فضل يوم الجمعة وبعض أحكامه

خالد خضران الدلبحي العتيبي

2025-02-14 - 1446/08/15 2025-02-24 - 1446/08/25
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/من فضائل يوم الجمعة 2/من الأمور المستحبة في يوم الجمعة 3/من أحكام الجمعة وآدابها

اقتباس

وهذه المسألة يقع الخطأ فيها من بعض المسبوقين، يأتي متأخراً وقد فاته الركوع الأخير، فيدخل مع الإمام ويصلي ركعتين بنية الجمعة، وهذا خطأ بل يدخل بنية صلاة الظهر ويصلي أربعاً، ولو دخل معه بنية الجمعة وتبين له أنها الركعة الأخيرة...

الخُطْبَةُ الأُولَى:  

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: إن يوم الجمعة هو أفضلُ أيامِ الأسبوع، وله من الفضائل الشيءُ الكثير، فمن ذلك ما جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ".

 

ومن فضائل يوم الجمعة: أنه اليوم الذي كمَّل الله -عز وجل- فيه الدين، فقد جاء في الصحيحين عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا نَزَلَتْ -مَعْشَرَ الْيَهُودِ- لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3]، فَقَالَ عُمَرُ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ"، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "يومُ الجمعة أفضلُ أيام الأسبوع إجماعا ".

 

ومما يدل على فضل يوم الجمعة أن فيه صلاة الجمعة، وهي من آكد فروض الإسلام، جاء في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهما-، أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ -أي تركهم الجمعات-، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ"، وورد في سنن أبي داود وهو صحيح بطرقه: "من ترك ثلاثَ جمع تهاوناً بها -يعني غير معذور-؛ طبع الله على قلبه".

 

وهناك أمورٌ -عباد الله- يستحب فعلها يوما الجمعة، فمن الأمور المستحبة: قراءة سورة السجدة وسورة الإنسان في فجر يوم الجمعة، فقد جاء في البخاري ومسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ بهما في فجر يوم الجمعة.

 

ومن الأمور المستحبة: الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم الجمعة، فقد جاء في سنن أبي داود، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أفضلِ أيامِكم يومَ الجمعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة؛ فيه فإن صلاتكم معروضةٌ علي"، والحديث صحيح.

 

ومن الأمور المستحبة: التبكير إلى الجمعة، ففي البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"، والساعة هي المدة من الزمن فيبدأ حسابُ الساعات من بعد طلوع الشمس بربع ساعة تقريباً إلى وقت دخول الخطيب، ويُقسم هذا الوقت إلى خمس ساعات متساوية في الوقت.

 

ومن الأمور المستحبة: الاغتسال يوم الجمعة، وبعض العلماء يرى وجوبه، فيحرص المسلم عليه، فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "غُسلُ يومِ الجمعة واجبٌ على كل محتلم"، أي: على كل بالغ، ومعنى واجب أي: متأكد.

 

ولكن ننبه على خطأ، وهو أن بعض الناس يكون محدثاً، ثم يفيض الماء على نفسه بدون وضوء، وهو ليس عليه جنابة، ثم يذهب إلى الجمعة، وهذا لا يرتفع حدثه، أما لو كان عليه جنابة ثم أفاض الماء على نفسه، فإن هذا يكفي عن الوضوء؛ لأنه إذا ارتفع الحدث الأكبر يرتفع الأصغر.

 

ومن الأمور المستحبة: الطيب، فقد جاء في صحيح البخاري عن سَلْمَانَ الفَارِسِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الإِمَامُ أَنْصَتَ؛ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى".

 

ومن الأمور المستحبة: قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة، فقد جاء عند الحاكم والبيهقي -والحديث صحيح- من حديث أبي سعيد الخدري، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة؛ أضاء له من النور ما بين الجمعتين".

 

ومن الأمور المستحبة: الدعاء يوم الجمعة ففيه ساعة استجابة، في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي، يسأل الله خيرا؛ إلا أعطاه إياه" وقال بيده يقللها يزهدها، أي يقللها.

 

والأقرب أنها آخر ساعة بعد العصر، ومعنى "قائم يصلي"، أي: إنه مستمر يدعو؛ لأن هذا الوقت وقت نهي لا يجوز الصلاة فيه.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد: ومن أحكام الجمعة: أنه يجب الإنصات للخطيب، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت"، وجاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنه- في مسند أحمد بن حنبل عن بن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)[الجمعة: 5]، والذي يقول له: أنصت، ليس له جمعة"، ومعنى "ليس له جمعة" يعني: يذهب عليه أجر الجمعة.

 

ومن أحكامها: أنه يحرم البيع بعد نداء الجمعة الثاني، لمن كانت الجمعة عليه واجبة، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الجمعة: 9].

 

ومن أحكامها: أن الجمعة لا تجمع إلى غيرها، فهي صلاة مستقلة ليست بدلا ًعن الظهر، والجمع إنما ورد بين الظهر والعصر، فالمسافر إذا صلى الجمعة لا يجوز له أن يقدم العصر ويصليها، بل يصلي العصر في وقتها ويصليها قصراً لأنه مسافر، إلا إذا كان يصلي خلف إمام يتم الصلاة فيجب أن يتم الصلاة.

 

ومن أحكام الجمعة: أن من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك الجمعة، ومن لم يدرك الركوع فإنه يصلي أربعاً، يعني: يصليها ظهراً؛ لأنه لم يدرك الجمعة، وهذه المسألة يقع الخطأ فيها من بعض المسبوقين، يأتي متأخراً وقد فاته الركوع الأخير، فيدخل مع الإمام ويصلي ركعتين بنية الجمعة، وهذا خطأ بل يدخل بنية صلاة الظهر ويصلي أربعاً، ولو دخل معه بنية الجمعة وتبين له أنها الركعة الأخيرة وأنه لم يدرك الجمعة، فإنه يصليها ركعتين وتكون نافلة له، ثم بعد يصلي الظهر، حتى تكون نية صلاة الظهر من بداية الصلاة، جاء عن ابن مسعود -رضي الله عنه- وإسناد صحيح: "من أدرك الركعة فقد أدرك الجمعة، ومن لم يدرك الجمعة فليصل أربعاً"، أي: ظهراً.

 

ومن أحكام الجمعة: أنه لا يجوز تخطي الرقاب، فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يتخطى الرقاب فقال: "اجلس فقد أذيت"(حديث حسن أخرجه أبو داود).

 

ومن أحكامها: أن الجمعة لا سنة راتبة قبلها، ولكن يصلي بعدها أربعاً ركعتين ركعتين، لما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً".

 

 ومن أحكام الجمعة: أن الإنسان يدنو من الإمام كما في الحديث: "ودنا من الإمام"، وبعض الناس يجلس في آخر المسجد، ويترك الصفوف الأولى مع أنه يوجد مكان له، وهذا خلاف السنة.

 

ومن أحكام يوم الجمعة: أنه لا يجوز إفراده بالصيام، إلا أن يصوم يوماً قبله أو بعده.

 

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا لكل خير، وأن يجعلنا ممن يستغلون هذه الحياة بطاعة الله، فيفوزون فوزاً عظيما.

 

المرفقات

فضل يوم الجمعة وبعض أحكامه.doc

فضل يوم الجمعة وبعض أحكامه.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات