عناصر الخطبة
1/ مكانة فلسطين والمسجد الأقصى 2/ وجوب حفظ مُقدَّسات المسلمين 3/ مسؤولية المسلمين عن المسجد الأقصى 4/ فضل بيت المقدِسِ في الكتاب والسنة 5/ دور المملكة في نصرة قضية الأقصى.اقتباس
فواللهِ الذي لا إله إلا هو؛ إنه ليُرمِضُنا ويُقِضُّ مضاجِعَنا أن أقصانَا أسِيرٌ بأيدِي البُغاة الطُّغاة العُتاة، فما نذكُرُ الأقصَى إلا وتعتصِرُ قلوبُنا حسرةً وأسًى على ما جرَى له ويجرِي مِن هؤلاء الصهايِنة المُعتَدين. فضيَّتُكم قضيَّتُنا، وهَزَّةُ انتِفاضتِكم هَزَّةُ قُلوبِنا، ومُصابُكم مُصابُنا. فصبرًا صبرًا -أيها المُرابِطُون-، لقد سطَّر جهادُكم المُبارَك بأحرُفِ العزِّ والنصرِ والشرفِ أروعَ النماذِج في التأريخ المُعاصِر...
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، باركَ حولَ المسجد الأقصَى، وأقصَى مَن أعرضَ عن طاعته واستقصَى، نحمدُه - سبحانه - على نعمٍ لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وآلاءٍ لا تُحدُّ ولا تُستقصَى.
فحمدًا ثم حمدًا ثم حمدًا *** لربِّ العالمين بلا توانِي
وشُكرًا ثم شُكرًا ثم شُكرًا *** له في كلِّ أوقاتٍ وآنِ
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أسرَى بعبدِه ليلًا مِن المسجِد الحرامِ إلى المسجِد الأقصَى، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا وحبِيبَنا مُحمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه، والتابعِين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد .. فيا عباد الله: اتَّقُوا الله حقَّ تُقاتِه، وكُونُوا مِن أهل طاعتِه لا مِن عُصاتِه؛ تنالُوا الوُدَّ وعظيمَ بُشريَاتِه، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم: 96].
رأيتُ التُّقَى والحمدَ خيرَ تجارةٍ *** رِباحًا إذا ما المرءُ أصبَحَ ثاقِلَا
وهل هو إلا ما ابتَنَى في حياتِهِ *** إذا وضَعُوا فوقَ الضَّريحِ الجنادِلا
معاشِر المسلمين: مَن تأتَلِقُ بصيرتُه في التأمُّل والجَوَلان بين أحداث التأريخ ووقائِع الزمان، تستوقِفُه حِكمةٌ مِن حِكَم الله البالِغة، إنها: حِكمةُ الاصطِفاء والاختِيار؛ فلقد اصطفَى اللهُ مِن الملائكةِ جبريلَ، ومِن البشَر الأنبياءَ والمُرسَلين، واصطفَى مِنهم سيِّدَ الأنبياء مُحمدًا -صلى الله عليه وسلم-، واصطفَى مِن البلاد والبِقاع أرضَ الحرمَين الشريفَين وبيتَ المقدِسِ المُبارَك، الذي وصفَه ربُّ العالمين بالعلُوِّ والصفاءِ، فقال - جلَّ وعلا -: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) [المؤمنون: 50].
إخوة الإيمان: لقد جاءَت شريعةُ الإسلام بأعظَم فُروضِها بعد التوحيد، وهي: الصلاة مُتوجَّهًا بها إلى بيتِ المقدِس، فكان أولَ قِبلةٍ للمُسلمين، فصلَّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إليه ثلاثةَ عشر عامًا بمكة، وبعد الهِجرة إلى المدينة أيضًا سبعةَ عشر شهرًا؛ حتى نزلَ القرآنُ الكريمُ آمرًا بالتوجُّه إلى المسجِد الحرام، والذي ارتبَطَ ارتِباطًا أزلِيًّا إيمانيًّا وتأريخيًّا ورُوحيًّا بالمسجِد الأقصَى الشريف، فهما أولُ مسجِدَين وُضِعَا في الأرض لعبادة الله وتوحيدِه.
في "الصحيحين" من حديث أبي ذَرٍّ الغِفاريِّ - رضي الله عنه - أنه قال: قُلتُ: يا رسول الله! أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرض أولًا؟ قال: «المسجِدُ الحرامُ»، قُلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «المسجِدُ الأقصَى»، قُلتُ: كَم بينَهما؟ قال: «أربعُون سنة» (متفق عليه).
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "بدأ الخلقُ والأمرُ مِن مكة المُكرمة، وجعلَ الله بيتَ المقدِسِ وما حولَه محشَرَ خلقِه، فإلى بيتِ المقدِسِ يعُودُ جميعُ الخلقِ، وهناك يُحشَرُ الخلقُ، ولذا جاءَ في الحديث: أنها أرضُ المحشَر والمنشَر؛ فهو البيتُ الذي عظَّمَته المِلَل، وأكرَمَته الرُّسُل، وتُلِيَت فيه الكُتُبُ الأربعةُ المُنزَّلةُ مِن الله - عزَّ وجل -: الزُّبُور، والتوراةُ، والإنجيلُ، والقُرآنُ".
وقال أيضًا: "ودلَّت الدلائِلُ المذكُورةُ على أن مُلكَ النبُوَّة بالشام، والحشرَ إليها، فإلى بيتِ المقدسِ وما حولَه يعُودُ الخلقُ والأمرُ، وهناك يُحشَرُ الخلقُ، والإسلامُ في آخر الزمان يكونُ أظهرَ بالشام، كما أن مكة أفضلُ مِن بيتِ المقدسِ".
الله أكبر! إنه الارتِباطُ الإيمانيُّ والتأريخيُّ الذي جعلَه الله بين مواطِنِ النبُوَّة، وخيرِ المواضِعِ على بِساطِ المعمُورة.
أمة الإيمان: ولقد زادَ الإسلامُ هذا الارتبِاطَ وهذه الصَّلةَ قُوَّةً وعُمقًا؛ فقال نبيُّ الهُدى -صلى الله عليه وسلم-: «لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجِد: المسجدِ الحرام، والمسجدِ الأقصَى، ومسجدِي هذا» (متفق عليه).
وقال - عليه الصلاة والسلام -: «الصلاةُ في المسجدِ الحرامِ بمائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سِواه، وصلاةٌ في مسجدِي هذا بألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ في المسجدِ الأقصَى بخمسمائة صلاةٍ» (أخرجه الطبرانيُّ بسندٍ صحيحٍ).
وكيف لا يرتبِطُ بها المُسلمون وهي أرضُ الأنبياء والمُرسَلين؟! فعلى ثراها عاشَ إبراهيمُ وإسحاقُ، ويعقوبُ ويُوسفُ ولُوطٌ، ودوادُ وسُليمانُ، وصالِحٌ وزكريا ويحيى وعيسى - عليهم السلام -، وغيرُهم كثيرٌ مِمَّن لم تُذكَر أسماؤُهم مِن أنبياء بنِي إسرائيل.
أمة الإسلام: وفي السنة الخامسة عشرة للهِجرة فتحَ المُسلمون بيتَ المقدِس، وقال البطارِقةُ: لا نُسلِّمُ مفاتِيحَ بيتِ المقدِس إلا للخليفة عُمر بن الخطَّاب، فإنا نجِدُ صِفتَه في الكُتب المُقدَّسة، وجاء عُمرُ - رضي الله عنه - مِن المدينة المُنوَّرة إلى بيتِ المقدسِ، وتسلَّم مفاتِيحَه.
ولقد كتبَ التأريخُ بمِدادٍ مِن نُورٍ: أنه لم يهدِم صومَعَة، ولا كنيسَة، ولا معبَدًا، ولا دارًا؛ بل تركَ للناسِ دُورَ عبادتِهم، وكتبَ لأهل البلد عهدًا وأمانة، وأشهَدَ عليه، وشهِدَ التأريخُ أيضًا أن اليهود والنصارى عاشُوا أسعدَ فترةٍ في ظلِّ حُكم المُسلمين، ومارَسُوا عبادتَهم بحريةٍ لم يجِدُوها في ظلِّ أيِّ حُكمٍ آخر.
فالإسلامُ دينُ الوسطيَّة والاعتِدال، والقِسطِ والشهادةِ على الناس، وليس دينَ التطرُّف والإرهاب، وليس فيه عِداءٌ إلا لمَن ابتَدَرَ أهلَه بالحربِ والعِداء.
يا قُدسُ! لا تأسَيْ ففِي أجفَانِنا *** ظِلُّ الحبيبِ وفي القُلوبِ جِنانُ
مَن يخدِمِ الحرمَين يأنَفُ أن يرَى *** أقصَاكِ في صَلَفِ العدوِّ يُهانُ
أيها المُؤمنون: التأريخُ للزمان مِرآة، وهو نافِذةُ الحاضِرِ على الماضِي، وسِجِلُّ الآنِي للآتِي، ولم يُبرِز التأريخُ قضيَّةً تجلَّت فيها ثوابِتُنا الشرعيَّة، وحقوقُنا التأريخيَّة، وأمجادُنا الحضاريَّة مِثلُ هذه القضيَّة، وهي قضيَّتُنا الإسلاميَّةُ الأولى التي لا يجِبُ أن تُنسَى في جديدِ القضايا والصِّراعات.
إنها قضيَّةُ أُولَى القِبلَتَين، وثالِثُ المسجِدَين الشريفَين، ومسرَى سيِّد الثَّقَلَين، قضيَّةُ الأقصَى المُبارَك التي لا يجِبُ أن تظلَّ في قلبِ كلِّ مُسلمٍ، ولا يُقبَلُ التنازُلُ والتغاضِي والمُساوَمَةُ عليها يومًا مِن الأيام.
وليس ما قامَت به الصهيونيَّةُ العالميَّةُ عبرَ التأريخ بخافٍ على أهل الإسلام، ولعلَّ ما شهِدَته الساحةُ الفلسطينيَّةُ على مدار الأيام الماضِية مِن أوضَحِ الدلائِلِ في شُبُوبٍ على سجِيَّةِ القَوم وما يُكِنُّونَه لأمَّتِنا ومُقدَّساتِنا!
إنه لأمرٌ تبكِي له العيُون أسًى وأسَفًا، ولا مُساومَةَ البتَّة على شيءٍ مِن مُقدَّساتِنا، ولا تنازُلَ عن شيءٍ مِن ثوابِتِنا.
لقد نكَأَت الأوضاعُ المُستجِدَّةُ الجِراحَ، فأينَ مِنَّا خالِدٌ وصلاحٌ؟! أيَطِيبُ لنا عيشٌ، ويهدَأُ لنا بالٌ، ويرقَأُ لنا دمعٌ، ومُقدَّساتُنا تئِنُّ، وقُدسُنا تُنادِي، وفِلسطينُنا تستنجِدُ، والأقصَى يستصرِخُ؟!
قلتُ: يا أقصَى سلامًا *** قال: هل عادَ صَلاحْ؟!
قال والدمعُ يَفيضُ: *** هدَّنِي طعنُ الرِّماحْ
هدَّنِي ظُلمُ اليَهُودِ *** والثَّرَى أضحَى مُباحْ
أمة الإسلام:
أيُّها الإخوة المُرابِطُون على ثرَى فِلسطين الصامِدة، أرضِ العِزِّ والشُّمُوخ والفِداء، والتضحِية والإباء! لَكَم نُخاطِبُكم مِن المكان الذي يُمثِّلُ حلقَةَ الوَصلِ بين أبناءِ هذه الأمة.
فواللهِ الذي لا إله إلا هو؛ إنه ليُرمِضُنا ويُقِضُّ مضاجِعَنا أن أقصانَا أسِيرٌ بأيدِي البُغاة الطُّغاة العُتاة، فما نذكُرُ الأقصَى -أقَرَّ الله الأعيُنَ بفكِّ أَسْرِه، وقُربِ تحريرِه- إلا وتعتصِرُ قلوبُنا حسرةً وأسًى على ما جرَى له ويجرِي مِن هؤلاء الصهايِنة المُعتَدين. فضيَّتُكم قضيَّتُنا، وهَزَّةُ انتِفاضتِكم هَزَّةُ قُلوبِنا، ومُصابُكم مُصابُنا.
فصبرًا صبرًا - أيها المُرابِطُون -، لقد سطَّر جهادُكم المُبارَك بأحرُفِ العزِّ والنصرِ والشرفِ أروعَ النماذِج في التأريخ المُعاصِر. فبُورِكتُم مِن رِجالٍ، ولله درُّكُم مِن أبطالٍ، لقد أعَدتُم في الأمة الآمال، وصدَّقتُم الأقوالَ بالأفعَال.
ثِقُوا بنصرِ الله لكم متى ما نصَرتُم دينَه، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47].
وهنِيئًا لكم بَذلُ الأرواح رخيصَةً في سبيلِ الله، ودُعاؤُنا مِن سُويدَاء القُلوبِ أن يتقبَّل الله شُهداءَكم، وأن يكتُبَ لمرضاكم وجرحَاكم عاجِلَ الشفاء والعافِية.
ولا تيأسُوا مِن رَوحِ الله؛ فالنصرُ قادِمٌ - بإذن الله -، وإن الأمةَ لتتطلَّعُ إلى مراحِلِ العملِ والمنهجيَّة، والمواقِفِ والتأصِيلِ، فلم تعُد تُجْدِي الكلماتُ ولا التنظيرُ.
وإن مسؤوليَّةَ صلاح أحوالِ الأمة والخُروجِ بها مِن مآزِقِها مسؤوليَّةُ المُسلمين جميعًا، في خُطًى حثِيثَة في العقيدة والعلم، والعقل والحِكمة؛ ليتحقَّقَ للأمة وعدُ الله الذي لا يتخلَّف.
وإننا لنأمَلُ أن تكون مصائِبُ الأمة سحابةَ صَيفٍ، عما قريبٍ تنقشِع، فالنصرُ للإسلام وأهلِه، فليَقَرَّ المُسلمون بذلك عَينًا، ومِن الله وحدَه نستلهِمُ النصرَ والتمكينَ.
حفِظَ الله عقيدتَنَا وأمَّتَنا وقِيادتَنا ومُقدَّساتِنا مِن كيدِ الأعداء، إن ربِّي سميعٌ مُجيبُ الدعاء.
أعوذُ بالله مِن الشيطان الرجيم: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 40، 41].
بارَكَ الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعَنا بما فيهما مِن الآيات والحِكمة، أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافَّة المُسلمين؛ فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه كان عفُوًّا غفُورًا.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله تعالَى وتقدَّس، واصطفَى مِن البِقاعِ الحرمَين وبيتَ المقدِس، وأُصلِّي وأُسلِّمُ على عبدِ الله ورسولِه نبيِّنا مُحمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه والتابِعِين، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتَّقُوا الله - عباد الله -، واعلَمُوا أن أصدقَ الحديثِ كِتابُ الله، وخيرَ الهَديِ هَديُ مُحمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بِدعة، وكلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ.
إخوة الإسلام: إنَّ مِن الثوابِتِ التي لا تقبَلُ الجدَل: ذلك الأمرُ المُتأصِّلُ والمُتجذِّر في سِياسة بلاد الحرمَين الشريفَين مُنذ تأسِيسِها وإلى اليوم، فهي لا تزالُ - حرسَها الله - صاحِبةَ الرِّيادة في تبنِّي قضايَا المُسلمين والأقصَى، والدفاع عنه ونُصرتِه قَولًا وعَملًا، لا تَألُو جُهدًا في كلِّ ما يخُصَّ الأقصَى وبيتَ المقدِس.
إنها المسؤوليَّةُ التي منَحَها الله لقادَة هذه البلاد المُبارَكة؛ مِن خدمة الحرمَين الشريفَين، ورِعاية قضايا الأمة الإسلاميَّة، يُؤكِّدُ ذلك ويُوطِّدُه تلك الجُهودُ الكبيرةُ التي بذَلَها خادمُ الحرمَين الشريفَين والأقصَى - وفَّقه الله وأيَّدَه - لرفع الضَّيم الذي طالَ المُسلمين في الأرض المُبارَكة، مسرَى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
ولقد تكلَّلَت - ولله الحمدُ - مساعِيه المُبارَكة بالنجاحِ الباهِرِ في رفع الضَّر والظُّلم الذي تعرَّضَ له الشعبُ الفلسطينيُّ الأبِيُّ، وتوقَّفَت الانتِهاكاتُ الصهيونيَّة والأعمالُ العِدائيَّةُ ضِدَّهم، جعلَها الله في موازينِ أعمالِهم الصالِحة، وهنَّأَهم الله بما أعطاهم، وزادَهم مِن نصرِه وتأيِيدِه.
ويا بُشرَى للمُسلمين وللفلسطينيِّين والمقدسيِّين خاصَّةً بما تحقَّقَ مِن فتحٍ وانتِصار، ورفعٍ للظُّلم والحِصار.
الله أكبر! الله أكبر! هذه بوارِقُ النصر تلُوحُ، ورائِحتُه تفُوحُ.
وإن مما يبعَثُ على التفاؤُلِ والبشائِرِ هذا التفاعُلُ الإسلاميُّ الشعبيُّ والرسميُّ لأمَّتنا الإسلاميَّة مع إخوانِهم الصامِدين في فلسطين، وفي رِحابِ الأقصَى الشريفِ.
وهنيئًا لبلادِ الحرمَين الشريفَين - حرسَها الله - مُبادراتُها الإيجابيَّةُ القويَّةُ، والتي تُؤكِّدُ ثباتَ مواقِفِ بلادِ الحرمَين الشريفَين في حفظِ حقِّ المُسلمين في المسجدِ الأقصَى الشريفِ، وأداءِ عبادتِهم فيه بكلِّ يُسرٍ وطُمأنينةٍ، واحتِرامٍ لقُدسيَّة المكان، وإحلالٍ للأمنِ والسِّلمِ الدوليَّيْن، وأن مِن حقِّ المُسلمين العودةَ لدُخُول المسجدِ الأقصَى وأداء الصلاةِ فيه بكلِّ أمنٍ وسلامٍ.
وتمَّ ذلك - بفضلِ الله - دُون مُزايَداتٍ إعلاميَّةٍ، أو مُبالغاتٍ صحفيَّةٍ، أو معارِك إلكترونيَّةٍ، أو مُتاجَراتٍ بالقضيَّة في شِعاراتٍ طائِفِيَّةٍ، أو تحت أعمالٍ إرهابيَّةٍ تستهدِفُ الحرمَين الشريفَين في أفعالٍ نَكرَاء تستنكِرُها وتستهجِنُها الأديان والمبادِئُ، والأعرافُ والقِيَم.
والدعوةُ مُوجَّهةٌ إلى المُسلمين جميعًا بالواجِبِ المُتحتِّمِ في مثلِ هذه الظُّروفِ العَصِيبة للوحدة الإسلاميَّة، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103].
ودَعمِ ونُصرةِ إخوانِنا المُرابِطِين في فلسطين والأقصَى، وأكنافِ بيت المقدِس بكل ما تيسَّر مِن سُبُل، واللَّهَج بالدعاء لهم بالنصرِ والثَّباتِ.
هو قِبلةٌ أُولَى لأمَّتِنا التي *** خُتِمَت بدينِ نبيِّها الأديَانُ
وتنمَّرَ الباغِي وفي أعماقِهِ حِقدٌ *** له في صَدرِه هيَجَانُ
وتلَفَّتَ الأقصَى وفي نظَرَاتِهِ *** ألَمٌ، وفي ساحاتِه غلَيَانُ
يا قُدسُ صَبرًا فانتِصارُكِ قادِمٌ *** واللِّصُّ يا بلدَ الفِداءِ جَبَانُ
بارَكَ الله الجُهودَ، وحقَّقَ الآمالَ والقُصُود، إن ربِّي رحيمٌ وَدُود.
هذا وصلُّوا وسلِّمُوا - رحِمَكم الله - على النبيِّ المُصطفَى، والرسولِ المُجتبَى، كما أمرَكم بذلك ربُّكُم - جلَّ وعلا -، فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن صلَّى علَيَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عَشرًا».
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وسيِّدنا مُحمدِ بن عبد الله، وعلى آلهِ الأطهارِ، وصحابتِه الأبرار، المُهاجِرين مِنهم والأنصار، والتابِعِين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقَبَ الليلُ والنهارُ.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمُشركِين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائِرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح واحفَظ أئمَّتنا ووُلاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا خادِمَ الحرمَين الشريفَين، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصِيَتِه للبِرِّ والتقوَى، واجزِه خيرَ الجزاء على ما قدَّم للحرمَين والأقصَى، اللهم اجعَل ذلك في موازِين أعمالِهم الصالِحة، اللهم وفِّق نائِبَ خادِمِ الحرمَين الشريفَين إلى ما فيه صلاحُ البلادِ والعِباد يا مَن له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.
اللهم انصُر إخوانَنا المُجاهِدين في سبيلِك في كل مكان، اللهم انصُرهم في فلسطين، اللهم انصُرهم في فلسطين، اللهم أنقِذِ المسجِدَ الأقصَى مِن براثِنِ الصهايِنة المُعتَدِين الغاصِبين المُحتلِّين، اللهم اجعَله شامِخًا عزيزًا إلى يومِ الدِّين، اللهم ارزُقنا فيه صلاةً قبل الممات، واجمَعنا به كما جمَعتَنا في المسجدِ الحرامِ ومسجدِ رسولِك -صلى الله عليه وسلم- سيِّد الأنام.
اللهم عليك باليهود الصهايِنة، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونَك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعَهم، واجعَلهم غنيمةً للمُسلمين يا رب العالمين.
اللهم إن إخوانَنا في فلسطين مظلُومون فانصُرهم، مظلُومون فانصُرهم يا ناصِر المظلُومين، ويا مُنجِيَ المُؤمنين، ويا ناصِر المُستضعَفين.
اللهم انصُر جُنودَنا، اللهم انصُر جُنودَنا المُرابِطِين على ثُغورِنا وحُدودِنا، اللهم سدِّد رميَهم ورأيَهم، اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم تقبَّل شُهداءَهم، وعافِ جرحَاهم، واشفِ مرضَاهم، ورُدَّهم سالِمين غانِمِين يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
سُبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم