عناصر الخطبة
1/ حقيقة المال الحرام 2/ أهمية اكتساب المال الحلال مع شكر الله 3/ أقسام ثلاثة في اكتساب المال وموقف المسلم منها 4/ خطورة المال الحرام 5/ صور من المكاسب المحرمةاقتباس
وشكرُ النعمة يكون باعتراف القلب أنها من الله وحده. وتحدُّثُ اللسان بذلك. والاستعانة يكون باعتراف القلب أنها من الله وحده. وتحدُّثُ اللسان بذلك. والاستعانة بها على طاعة الله. وإذا تحقق الشكر انتفى الأشر والبطر، وصارت هذه النعم قواماً للحياة السعيدة وعوناً على الطاعة. وإذا لم يتحقق الشكر صارت هذه النعم استدراجاً للخلق حتى يحيق بهم الهلاك والدمار ..
الحمد لله القائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. لا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه. ولا دين إلا ما شرعه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. حث على الأكل من الحلال وحذر من الأكل من الحرام. فقال: "يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ " ورواه مسلم.
فصلى الله على هذا النبي الكريم الذي لم يدع خيراً إلا دل الأمة عليه ولا شراً إلا حذرها منه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله واعلموا أن لإطابة المطعم أثراً بالغاً على الإنسان في سلوكه وحياة قلبه واستنارة بصيرته وقبول دعائه. وإن لخبث المطعم أثراً سيئاً على الإنسان ولو لم يكن من ذلك إلا عدم قبول دعائه لكفى ذلك زاجراً، فإن العبد ليس له غنى عن دعاء ربه طرفة عين.
إن المحرم إما أن يكون تحريمه لخبثه في ذاته لكونه يغذي تغذية خبيثة كالميتة والدم ولحم الخنزير. وإما أن يكون محرماً لحق الله أو حق عباده كالمكاسب المحرمة من الربا والقمار والسرقة والغش في البيع والشراء والغش في الشراء والعمل الذي استؤجر عليه وما أخذ بطريق الرشوة أو الخيانة في العمل الذي أسند إليه.
إن الله قد أغنى المؤمن بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه، فما حرم عليه شيئاً من الخبائث إلا وقد أباح له من الطيبات ما هو خير منه وأضعاف أضعافه.
إن منهج الإسلام في الأطعمة كمنهجه في جميع المجالات منهج السماحة والحفاظ على سلامة الأرواح والأبدان والعقول، فيبيح الطيبات من الأطعمة النافعة للأبدان والعقول، ويحرم الخبائث الضارة للأبدان والعقول. أمر الله سبحانه عباده أن يأكلوا من طيبات ما رزقهم وأن يشكروه على ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).
وشكرُ النعمة يكون باعتراف القلب أنها من الله وحده. وتحدُّثُ اللسان بذلك. والاستعانة يكون باعتراف القلب أنها من الله وحده. وتحدُّثُ اللسان بذلك. والاستعانة بها على طاعة الله. وإذا تحقق الشكر انتفى الأشر والبطر، وصارت هذه النعم قواماً للحياة السعيدة وعوناً على الطاعة. وإذا لم يتحقق الشكر صارت هذه النعم استدراجاً للخلق حتى يحيق بهم الهلاك والدمار. كما قال تعالى: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ).
إن الله سبحانه يريد من عباده أن يترفعوا عن التغذي بالخبائث لأن الغذاء الخبيث يغذي تغذية خبيثة تؤثر على القلوب والطباع، وتحجب العبد عن ربه فلا يرفع له دعاء.
إن الله تعالى أنزل على نبيه الكتاب وبين فيه للأمة ما تحتاج إليه من حلال وحرام، كما قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ).
ووكل سبحانه بيان ما أشكل من التنزيل إلى الرسول كما قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) وما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أكمل الله له ولأمته الدين؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور متشبهات لا يعلمهن كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه. ألا وإن لكل ملك حمىً ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب " رواه البخاري ومسلم. ومعناه: أن الحلال الخالص بين لا اشتباه فيه مثل أكل الطيبات، وكذلك الحرام الخالص مثل الخبائث من الأعيان والمكاسب بيَّن لا اشتباه فيه. وبين الأمرين أمور تشتبه على كثير من الناس. هل هي من الحلال أو الحرام؟ وأما الراسخون في العلم فلا تشتبه عليهم ويعلمون من أي القسمين هي.
وموقف المسلم من هذه الأقسام الثلاثة أن يأخذ الحلال ويترك الحرام ويتوقف في المشتبه حتى يتبين له حكمه احتياطاً لدينه وعرضه، لأن تناول المشتبه يجر إلى تناول الحرام بالتدريج. لأن ارتكابه للشبهة ذريعة إلى ارتكابه الحرام، ومن تهاون بالصغائر يوشك أن يخالط الكبائر. وفي هذا الحديث دلالة واضحة على خطورة الحرام من ناحيتين: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا).
روى الحافظ ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " تليت هذه الآية عند النبي -صلى الله عليه وسلم- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله؛ ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: " يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به " وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان لأبي بكر رضي الله عنه غلام يخرج له الخراج. وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ فقال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني لذلك هذا الذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه ".
وروى الإمام أحمد وغيره من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " ولا يكسب عبداً مالاً حراماً فيتصدق به فيقبل منه. ولا ينفق منه يبارك له فيه. ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله تعالى لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيّيء بالحسن. إن الخبيث لا يمحو الخبيث " وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال " يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ: أمن الحلال أم من الحرام؟ رواه البخاري.
عباد الله: إن المكاسب المحرمة شر وفتنة وتعب في الدنيا ونار وعذاب في الآخرة، وقد صحّ في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن العبد يسأل يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟.
وإن المكاسب المحرمة قد كثرت في هذا الزمان، وصار كثير من الناس بدافع حب المال لا يبالي من أين اكتسب المال وبدافع شهوة نفسه لا يبالي فيم أنفق المال، لا يفكر في العاقبة، ولا يخاف من المسؤولية، فهو يأخذ المال بطريق الغش والخديعة في المعاملات. يأخذ المال بطريق الخيانة فيما ولي من أعمال -فالموظف يخون في وظيفته ويتساهل في أداء عمله. والمقاول يخون في مقاولته ولا يتمم المواصفات المطلوبة منه ولا يتقن العمل. والتاجر يزيد في السعر من غير مبرر ويكتم ما في السلعة من عيوب ويبخس الكيل والوزن. أو يبيع مواد محرمة كآلات اللهو والدخان أو يتعامل بالربا. الأجير يبخس العمل الذي استؤجر له ويأخذ الأجرة كاملة. الموظف يأخذ الرشوة أو يغل من المال الذي جعل في يده لمصالح المسلمين. إنها جرائم يندى لها الجبين ويتوقف القلم واللسان عن تعدادها استحياء.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وتذكروا الوقوف بين يدي الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) بارك الله لي ولكم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم