فلذات أكبادنا.. شؤون وشجون

فيصل بن محمد العواسي

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ فضل الذرية 2/ أهمية تربية الأولاد 3/ توجيهات وإرشادات تربوية 4/ تحذير الأولاد من رفقاء السوء

اقتباس

إذا غفل الوالدان عن تربية أولادهم من بنين وبنات، وتوجيههم التوجيه الصالح، كانوا بلاءً ونكدًا وشقاءً وهمًّا، ليس من ورائهم إلا السهر بالليل والتعب بالنهار، ولا أكون مبالغًا إذا قلت لكم: إن هناك من الآباء من تمنى أنه عقيم ليس له أبناء، هم الآن في سجون المخدرات، أو خلف القضبان في جنايات قتل أو فساد أو عقوق، تمردوا على آبائهم وأمهاتهم...

 

 

 

أما بعد: 

فاتقوا الله -أيها المسلمون- حق التقوى، وحقيقة التقوى هي أن يذكر الله فلا ينسى، وأن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، ومن زلت به القدم فنسي أو أخطأ فعاد إلى ربه وأناب وترك المعصية وتاب، فليبشر برب رحيم تواب، يغفر الذنوب جميعًا، بل ويبدلها بكرمه إلى حسنات.

معاشر الكرام: إنّ الأولاد -من بنين وبنات- هم قرة عين الإنسان في حياته، وبهجته في عمره، وأنسه في عيشه، بهم تحلو الحياة، وعليهم تتعلق الآمال بعد الله -عز وجل-، ولا شك أن هذا كله يتعلق بحسن تربيتهم وتنشئتهم النشأة الصالحة التي تجعل منهم عناصر خير وعوامل بر ومصادر سعادة، إذا توافر للإنسان في أولاده ذلك كانوا بحقٍّ زينة الحياة الدنيا كما وصفهم الله -عز وجل- بقوله: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46].

معشر الكرام: أما إذا غفل الوالدان عن تربية أولادهم من بنين وبنات، وتوجيههم التوجيه الصالح، كانوا بلاءً ونكدًا وشقاءً وهمًّا، ليس من ورائهم إلا السهر بالليل والتعب بالنهار، ولا أكون مبالغًا إذا قلت لكم: إن هناك من الآباء من تمنى أنه عقيم ليس له أبناء، هم الآن في سجون المخدرات، أو خلف القضبان في جنايات قتل أو فساد أو عقوق، تمردوا على آبائهم وأمهاتهم، بل تمردوا على المجتمع وعلى كل المبادئ والأخلاق الحسنة.

لذلك -أيها الإخوة في الله- فهذه بعض التوجيهات والإرشادات في تربية الأبناء التربية القويمة التي جاء بها الإسلام، نحتاج إليها خاصة في هذه الأيام التي نعيشها أيام الإجازة الصيفية، والتي قد تمتد لقرابة أربعة أشهر؛ ما يستوجب على الآباء والمربين المزيد من المتابعة والضبط، وتوفير ما يشغلون به فراغهم من أمور تعود عليهم بالنفع والخير:

أولاً: على الوالدين المسلمين أن يدركا مسؤوليتهما الكبرى تجاه أبنائهما، فالأب المسلم الواعي يدرك مسؤولية أبنائه؛ حيث إنه يسمع نداء القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: 6]، ويسمع قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته".

ومما قاله العلماء في تربية الأبناء: إنّ كل بيت يسمع قول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر"، ثم لا يأمر أولاده بذلك، فهو بيت مقصّر مفرّط، الوالدان فيه آثمان مسؤولان أمام الله عن هذا التقصير.

معاشر المؤمنين: ومن طرق التربية أن يستخدم الوالدان في تربيتها أبرع وأحسن الأساليب، فإن الوالد المثالي هو الذي يدرك نفسيات أطفاله، فيحسن التأتي إليها والتوغل في عوالمها الصافية البريئة، نعم لا بد للوالد أن يتحبب إلى أطفاله بشتى الوسائل، فيراعي مستواهم، يدنو منهم، يلاعبهم ويمازحهم، يجاملهم ويسمعهم من كلمات المحبة والإيثار ما تبتهج به نفوسهم، وما النتيجة؟! سيحبون والدهم، ويقبلون على سماع توجيهه بلهفة وصدق نابع من القلب، وشتان -أيها المربون الفضلاء- وفرق كبير ما بين طاعة قائمة على الحب والاحترام والتقدير، وبين طاعة قائمة على العنف والقهر والانصياع القهري، فالأولى طاعة دائمة وطيدة، أما الثانية فطاعة مؤقتة هشة تزول وتتلاشى بزوال الشدة والعنف والزجر.

وقد يظن بعض الناس أن تبسّط الوالد مع أولاده تنقيص له وإخلال بمقامه التربوي، وأنه أصبح بذلك سهلاً في عيون أبنائه لا مهابة له، ولا شك أن هذا الاعتقاد لا صحة له، بل هو خطأ محض؛ لأن هذا الخلق الكريم مع الأولاد -بنين وبنات- هو الأسلوب التربوي الحكيم الذي دعا إليه نبي الرحمة –صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يداعب الحسن والحسين أحفاده ويحملهم على كتفه الشريف ضاربًا المثل للآباء والأجداد في كل زمان ومكان ليكونوا على خلق كريم مهما كانوا عليه من وقار ومكانة وقدر، فينبغي للأب المسلم أن يدخل على قلوب أبنائه السعادة والفرح ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وما وجد من وقته فراغًا.

كذلك -أيها الإخوة الكرام- من واجبات الأب المسلم تجاه أبنائه أن يشعرهم بالرحمة والحنان والعطف والحب، لينشؤوا نشأة نفسية صحيحة، تعمر قلوبهم الثقة، ويشيع في نفوسهم الصفاء، ولقد كان من أقوال رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا"، ويروي أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- هذه الحادثة فيقول: قبل النبي –صلى الله عليه وسلم- الحسن والحسين وأخذ يداعبهم ويقبلهم، وكان يجلس بجانبه الأقرع بن حابس -رضي الله عنه-، فقال: أتقبّلون أولادكم؟! إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- وقال: "وما أفعل لك إن كان الله نزع من قلبك الرحمة؟! من لا يرحم لا يُرحم".

إن المسلم الصادق لا يملك تجاه هذا الهدي النبوي أن يكون متجهمًا على أولاده، جافًّا في معاملتهم، فظًّا في مخاطبتهم، ولو كان في طبعه جفاء.

أيها الأحبة في الله: ومن واجبات الأب المسلم في تربية أبنائه أن لا يفرق في حنانه ونفقته بين البنين والبنات، نعم إنّ من الناس من يضيق ذرعًا بالبنات، ويتمنى لو أن الله ما رزقه سوى الذكور، وهذا مصداق لقول العليم الخبير: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [النحل: 58، 59].

يا لله، ما أقسى تلك القلوب! يدفن أحدهم فلذة كبده طفلة جميلة بريئة، يحفر لها قبرها وهي تزيل عن وجهه التراب والغبار؛ لا ترضى على أبيها، بينما هو يخبّئ لها شيئًا آخر، يرمي بها في الحفرة وهي حية، ثم يهيل عليها التراب، غير آبه باستغاثاتها، ثم ينصرف وكأنه ما حصل شيء، وما علم هؤلاء الثواب العظيم الذي أعدّه الله للوالد الذي رزقه بالبنات، استمعوا إلى فضلهن: يقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة"، فقال رجل من القوم: واثنتين يا رسول الله؟! قال: "واثنتين".

وقال –صلى الله عليه وسلم-: "من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وكساهن من جدته -أي: من خالص نفقته- كن له حجابًا من النار".

إخوة الإيمان: إن الإسلام هو دين الحياة الذي يعالج واقع الناس ومشاكلهم في كل زمان ومكان؛ لذلك فقد تطلق البنت وتعود إلى بيت أبيها الذي ربما كان هو ذا عسرة وفاقة وضيق من قلة الدخل أو كثرة الولد، فيضع له الإسلام البلسم الشافي لجراح نفسه، ويبين لهذا الوالد المكلوم أن إنفاقه على ابنته المردودة إليه من أعظم الصدقات وأقرب القربات إلى الله؛ يقول –صلى الله عليه وسلم- لأحد أصحابه: "ألا أدلك على أعظم الصدقة؟!"، قال: بلى، قال: "ابنتك المردودة إليك، ليس لها كاسب غيرك".

عباد الله: إن الأسرة التي تربت على مبادئ الإسلام وتعاليمه تضمحل وتقلّ فيها المشكلات الاجتماعية؛ لأن علاجهم لها مستقى من تعاليم دين الإسلام، وصدق الله إذ يقول: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [البقرة: 138].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

 الخطبة الثانية:
 

 

أما بعد:

وإن من وسائل تربية الأبناء -أيها الفضلاء- أن يكون الوالد ذا بصيرة وعلم بكل ما يؤثر في تكوين أبنائه وتوجههم: إن الأب المسلم حريص ونبيه، يعرف هوايات أبنائه ويعرف رفاقهم الذين يقضون معهم معظم أوقاتهم، يعرف الأماكن التي يرتادها أبناؤه أثناء وقت خروجهم وفراغهم، يعرف هذا كله من حيث لا يشعرون برقابته عليهم، فإذا وجد منهم انحرافًا وسوءًا في التوجه والميول ردهم إلى الجادة برفق وحكمة وحزم، وسدّدهم إلى الصواب.

ومن هنا تبرز مسؤولية الوالدين في صياغة عقل أبنائهم وتكوين شخصيتهم، فالكتاب الذي يعكف على مطالعته الأبناء لا بد أن يكون نافعًا، وما يشاهدونه من برامج في التلفاز -إن وجد- لا بد أن تكون تلك البرامج مربية لهم على مكارم الأخلاق، مستفيدين منها من المعلومات المباحة ما تنفعهم في دينهم ودنياهم، هواياتهم ينبغي أن تكون منمية لجوانب الخير في نفوسهم، صديقهم ينبغي أن يكون ذا أخلاق حسنة.

أيها الأبناء -حفظكم الله-: كم من صديق سوء منحرف جرّ رفاقه إلى مزالق السوء ومنحدرات الشر ومهاوي الرذيلة، فانتبهوا -يا رعاكم الله-، لا يخدعنكم أن فيه وناسة وخفة دم ونحو ذلك، اجعلوا محافظته على صلاة الجماعة هي الحكم عليه أو له، فإن ضيَّع حق الله في الصلاة فهو لما سواها أضيع، وكذلك معاملته مع الآخرين، وما أحكم قول الشاعر:

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم *** ولا تصحب الأردى فتردَى مع الردِي
عن الْمرء لا تسل وسـل عن قرينه *** فكـل قـرين بالمقـارن يقتـدي

جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله...
 

 

 

 

المرفقات

أكبادنا.. شؤون وشجون

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات