عناصر الخطبة
1/ منزلة \"لا إله إلا الله\" 2/ بعض فضائلها 3/ تحقيق شروطها واجتناب نواقضهااقتباس
إنّ "لا إله إلا الله" هي كلمةُ الإخلاص، وأسُّ التوحيد، والبراءةُ من الشرك؛ فمن أجلها خَلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25].
الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحدِ الأحد، الفرد الصمَد، الذي لم يلِد ولم يولَد، ولم يكن له كفوًا أحد، تفرّد بالخلق والتدبير، وتعالى عن الشبيه والنظير، فاستحقَّ وحدَه أن يُعبد.
أحمده -تعالى- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
إنّ "لا إله إلا الله" هي كلمةُ الإخلاص، وأسُّ التوحيد، والبراءةُ من الشرك؛ فمن أجلها خَلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25].
فهي أعظم نعمةٍ أنعم الله بها على عباده؛ من قالها عُصم ماله ودمه، وهي مفتاحُ الجنةِ، ومن كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة؛ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي، قَالَ: "إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ الْحَسَنَاتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: "هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ".
"لا إله إلا الله" تمحو الذنوب والخطايا، وتجدد الإيمان في القلب، وهي أفضلُ الذكر، وأثقلُ شيء في الميزان، خرّج الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نبي الله نوحا -عليه السلام- قال لابنه: "آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا قَالَ عَبْدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَطُّ مُخْلِصًا إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ. مَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ".
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِىَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ".
وعن عمر -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ -أَوْ فَيُسْبِغُ- الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاء".
وعن عتبانَ بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ".
ولهذا؛ فهي الكلمة التي تقطع ظهر إبليس، يقول سفيانُ الثوري -رحمه الله-: ليس شيءٌ أقطع لظهر إبليس من لا إله إلا الله.
عباد الله: هذه بعض فضائل لا إله إلا الله؛ ولكن الذي يهمُّنَا، كيف ننالُ فضلها وبركتها؟.
أولاً: يجب أن نعلم أنَّ قولها باللسان وحده لا يكفي، فلا بد أن يقولها العبدُ مستيقناً بها، وأن يكون قولُه خالصاً لله -تعالى-.
أما من قالها بلسانه كانت سبباً لحَقْنِ دمه وماله، ومعاملته في الدنيا كمسلمٍ، ما لم يأتِ بناقضٍ لها، كما ثبت أن أسامة -رضي الله عنه- قتل رجلاً بعد أن قال: "لا إله إلا الله"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟". فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاَحِ. قَالَ: "أَفَلاَ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لاَ؟!". قال أسامة -رضي الله عنه-: فَمَازَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ.
أما في الآخرة فلا تكون سببًا في دخول الجنة والنجاة من النار إلا باستكمال شروطها، وانتفاء موانعها، كما تواترت بذلك النصوص.
ولما سُئل وهبُ بنُ منبه -رحمه الله-: أليس مفتاحُ الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان؛ فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: وتحقيق هذا المعنى وإيضاحُه أن قولَ العبد: لا إله إلا الله يقتضي أنْ لا إله له غيرُ الله، والإله: هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالاً، ومحبة وخوفًا ورجاءً، وتوكلاً عليه، وسؤالاً منه، ودعاءً له، ولا يصلح ذلك كلُه لغير الله -عز وجل-، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبوديةِ المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كلُه من فروع الشرك.
أيها المؤمنون: إن الكثيرين ممن يقعون في نواقض الإسلام يقولون لا إله إلا الله بألسنتهم، وكثيرٌ ممن يحاربون الإسلام وأهله من المنافقين يقولونها، والمنافقون في عهد رسول الله كانوا يقولونها بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- حقنًا لدمائهم وأموالهم! ومع ذلك أخبر الله أنهم بفعلهم هذا يخادعون الله وهو خادعهم؛ فكان جزاؤهم أنهم في الدرك الأسفل من النار...
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى.
أيها المؤمنون: إنَّ من أعظم ما يعارض كلمة التوحيد اتباع الهوى؛ لأن لا إله إلا الله تقتضي عدم طاعةِ الهوى، وإلا كان الإلهُ هو الهوى، كما قال -تعالى-: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) [الجاثية:23]، قال قتادة: "هو الذي كلما هوِيَ شيئًا ركبه، وكلما اشتهى شيئًا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى".
فمن قال لا إله إلا الله بلسانه، ثم أطاع الشيطان وهواهُ في معصية الله ومخالفته، فقد كذّب فعلُه قولَه، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) [القصص:50].
وقد سمى الله طاعة الشيطان في المعصية عبادة للشيطان، (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) [يس:60-61]، فمن لم يتحقق بعبودية الرحمن وطاعته؛ فإنه يعبُد الشيطان بطاعته له، ولم يخلُص من عبادة الشيطان إلا من أخلص عبودية الرحمن.
قال الحسن -رحمه الله-: اعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته. وقال يحيى بن معاذ: ليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده.
ويُشترط على من أتى بـ لا إله إلا الله أن يسلمَ من أنواع الظلم الثلاثة: ظلم الشرك، وظلم العباد، وظلم العبد نفسه بالمعاصي؛ فمن أشرك دخل النار، ومن ظلم العباد كان منه القصاص، ومن ظلم نفسه بالكبائر كان تحت المشيئة.
فاتقوا الله عباد الله، واقدروا لا إله إلا الله حق قدرها، واعرفوا فضلها، وحققوا شروطها، واجتنبوا نواقضها؛ لتفوزوا بالأمن في الدنيا والآخرة.
ثم صلوا وسلموا على خير خلق الله، حيث أمركم الله بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم