فيم يختصم الملأ الأعلى؟

الشيخ شايع بن محمد الغبيشي

2025-01-03 - 1446/07/03 2025-01-15 - 1446/07/15
عناصر الخطبة
1/تنافس الملائكة في كتابة حسنات المؤمنين 2/أعمال صالحات تكفر بها الذنوب 3/أعمال صالحات ترفع بها الدرجات 4/دعاء نبوي ينبغي الحرص عليه

اقتباس

إن الملأ الأعلى -وهم الملائكة المقربون- يختصمون ويتنافسون فيما بينهم في الأعمال التي تقرّب بني آدم إلى الله -عز وجل-، وتُكفّر بها عنهم الخطايا، وهذا يدل على اهتمامهم بشأننا ومحبتهم لنا، وهذا يوجب لنا محبة الملائكة والأنس بهم، فهم معنا...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

 

عباد الله: أوصيكم بلزوم تقوى الله حتى نلقاه، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

إخوة الإيمان: تأملوا هذا الحديث العظيم عن معاذ بن جبل قال: احْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى قَرْنَ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيعًا، فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ وَصَلَّى وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: "كَمَا أَنْتُمْ عَلَى مَصَافِّكُمْ"، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ: "إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ، إِنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي، فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ -وهم الملائكة-، قُلْتُ: لَا أَدْرِي يَا رَبِّ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي رَبِّ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي يا رَبِّ، فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ صَدْرِي، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ، قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَاتُ؟ قُلْتُ: نَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ، وَجُلُوسٌ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَواتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْكَرِيهَاتِ، قَالَ: وَمَا الدَّرَجَاتُ؟ قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الْكَلَامِ، وَالصَّلَاةُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، قَالَ: سَلْ، قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا وَتَعَلَّمُوهَا"(رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

هذا الحديث العظيم فيه هدايات منها:

أولاً: إن الملأ الأعلى -وهم الملائكة المقربون- يختصمون ويتنافسون فيما بينهم في الأعمال التي تقرّب بني آدم إلى الله -عز وجل-، وتُكفّر بها عنهم الخطايا، وهذا يدل على اهتمامهم بشأننا ومحبتهم لنا، وهذا يوجب لنا محبة الملائكة والأنس بهم، فهم معنا، فمنهم من يسجل أعمالنا، ومنهم من يستغفر لنا، ومنهم يقوم على حفظنا، ومنهم من يحضر مجالس ذكرنا، ومنهم من يمد أهل الإيمان بالنصر والتأييد، وهذا يشعرنا بالاستئناس بملائكة الله -عز وجل-، ويدفعنا إلى مزيد من الخير.

 

ثانياً: الحرص تكفير السيئات، ولأهميتها اختصم فيها الملائكة المقربون، فمن رحمة الله بنا أن جلى لنا من الأعمال ما يكفر خطايانا وذنوبنا، ومن تلك الكفارات:

السبب الأول: إسباغ الوضوء وتكميله وإتمامه وخاصةً على الكريهات، والمراد بها على حالةٍ تكره النفسُ فيها الوضوء؛ إما عند نزول المصائب، وإما في حالة شدة البرد، ولا ريب أن إسباغ الوضوء في شدة البرد مما يشق على النفس وتتألم به، "وكل ما يؤلم النفسَ ويشق عليها فإنه كفارة للذنوب، وإن لم يكن للإنسان فيه صنعٌ ولا تَسبّب كالمرض ونحوه، كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة".

 

السبب الثاني: المشي على الأقدام إلى الجماعات والجُمُعات، ويعظم ذلك إن توضأ الرجل في بيته ثم خرج إلى المسجد، ففي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله؛ ليقضي فريضةً من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة".

 

السبب الثالث: الجلوس في المساجد بعد الصلوات؛ لذكر الله وانتظارُ صلاة أخرى، كما في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو اللهُ به الخطايا ويرفع به الدرجات؟"، وفيه: "وانتظار الصلاة بعد الصلاة"، ويدخل مَن جلس لذكرٍ وسماع علم وتعليم، وكالجلوس بعد الفجر إلى الشروق وصلاة ركعتين ونحو ذلك.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، تسليماً كثيراً، أما بعد:

 

عباد الله: ومن هدايات هذا الحديث العظيم:

ثالثاً: الحرص على الأسباب التي توصل العبد إلى نيل الدرجات العالية والمنازل الرفيعة عند الله -عز وجل- ومنها:

السبب الأول: إطعام الطعام، وهو من أعظم القربات، فعن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنُها من ظاهرها"، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: "لمن أطعم الطعام، وأطاب الكلام، وصلى بالليل والناسُ نيام"(رواه وأحمد بإسناد حسن)، وفي الصحيحين: أن رجلاً قال: يا رسول الله، أي الإسلام خيرٌ؟ قال: "تطعم الطعام، وتُقرئ السلام على مَنْ عرفتَ ومن لم تعرف"، وخاصة إطعام الفقراء والأيتام والمعوزين.

 

السبب الثاني لنيل رفعة الدرجات: لينُ الكلام، وفي رواية: "إفشاء السلام" وهو منه، قال -تعالى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[الإسراء: 53]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "والكلمة الطبية صدقة"(رواه البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"(رواه مسلم).

 

السبب الثالث: الصلاة بالليل والناس نيام، وهو من موجبات الجنة، واستمع إلى قوله -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات: 15 - 18].

 

رابعاً: التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في حرصه على دعاء ربه، وخاصة هذا الدعاء العظيم؛ إذ فيه طلب التوفيق لفعل الخيرات، والسلامة من المنكرات، وحب المساكين، وطلب الرحمة والمغفرة، والنجاة من الفتن، والفوز بمحبة الله ومحبة من يحبه، والأعمال التي توصل إلى محبة الله.

 

من أعظم الأدعية فتأمله -يا عبد الله- واحرص عليه: "اللهم إني أسألك فعلَ الخيرات، وترك المنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفر لي وتَرْحمني، وإذا أردت فتنةً في قومِ فتوفني غيرَ مفتون، وأسألك حُبَّكَ، وحبَّ مَنْ يحبُك، وحبَّ عملٍ يقرّبني إلى حُبِّك"، فينبغي أن يلهج به العبد إلى ربه؛ ففيه فوز الدنيا والآخرة، ثم وصى -صلى الله عليه وسلم- بوصية عظيمة فقال: "إنها حق فادرسوها وتعلموها"، لحثنا على العناية بتعلم هذا الحديث، والحرص على هذا الدعاء.

المرفقات

فيم يختصم الملأ الأعلى؟.doc

فيم يختصم الملأ الأعلى؟.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات