عناصر الخطبة
1/التوحيد فطرة الله التي خلق الناس عليها 2/أسباب انحراف الناس عن الفطرة 3/من مظاهر الفطرة وصورها 4/وجوب الحفاظ على الفطرة ودور الوالدين في ذلك 5/أثر الشبهات على الفطرة وعظم خطرهااقتباس
الابنُ يشتاقُ للمسجدِ إذا سمع الأذان، ويحاكي أباه في صلاته، حتى تغير فطرته صحبةُ سوءٍ أو أجهزةٍ وبرامجَ تصد عن ذكر الله وعن الصلاة!، لاتزالُ البنتُ الصغيرةُ تستحي وتختبئ عن الرجال،ـ حتى تجرئُها أمٌ بلباسٍ ضيقٍ أو قصير، ولا تزال الفتاةُ تحبُ السترَ والحجابَ حتى...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله، لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأمر وله الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- واستسلموا لله بالتوحيد، وانقادوا له بالطاعة، وتبرؤوا من الشرك وأهله؛ (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)[الزمر: 54].
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ فقال: "أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً، قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ، قَالَ: وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ، قَالَ: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا، وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ، وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ".
هذا الحديث الجليل يبين فيه أصل النبي -صلى الله عليه وسلم- الإسلام وجوامعه وتعاملاته في كلمات معدودة.
تؤلف اللفظ والمعنى فصاحته *** تبارك الله منشي الدرّ في الكلم
كل مَا خَلَقه الباري -سبحانه- في الأرض مما يَنتَفِع النَّاس به فإنه حلال، وكل رزق رزقه الله الإنسان فهو حلال يتصرف فيه، لا يحق لأحد التعدي عليه إلا بإذنه، وفي مسند الإمام أحمد: "لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبٍ نَفْسٍ مِنْهُ".
خلق الله الخلق كلهم على الإسلام وأصل الإيمان، وأقر الناس كلهم على ذلك وأذعنوا له طوعا واختياراً؛ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا)[الأعراف: 172]، شهدنا بربوبية الله وألوهيته وعظمته، شهدنا بأنه لا معبود بحق إلا الله طوعاً واختياراً.
وهذا هو ميثاق فطرة الله التي فطر الناس عليها, فما من إنسان وكِلَ إلى فطرته الأولى، ولم تتعرض فطرته لعوامل التشويه والإفساد؛ إلا وهو مقر بألوهية الله وربوبيته، ومعترف من أعماق قلبه بهذا الميثاق، وملتزم بجميع نتائجه وآثاره على الإطلاق، دون معارضة ولا جحود، فكلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطرَةِ، يولد على الحنيفة, مصداقا لقول الله -تعالى-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)[الروم: 30]، حتى إذا ما وقع الإنسان بين أيد غير أمينة، فاجتالته الشياطين وعملت على تشويه فطرته وإفسادها؛ انحرف عن الفطرة السليمة، واختلطت عليه العقيدة الصحيحة بالمعتقدات السقيمة، ونسي الميثاق الأزلي المعقود بين فطرته وبين ربه.
الفطرة أن تعرف المنكر والشر والإثم بقرارة نفسك، وإن لبّسه عليك الذين في قلوبهم زيغ؛ "والإثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ".
الفطرة أن تعلم أن القوامة والعمل والإنفاق للأب، وأن الأصل في المرأة والبنت القرار والصيانة والبعد عن الرجال؛ (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)[القصص: 23]، فشكتا لموسى أنهما امرأتان ضعيفتان مستورتان، لم يحوجنا إلى هذا المكان إلا أنه ليس لنا رجل يقوم بذلك، فأبونا شيخ كبير السن قد أضعفه الكبر، ومع هذا فلا نزاحم الرجال، فنتأخر إلى أن يقضى الناس أوطارهم من الماء؛ (لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ).
إن هذه الآية وتلك المرأتان لتعطي رسالة ودرساً ونداءً لكلِ زوجةٍ وبنتٍ وأختٍ مستقِرة في ببيتها وبين أولادها وزوجها وأهلها، يأتيها رزقها من كل مكان، فتركل تلك النعمة مهرولةٌ لتشقي نفسها بالعمل، وتخدش حيائها بمحادثة الرجال!.
(قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) درساً وتعليماً لكل بنت وفتاة تزاحم الرجال، فيتخلخل معه حجابِ السترِ والصيانة؛ من أجل كوبٍ ومنظرٍ ودعاية.
هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، فـ"ما من مَولودٍ يُولدُ إلا عَلَى الفطرة، فَأبوَاهُ يهودَانِهِ أوْ يُنَصرَانِهِ، أوْ يمجسَانِهِ", وهذا قرينة على أن أقرب شيء للإنسان هو من يغير فطرته، فإذا كانت أجهزة التواصل والبرامج والمواقع والدعايات أقرب من الوالدين؛ كان التأثير لهما وانحراف الفطرة على يديها!.
وكل من يسعى لتبديل فطر الناس التي فطرهم الله عليها في العقائد أو في الأخلاق والسلوك ببث الشبهات أو الشهوات، فإن عليه أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، في الصحيحين قال -عليه الصلاة والسلام-: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ"؛ أي: يجر أمعاءه في النار، وهو الذي جلب الأصنام للعرب، وبدّل الحنيفية، وأدخل الإشراك في التلبية؛ (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ)[الشورى: 15].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديا ومبشرا ونذيرا، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: لقد غدت كثير من أحكام الإسلام ومسلماته وثوابته حمىً مستباحا، يخوض فيها كل مفتون، ويجادل فيها كل مبطل.
إن هذا الدين قويمٌ لا تغيره الصروف والأزمات، وهذه الفطرةُ أصيلةٌ لا تبدلها المغريات والشبهات، كلٌ يرجعُ إلى أصلهِ وفطرتهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم: 30].
الابنُ يشتاقُ للمسجدِ إذا سمع الأذان، ويحاكي أباه في صلاته، حتى تغير فطرته صحبةُ سوءٍ أو أجهزةٍ وبرامجَ تصد عن ذكر الله وعن الصلاة!.
لاتزالُ البنتُ الصغيرةُ تستحي وتختبئ عن الرجال، حتى تجرئُها أمٌ بلباسٍ ضيقٍ أو قصير، ولا تزال الفتاةُ تحبُ السترَ والحجابَ حتى يتسرب إليها شبهاتٌ، أو تختلط بقريناتٍ سافرات!.
إن على كل مسلمٍ ومسلمة أن يصون ويحفظ ذريته وأهل بيته من أن تتغير فطرهم، أو أن تتبدل أخلاقهم أو ينحرف سلوكهم، فأهل البيت من نساءٍ وصغار ضعفاء تجلبهم المغريات، وتخلخل معتقدهم الشبهات.
ويحمي قبل ذلك نفسه من أن يزعزع فطرته رأي منحرف، أو اتباع لهوى النفس، وإعجاب الآخرين، فإن الانسان قد يرى من نفسه إيمانا فيولغ نفسه في المتشابهات فلا يعلم إلا وقد زلت به القدم بعد ثبوتها، ففي سنن أبي داوود: "من سَمِعَ بالدَّجَال فلينأ عنهُ، فوالله إن الرَّجُل ليأتيهِ وهو يحسِبُ أنه مؤمنٌ فيتَّبِعُهُ؛ مما يبعثُ به من الشُّبهاتِ"، وكَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قَالَتْ أم سلمة: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لأَكْثَرِ دُعَائِكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ؟ قَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ! إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ".
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران: 8].
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وذرياتنا، وأخلص نياتنا واحفظنا وأزواجنا وذرياتنا من مضلات الفتن، اللهم أصلح من وليته أمرنا، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وانصر المرابطين على الثغور.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم