في الإصلاح بين الناس

عبدالله بن صالح القصير

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/من أسباب الخصومة 2/الآثار المترتبة على الخصومة 3/أهمية الصلح بين المسلمين .

اقتباس

فإذا كان الاختلاف بين المسلمين وما ينتج من الهجر والقطيعة بينهم تنتج هذه المفاسد العظيمة، والعواقب الوخيمة من الإثم وسوء الظن، والكذب والبهت، واستحلال الحرمات، وانتهاك العورات، والهجران، واللعنة من الله، .. ؛ فمن ذا الذي يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر وهو يعلم أن بين اثنين من إخوانه –وخاصة الأقارب والأرحام- شحناء وقطيعة، ثم لا يبذل وسعه وغاية جهده في الإصلاح بينهما ..

 

 

 

 الحمد لله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولى الصالحين، أحمده سبحانه أمر بالإصلاح وبشر، فقال: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [الأعراف:170]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم المفسد من المصلح، ولا يصلح عمل المفسدين (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمام الصالحين وقدوة المصلحين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يصلحون في الأرض ولا يفسدون، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون.

أما بعد:

فيا أيها الناس: (اتقوا ربكم وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين)، (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون)، (والصلح خير وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً).

قوموا بما أمركم به ربكم من الإصلاح ينجز لكم ما وعدكم من الفلاح؛ من الخير العميم، والأجر العظيم، قال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].

أيها الناس: إن الاختلاف بين الناس، والخصومة فيما بينهم، أمر واقع وله أسباب كثيرة؛ منها الشيطان الذي يعدهم الفقر ويأمرهم بالفحشاء، والنفس الأمارة بالسوء، والهوى المضل عن سبيل الله، والشح المهلك، والنميمة المفسدة، واشتباه الأمور، وغير ذلك من الأسباب متفرقة أو مجتمعة؛ التي تنتج الخلاف وتورث الفتنة، حتى تفرق بين المحب وحبيبه، والقريب وقريبه، والصاحب وصاحبه، والنظير ونظيره؛ حتى يهجر الولد أباه، والزوج زوجه، والأخ أخاه، والجار جاره، والشريك شريكه، والجماعة من مجتمعهم، وذلك أنه إذا دب الخلاف واشتدت الخصومة - فسدت النيات، وتغيرت القلوب، وتدابرت الأجساد، وأظلمت الوجوه، فوقعت الحالقة التي لا تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، حيث يسوء ظن المسلم بأخيه، وهو كما في الصحيح: "الظن أكذب الحديث"، وتتفوه الأفواه بفاحش القول وألوان البهت، وقد تمتد الجوارح إلى الضرب أو القتل، وغير ذلك من القبائح..

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه".

وحتى يحتقر المرء أخاه، وفي الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".

ويقطع ما أمر الله به أن يوصل من حق الرحم وكل مسلم؛ فيقع المرء تحت طائلة قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد:25].

وحتى يتهاجر المسلمان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يعرض هذا فيعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه.

وحتى يقع الحسد والتحريش بين المسلمين، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" أو قال: "العشب" وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد أيس أن يعبد المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم" وذلك لما ينتج عنه من المفاسد، ولو لم يكن من شؤم الهجر والقطيعة إلا ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أَنْظِرُوا هذين حتى يصطلحا".

معاشر المسلمين: فإذا كان الاختلاف بين المسلمين وما ينتج من الهجر والقطيعة بينهم تنتج هذه المفاسد العظيمة، والعواقب الوخيمة من الإثم وسوء الظن، والكذب والبهت، واستحلال الحرمات، وانتهاك العورات، والهجران، واللعنة من الله، وذهاب الحسنات، وتأجيل المغفرة أو حرمانها؛ فمن ذا الذي يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر وهو يعلم أن بين اثنين من إخوانه –وخاصة الأقارب والأرحام- شحناء وقطيعة، ثم لا يبذل وسعه وغاية جهده في الإصلاح بينهما؛ رحمةً بهما وشفقةً عليهما، وطمعاً في فضل الله ورحمته، اللذين وعدهما الله من أصلح بين الناس.

أيها الناس: إن الصلح بين المسلمين من الصدقات التي ينبغي أن يتقرب بها المؤمن كل يوم إلى ربه؛ شكراً له على أن عافاه في بدنه، كما في المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل سلامى من الناس صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة" أي تصلح بينهما، وروى الإمام أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين". ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شر، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح بينهم في أناس معه حتى كادت تفوته الصلاة بسبب ذلك، وفي رواية قال: "اذهبوا بنا نصلح بينهم".

أيها المسلمون: ومن أجل عظيم منافع الإصلاح بين الناس رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم في الكذب الذي يثمر الصلح، فقال: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً" ولم يرخص صلى الله عليه وسلم في شيء مما يقوله الناس –أي من الكذب- إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.

فاتقوا الله -أيها المؤمنون- وأصلحوا بين إخوانكم عند الاختلاف، وتوسطوا بينهم عند النزاع والبغي، ولا سيما قراباتكم، ولا تتركوهم للشيطان وقرناء السوء يضلونهم عن سواء السبيل، ويهدونهم طريق الجحيم، أصلحوا بينهم تحفظوا لهم دينهم، وتحافظوا على نعمتهم قبل زوالها، وتفوزوا من الله بالأجر العظيم والثواب الكريم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات:9].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

المرفقات

865

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات