عناصر الخطبة
1/الإيمان بالقضاء والقدر من أصول الإيمان 2/لله حكم في المصائب والكوارث وإن خفيت 3/بشرى لك مصاب صابر محتسب 4/الابتلاءات تظهر حقيقة الدنيا 5/احتساب قتلى الكوارث من المسلمين شهداء بإذن الله تعالىاقتباس
المصائب والمحن تُعلِّم العبادَ أنهم ضعفاءُ عاجزون، وأنَّ القوةَ لله جميعًا، فحينئذ لا بدَّ أن نأخذ منها دروسًا لتُعرِّفنا حقيقتنا؛ فالعباد بحاجة مُلِحَّة للتذلُّل لله -جل وعلا-، والانكسار له -سبحانه-، والتضرع، وتحقيق كمال التعبُّد لربهم -سبحانه- بالرغبة والالتجاء والطاعة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله في السراء والضراء، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ العلي الأعلى، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، النبي المصطفى، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه الأتقياء.
عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطَّلَاقِ: 2-3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطَّلَاقِ: 4]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطَّلَاقِ: 5].
من أصول الإيمان وأركانه العظام، الإيمانُ بالقضاء والقَدَر، فكلُّ شيءٍ بقدَرِ اللهِ -جل وعلا-، وبعلمه المحيط، ومشيئته النافذة، وهو الخالق لكل شيء، كتَب ما كان، وما سيكون، فواجبُ المسلمِ الإيمانُ بجميعِ المقاديرِ خيرِها وشرِّها، حُلوِها ومُرِّها، نافعِها وضارِّها، لا يكون في ملكه -سبحانه- إلا ما يريد، وهو -تعالى- غير ظلَّام للعبيد، قال جل وعلا: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[الْقَمَرِ: 49].
والمصائب التي تقع بالخَلْق، تَحمِل من الحِكَم الربانيَّة ما لا يكون على بالٍ، ولا تُحِيطُ به أذهانُهم؛ فأقدار الله -جل وعلا- فيها من الحِكَم ما لا يُحصى، ومن المصالح ما لا يُجارى؛ لأن القَدَر كصفةٍ للربِّ، وأفعالِه القائمةِ بذاتِه، كلُّها خيرٌ محضٌ، وإنَّما الشرُّ في المقضي والمقدَّر الواقع.
وإنَّ مما آلَم كلَّ مسلم، ما وقع في بعض بلدان المسلمين، من الزلازل المدمِّرة، والأعاصير المهلِكة، والسيول المميتة، والحمد لله على ما قضى به وقدَّر، وحكَم وأبرَم، ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا، اللهُمَّ ارحم الله الأموات، وأَعِنِ الأحياءَ واجبر قلوبهم، وعوِّضْهم كلَّ الخيرات والمسرَّات في حاضرهم ومستقبلهم.
عبادَ اللهِ: إن المسلم حين يصاب بمصيبة فيصبر ويحتسِب، فهو مبشَّر بأعلى الدرجات، وأسنى المراتب، قال سبحانه: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[الْبَقَرَةِ: 155-157]، وقال صلى الله عليه وسلم: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ فَشَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ فَصَبَرَ، كَانَ خَيْرًا"(مُتَّفَق عليه).
وإنه -يا عباد الله- كلما عظمت المصيبة، عَظُمَ الأجرُ عند الله -جل وعلا-، قال صلى الله عليه وسلم: "إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاء وإن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فَمَنْ رَضِيَ فلَهُ الرضا، ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السخطُ"(رواه الترمذي بإسناد حسن).
بالصبر والرضا بالقضاء والقَدَر تَهُونُ المصائبُ، وتسلو النفوسُ، وتطمئنُّ القلوبُ؛ (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[التَّغَابُنِ: 11].
مِنَ الحِكَمِ الربانيةِ في وقوع المصائب والمحن أنَّ الله -جل وعلا- يُكَفِّر بها عن العبد المسلم السيئات، ويَحُطُّ بها عنه الخطيئاتِ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما يُصِيبُ المؤمنَ مِنْ شوكةٍ فما فوقَها إلَّا رفعَه اللهُ بها درجةً، أو حطَّ بها عنه خطيئةً"(مُتَّفَق عليه).
وهل هناك أحد معصوم من الذنوب والسيئات؟! فما أعظمه من فوز حين يلقى العبد ربه وليس عليه خطيئة، قال صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ، وَلَا أَذًى، حَتَّى الْهَمِّ يُهِمُّهُ إِلَّا اللهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ"(مُتَّفَق عليه)، وعند الترمذي بسند صحيح، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ".
فاصبر -أيها المسلم- على قضاء الله وقدره، واعلم أن الله أعدَّ لكَ عندَ المصيبة الخيرَ الأوفى، والعاقبةَ الحسنى؛ قال جل وعلا: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزُّمَرِ: 10]، ويقول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ"(رواه البخاري).
مَعاشِرَ المؤمنينَ: إن الابتلاء بالمحن أعظم كاشف لحقيقة هذه الدنيا الفانية، المليئة بالمكابد والمحن، والنكد والتعب، والهم والحزن، والله جعل الامتحان والابتلاء سنة من سننه الربانية الجارية في هذه الحياة، قال جل وعلا: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 35]، والدار الآخرة هي النقية الخالصة للمتقين، جنة لا هم فيها ولا نصب، لا امتحان فيها ولا ابتلاء، نسأل الله -تعالى- من فضله؛ (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 64]، فالبصير في هذه الحياة من آثر الآخرة على الفانية، والموفق من جعل همه وغاية مقصده الدار الآخرة؛ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[الْأَعْلَى: 16-17].
أيها الناسُ: المصائب والمحن تُعلِّم العبادَ أنهم ضعفاءُ عاجزون، وأنَّ القوةَ لله جميعًا، فحينئذ لا بدَّ أن نأخذ منها دروسًا لتُعرِّفنا حقيقتنا؛ فالعباد بحاجة مُلِحَّة للتذلُّل لله -جل وعلا-، والانكسار له -سبحانه-، والتضرع، وتحقيق كمال التعبُّد لربهم -سبحانه- بالرغبة والالتجاء والطاعة؛ (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)[الْأَعْرَافِ: 94].
اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، ومن سوء القضاء، ومن شماتة الأعداء.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وليّ الصالحينَ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، القوي المتين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، الأمين، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من رحمة الله بِعِبَادِهِ المؤمنين، وعظيم فضله، وواسع كرمه -سبحانه-، ما منَّ به على عباده حين تقع بهم المصائبُ ما يُهوِّن عنهم؛ بما أخبَر به -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله"(مُتَّفَق عليه)، قال أهل العلم: "وغير شهيد المعركة له أجر الشهيد، ويغسل ويصلى عليه".
عبادَ اللهِ: تطيب الحياة وتزكو النفوس بالإكثار من الصلاة والسلام، على سيدنا وحبيبنا محمد؛ اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهمَّ اغفر لموتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهمَّ أنزل عليهم رضاك يا أرحمَ الراحمينَ، اللهمَّ اغفر لهم ذنوبَهم، اللهمَّ كفِّر عنهم سيئاتِهم، اللهمَّ وأحلِلْ بهم رضوانَكَ يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ أَرْضِنَا وارضَ عنَّا، اللهمَّ احفظنا واحفظ المسلمين من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتكَ أن نغتال من تحتنا، اللهمَّ اكتب السلامة والعافية للمسلمين في كل مكان، يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ (آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهمَّ إنَّا نسألك الْهُدَى والسداد، اللهمَّ ألهمنا رُشدَنا، وأعذنا من شرور أنفسنا، اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا، اللهمَّ اكتب له الصحة والعافية، اللهمَّ اجعله ممن طال عمره وحسن عمله، اللهمَّ وفِّق ولي عهده لما تحبه وترضاه، اللهمَّ أعنه ووفقه وسدده، اللهمَّ أعنه على كل خير، ووفقه لكل صلاح يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه صلاح رعاياهم.
اللهمَّ اجمع المسلمين على الخير، اللهمَّ اجمع كلمتهم على البر والتقوى، اللهمَّ يا حي يا قيوم، نسألك أن تؤتي نفوسنا تقواها، اللهمَّ زكها أنت خير من زكاها، اللهمَّ اجعلنا سببًا ومفتاحا لكل خير، ومغلاقا لكل شر يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ اجعلنا ممن يحب المسلمين كحب أنفسهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ اجعلنا ممَّن يحبون للمسلمينَ ما يحبُّون لأنفسهم، يا حي يا قيوم، اللهمَّ يا غني يا حميد، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ إنَّا فقراء إلى رحمتك، اللهمَّ أغث بلادنا، اللهمَّ أغث بلاد المسلمين، اللهمَّ اسقنا، اللهمَّ لك الحمد، على ما أنعمت به علينا من الغيث، اللهمَّ نسألك المزيد، اللهمَّ أنتَ الغنيُّ فنسألكَ المزيدَ، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
عبادَ اللهِ: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 41-42].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم