في التحذير من المعاصي وبيان أضرارها

صالح بن فوزان الفوزان

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/آثار المعاصي 2/بعض عقوبات المعاصي بالأمم المعاصرة 3/كثرة الفتن في الحاضر وأسباب ذلك 4/وسائل علاج المعاصي

اقتباس

ما الذي أغرق قوم نوح بالطوفان؟ وأغرق فرعون وجنوده في البحر؟ وما الذي سلّط الريح العقيم على عاد؟ وما الذي أرسل الصيحة على ثمود؟ وما الذي أرسل الحاصب وأمطر الحجارة على قوم لوط وقلب عليهم عالي البلاد سافلها؟ وما الذي خسف الأرض بقارون؟ وما الذي أمطر النار المحرقة وأرسل الصيحة على قوم شعيب؟ أليست هي الـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ربّ العالمين، وعد مَن أطاعه أجراً عظيماً، وأعدّ لمن عصاه عذاباً أليماً.

وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء: 48].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً.

 

أما بعد:

 

أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى- بفعل ما أمركم، واحذروا معصيته بارتكاب ما نهاكم عنه، واعلموا أن للطاعة آثاراً حميدة، وعاقبة سعيدة، وأن للمعاصي آثاراً قبيحة، وعقوبات شنيعة، قال تعالى في بيان آثار المعاصي: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

 

أي: بانَ النقص في الزروع والثمار، بسبب المعاصي.

 

وقال بعض السلف: "مَن عصى الله في الأرض، فقد أفسد فيها؛ لأن صلاح الأرض والسماء، بالطاعة".

 

ولهذا جاء في الحديث: "لَحدٌّ يُقام في الأرض أحبُّ إلى أهلها من أن يُمطروا أربعين صباحاً".

 

وذلك؛ لأن الحدود إذا أُقيمت انكفّ الناس أو أكثرهم عن المعاصي، وإذا تركت المعاصي كان ذلك سبباً في حصول البركات من السماء والأرض.

 

وثبت في الصحيحين: أن الفاجر إذا مات يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب.

 

قال بعض السلف: "إذا أجدبت الأرض، قالت البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم".

 

وجاء في الحديث: "وما مَنع قومٌ زكاة أموالهم إلا مُنِعُوا القطرَ من السماء، وما بخَس قومٌ المكيال والميزان إلا ابتُلوا بشدّة المؤْنة وجَوْر السلطان".

 

فالمعاصي تسبّب قصم الأعمار، وانحباس الأمطار، وخراب الديار، وغور الآبار، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 130].

 

ما الذي أغرق قوم نوح بالطوفان؟ وأغرق فرعون وجنوده في البحر؟ وما الذي سلّط الريح العقيم على عاد؟ وما الذي أرسل الصيحة على ثمود؟ وما الذي أرسل الحاصب وأمطر الحجارة على قوم لوط وقلب عليهم عالي البلاد سافلها؟ وما الذي خسف الأرض بقارون؟ وما الذي أمطر النار المحرقة وأرسل الصيحة على قوم شعيب؟ أليست هي الذنوب والمعاصي؟ قال تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40].

 

إن الذنوب هي التي أهلكت هذه الأمم الماضية، وهي التي تهلك الأمم اللاحقة، قال تعالى: (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات: 16 - 18].

 

وهذا ما ذكره الله من عقوبات الأمم الماضية، وما نشاهده اليوم وما نسمعه من العقوبات بالأمم المعاصرة فيه أكبر زاجر، وأعظم واعظ لنا، فها هي الحروب الطاحنة تشتعل نيرانها في البلاد المجاورة، وهي حروب دمار لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية، لما يستعمل فيها من الأسلحة الفتّاكة، والانفجارات المروعة، والقذائف المدمِّرة، بعيدة المدى التي لا يمنع منها حصون، ولا تقي منها دروع.

 

كانت حروب الزمن الماضي بالسيف والبندقية يقتل فيها أفراد، ويمكن التحصن منها، أما هذه الحروب المعاصرة فهي حروب إبادة تهلك فيها الجماعات البشرية بقذيفة واحدة، وتدك الحصون، وتشعل النيران في البيوت والمساكن، وتمزق الأجسام بلا حدود.

 

ومَن ينجُ منها يبقى بلا مأوى ولا طعام ولا شراب، كما تسمعون عن ملايين اللاجئين الذين شردوا من بلادهم، وفيهم النساء الأرامل والأطفال اليتامى، وفيهم المرضى والجرحى وكبار السن والمعوقين، وصاروا يعيشون في مخيمات على المساعدات الدولية التي لا تسدّ حاجتهم، ولا تروي غلّتهم.

 

ومن العقوبات التي تحلّ بالأمم المعاصرة: كثرة الزلال والبراكين التي تدمر البلدان، وتهلك عشرات الألوف من بني الإنسان، وتترك الكثير بلا مأوى.

 

ومن العقوبات التي تحلّ بالأمم المعاصرة: عقوبات الجدب، وانحباس الأمطار، حتى أجدبت الأرض، وتعطلت الزراعة، وهلكت المواشي، وشاعت المجاعة، حتى هلك خلق كثير، ومن بقي حيّاً ارتحل من بلده إلى بلد آخر لطلب لقمة العيش إما من الصدقات، وإما من الأجرة التي يحصلون عليها من العمالة لدى الدول الغنية.

 

ومن العقوبات التي تحلّ بالأمم المعاصرة: ما يصيب الثمار والزروع من الآفات التي تقضي على المحاصيل أو تنقصها.

 

ومن عقوبات المعاصي في الأمم المعاصرة: انتشار الأمراض المستعصية التي يعجز الطب عن معالجتها "كمرض السرطان والإيدز والهربس"، وغيرها، وكثرة موت الفجأة بالإصابات المفاجئة، وبحوادث المراكب الجوية والبرية والبحرية في الطائرات والسيارات والقطارات والبواخر التي يذهب فيها جماعات من الناس في لحظة واحدة.

 

ومن عقوبات المعاصي في الأمم المعاصرة: تسليط الظلمة والجبابرة على الشعوب، وتسليط الأحزاب المتعارضة بعضها على بعض، وتسليط الكفّار على المسلمين، لما ترك المسلمون الجهاد وقصّروا فيما أوجب الله عليهم، كما قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ) [الأنعام: 65].

 

ومن أعظم عقوبات المعاصي: أنها تؤثر في القلوب مرضاً وظلمة وقسوة، كما قال تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين: 14].

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه، وإن تاب منها صقل قلبه، وإن زاد زادت".

 

فذلك قول الله -تعالى-: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"].

 

وقال الحسن البصري: "هو الذنب على الذنب، حتى يعمى القلب ويموت".

 

فاتقوا الله -عباد الله-، واحذروا المعاصي، فإننا في زمان عظمت فيه الفتنة، بسبب اختلاط الأشرار بالأخيار، لتقارب البلدان، وسهولة المواصلات، وتوفر وسائل الإعلام التي تنقل الشرور من الأغاني والمزامير، والدعايات المغرضة، بواسطة الإذاعات والتلفزيونات، وأجهزة الفيديو بأفلامها المفسدة، حتى صار العالم كالبلد الواحد ما يحدث في أقصاه يصل إلى أقصاه في أسرع وقت، مسموعاً ومرئياً ومقروءاً.

 

لقد تساهل كثير من الناس بالصلاة والزكاة، وهما من أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، لقد فشا الربا الخبيث في معاملات كثيرة بين المسلمين، ووقع بعض شباب المسلمين في تعاطي المسكرات والمخدرات، وكثر الغش في المعاملات، ووجد بين المسؤولين مَن يتعاطى الرشوة التي لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الساعي فيها ودافعها وآخذها، كثر الفجور في الخصومات، والزور في الشهادات، وبعض النساء يتساهلن بالحجاب، ويتبرجن بزينة الثياب.

 

فعلى المسلمين أن يتقوا الله، ويتنبهوا لهذه الأخطار، ويكثروا من التوبة والاستغفار، ويأخذوا على أيدي سفهائهم، لعلّ الله أن يتوب على الجميع.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على فضله وإحسانه، لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه.

وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واسألوه من فضله، فإنه كريم، وخافوا من عقابه، فإن عقابه أليم.

 

عباد الله: كما أن للمعاصي عقوبات، فإن لها علاجاً تعالج به، ويتقى به شرّها: "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء".

 

ومن أعظم ما تعالج به المعاصي: التوبة والاستغفار، قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33].

 

وقد أمر الله بالاستغفار والتوبة في آيات كثيرة من كتابه، ووعد بالمغفرة، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طـه: 82].

 

وفي الحديث القدسي: أن الله -تعالى- يقول: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم".

 

والاستغفار، هو طلب المغفرة مع ترك الذنوب، والندم على فعلها، وعدم العودة إليها، وليس معناه التلفّظ به باللسان، مع البقاء على الذنوب والمعاصي.

 

ومما تعالج به المعاصي: نصيحة العصاة، ووعظهم، وتذكيرهم: (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف: 164].

 

ومما تعالج المعاصي: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قال عليه الصلاة والسلام: "مَن رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإنه لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

 

فيجب على المسلم: إنكار المنكر بحسب استطاعته، يجب على قيّم البيت أن يأمر مَن تحت يده وينهاهم من أولاده وأهل بيته، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: 6].

 

فوقاية النفس والأهل من النار واجبة، وذلك بالتزام طاعة الله، والابتعاد عن معصيته.

 

ويجب على ولاة الأمور، وأهل الحسبة: القيام على مَن تحت ولايتهم بأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وإلزامهم بطاعة الله، والأخذ على أيديهم.

 

ويجب على عموم المسلمين: التعاون مع ولاة الأمور في ذلك، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2].

 

وقال عليه الصلاة والسلام: "كلّكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

 

فإذا أهمل جانب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وترك العصاة بدون إنكار، عمّت العقوبة الجميع، كما قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78 - 79].

 

والمعصية، إذا خفيت لم تضرّ إلا صاحبها، وإذا ظهرت ولم تنكر عمّت عقوبتها الجميع.

 

ومما تعالج به المعاصي: تأديب العصاة بإقامة الحدود، والتعزيرات الشرعية التي تردع العاصي، قال عليه الصلاة والسلام: "مُرُوا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرَّقوا بينهم في المضاجع".

 

وجاء في الحديث: أن الحدّ الواحد يُقام في الأرض خير من أن تمطر أربعين صباحاً.

 

والله -عزّ وجلّ- يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

 

فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الأمر خطير، فخذوا لأنفسكم قبل فوات الأوان.

 

واعلموا أن خير الحديث كتاب الله ... إلخ.

 

 

 

المرفقات

في التحذير من المعاصي وبيان أضرارها.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات