فطرة الله

مركز حصين للدراسات والبحوث

2024-12-13 - 1446/06/11 2024-12-21 - 1446/06/19
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/ ما هي فطرة الله. 2/ كل مولود ولد على الفطرة. 3/ الإسلام دين الفطرة. 4/ الفطرة قلبية وبدنية.

اقتباس

أتدري ما فطرةُ اللهِ التي فطرَ كلَّ الناسِ عليها؟ اسمع ما يقوله النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ -وفي لفظ: إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ-، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

الحمدُ للهِ خالقِ الإنسانِ، أمرَ بالعدلِ والإحسانِ، ونهى عن الفواحشِ والطُّغيانِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

 

أمَّا بعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- حقَّ التقوى، وراقبوهُ في السِّرِّ والنَّجوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

 

عبادَ الله: خرجَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- للجهاد يومًا، فَسَمِعَ في طريقهِ راعيًا يؤذن، يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ! اللهُ أَكْبَرُ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “عَلَى الْفِطْرَةِ”. رواه مسلم.

 

ما أجملَ الفطرةَ وأعذبَها في القلبِ! وما أقبحَ الإنسانَ عندما يحملُهُ طغيانُهُ على طمْسِها وجحدِ ما فطرَهُ اللهُ عليهِ من الإقرارِ بهِ والإنابةِ إليهِ!

 

لقد قالتِ الأممُ الكافرةُ لأقوامِهِم: (إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) [إبراهيم: 9]، فرد عليهم الرسلُ قائلين: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ ‌فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [إبراهيم: 10].

 

كيفَ يكونُ في اللهِ شكٌّ، وهو فاطرُ السماواتِ والأرضِ، وهو الذي فطرَ الإنسانَ على مِلَّةٍ حنيفيةٍ مستقيمةٍ؟!

 

أتدري ما فطرةُ اللهِ التي فطرَ كلَّ الناسِ عليها؟

 

اسمع ما يقوله النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ -وفي لفظ: إِلَّا عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ-، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ (يعني: هل ترون ما يولد منها مقطوعَ الأذن؟)”، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) [الروم: 30] الآيَةَ. رواه البخاري ومسلم.

 

لقد ابتدأَ اللهُ كلَّ مولودٍ من بني آدمَ بقلبٍ سالمٍ من الكفرِ والاعتقاداتِ الفاسدةِ، متوجِّهٍ لقَبولِ الحقِّ والهدى إذا لم يؤثّرْ فيه شيءٌ، وتلكَ هي الحنيفيَّةُ: ملَّةُ الإسلامِ، هكذا يكونُ كلُّ إنسانٍ عندما يأتي إلى الدنيا، شأنُهُ كالشَّاةِ الوليدةِ التي تأتي إلى الدنيا كاملةً لا نقصَ فيها ولا عيبَ، ثم يَقطَعُ أصحابُها أُذُنَها، وهكذا الإنسانُ يولدُ على فطرةِ الإسلامِ، ثم يأتي الأبوانِ وأولياءُ الشيطانِ فيُخرجونهُ من نورِ الفطرةِ إلى ضلالِ الوثنيةِ واليهوديةِ والمجوسيةِ والنَّصرانيةِ واللادينيةِ، قال سبحانه في الحديث القدسي: “إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا”. رواه مسلم.

 

لقد فطرَ اللهُ كلَّ الناسِ على الإقرارِ بهِ ربًّا خالقًا لهذا الكونِ، سخَّرَ الشَّمسَ والقمرَ، يرزقُ كلَّ مخلوقٍ ويُدبِّرُ أمرَهُ، قال الله: (وَلَئِنْ ‌سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [العنكبوت: 61]، وقال الله: (وَلَئِنْ ‌سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [العنكبوت: 63]، قال الله: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * ‌سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) [المؤمنون: 84-89].

 

وما من إنسانٍ إلا وهو مفطورٌ على التوجُّهِ إلى اللهِ، ولذلكَ تجدُ المشرِكَ يتوجَّهُ إليهِ في الشَّدائدِ، ويستغيثُ بهِ في النوائبِ، ينكسرُ حينئذٍ طُغيانُهُ، وينسى كلَّ طواغيتِ الأرضِ، ويتوجَّهُ بقلبهِ ووجههِ إلى ربِّ الأرضِ والسّماءِ منيبًا إليهِ، قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ‌ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ) [الزمر: 8]، وقال سبحانه: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ‌ضَلَّ ‌مَنْ ‌تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) [الإسراء: 67].

 

ها هوَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُعلِّمنا دعاءً نختمُ به يومنا، إقرارًا بتلك العبودية الفطريّة، حيث يقول البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، وَقُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ”. رواه البخاري ومسلم.

 

لقد خلقَ اللهُ بني آدمَ جميعًا قابلينَ للحقِّ، مقرّينَ بأنَّ للكونِ إلهًا حميدًا، ليسَ إنسانًا ولا شيئًا مصنوعًا، بل يجبُ أن يكونَ لهُ كلُّ حَمدٍ وكمالٍ، وتلكَ فطرةٌ لا تحتاجُ إلى نظرٍ واستدلالٍ، بل هي شيءٌ ضروريٌّ في النَّفسِ، يجدُهُ كلُّ إنسانٍ مستقِرًّا في قلبِهِ وعقلِهِ ووِجدانِهِ، لا يدفعُهُ شيءٌ.

 

انظرْ إلى عنترةَ وهو في جاهليَّتِهِ يقولُ:

يا عَبْلُ أينَ من المنيَّةِ مَهْربي *** إنْ كانَ ربّي في السَّماءِ قَضاها

 

هكذا فُطِرَت القلوبُ على أنَّ فوقَ السماءِ ربًّا عظيمًا تدينُ لهُ النُّفوسُ وتُؤلِّهُهُ، وتُنيبُ إليهِ وتتوكَّلُ عليهِ.

 

الفطرةُ -يا عبادَ اللهِ- هي الإسلامُ، لذا كَانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى: “أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ”. رواه أحمد.

 

ما من شيءٍ دعا إليهِ الإسلامُ من بِرٍّ وحقٍّ إلّا والفِطرةُ السَّويَّةُ تقبلُهُ وتريدُهُ، وما من شيءٍ نهى عنهُ الإسلامُ من باطلٍ وإثمٍ، إلّا والفِطرةُ السَّويَّةُ تأباهُ وتدفعُهُ.

 

لقد أجملَ اللهُ تعالى أمرَهُ وشَرْعَهُ في هذهِ الآيةِ العظيمةِ فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ ‌بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

 

إنَّهُ سبحانهُ يأمرُ بكلِّ عدلٍ وطَيِّبٍ وإحسانٍ، وينهى عن كلِّ فسادٍ وخُبثٍ وطُغيانٍ.

 

وبهذا بعثَ اللهُ الرسلَ، لم يبعثْهُم إلا لتقريرِ الفِطرةِ وتكميلِها، لا لتغييرِ الفِطرةِ وتحويلِها.

 

ألم يقلِ اللهُ في نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ‌وَيُحِلُّ ‌لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف: 157]؟

 

ألا ترى -يا عبدَ اللهِ- كيفَ سمَّى اللهُ ما شرعَهُ معروفًا، لأنَّ الفِطرَ المستقيمةَ السَّويَّةَ تعرفُهُ وتقرُّ بهِ وتطمئنُّ إليهِ وتقبلُهُ، وسمَّى ما نهى عنهُ مُنكَرًا، لأنَّ الفِطَرَ المستقيمةَ السَّويَّةَ تنكِرُهُ وتردُّهُ وتعافُهُ، يقول النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ -رضي الله عنه-: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ: “الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ”. رواه مسلم.

 

لقد سأل الصحابيّ أبو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: “أَخْبِرْنِي مَا يَحِلُّ لِي وَمَا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟” فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ”. رواه أحمد.

 

سَلْ كلَّ إنسانٍ سويِّ الفطرةِ عن المحاسنِ، تجدْهُ يرى العدلَ والرحمةَ والإحسانَ والصِّدقَ وإغاثةَ الملهوفِ ونَصْرَ المظلومِ ومعونةَ المكروبِ والعِفَّةَ وأداءَ الأمانةِ من محاسنِ الأخلاقِ وعظيمِ الشمائلِ، وتجدْهُ يرى الظُّلمَ والفسادَ والعُدوانَ والكذبَ وانتهاكَ الأعراضِ والخيانةَ والكذبَ من خبيثِ الأخلاقِ ودنيءِ الصِّفاتِ.

 

سَلْ كلَّ سَويِّ الفطرةِ -على اختلافِ أجناسِهم وتبايُنِ لغاتِهم- عن سَتْرِ العوراتِ، والزَّواجِ بينَ الرجلِ والمرأةِ، واحترامِ كِيانِ الأسرةِ، وتوقيرِ الأبوينِ، تجدْهُم جميعًا يحترمونَ ذلكَ ويجعلونَهُ مُقرَّرًا لا جِدالَ في حُسنِهِ وجَمالِهِ، ثمّ سَلْهُم عن التَّعري واللِّواطِ والشُّذوذِ الجنسيِّ وهَدْمِ الأُسَرِ وعقوقِ الوالدَينِ، تجدْهُم لا يختلفونَ أنَّهُ لا يفعلُهُ إلا من فسدتْ فِطرتُهُ وانتكستْ نفسُهُ، قال سبحانه: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ‌فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي ‌فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30].

 

باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيمِ، ونَفَعني وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكُم فاستغفِروهُ، إنَّه هو الغَفورُ الرّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن والاهُ، وَبَعدُ:

 

عبادَ الله: إنَّ الفِطرةَ فطرتانِ: فِطرةٌ تتعلَّقُ بالقلبِ، وهي التي تُزكِّي القلبَ والرُّوحَ، وهي معرفةُ اللهِ ومحبَّتُهُ وإيثارُهُ على ما سِواهُ، يُطهَّرُ بها القلبُ من الشِّركِ ورِجسِ الكُفرانِ، وفِطرةٌ عَمَليَّةٌ، وهي التي يميلُ بها العبدُ إلى محاسنِ الأعمالِ وطيِّبِها، ويأنَفُ من القَذَرِ والأدرانِ ويتطهَّرُ منها في قَولِهِ وعَملِهِ، حتى إنَّهُ ليصيرُ أطيبَ الناسِ ظاهرًا وباطنًا لصحَّةِ فِطرتِهِ، وسلامةِ قلبِهِ، ألم يقلِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ”.؟ رواه البخاري ومسلم

 

فانظرْ إلى هذهِ الخصالِ التي بها تتحقَّقُ الطَّهارةُ والنَّظافةُ وتحسينُ الخِلقةِ وتعديلُ الشَّهوةِ، فيكونُ الإنسانُ على أطيبِ حالٍ، وبتركِها يصيرُ الإنسانُ كالحيوانِ البهيمِ بلا فطرةٍ ولا دينٍ.

 

عافانا اللهُ وإياكمْ من كلِّ سُوءٍ ودَرَنٍ، وجمَّلَ ظواهرَنا وبواطنَنا بكلِّ طَيِّبٍ وحَسَنٍ.

 

اللهم ثبِّتنا على فطرةِ الإسلام، وكلمةِ الإخلاص، ودينِ نبيِّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وملَّةِ إبراهيم حنيفًا وما كانَ من المشركين.

 

اللَّهُمَّ انصرِ الإسلامَ وأعِزَّ المسلمينَ، وأهْلِكِ اليهودَ المجرمينَ، اللَّهُمَّ وأنزِلِ السَّكينةَ في قلوبِ المجاهدينَ في سبيلِكَ، ونَجِّ عبادَكَ المستضعفينَ، وارفعْ رايةَ الدِّينِ، بقوتِكَ يا قويُّ يا متينُ.

 

اللّهُمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتَنا فيمن خافَكَ واتّقاكَ واتّبعَ رِضاك.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

المرفقات

فطرة الله.doc

فطرة الله.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات