في الطلاق وأحكامه

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/نعمة الزواج وبعض مصالحه 2/حرص الإسلام على استمرار الحياة الزوجية وصلاحها وبعض جوانب ذلك 3/بعض أحكام الطلاق وآدابه وضوابطه 4/تلاعب الناس بالطلاق 5/بعض أسباب الطلاق

اقتباس

أيها المسلمون: إن الله جعل الطلاق حَلاًّ أخيراً بعد ما تفشل كل الحلول لحسم النزاع، وبقاء الزوجية، فهو كالدواء الذي يستعمل عند الحاجة، ووفق طريقة خاصة رسمها الشّارع، فإذا استعمل من غير حاجة، أو استعمل على غير الطريقة المرسومة، فإنه يضرّ، كما يضرّ الدواء المستعمل على غير أصوله. ولهذا رسم الله -سبحانه وتعالى- للطلاق خطة حكيمة تقلّل من وقوعه، ويكون المتمشّي على تلك الخطة الإلهية في الطلاق لا يتضرر به، ولا يندم عليه، ويتجنب الآثار السيئة التي يقع فيها مَن أخلّ بتلك الخطة، فجعل للرجل أن ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين: (جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) [النحل: 72].

وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيّته وما له من الأسماء والصفات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيّد بالمعجزات الباهرات، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وكلِّ مَن آمن به واتبع النور الذي أنزل معه، وسلّم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى- واذكروه يذكركم، واشكروا له ولا تكفروه، يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) [النساء: 1].

 

ويقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

 

إن الاتصال بين الرجل والمرأة عن طريق الزواج الشرعي، والارتباط الأُسريّ، من أعظم نِعم الله على بني آدم، لما يترتب على هذه العلاقة الشريفة من مصالح عظيمة، منها: أنه سبب لغضّ البصر، وحفظ الفرج عمّا حرّم الله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج"[رواه البخاري ومسلم].

 

ومنها: حصول الراحة النفسية، والسكن والأنس بين الزوجين، كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) [الروم: 21].

 

وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف: 189].

 

والسكن هنا: هو الأنس والطمأنينة.

 

ومن مصالح الزواج: حصول الذرية التي بها بقاء النسل الإنساني، وتكثير عدد المسلمين، لهذه المصالح ولغيرها في الزواج أمر الله به، ووعد بترتب الخير عليه.

 

قال تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [النــور: 32].

 

ورغّب سبحانه بالإبقاء على الزوجية، ونهى عن كل ما يعرّضها للزوال، فأمر بالمعاشرة بين الزوجين بالمعروف، ولو كان مع كراهة أحدهما للآخر، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن المرأة خُلِقت من ضِلَع، وإن أعْوَج ما في الضِّلَع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء"[رواه البخاري ومسلم].

 

وفي رواية لمسلم: "وكسرها طلاقها".

 

وإذا شعر الزوج بنفرة زوجته منه، وبعدم انقيادها لحقّه، فقد أمره الله أن يعالج ذلك بالحكمة، واتخاذ الخطوات المناسبة، قال تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: 34].

 

أي الزوجات اللاتي يحصل منهنَّ عصيان لأزواجهنَّ فيما يجب عليهنَّ لهم فذكِّروهنّ ما أوجب الله عليهنّ في كتابه من حسن العشرة للزوج وما عليهنّ من الوعيد في مخالفة ذلك، فإن لم يُجْدِ فيهنّ الوعظ فعاقبوهنّ بالهجر، وهو: الإعراض عنهنّ في الفرش؛ لأن ذلك يشق عليهنّ فيحملهنّ على الانقياد لأزواجهنّ، والعودة إلى طاعتهم.

 

فإن لم يُجْدِ في الزوجة الهجران، فإنها تعاقب بما هو أشد منه وهو الضرب غير الشديد، فإن الضرب هو الذي يصلحها لزوجها ويحملها على توفية حقّه.

 

وكل هذه الإجراءات يتخذها الزوج مع زوجته دون تدخل من أحد خارجي، فإن استمر الشقاق بين الزوجين، فقد أمر الله بالتدخل بينهما لإصلاحه، قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35].

 

فأمر سبحانه عند تطور الخلاف بين الزوجين بتشكيل هيئة للنظر في إزالته تتكون من عضوين يتحلّيان بالإنصاف والعدل: أحدهما من أُسرة الزوج، والثاني: من أسرة الزوجة.

 

يدرسان ملابسات الخلاف، ويأخذان على يد المعتدي من الزوجين، ويُنصفان المعتدى عليه، ويسوِّيان النزاع.

 

كل هذه الإجراءات لإبقاء عقد النكاح، واستمرار الزوجية، فإذا لم تُجد، وكان في بقاء الزوجية ضرر على الزوجين أو أحدهما بدون مصلحة راجحة، فقد شرع الله الفراق بينهما بالطلاق.

 

فالطلاق هو آخر المراحل، وهو في مثل هذه الحالة رحمة من الله يتخلص به المتضرّر، ويتيح له الفرصة للحصول على بديل أحسن، قال تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) [النساء: 130].

 

أي: وإن لم يصطلحا بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله فقد يقيض للرجل امرأة تقرّ بها عينه، ويقيض للمرأة رجلاً يوسع عليها به.

 

وإذا كان الزوج لا يرغب في الزوجة ولا يريدها، وإنما يمانع طلاقها من أجل أن تفتدي منه بمال، فقد حرّم الله عليه هذا وأمره بطلاقها فوراً من غير أن يأخذ منها شيئاً، قال تعالى: (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) [النساء: 19].

 

أي: لا تضارّ أيّها الزوج زوجتك في العشرة لتترك لك ما أصدقتَها أو بعضه أو حقّاً من حقوقها عليك على وجه القهر لها والإضرار. أو لتبذل لك مالاً تفدي به نفسها منك.

 

قال ابن عباس: يعني الرجل تكون له المرأة، وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر، فيضرها لتفتدي به.

 

وأما إذا كانت المرأة هي التي لا تريد الرجل وأبغضته، ولم تقدر على معاشرته والقيام بحقوقه، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها له، ولا حرج عليه في قبول ذلك منها، قال تعالى: (وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [البقرة: 229].

 

أيها المسلمون: إن الله جعل الطلاق حَلاًّ أخيراً بعد ما تفشل كل الحلول لحسم النزاع، وبقاء الزوجية، فهو كالدواء الذي يستعمل عند الحاجة، ووفق طريقة خاصة رسمها الشّارع، فإذا استعمل من غير حاجة، أو استعمل على غير الطريقة المرسومة، فإنه يضرّ، كما يضرّ الدواء المستعمل على غير أصوله، ولهذا ورد في الحديث: "إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق" [رواه أبو داود وابن ماجة].

 

ولهذا رسم الله -سبحانه وتعالى- للطلاق خطة حكيمة تقلّل من وقوعه، ويكون المتمشّي على تلك الخطة الإلهية في الطلاق لا يتضرر به ولا يندم عليه، ويتجنب الآثار السيئة التي يقع فيها مَن أخلّ بتلك الخطة، فجعل للرجل أن يطلق المرأة عند الحاجة طلقة واحدة في طهر لم يجامع فيه، ويتركها حتى تنقضي عدّتها، ثم إن بدا له في تلك الفترة أن يراجعها فله ذلك، وإن انقضت عدّتها قبل أن يراجعها بانت منه ولم تحلّ له إلا بعقد جديد، قال تعالى: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[البقرة: 229].

 

أي: إذا طلقتها واحدة أو اثنتين، فأنت مخيّر فيها ما دامت في عدّتها، فلك أن تردّها إليك ناوياً الإصلاح والإحسان إليها.

 

ولك أن تتركها حتى تنقضي عدّتها، فتَبِين منك، وتُطْلِق سراحها محسناً إليها، لا تظلمها من حقها شيئاً ،ولا تضارّ بها، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)[الطلاق:1].

 

يعني: طلقوهنّ وهنّ طاهرات من الحيض، من غير أن يحصل منكم جماع لهنّ في هذا الطهر.

 

فبيّن سبحانه في الآية الأولى: العدد المشروع في الطلاق، وهو طلقة واحدة.

 

وبيّن في الآية الثانية: الوقت الذي يجوز فيه الطلاق، وهو وقت الطهارة من الحيض، بشرط أن لا يكون قد جامعها في هذا الطهر.

 

فتبيّن بهذا أنه يحرم على الزوج أن يطلق زوجته ثلاثاً؛ لأن هذا يسدّ عليه باب الرجعة، وأنه يحرم عليه أن يطلقها وهي حائض؛ لأن هذا يطيل العدّة على الزوجة، ولأنه وقت ينزل فيه الحيض على المرأة، وهو أذىً قد يدفع الزوج إلى كراهة زوجته، وذلك مظنة لتطليقها في تلك الحالة فنهى عنه، ويحرم كذلك تطليق المرأة في طهر جامعها فيه؛ لأنها ربما تكون قد حملت من هذا الجماع، فيشتد ندمه إذا علم أنها حامل، ويكثر الضرر.

 

وبهذا يتبين: أن الشّارع أباح الطلاق في حال الحاجة إليه، ووضع له نظاماً يجعله لا يقع إلا في أضيق الحدود، وحينئذ لا يحصل منه ضرر على أحد من الزوجين.

 

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: لا يطلّق أحد للسنة فيندم.

 

وقال أيضاً: لو أن الناس أخذوا بما أمر الله في الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبداً، يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثاً فمتى شاء راجعها.

 

هذا، وبعض الناس يتلاعبون في الطلاق، فبعضهم يطلّق عند أدنى سبب، وعند أول إشكال بينه وبين زوجته، فيضرّ بنفسه وبزوجته وبأولاده.

 

والبعض الآخر يتزوج ويطلق ويتزوج ويطلق، من غير مبرر للطلاق إلا أنه أصبح عادة له وعرف به.

 

ومثل هذا ينبغي أن يعلم أن فعله هذا مكروه؛ لأنه أبغض الحلال إلى الله الطلاق، فالطلاق بغيض إلى الرحمن، حبيب إلى الشيطان، والمسلم يبغض ما يبغضه الله.

 

ومن الناس مَن يجري الطلاق على لسانه بسهولة، وبأدنى مناسبة، فيستعمله بدلاً من اليمين، إذا أراد أن يحلف على نفسه أو غيره، قال: عليّ الطلاق، فإذا انتقضت يمينه وقع في الحرج، وصار يسأل عن الحلول التي تنقذه من هذا الطلاق الذي حلفه به.

 

وبعض الناس لا يتورع عن الطلاق المحرم، فيبتّ زوجته بالثلاث دفعة واحدة.

 

وكل هذا بسبب تلاعب الشيطان ببني آدم، ليوقعهم في الحرج، ويورطهم في الحرام، فإذا بتّ زوجته بالثلاث، وندم على ذلك صار يبحث عمّن يفتيه، ويخلّصه من هذا المأزق.

 

فاتقوا الله -عباد الله- وتقيدوا بما شرّعه الله لكم في الطلاق وفي غيره، فإنه خير لكم في العاجل والآجل.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا)[البقر: 229 - 231].

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه.

 

عباد الله: اعلموا أن أسباب الطلاق كثيرة:

 

أولاً: سوء اختيار الزوجين بعضهما للآخر عند الزواج، فقد يُقدِم أحدهما على الزواج بالآخر، وهو لا يعرف عنه شيئاً لا في دينه ولا في خلقه، فإذا تكشفت له الحقائق وأخفق، أراد التخلّص من هذا القرين الذي لا يناسبه، ولهذا شرع التحرّي لكلٍّ من الرجل والمرأة قبل الإقدام على الزواج.

 

ثانياً: ومن أسباب الطلاق: إثقال كاهل الزوج بالتكاليف الباهظة عند الزواج، فإن هذا يسبّب كرهه لهذه الزوجة التي استنفدت منه أموالاً كثيرة، وعدم تحمّله، منها أدنى زلّة، ولهذا استحبّ تيسير المهور؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أعظم النساء بركة أيسرهنّ مؤنة" [رواه أحمد].

 

ومن أسباب الطلاق: سوء العِشرة بين الزوجين، وعدم قيام أحدهما بما أوجبه الله عليه للآخر، وقد أمر الله بحسن العشرة، فقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].

 

وقال تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 229].

 

ثالثاً: ومن أسباب الطلاق: ما تبثه وسائل الإعلام من التمثيليات التي تصور مشاكل مفتعلة حول تعدّد الزوجات، وتزويج كبير السن من الصغيرة، وتزويج المتعلمات من غير المتعلمين.

 

فمَن سمع أو رأى أو قرأ تلك التمثيليات من النساء وهنّ ناقصات الدين والعقول زهدت إحداهنّ في زوجها الذي ترى أن هذه التمثيلية تنطبق عليه.

 

ولا شك أن هذا العمل الذي تقوم به وسائل الإعلام، يكون من التخبيب الذي حرّمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتوعد من فعله، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منّا مَن خبب امرأة على زوجها" [رواه أبو داود والنسائي وابن حبّان في صحيحه].

 

ويدخل في التخبيب من باب أولى، مَن سبّ رجلاً عند زوجته، حتى زهدها فيه.

 

ومن أعظم أسباب الطلاق في وقت الحاضر: ما يوجد في كثير من البيوت من أفلام الفيديو التي تعرض فيها الصور الفاتنة، والمشاهد التي تثير الغرائز، وتزهد الزوج بزوجته، حينما يعرض في هذه الأفلام فتاة جميلة أحسن من زوجته، وقد تشاهد فيها المرأة شاباً جميلاً يزهدها في زوجها.

 

ومن أسباب الطلاق: سفر بعض الأزواج إلى الخارج، ومشاهدته للمشاهد الفاتنة من النساء الفاتنات والمتبرجات، فيتعلق قلبه بتلك المشاهد، ويعود زاهداً في زوجته، منصرفاً قلبه إلى غيرها مما يؤول به إلى طلاقها.

 

فيجب على المسلمين تجنب هذه الأسباب وغيرها مما يتخذه الشيطان سلاحاً للتفريق بين الزوجين، وتشتيت الأسرة.

 

ومن أسباب وقوع الطلاق: ما ظهر في هذه الأوقات من دعايات مغرضة، تقول: بأن المرأة في المجتمعات الإسلامية مظلومة، ولا تنال حريتها، وأنها طاقة معطّلة، فإذا سمعت النساء هذه الدعايات المسمومة تنكرن على أزواجهنّ، وساءت عشرتهنّ لهم، فكان ذلك سبباً للطلاق، والتفريق بين الزوجين، كعمل السَحَرَة الذين يفرِّقون بين المرء وزوجه.

 

ومن أسباب الطلاق: انصراف النساء عن العمل في بيوتهنّ إلى العمل الوظيفي خارج البيوت، بسبب تعليم المرأة، ونيلها المؤهلات الوظيفية.

 

فإذا توظفت وخرجت للعمل خارج البيت تعطل عملها داخل البيت، وأصبحت كالرجل، تحتاج إلى مَن يقوم بإعداد الطعام لها، ويقوم بالأعمال المنزلية بدلاً منها، فيحصل الشقاق بينها وبين زوجها؛ لأنها تصبح عبئاً عليه، وفي النهاية لا بدّ من الطلاق؛ لأنه يريد زوجة يسكن إليها لا زوجة يسكن معها.

 

أيها المسلمون: اعلموا أن خير الحديث كتاب الله ... إلخ.

 

 

 

المرفقات

الطلاق وأحكامه1.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات