فطرة الله

الشيخ عبدالله اليابس

2021-12-17 - 1443/05/13 2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/هدى الله كل مخلوق لما يصلحه 2/من صور ومظاهر الفطرة 3/انتكاسة قوم لوط عن فطرة الله 4/شدة عذاب الله لقوم لوط 5/عظم هذه الفاحشة والتحذير منها

اقتباس

جَاءَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ أَنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَلَبَ قُرَى قَوْمِ لُوطِ بِطَرَفِ جَنَاحِهِ، حَتَى سَمِعَ أَهْلُ السَمَاءِ نُبَاحَ كِلَابِهِمْ، وَأَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ حُلُولِ العَذَابِ بِهِمْ، ثُمَّ أُلْقِيَت هَذِهِ القُرَى إِلَى الأَرْضِ مِنْ عُلُوٍ، وَخَسَفَ اللهُ بِهَا الأَرْضَ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحَمْدُ للهِ الـمُنْعِمِ عَلَى عِبَادِهِ بِدِينِهِ القَوِيمِ وَشِرْعَتِهِ، وَهَدَاهُمْ لِاتِّبَاعِ سَيِّدِ الـمُرْسَلِينَ وَالتَمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ، وَأَسْبَغَ عَلَيهِمْ مِنْ وَاسِعِ فَضْلِهِ وَعَظِيمِ رَحْمَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ، يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ الـمَيِّتِ، وَيُخرِجُ الـمَيِّتَ مِنَ الحَيِّ، يُسَبِّحُ لَهُ اللَّيلُ إِذَا عَسْعَسَ، وَالصُبْحُ إِذَا تَنَفَّسَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الـمُرْسَلِينَ، وَقَائِدُ الغُرِّ الـمُحَجَّلِينَ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ اليَقِيْنُ، فَصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِ، وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَيِّبِينَ الطَاهِرِينَ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الـمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: لَمَّا خَلَقَ اللهُ -تَعَالَى- الخَلْقَ لَمْ يَجْعَلَهُمْ هَمَلاً؛ فَيَسَّرَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ مَا يُصْلِحُ شَأْنَهُ، وَفَطَرَهُ عَلَى مَا يُسْعِدُ حَالَهُ، وَتَسْتَقِيِمُ بِهِ حَيَاتُهُ.

 

فَفَطَرَ -سُبْحَانَهُ- الحَيَوَانَ مَثَلاً عَلَى مَجْمُوعَةٍ مِنَ الأَفْعَالِ وَالتَصَرُّفَاتِ، وَيَخْتَلِفُ كُلُّ جِنْسٍ مِنَ الحَيَوَانِ فِي فِطْرَتِهِ بِمَا يُنَاسِبُ حَالَهُ؛ فَتَجِدُ الذِئْبَ عَلَى سَبِيْلِ الـمِثَالِ مَيَّالاً إِلَى الاِفْتِرَاسِ، فَلَا يَأْكُلُ الأَعْشَابَ وَلَا الحَشَائِشَ، وَإِنَّمَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِمُطَارَدَتِهَا وَغَلَبَتِهَا.

 

بَيْنَمَا تَجِدُ البَقَرَ مَثَلاً مَعَ أَنَّهَا أَضْخَمُ جِسْمًا مِنَ الذِئْبِ، إِلَّا أَنَّهَا تَقْتَاتُ عَلَى العُشْبِ، وَيَقُودُهَا الطِفْلُ الصَغِيْرُ فَتَنْقَادْ، وَلَوْ حَاوَلَتْ أَنْ تُنَافِسَ الذِئابَ وَتَأْكُلَ اللَّحْمَ وَتَصْطَادُ الفَرَائِسَ لَمَاتَتْ مِنَ الجُوعِ، أَوْ مِنَ غَيْرِهَا مِنَ الحَيَوَانِ!.

 

وَفِي مَجَالِ بِنَاءِ البُيُوتِ تَجِدُ الأَرْنَبَ يَحْرِصُ عَلَى حَفْرِ بَيْتِهِ فِي الصَحَارِي وَالْمَزَارِعِ، وَيَسْكُنُ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَخْرُجُ لِطَلَبِ العَيْشِ ثُمَّ يَعُودُ، بَيْنَمَا لَا تَتَمَكَّنُ الأَغْنَامُ مَثَلاً مِنَ العَيْشِ فِي جُحُورٍ تَحْتَ الأَرْضِ، لِعَدَمِ مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ لِفِطْرَتِهَا!.

 

وَكَذَلِكَ تَجِدُ العَنْكَبُوتَ تَبْنِي بَيْتًا رَقِيْقًا، بِشَبَكَةٍ مِنَ الخُيُوطِ النَاعِمَةِ جِدَّاً، فِي بِنَاءٍ هَنْدَسِيٍّ مُحْكَمٍ، لَمْ تَتَعَلَّمْهُ فِي مَعْهَدٍ وَلَا مَصْنَعٍ؛ وَإِنَّمَا هِي فِطَرَةٌ فَطَرَهَا اللهُ عَلَيْهَا.

 

وَفِي مَجَالِ العُبُودِيَةِ للهِ فَإِنَّ الطَيْرَ وَالوَحْشَ وَالحَشَرَاتِ والشَجَرَ كُلُّهَا تُوَحِّدُ اللهَ وَتُسَبِّحُهُ؛ (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[الإسراء: 44].

 

وَإِذَا أَتَيْنَا إِلَى البَشَرِ فَإِنَّ اللهُ -تَعَالَى- هُوَ مَنْ خَلَقَهُمْ، وفَطَرَهُمْ عَلَى مَبَادِئَ وَطَبَائِعِ، فَمَنْ خَالفَهَا فَقَدْ خَالَفَ الفِطْرَةَ؛ فَقَدْ فَطَرَ اللهُ -تَعَالَى- خَلْقَهُ عَلَى تَوْحِيْدِهِ، رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ"، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: وَاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم: 30].

 

فَهَذِهِ فِطْرَةُ تَوْحِيدِ اللهِ -تَعَالَى- فِي خَلْقِهِ، فَمْنَ رَامَ تَغْيِيِرَ الفِطْرَةِ فَقَدْ زَاَغَ عَنِ الطَرِيْقِ الذِي سَنَّهُ اللهُ -تَعَالَى- لِعِبَادِهِ؛ فَيَسْتَحِقُ العُقُوبَةَ حِيْنَئِذٍ، وَيَكُونُ خَالِدًا مُخَلَدًا فِي النَّارِ.

 

وَمِنَ العَجِيْبِ أَنَّكَ تَجِدَ كَثِيْرِينَ مِمَّنْ يُخَالِفُ هَذِهِ الفِطْرَةَ، إِذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ وَأَيْقَنُوا بِالهَلَاكِ لَجَأُوا إِلَى اللهِ -تَعَاَلى-؛ (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)[الزمر: 8], فَرُجُوعُ الإِنْسَانِ وَإِنَابَتُهُ إِلَى رَبِّهِ عِنْدَ الشَدَائِدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقِرُّ بِفِطْرَتِهِ بِخَالِقِهِ وَرَبِّهِ -سُبْحَانَهُ-، وَهَكَذَا كُلُّ إِنْسَانٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ أَدْنَى رُجُوعٍ عَرَفَ اِفْتِقَارَهُ إِلَى البَارِي -سُبْحَانَهُ- فِي تَكْوِينِهِ فِي رَحِمِ أُمِّهِ وَحِفْظِهِ لَهُ، وَعَرَفَ كَذَلِكَ اِفْتِقَارَهُ إِلَيهِ فِي بَقَائِهِ وَتَقَلُّبِهِ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا.

 

وَمِنَ الفِطْرَةِ التِي فَطَرَ اللهُ -تَعَالَى- البَشَرَ عَلَيْهَا الفِطْرَةُ بِالرَّغْبَةِ فِي البَقَاءِ، فَتَجِدُ الطِفْلَ مِنْ حِيْنِ يُولَدِ يَعْرِفُ كَيْفَ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ دُونَ الحَاجَةِ إِلَى تَعْلِيْمٍ؟، وَيَعْرِفُ كَيْفَ يَتَنَفَّسُ؟، فَإِذَا حُبِسَ عَنْهُ الطَعَامُ بَكَى حَتَّى يُحْضَرَ لَهُ، وَإِذَا حَاوَلَ أَحَدٌ كَتْمَ نَفَسِهِ بَكَى وَقَاوَمَ حَتَّى يَتَنَفَّسَ, فَمَنِ الذِي عَلَمَّهُ وَأَلْهَمَهُ؟!.

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيات وَالذِّكْرَ الْحَكِيمَ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُم, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَاِمْتِنَانِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الداعي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ وَسُلَّمُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَإِخْوَانِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاِقْتَفَى أثَرَهُ وَاِسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَمِنَ الفِطْرَةِ التِي فَطَرَ اللهُ -تَعَالَى- النَّاسَ عَلَيْهَا أَنَّهُ خَلَقَهُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى؛ (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى)[الحجرات: 13]، فَالنَّوْعُ البَشَرِيُّ لَا يَسْتَمِرُّ بِغَيْرِ الذَكَرِ وَالأُنْثَى، وَمَنْ خَالَفَ هَذِهِ الفِطْرَةَ فَإِنَّ مُخَالَفَتَهُ مُؤْذِنَةٌ بِفَنَاءِ النَّوْعِ البَشَرِيِّ، وَمُؤْذِنَةٌ بِالعُقُوبَةِ مِنَ اللهِ -تَعَالَى-.

 

فَالـمُخَالِفُ لِهَذَا الأَمْرِ مُنْتَكِسُ الفِطْرَةِ، ضَعِيْفُ العَقْلِ، مَنْكُوسُ الذَّوْقِ، وَقَدْ عَذَّبَ اللهُ -تَعَالَى- قَوْمَ نَبِيِّ اللهِ لُوطٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عُقُوبَةً لَمْ يُعَاقِبْ بِمِثْلِهَا أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا الفِطْرَةَ، وَنَهَاهُمْ نَبِيُّهُم عَنْ ذَلِكَ: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)[الأعراف: 80، 81]، وَمِنَ العَجِيْبِ أَنَّهُمْ وَمَعَ اِنْتِكَاسِ فِطَرِهِمْ جَعَلُوا الطَهَارَةَ وَالفَضِيلَةَ عَيْبًا؛ (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)[الأعراف: 82].

 

فَعَاقَبَهُمُ اللهُ -تَعَالَى- عُقُوبَةً شَدِيْدَةً؛ (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ)[هود: 82]، فَأَمَرَ اللهُ الـمَلَائِكَةَ بِرَفْعِ قُرَاهُمْ وَاِقْتِلَاعِهَا عَنِ الأَرْضِ، حَتَّى جَاءَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ أَنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَلَبَ قُرَى قَوْمِ لُوطِ بِطَرَفِ جَنَاحِهِ، حَتَى سَمِعَ أَهْلُ السَمَاءِ نُبَاحَ كِلَابِهِمْ، وَأَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ حُلُولِ العَذَابِ بِهِمْ، ثُمَّ أُلْقِيَت هَذِهِ القُرَى إِلَى الأَرْضِ مِنْ عُلُوٍ، وَخَسَفَ اللهُ بِهَا الأَرْضَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ رُجِمُوا بِحِجَارَةِ مِنْ سِجِيْلٍ مَنضُودٍ؛ أَيْ: حِجَارَةٌ مِنْ فُخَّارِ الطِّيْنِ.

 

وَلِذَلِكَ حَذَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ- مِنْ سُلُوكِ سَبِيْلِهِمْ، بَلْ حَذَّرَ مِنَ السُكُوتِ عَنْهُمْ، وَجَعَلَ وُجُودَهُمْ سَبَبًا لِهَلاَكِ الـمُجْتَمَعاتِ، رَوَى اِبْنُ مَاجَهُ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ مِنْ حَدِيْثِ اِبْنِ عُمَرَ -رَضِي اللهُ عَنْهُما-, أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَمْ تَظْهرِ الفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعلِنُوا بِهَا؛ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ, والأَوْجَاعُ التِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ".

 

وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ -تَعَالَى- مَنْ عَمِلَ هَذَا العَمَلَ الشَنِيْعَ بِالطَّرْدِ مِنْ رَحْمَتِهِ، فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لوطٍ، لَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لوطٍ".

 

فَالوَاجِبُ الحَذَرُ وَالتَّحْذِيْرُ مِمَّنْ اِنْتَكَسَتْ فِطْرَتُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ؛ فَقَدْ طَالَ لِسَانُهُمْ فِي هَذَا الزَمَانِ، وَعَلاَ نُبَاحُهُمْ، فَالوَاجِبُ مُحَارَبتُهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ.

 

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُرِيَنَا الحَقَّ حَقًا وَيَرْزُقَنَا اِتِّبَاعَهُ، وَأَنْ يُرِيَنَا البَاطِلَ بَاطِلاً وَيَرْزُقَنَا اِجْتِنَابَهُ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا أَجْمَعِيْنَ وَمَنْ نُحِبُّ الفِتَنَ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ؛ إِنَّهُ سَمِيْعٌ قَرِيبٌ مُجِيْبٌ.

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّلَاَةِ عَلَى نَبِيهِ مُحَمٍّدِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَجَعَلَ لِلصَّلَاَةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَالْإكْثَارَ مِنْهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأيَّامِ، فَاللهَمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِك عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحبِهِ أَجَمْعَيْن.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالـمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِرْكَ والـمُشْرِكِيْنَ، وَاِحْمِ حَوْزَةَ الدِّيْنِ، وَاِجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنَّاً وَسَائِرَ بِلَادِ الـمُسْلِمِيِنَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاِجْعَلْ وَلَايَتَناَ فِي مَنْ خَافَكَ وَاِتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ, اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُسْلِميْنَ وَالـمُسْلِمَاتِ، وَالـمُؤْمِنيْنَ والـمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدَعَواتِ.

 

 عِبَادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، فَاِذكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذكُركُمْ، وَاُشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكرُ اللهُ أكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

المرفقات

فطرة الله.pdf

فطرة الله.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات