عناصر الخطبة
1/ حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على الزهد 2/ زهد الصحابة رضي الله عنهم . 3/ حالنا اليوماقتباس
كم نرى من شباب المسلمين يتسابقون إلى ملاعب الكرة ويدفعون الدراهم للحصول على تذاكر الدخول ثم يحتشدون فيها ألوافاً مؤلفة وربما يقضون النهار ويسهرون الليل واقفين على أقدامهم شاخصة أبصارهم ناصبة أبدانهم مبحوحة أصواتهم يشاهدون اللاعبين لمن تكون الغلبة منهم. يتحملون كل هذه المتاعب في سبيل الشيطان. وإذا دعوا إلى حضور الصلوات في المساجد بحي على الصلاة حي على الفلاح عموا وصموا وولوا وأعرضوا ..
الحمد لله الذي حذرنا من دار الغرور. وأمرنا بالاستعداد ليوم البعث والنشور. أحمده وهو الغفور الشكور. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير. وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الجد والتشمير وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله حق تقاته، كثير منا اليوم قد صارت الدنيا أكبر همهم ومنتهى أملهم، أفنوا أعمارهم وشغلوا أوقاتهم وأبلوا أجسامهم بجمعها. يبنون ما لا يسكنون، ويجمعون ما لا يأكلون. (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ).
لا تمر الآخرة لهم على بال. ولم يتفكروا فيما أمامهم من الأهوال. كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ).
أيها المسلمون: إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قد حذر من الاغترار بالدنيا غاية التحذير. وأخبر أنها لو ساوت عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء. وأنها أهون على الله من السخلة الميتة على أهلها. وأن مثلها في الآخرة كمثل ما يعلق بأصبع من أدخل أصبعه في البحر. وأنها سجن المؤمنين، وجنة الكافرين.
وأمر العبد أن يكون فيها كأنه غريب أو عابر سبيل. ويعد نفسه من أهل القبور، وإذا أصبح فلا ينتظر المساء. وإذا أمسى فلا ينتظر الصباح. وأخبر أنها خضرة حلوة تأخذ العيون بخضرتها والقلوب بحلاوتها. وأمر باتقائها والحذر منها. وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أنه ليس لأحد من هذه الدنيا سوى بيت يسكنه. وثوب يلبسه وقوت يقيم صلبه. وأخبر أنه يتبع الميت أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله. وأخبر أنه ليس لابن آدم من ماله إلا ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى. أو تصدق فأمضى. وأخبر أن غنى العبد من غنى نفسه لا كثرة ماله.
وأخبر أن من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وشتت عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له. وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن نجاة أول هذه الأمة بالزهد واليقين، وهلكة آخرها بالبخل وطول الأمل. وكان يقول: لبيك لا عيش إلا عيش الآخرة. وكان يقول: الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن. والرغبة في الدنيا تطيل الهموم والحزن...
عباد الله: ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحذرون من التنعم في الدنيا، ويخافون أن تعجل بذلك حسناتهم - ففي الصحيحين عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: هاجرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئاً. منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه قتل يوم أحد، وترك بردة فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه. فأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئاً من الإذخر. ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها.
وفي صحيح البخاري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: " أتي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بطعام وكان صائماً. فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، وكفن في بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه. وقتل حمزة رضي الله عنه وهو خير مني فلم يوجد له كفن إلا بردة. ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط. أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خشيت أن تكون عُجِّلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام "...
أيها المسلمون: تأملوا حالكم وما بسط عليكم من الدنيا. كم تأكلون من أصناف الطعام؟ كم يعرض أمامكم من أنواع الفواكه؟ كم تلبسون من فاخر الثياب؟ كم تركبون من السيارات الفخمة، وماذا تسكنون من القصور المشيدة؟ وماذا ترقدون عليه من الفرش الوثيرة؟ وماذا تجلسون عليه من المقاعد الناعمة؟ وتتكئون عليه من الأرائك اللينة. ماذا ترصدون من الأموال الضخمة؟ ثم انظروا ماذا تقدمون للآخرة.
إن ما بسط على هؤلاء الصحابة الذين سمعتم كلامهم من الدنيا قليل جداً بالنسبة إلى ما بسط عليكم منها- وما قدموه للآخرة من الأعمال الجليلة ليس عندكم منه إلا أقل القليل إن كان عندكم منه شيء- ومع هذا خافوا هذا الخوف أن تكون حسناتهم عجلت لهم فبكوا حتى تركوا الطعام، فجمعوا بين إحسان العمل والخوف من الله- ونحن جمعنا بين الإساءة وعدم الخوف من الله نتمتع بنعم الله ونبارز الله بالمعاصي، كأننا لم نسمع قول الله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).
كم نرى الناس يتراكضون لطلب الدنيا مسرعين يخافون أن تفوتهم. ونراهم يقعدون ويتأخرون عن حضور المساجد لأداء الصلوات الخمس التي هي عمود الدين. كم نراهم يجلسون في الشوارع والدكاكين الساعات الطويلة. وقد يقاسون شدة الحر والقر لطلب الدنيا، بينما لا نراهم يصبرون على الجلوس دقائق معدودة في المسجد لأداء الصلاة أو تلاوة القرآن.
كم نرى من شباب المسلمين يتسابقون إلى ملاعب الكرة ويدفعون الدراهم للحصول على تذاكر الدخول ثم يحتشدون فيها ألوافاً مؤلفة وربما يقضون النهار ويسهرون الليل واقفين على أقدامهم شاخصة أبصارهم ناصبة أبدانهم مبحوحة أصواتهم يشاهدون اللاعبين لمن تكون الغلبة منهم. يتحملون كل هذه المتاعب في سبيل الشيطان. وإذا دعوا إلى حضور الصلوات في المساجد بحي على الصلاة حي على الفلاح عموا وصموا وولوا وأعرضوا، كأن المؤذن يدعوهم إلى سجن أو كأنه يطلب منهم مذمة. (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ).
أيها المسلمون: هذه حالة الكثير منا اليوم؛ إقبال على الدنيا، وإدبار عن الآخرة. لا نعتبر بمن سبقنا، ولا ننظر إلى من حولنا. لا نتأثر بموعظة. ولا ننتفع بذكرى. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونسأل الله أن يمن علينا بالتوبة ويوقظ قلوبنا من الغفلة إنه سميع مجيب. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم