عناصر الخطبة
1/ حقيقة النصيحة 2/ نصح الأنبياء لأقوامهم 3/ مواضع النصيحة 4/ أهمية النصيحةاقتباس
لكن الواقع اليوم بخلاف هذا. فالاهتمام للدروس الدنيوية. في المدارس والبيوت، والاختبارات الدقيقة إنما تكون فيها. أما كتاب الله فحصصه في المنهج قليلة، والعناية به ضعيفة أو مفقوده، والاختبار فيه سهل. بل شاع في أواسط الطلاب بأن القرآن لا يرسب فيه أحد. وأعظم من ذلك أنه لا يختار مدرس متقن للقراءة. بل ربما يكون مدرس القرآن أضعف مستوى في القراءة من الطلاب. فكان هذا التصرف سبباً في الانصراف عن كتاب الله
الحمد لله أمر بالتعاون على البر والتقوى. وحث على الاستمساك بالعروة الوثقى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وإليه المآب والرجعى. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حث على التعاون على الخير والنصح لكل مسلم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه. واعلموا أن بذل النصيحة فيما بينكم من أهم ما يجب عليكم. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " الدين النصيحة " "ثلاثاً" قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله عز وجل.ولكتابه ولرسوله. -صلى الله عليه وسلم- ولأئمة المسلمين وعامتهم ".
عباد الله: إن معنى النصيحة في اللغة الخلوص. فالشيء الخالص من الشوائب يسمى ناصحاً، والمراد بها هنا: عناية القلب للمنصوح له وخلوصه من الغش. وهي كما سمعتم في الحديث: أن الدين النصيحة. فهي تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان لأن الدين يشمل هذه الأنواع الثلاثة، فهو من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- وقد وردت بمعناه أحاديث منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: " من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. ومن لم يمس ويصبح ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم ".
وقد ورد في أحاديث كثيرة طلب النصح للمسلمين عموماً. وفي بعضها طلب النصح لولاة أمورهم. وفي بعضها: نصح ولاة الأمور لرعاياهم.
وقد ذكر الله في كتابه الكريم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد نصحوا لأممهم. قال عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ ) الآية.
وقال عن هود عليه السلام أنه قال لقومه: ( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ).
وقال عن صالح عليه السلام أنه قال لقومه: ( يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ).
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث مواضع النصيحة. أنها تكون لله عز وجل بمعنى أن العبد يقوم بأداء ما أوجبه عليه من العبادات، ويتقرب إليه بنوافل الطاعات، ويترك ما نهى عنه من المحرمات والمكروهات، وأن يكون كل عمله خالصاً لوجهه. قال الحواريون لعيسى عليه السلام: ما الخالص من العمل؟ قال: ما لا تحب أن يحمدك الناس عليه. قالوا: فما النصح لله؟ قال: أن تبدأ بحق الله تعالى قبل حق الناس. وإن عرض لك أمران أحدهما لله والآخر للدنيا بدأت بحق الله تعالى.
ومعنى النصيحة لكتاب الله: الإيمان به ومحبته واتباع ما جاء فيه وتعظيمه وإجلاله وتعلمه وتعليمه وتفهمه وتدبره ومداومة تلاوته. فيجب على المسلمين أن يتجهوا إلى كتاب ربهم فيدرسوه ويُدرِّسوه لأولادهم في المساجد والمدارس والبيوت، وأن يجعل له المكانة الأولى في المناهج الدراسية والصدارة في الحصص اليومية، وأن يشعر الطلاب بأهميته بأن يختبروا فيه اختباراً دقيقاً من حيث تلاوته وفهم معانيه والعمل بآدابه.
لكن الواقع اليوم بخلاف هذا. فالاهتمام للدروس الدنيوية. في المدارس والبيوت، والاختبارات الدقيقة إنما تكون فيها. أما كتاب الله فحصصه في المنهج قليلة، والعناية به ضعيفة أو مفقوده، والاختبار فيه سهل. بل شاع في أواسط الطلاب بأن القرآن لا يرسب فيه أحد. وأعظم من ذلك أنه لا يختار مدرس متقن للقراءة. بل ربما يكون مدرس القرآن أضعف مستوى في القراءة من الطلاب. فكان هذا التصرف سبباً في الانصراف عن كتاب الله من الدارسين وأولياء أمورهم حتى إنك لتجد أن ولي الطالب يأتي له بمدرس في البيت يدرسه اللغة الإنجليزية أو العلوم الرياضية، ولا يتهم بالقرآن؛ لأن المدرسة لا تهتم به، فلا يخشى على ولده من الرسوب فيه.؛ فأين النصيحة لكتاب الله -أيها المسلمون- إنكم ستسألون عن ذلك فاتقوا الله في كتاب ربكم.
ومعنى النصيحة لرسوله الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته بذل الجهد في طاعته ونصرته ومعاونته بالنفس والمال. وبعد وفاته بالعناية بطلب سنته ودراسة سيرته للاقتداء به والتخلق بأخلاقه. وتعظيم أمره ونهيه وترك مخالفته وبغض من خالف سنته. وأن يحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أعظم من محبته لنفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وكذلك محبة قرابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته. وطاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر. واجتناب ما عنه نهى وزجر. وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
ومعنى النصيحة لأئمة المسلمين -والمراد بهم ولاة الأمور والنصيحة لهم حُبُّ صلاحهم واستقامتهم وحُبُّ اجتماع كلمتهم على الحق. وطاعتهم بالمعروف وإعانتهم على الخير. وعدم معصيتهم والخروج عليهم مالم يحصل منهم كفر بواح.
وقد أمر الله ورسوله بطاعة ولاة الأمور ما لم يأمروا بمعصية الله. وحرم الله ورسوله معصيتهم وشق عصا الطاعة وتفريق الكلمة وأمر بالضرب على يد من حاول ذلك. فطاعة ولاة الأمور واجبة وإن جاروا وإن ظلموا. ما لم يخرجوا عن دائرة الإسلام.
ومن النصيحة لهم: إسداء المشورة النافعة لهم، ودعوتهم إلى الخير وتنبيههم على الخطأ بطريق المشافهة أو المكاتبة مهما أمكن ذلك.
ومن النصيحة لولاة أمور المسلمين: الدعاء لهم بالصلاح والإصلاح والاستقامة والتسديد في الأمور. فإن الدعاء لهم من أعظم النصيحة، وهو دأب السلف الصالح. فمن أصول أهل السنة والجماعة طاعة ولاة الأمور ونصيحتهم والدعاء لهم.
ومن النصيحة لأئمة المسلمين: التعاون معهم بالقيام بالأمور التي يسندونها إلى موظفيهم، فيجب على من ولاه ولي الأمر وظيفة من الوظائف أن يقوم بها خير قيام ولا يتساهل بشأنها أو يضيع شيئاً من أعمالها، فإن ذلك من الخيانة التي حرمها الله ورسوله. فإن هذه الوظيفة أمانة ائتمنك عليها ولي الأمر، فإن قصرت فيها فقد خنت الأمانة ( وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ).
وأما النصيحة العامة للمسلمين فمعناها أن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم ويرحم صغيرهم ويوقر كبيرهم، ويرشد ضالهم ويعلم جاهلهم، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وأن لا يغشهم إذا استشاروه في أمر. ولا يغشهم في البيع والشراء وسائر المعاملات. وإذا تولى شيئاً من أمورهم قام به خير قيام، ونظر في مصالحهم ودفع المضار عنهم فلا يخونهم إذا ائتمنوه، ولا يغدر بهم إذا عاهدوه. لا ينِمُّ ولا يغتاب. ولا يغش ولا يخدع. ولا يحابي في حكمه. ولا يبخس الناس حقوقهم. لكن مع الأسف الشديد. النصيحة العامة للمسلمين في هذا الزمان قد فقدت أو قلت. وحلت محلها الأنانية والأثرة في مجتمعات المسلمين. فالمعاملات التجارية دخلها الغش والمكر والخديعة والتدليس والأيمان الكاذبة. والخصومات دخلها الكذب والفجور. وشهادات الزور.
والوظائف دخلها التساهل بالمسئوليات وتضييع أعمالها وتعاطي الرشوة وحرمان المستحق وتقديم غير المستحق.
والتجارة يغلب فيها جشع التجار والنظرة المادية دون مبالاة بنوعية الكسب وطرق الكسب. ثم المماطلة بالحقوق الواجبة في أموالهم لغيرهم أو جحدها ومنعها بالكلية إن قدروا على ذلك، ثم واقع المسلمين فيما بينهم يغلب عليه التقاطع والتدابر والحسد، وتكبر القوي على الضعيف والغني على الفقير. إنها حالة مؤسفة وواقع مؤلم.
أيها المسلمون: يجب أن يكون المسلم قدوة صالحة لغيره في كل تصرفاته. قال الحسن رحمه الله: قال بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه سلم-: والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله أن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده، ويحببون عباد الله إلى الله، ويسعون في الأرض بالنصيحة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً .. ). إلى آخر السورة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم