في الحث على التزود من صالح الأعمال

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ الحث على إصلاح الأعمال والنيات 2/ جزاء الحسنات والسيئات 3/ حكم الهمّ بالحسنة أو بالسيئة .

اقتباس

وقد تضاعف الحسنة أضعافاً كثيرة لشرف المكان، كما ورد أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، وقد تضاعف لشرف الزمان كما ورد أن من تطوع في رمضان بخصلة من خصال الخير كان كم أدى فريضة فيما سواه. ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وخلق العباد فلم يتركهم هملاً، بل بين لهم طريق الخير وطريق الشر وأرسل إليهم رسلاً، ووفق من شاء للعمل الصالح إذا علم منه صدق النية وحب الخير، وحرم من أعرض عن ذكره وتكبر عن طاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، لا خير إلا دل أمته عليه، ولا شر إلا حذرها منه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والذين اتبعوهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وانظروا في أعمالكم ونياتكم، فإنها هي سبب سعادتكم أو شقاوتكم فإن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، واعلموا أن الجزاء من جنس العمل فكما تدين تدان، روى ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: "إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة. وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة" رواه البخاري ومسلم، فقد تضمن في هذا الحديث أربعة أمور: الأمر الأول: عمل الحسنات، والأمر الثاني: الهم بالحسنات، الأمر الثالث: عمل السيئات، الأمر الرابع: الهم بالسيئات، ولك أمر من هذه الأمور يترتب عليه حكم خاص به.

فمن عمل حسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها، وهذا لازم لكل الحسنات، كما قال تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) وأما زيادة المضاعفة على العشر فهي لمن شاء الله أن يضاعف له، وهو يختلف باختلاف الأعمال والأمكنة واختلاف الأحوال، فالنفقة في سبيل الله تضاعف بسبعمائة ضعف، قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) فدلت هذه الآية الكريمة على أن النفقة في سبيل الله تضاعف بسبعمائة ضعف، ومن الأعمال ما لا تنحصر مضاعفته بعدد قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً) وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وفي الحديث: "يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم له: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به".

وقد تضاعف الحسنة أضعافاً كثيرة لشرف المكان، كما ورد أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، وقد تضاعف لشرف الزمان كما ورد أن من تطوع في رمضان بخصلة من خصال الخير كان كم أدى فريضة فيما سواه. ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.

ومن عمل سيئة كتبت بمثلها من غير مضاعفة، كما قال تعالى: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) وفي الحديث: "كتب له سيئة واحدة فالسيئة لا تضاعف لكنها تعظم أحياناً، لشرف المكان الذي فعلت فيه أو لشرف الزمان، فتعظم عقوبتها بسبب ذلك، كالمسجد الحرام والأشهر الحرم والإحرام، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) وقال في الأشهر الحرم: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وقد يعظم إثم السيئة بالنسبة لمكانة فاعلها عند الله، قال الله تعالى لنبيه: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) وقال تعالى لنساء نبيه: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) ومعصية العالم أشد إثماً من معصية غيره، وهكذا يعظم إثم السيئة بحسب الملابسات، والأحوال.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة" يدل على أن الله يثيب على نية الخير إذا نواه المسلم فلم يعمله لمانع حال بينه وبين فعله، فمن نوى قيام الليل فغلبته عيناه ولم يستيقظ كتب له أجر القيام.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة" دليل على أن من نوى فعل السيئة وقدر عليه ثم تركه خوفاً من الله، كتب له بذلك حسنة لأن تركه المعصية بهذا القصد عمل صالح، فأما إن كان ترك المعصية لا خوفاً من الله تعالى، وإنما تركها لخوف المخلوقين أو مراءاتهم، فإنه لا يحصل على هذا الثواب، بل قيل: إنه يعاقب، لأن تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرم، وإن هم بالمعصية وسعى في تحصيلها ثم حال بينه وبينها القدر وفي نيته أن يفعلها لو تمكن منها فإنه يعاقب على نيته وسعيه للمعصية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه"، كما دل الحديث الآخر على أن من هم بمعصية وتحدث بلسانه بما همّ به فإنه يؤاخذ على ذلك قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يتجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل" لأن تكلمه بالمعصية معصية، فاتقوا الله أيها المسلمون وانظروا في أعمالكم ونياتكم وتزودوا من الأعمال الصالحة، وتوبوا من الأعمال السيئة والنيات الفاسدة (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

 

 

 

 

المرفقات

1074

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات