذين ضعف إيمانهم يغترون اليوم إذا نظروا إلى ما بأيدي الكفار من زهرة الدنيا وما توصلوا إليه من مخترعات، فيذهب ذلك بهم إلى الإعجاب بالكفار وتعظيمهم في نفوسهم، وإذا ما أصاب المسلمين من ضعف وتأخر في مجال الصناعة ظنوا أن هذا بسبب الإسلام؛ فهان الإسلام والمسلمون في نفوسهم، ولم يعلموا أن تأخر المسلمين لا ينسب إلى الإسلام وإنما ينسب إلى تصير المسلمين وتكاسلهم ..

 

 

 

الحمد لله حكم بالفلاح لأهل الإيمان، وبالخسار لأهل الكفر والطغيان، وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله لا خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرها منه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى.

كثير من الناس يظن أن الفلاح والسعادة في الحصول على حظوظ الدنيا العاجلة من وفرة المال وحصول الجاه والتمتع بالملذات، وصنف آخر يرى أن السعادة والفلاح هي في السبق في مجال الصناعة والاختراع، والترفع على الآخرين، وبناء على هذه النظرية صرفوا على تلك الأشياء التي هي في نظرهم مقومات السعادة والفلاح، فهي شغلهم الشاغل وهمهم الذي ملك عليهم كل تفكيرهم، وهي موضوع أحاديثهم وهي مجال تنافسهم -وأيم الله لقد ضلوا وما كانوا مهتدين. فلقد هلك وشقي بالمال قارون الذي آتاه الله من الكنوز ما إن فماتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، ولقد هلك بالملك والسلطان فرعون الذي قال: (قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) ولقد هلك بالترف وتناول الملذات القرون الأولى ذات الترف والنعيم (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) وقد شقي في مجال الصناعة والاختراع الأمم الحاضرة بحيث أصبحت كل دولة تهدد الدولة الأخرى بمخترعاتها ومدمراتها، فصار تسابقهم في وسائل الدمار لا في وسائل الاستقرار، وصار الجميع مهددين باندلاع حرب طاحنة تأتي على الأخضر واليابس.

وهكذا -يا عباد الله- إذا لم يكن الإيمان هو الموجه، وإذا لم تكن العقيدة الصحيحة هي الأساس - فسدت الدنيا وانهار النبيان وأصبحت الأعمال كلها لا فائدة منها لا عاجلاً ولا آجلاً -قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ) وقال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ)، وقال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)، (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً).

وقد سمى الله ما يعيشه الكفار في هذه الدنيا بما فيه من الأموال والجاه والسلطان والقوة، والصناعات والاختراعات سمى ذلك كله متاعاً قليلاً مؤقتاً زائلاً تعقبه النار والخسار؛ قال تعالى: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) بل لقد حكم الله على الكفار بما فيهم ملوكهم ورؤساؤهم وعلماؤهم ومفكروهم حكم عليهم كلهم بأنهم شر الدواب وشر البرية -قال تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ).

عباد الله: يعجب كثير من الناس بزهرة الدنيا ومتاعها فيتعلق بها وينسى الآخرة قال تعالى: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وقال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) فالكفار وبعض المسلمين الذين ضعف إيمانهم يغترون اليوم إذا نظروا إلى ما بأيدي الكفار من زهرة الدنيا وما توصلوا إليه من مخترعات، فيذهب ذلك بهم إلى الإعجاب بالكفار وتعظيمهم في نفوسهم، وإذا ما أصاب المسلمين من ضعف وتأخر في مجال الصناعة ظنوا أن هذا بسبب الإسلام؛ فهان الإسلام والمسلمون في نفوسهم، ولم يعلموا أن تأخر المسلمين لا ينسب إلى الإسلام وإنما ينسب إلى تصير المسلمين وتكاسلهم وعدم عملهم بمقتضى الإسلام الذي يحث على الأخذ بالأسباب واكتساب القوة، فالإسلام دين القوة والعزة لكنه يحتاج إلى حَمَلة.

عباد الله: لقد تحقق إفلاس الكافرين وخسارتهم في الدنيا والآخرة؛ لأنهم يفقدون مقومات الفلاح والسعادة التي من أبرزها الإيمان بالله واليوم الآخر، فلقد حكم الله بالفلاح للمؤمنين قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إلى قوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

ومن أسباب الفلاح: التوبة إلى الله من الذنوب والإيمان بالله والعمل الصالح قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ).

ومن أسباب الفلاح ملازمة ذكر الله تعالى قال تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ومن أسباب الفلاح تحلية النفس بالصفات الحميدة وإبعادها عن الصفات الذميمة، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).

ومن أسباب الفلاح: إنفاق المال في طاعة الله والابتعاد عن الشح قال الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وقال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى  وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى).

عباد الله: سيأتي على الناس يوم يظهر فيه المفلح من الخاسر، ذلكم هو يوم وزن الأعمال قال تعالى: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ).

إن بإمكان الإنسان اليوم أن يستعد لهذا الوزن فينسق أعماله ويصلح ما فسد منها ويكثر من الحسنات لتثقل موازينه يوم القيامة، بإمكانه أن يقدم لهذا الميزان ما يثقله ما دام على قيد الحياة وما دام يذكر هذا الميزان ويتذكره، فإن نسيه فليس بمنسي، وإن غفل فليس بمغفول عنه، وكما تدين تدان، والأعمال بالخواتيم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) بارك الله لي ولكم.
 

 

 

 

 

المرفقات

1101

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات