فلا تتبعوا السبل

أحمد بن عبد العزيز الشاوي

2021-10-22 - 1443/03/16 2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/أهمية نعمة الأمن واجتماع الكلمة 2/وحدة وسلامة العقيدة هي العروة الوثقى 3/تنظيم الإسلام للعلاقة بين الحاكم والمحكوم 4/أهم أسباب التماسك والترابط المجتمعي 5/خطورة التفرق والتحزب 6/وجوب الحذر من كل دعاة الإرهاب والعنف.

اقتباس

إن الدافع الذي يدفعنا للمحافظة على جدار تلاحمنا وتآلفنا هو دافع عقديّ إيمانيّ نابع من عقيدة راسخة تضبط التعامل بين الحاكم والمحكوم على أسس متينة وقواعد راسخة تهدف إلى تحقيق مصلحة البلاد والعباد، وليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها في كفالة احترام الحقوق وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه.

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي نعمه تترى وآلاؤه لا نقدر لها حصرًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هدانا وكفانا وآوانا فهو المستحق ذكرًا وشكرًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أصدق الخلق لسانًا وأكثرهم لله ذكرًا؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان وسلم تسليمًا.

 

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آل عمران: 102-103]، (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الأنفال: 26].

 

إنها رسالة من الله تذكّر عباده بنعمة من أعظم النِّعم وأجلّها بعد الهداية للإسلام.. إنها نعمة الأمن النفسي واجتماع الكلمة وتآلف القلوب، والبعد عن أسباب الشقاق والفراق والتشتت والصراع.

 

إنها النعمة التي ذكر فيها -صلى الله عليه وسلم- الأنصار يوم حنين: "يا معشر الأنصار! ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله، وعالةً فأغناكم الله، وأعداءً فألف الله بين قلوبكم".

 

نحن أمة تعيش في أمن في الأوطان، ورغد في العيش في أجواء من التلاحم والتراحم والتفاهم، فما سرّ هذا التميز، وما سبب هذه المنَّة في زمن يعجّ بالاضطرابات، ويموج بالخوف والقلاقل والصراعات.

 

إن السر في كلمتين (فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً)[الحجرات:8]؛ إنه فضل من الله الكريم علينا، حينما أنعم علينا بنعمة التوحيد وصفاء العقيدة.. إنه الدين وحده وليس غير، هو الذي يوحد بين القلوب المتنافرة ويجمع الشعوب المتخالفة؛ فإنما توحيد الكلمة يكون بكلمة التوحيد.

 

إن العقيدة هي العروة الكبرى التي تلتقي فيها سائر الأواصر البشرية والعلاقات الإنسانية، فإذا انبتت وشيجة العقيدة انبتت الأواصر الأخرى من جذورها..

 

إنه الدين يبني جدار تلاحمنا وتراحمنا وتآلفنا هو الدين الذي تربينا على مبادئه وأحكامه.

 

إنه الدين الذي يأمر بطاعة ولاة الأمر في غير معصية الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النساء:59].

 

إنه الدين الذي يشدّد في الخروج على الولاة ما أقاموا فينا الصلاة، وحكّموا فينا شرع الله ويرتّب العقوبات على فاعليه: "من فارق الجماعة شبرًا فمات فميتة جاهلية".

 

إنه الدين الذي يرفع شعار "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".

 

إنه الدين الذي ينظّم علاقة الحاكم بالمحكوم وفق مبادئ وأسس تحددها نصوص الشريعة وقواعدها؛ ومنها: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني"، ومنها: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم".

 

إن الدافع الذي يدفعنا للمحافظة على جدار تلاحمنا وتآلفنا هو دافع عقديّ إيمانيّ نابع من عقيدة راسخة تضبط التعامل بين الحاكم والمحكوم على أسس متينة وقواعد راسخة تهدف إلى تحقيق مصلحة البلاد والعباد، وليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها في كفالة احترام الحقوق وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه.

 

حينما ترى المحكوم في أرضنا متلاحمًا مع قيادته، رافضًا كل صور التغيير التي تقوم على العبث والفوضوية؛ فإنما يفعل ذلك بوازع ديني يحرّكه الشعور بالخوف من الله.. فإذا مازال هذا الشعور فلن تغني كل الوسائل المادية والمظهرية في تحقيق التآلف والتلاحم.

 

إن جدار تلاحمنا نصنعه ونبنيه ونقوي جذوره ونغذيه بالمحافظة على أسباب الأمن والرخاء وأولها الإيمان وزرع بذور التدين في نفوس الناس، والحرص على ربطهم بالعقيدة الصحيحة ومحاربة كل ما يناقضها (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام:82]، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55].

 

إن تآلفنا وترابطنا توفيقٌ من الله للأمة إذا حفظت عهد الله وأقامت شريعته لا نصنعه بالأموال مهما كثرت (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الأنفال: 63].

 

تلاحمنا نصنعه بإجلال الدين وأهله واحترام العلماء والصدور عن رأيهم؛ فالعلماء الربانيون والدعاة الصادقون والمحتسبون الغيورون ليسوا كأرباب الشهوات ودعاة الباطل وعباد الدينار والدرهم الذين إذا أُعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون.

 

وحينما تتخلى الأمة عن شرع ربها ودينه يحل فيها الخصام محل الوئام، وتزرع في نفوس أهلها البغضاء بعد أن كانت تظللها المحبة والألفة والإخاء (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[المائدة: 14].

 

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فإن ربكم -جل وعلا- قد أنبأكم بسبيل اجتماعكم وأُلفتكم ووحدة كلمتكم فقال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام:153].

 

إنه لا شيء يهدم التلاحم ويورث العداوات والبغضاء والصراعات والشحناء مثل التفرق والتحزب ورفع رايات عمية عصبية. لقد أكمل الله لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا، فلا حاجة لنا بمن يتحزب ويتعصب ويرفع رايات تخالف الدين وتعارض شريعة رب العالمين.

 

تلاحمنا وأمننا ورخاؤنا سيبقى حينما نعتصم بحبل الله ونَحْذَر ونُحذِّر من كل جماعة أو أحزاب أو تنظيمات أو أفراد لم يجعلوا كتاب الله لهم منهاجًا، ولم يتخذوا من هدي رسوله لهم سراجًا وهاجًا.

 

إنه يجب الحذر من كل طائفة أو حزب يتبنى الإرهاب ويدعو إلى العنف وإلى الخروج على الولاة، وإيغار صدور الرعاة على رعيتهم، ويدعو الرعية للتمرد على رعاتهم ويسعى في التحريش والنميمة، ويدعو إلى كل سبب يهدم الأمن ويفرق الصف ويورث العداوة والبغضاء.

 

إن المسلم يبرأ من كل هؤلاء بأسمائهم التي سموا بها أنفسهم أو سماهم بها غيرهم من إخوانية أو سرورية أو جهادية أو سلفية أو تغريبية أو نسوية، أو غيرها من الشعارات المرفوعة، ويظل المسلم متبعًا طريقًا واحدًا فحسب؛ إنه صراط الله المستقيم.. صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

 

كما قال شيخ الإسلام ابن باز -رحمه الله-: "أَمَّا الانتماءاتُ إلى الأحزاب: فالواجبُ تَرْكُهَا, وأنْ ينتمي الجميعُ إلى كتابِ اللهِ وسنَّةِ رسوله: فما وافقَهما فهو المقبول, وما خالفَهما وجَبَ تَرْكُه، ولا فَرْقَ في ذلك بين جماعة الإخوان, أو أنصار السنة, أو جماعة التبليغ، أو غيرهم من الأحزابِ المنتسبة للإسلام، وبذلك تجتمعُ الكلمة، ويكونُ الجميعُ حزباً واحداً، يترسّم خُطى أهلِ السنةِ والجماعة".

 

نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يُصلح أحوالنا ويجمع على الحق شملنا ويكفينا شر أعدائنا.

 

اللهم صَلِّ وسَلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

المرفقات

فلا تتبعوا السبل.doc

فلا تتبعوا السبل.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات