في النهي عن المكاسب المحرَّمة

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: المعاملات
عناصر الخطبة
1/ زمن طغيان الماديات 2/ التحذير من المكاسب المحرمة 3/ من صور المكاسب المحرمة 4/ التحذير من الاشتغال بطلب المال عن الواجبات 5/ الحث على إنفاق الواجبات والمستحبات

اقتباس

ومن ذلك التغرير بالجهات الحكومية والشركات وأصحاب الأعمال عندما ترسل تلك الجهات مندوباً لتأمين بعض المشتريات، فيتفق ذلك المندوب مع بعض أصحاب المحلات التجارية على أن يشتري منه بسعر ويكتب في البيان سعراً أكثر منه، ويوقع معه صاحب المحل؛ ليأخذ المندوب الزيادة، وقد يشاركه فيها صاحب المحل، فيكون قد أخذ مالاً حراماً، أو باع دينه بدنيا غيره ..

 

 

 

الحمد لله جعل في الحلال غنية عن الحرام، وأحل البيع وحرم الربا، وأمر بطلب الرزق من الوجوه المباحة، وإنفاقه في وجوه الخير، أحمده على نعمه الظاهرة والباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أبان به المحجة وأقام به الحجة على جميع الخلق، فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا الله تعالى في جميع أعمالكم وتصرفاتكم (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).

أيها المسلمون: إننا في زمان طغى فيه طلب المال وحب الدنيا فصرف ذلك كثيراً من الناس عن الآخرة حتى أضاعوا الواجبات وارتكبوا المحرمات، وجهلوا أمر دينهم، صارت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم، لها يسعون، ومن أجلها يتعادون ويتقاطعون، (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ).

عباد الله: إن طلب الرزق والسعي لتحصيل المال أمر محمود ومأمور به شرعاً؛ إذا روعيت فيه الضوابط الشرعية، وأقيم على الموازين المرعية بأن يكون من الوجوه المباحة والمكاسب الطيبة، وقد وسع الله لعباده أبواب الرزق المباح، ونهاهم عن الأبواب المحرمة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ).

وأكل المال بالباطل يشمل المكاسب المحرمة؛ كالربا والسرقة والرشوة والغش في البيع والغبن الفاحش والغصب، ونقص المكاييل والموازين ومن ذلك نقص أكياس الأطعمة والسكر وصناديق الشاي والخضار بحيث يبيعها على أنها وافية وعلى شد بلادها، وهو قد أخذ منها ونقصها نقصاً لا يشعر به المشتري لأنه قد وثق به.

ومن ذلك رفع القيمة على المشتري الذي لا يعرف أثمان السلع، ومن ذلك النجش المحرم وهو أن يسوم السلعة وهو لا يريد شراءها وإنما يريد إغلاءهما على المشتري وقد يكون شريكاً للبائع.

ومن ذلك التغرير بالجالب بحيث يتفق أهل السوق أو أهل الصنف على أن يسوم السلعة المطلوبة واحد منهم ولا يزيدون عليه حتى يبيعها صاحبها برخص ويكونون شركاء فيها.

ومن ذلك التغرير بالجهات الحكومية والشركات وأصحاب الأعمال عندما ترسل تلك الجهات مندوباً لتأمين بعض المشتريات، فيتفق ذلك المندوب مع بعض أصحاب المحلات التجارية على أن يشتري منه بسعر ويكتب في البيان سعراً أكثر منه، ويوقع معه صاحب المحل؛ ليأخذ المندوب الزيادة، وقد يشاركه فيها صاحب المحل، فيكون قد أخذ مالاً حراماً، أو باع دينه بدنيا غيره.

كل هذا -يا عباد الله- من أكل أموال الناس بالباطل، فهو داخل في هذا النهي الرباني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) ومن خالف هذا النهي فأخذ مالاً بطريق باطل فقد عصى الله وعرض نفسه للعقوبة العاجلة والآجلة.

عباد الله: ولا يجوز للمسلم أن يشتغل بطلب المال عن أداء ما أوجب الله عليه في وقته المحدد كالصلوات الخمس والجمعة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

وقد أثنى الله على الذين يقبلون على الصلوات في أوقاتها ولا يشتغلون عنها بتجارة ولا بيع ووعدهم بجزيل الثواب، قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

نداءات إلهية وتوجيهات ربانية لأهل الإيمان ليجمعوا بين الحسنيين طلب الرزق في أوقاته وأداء العبادة في أوقاتها لينالوا سعادة الدنيا والآخرة، وتهديد ووعيد لمن أخل بهذا النظام، وصرف كل وقته في طلب الحطام، وترك ما أوجب الله عليه (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) وستفوته الدنيا والآخرة ويكون من الخاسرين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه تسعدوا وتفلحوا في دنياكم وآخرتكم، واعلموا أنه مطلوب من المسلم إذا جمع المال من وجه حلال أن ينفق منه في وجوه الخير النفقات الواجبة والنفقات المستحبة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ) وقال تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

وقد ذم الله الذين يجمعون ويوعون، ويبخلون ولا ينفقون، قال تعالى: (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي لا يخرجون زكاتها (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)؛ فالمال ليس مقصوداً لذاته وإنما يجعل وسيلة يستعان به على فعل الخير والتقرب إلى الله بإنفاقه في طاعته وفي سبيله (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

فاتقوا الله -عباد الله- ولا يحملنكم الجشع والطمع على طلب الرزق من الوجوه المحرمة، ولا يحملنكم البخل والشح على ترك الإنفاق في سبيل الله.
 

 

 

 

 

المرفقات

1098

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات