عناصر الخطبة
1/وجوب تعظيم الأشهر الحرم 2/تغليظ تحريم الظلم في الأشهر الحرم 3/من صور الظلم في الأشهر الحرم 4/الحث على التقوىاقتباس
الخوض في أعراض الناس, والتفكه في الحديث بهم ظلم يأكل الحسنات, في صحيح مسلم: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الولي الحميد, يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد, وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد, وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه, ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين.
أما بعد: قال رينا -عز وجل- : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36], هذه هي الأشهر عند الله بأسمائها وترتيبها وتفاضلها, وخص الله منها أربعة أشهر بمزيد من التعظيم، وبينها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي بَكْرَةَ -رضي الله عنه-، قال خطب النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقَالَ: "إن الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"(متفق عليه).
هذه الأشهر الحرم التي نحن في أول شهرٍ منها، يعظم تحريم الاعتداء فيها، وظلم النفس والناس، أو عمل المعاصي بها, أشهر حرم يجب تعظيمها وقدرها حق قدرها (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).
ومن الناس منه ظالم لنفسه, ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن ربه, ومن أعظم ظلم النفس فوات الطاعات؛ "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ"، وقال بُرَيْدَةَ -رضي الله عنه-: "بَكِّرُوا بِصَلاَةِ العَصْرِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ"(أخرجه البخاري), و"مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ؛ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ"(أخرجه مسلم).
والتهاون عن بقية الصلوات والتخلف عنها, يقحم النفس العذاب الأليم, والشراب الحميم؛ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم: 59]، (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الماعون: 4، 5].
التجاسر على المحرمات, والتهوين من شأن ذنوب الخلوات ظلم للنفس, واهدار للحسنات، عند ابن ماجة بسند حسن: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، يَجْعَلُهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَبَاءً مَنْثُورًا", قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ, قَالَ: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ؛ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا".
الخوض في أعراض الناس, والتفكه في الحديث بهم ظلم يأكل الحسنات, في صحيح مسلم: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ, أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".
وأعظم من ذلك وأنكى من يتزلف بدنياه على أعراض الناس بالوشاية عليهم والكلام بهم، في سنن أبي داود: "ومن رمى مسلماً بشيءٍ يريدُ شَيْنَهُ بهِ؛ حبسهُ الله على جسرِ جهنم، حتى يخرُجَ مما قال".
إهمال الأهل والأولاد يسرحون ويمرحون من غير متابعة أو نصح أو توجيه، والتقصير في أمرهم للصلاة وإيقاظهم لها, ظلم من الراعي وغش للرعية، في صحيح مسلم قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ؛ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"(وعند البخاري), "مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ؛ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ".
إيذاء المسلمين بدينهم أو أخلاقهم, وإسماعهم ما يكرهون ظلم وأي ظلم!؛ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58], "يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ, وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ: لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ".
التجاسر على أخذ أموال الناس عياًنا بيانا ولو قليلاً, ظلم ووعيد شديد؛ "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ", فَقَالَ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ"(متفق عليه).
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى, وسمع الله لمن دعا, وصلى الله وسلم على الرسول المجتبى, وعلى آله وصحبه ومن اقتفى, وسلم تسليما كثيرا.
أمّا بعد: من أراد الخير والتوفيق والحفظ والسداد فليعظم حرمات الله؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)[الحج: 30], وتعظيم حرمات الله وحدوده يكون بالقلوب والأعمال والابتعاد من حماها, ومن أرتع قلبه وسمعه وبصره قادته للوقوع فِي الْحَرَامِ، "كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ".
إن تعظيم شعائر الله وحدوده سمة المتقين؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32].
فعظموا شعائر ربكم, واحفظوا أنفسكم وانصحوا لمن حولكم, واستوصوا برعاياكم ومن تحت أيديكم خيرا، واحفظوا الأمانة و(اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
اللهم استرنا بسترك, واعفوا عنا بعفوك, ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا, واعف عنا واغفر لنا وارحمنا, أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم